أنا أجنبي في بلدي.. مَنْ يُعيد لي إصبعي المبتورة ؟!
التاريخ: الثلاثاء 10 تشرين الاول 2006
الموضوع: اخبار


عمر كوجري

   تحضر في ذاكرتي بقوة قصة السمكة التي ساقها حظها التعيس للتعلق بصنارة الصياد، ففعلت المستحيل لتنجو من الأسر ، وحينما رأتها جارتها وهي تخفق في حلاوة الروح لتتخلص من ورطتها، ظنتها ترقص، وتغني، فهجمت هي أيضاً على الصنارة تجتاحها رغبة مجنونة للظفر بالسعادة والرقص مثل السمكة المتورطة ، وعلى هذا الأساس فالمبتلي بداء الكتابة أحياناً كثيرة يتمنى لو كان بعيداً عن هذا الحقل بسبب الضغط النفسي الذي ينتابه كثيراً من دون أن يكافأ على تلف أعصابه بينما الآخرون يحسدون المسكين على تقصف عمره، وتليف رقبته وهو يقرأ، ويدرس، ويتابع كل جديد، وفي النهاية لا يخرج إلى مأتمه غير من كان صديقاً صدوقاً له .

   أسوق هذه الاستهلالة وأنا أتهيأ نفسياً للكتابة عن موضوع لا أستسيغ الخوض فيه لكثرة ماكتب عنه في الصحافة الكردية والحزبية حتى أن البعض حاول ويحاول أن يحصر الموضوع الكردي في سوريا بمسألة الإحصاء فقط .
  لا بل، إن مرشحي الحركة الكردية للدور التشريعي الرابع1992 لمجلس الشعب السوري الأستاذ حميد درويش، والأستاذ الشهيد كمال أحمد، والأستاذ فؤاد عليكو، قد نعتوا آنذاك "بجماعة الإحصاء "لكثرة ما طرشوا آذان الأعضاء بموضوع الإحصاء .
  إذن: لن ألطم على وجهي ، ولن أبكي على عزيز فُقِدَ منذ أربعة وأربعين عاماً ، ولن أخوض في الموضوع بشكل عام، بل سأسرد تداعيات هذا الإحصاء اللعين على شخصي "أنا"
أي ضيوف أيها الـ ..:
كثيراً ما قرأنا وسمعنا تصريحات وزراء داخلية سوريين منهم من رحل إلى ديار الآخرة ، ومنهم من ينتظر "وما بدلوا تبديلا" من يقول :إن الكرد ضيوف عندنا وقد قمنا بواجب الضيافة على أتم وجه، وآويناهم ، وكسوناهم ، وعلمنا أولادهم في مدارسنا ومعاهدنا، فماذا يريدون من ربنا؟؟!
وأنا أرد على الراحلين والموجودين بيننا من المسائيل السوريين :كيف ذلك وأنا أملك وثيقة تثبت أن جدي إسماعيل كان على هذه الأرض منذ 1919 أي عندما لم تكن سوريا دولة بالمعنى الجيوبوليتيكي للكلمة ، وكانت من التابعية العثمانية، والوثيقة محفوظة لدى العائلة لمن يريد الإطلاع عليها، جدير بالذكر أن العديد من العوائل الكردية كانت تملك مثل هذه الوثائق، وقدموها للدولة في فترة أواخر السبعينات حيث أفسحت الدولة المجال لحصول عدد قليل جداً وفي فترة قياسية لعدد من المواطنين الكرد على الجنسية غير أن العديد من هذه الوثائق قد أتلفت من قبل "الجهات المختصة" ، وادعت أنها ضاعت.
تأثير الأجنبية على العائلة :
ككل العوائل الكردية عانت عائلتي كثيراً من وطأة أو وصمة "الأجنبي" وسبب لها هذا الوضع الكثير من المهانة إن من جهة السلطات المختصة أو غيرها ، فقد حرمنا من السفر خارج القطر وكان ممكناً أن نحسن من أوضاع أهلنا المزرية، والمعدومة لو تم لنا ذلك. ووصل الأذى النفسي عند أحد إخوتي الذي كان متفوقاَ جداً ، وترك المدرسة عندما عرف مبكراً أن الأجنبي لامستقبل له ، ولن تفيده الدراسة ولا الشهادات التي سيحصل عليها ، ففضل أخي "خالد" رعي الغنم على شهادة الطب التي حتى لو حصل عليها لحرم من مزاولة هذه المهنة. ولايمر يوم إلا ويتذكر والدي هذا الظلم الواقع علينا ويتأفف من استمراره.
من يعيد لي إصبعي المبتورة ؟
  منذ أواخر الثمانينات درَّسْتُ في ديريك لثلاث سنوات اضطررت في النهاية لترك التدريس في المدينة لأن الجماعة "إياها" اشترطت عليَّ التعاون معها" كوني أجنبياً ومن الممكن أن أضعف ، وأخضع لهم" . طبعاً رفضت بشمم وإباء، بل اعتبرت مجرد طرح هذا الموضوع يسبب لي جرحاً كبيراً ، خاصة كانت المغريات بسيطة، ومضحكة وهي تأمين السكر أو علبة سمنة أوماشاكل ذلك ، فاتجهت إلى الريف لأمارس مهنة تدريس العربية فيها. وفعلاً درست لثلاث سنوات أيضاً "وغُضبَ علي مرة ثانية" وفي أواسط التسعينات اتجهت ككل العاطلين والمقهورين صوب العاصمة ، والله وحده يعرف كم عانيت "ولا أزال "فيها ، فقد كنت مضطراً لأضع شهادتي "إجازة في اللغة العربية وآدابها" على الرف في أي عمل ، فعملت لثماني سنوات بلا تأمينات اجتماعية في معمل لصناعة الأدوية بأجر بخيس. وفي العمل  تعرضت إلى حادث بفعل إحدى الآلات كاد أن يقضم يدي اليمنى بأكملها ، لكني نجوت بأعجوبة أما الآلة فقد أبت إلا أن تخلف عندي ذكرى غير محبوبة وهي بتر جزء من إصبعي الوسطى، ورغم مرور مايقارب السنة على تلك الحادثة إلا أنها تتمثل أمامي كل يوم ، وقد تشوهت يدي. وإلى الآن أعاني من الوجع النفسي والجسدي جراء ذلك البتر الذي تعرضت له إصبعي، وعلى أساسها صفى صاحب المعمل حسابه معي و"قلعني " من الشغل، بعد أن أعطاني قيمة مالية أقل بكثير من سهرة حمراء له ولأمثاله .
وأنا اعتبر أن وضعي كأجنبي في بلدي هو المسؤول عن بتر إصبعي ، ومعلوم أنني لو كنت أمام طلابي في المدرسة وبيدي الحُوار لما حصل لي ماحصل . وكم أتألم "من غير حسد " عندما أنظر إلى أوضاع زملائي الذين تخرجوا من الجامعة "بعدي" وقد سافروا وحسنوا من أوضاعهم المالية ، وبعضهم أصبح مدراء ثانويات ، أما أنا فأسكن في "إذا صحت التسمية "في بيت كل مساحته أقل من أربعين متراً ، وأنا وأولادي "نتفركش "ببعضنا ، إضافة إلى عدم وجود مكان مناسب للأولاد يدرسون فيه "ياوجع قلبي" على بطونهم !!!
كم أحن إلى الجزيرة التي نزحت منها عنوة.!! ولو لم أكن أجنبياً لكانت الأمور مختلفة تماماً . لا أريد لأطفالي أن ينسوا هنا لغتهم الكردية الجميلة أريد أن أعود إلى جزيرتي
وبعد:
أشعر بمرارة وغربة فظيعة وأنا بين أهلي وخلاني، غربة الروح فظيعة لا يعي ولا يدرك وطأتها سوى من يقاسيها ، أحس وأنا في بلدي أن جرحاً غائراً في جسدي لا يطيب.فالظلم الذي أشعر به لا يتحمله جبل ، وليس هناك أصعب من المرارة التي نعانيها أنا وغيري من الكرد "الأجانب" أصحاب المكان بكل شؤونه وشجونه وتفاصيله.
وبعد أيضاً :
الكثير من الطلبة المكتومين يحصلون على علامات عالية ، وتحرم عليهم وزارة التربية فرصة التسجيل في الجامعة بحرمانهم من الحصول على وثيقة "البكالوريا" بدعوى أنهم مكتومون ، و..و..الكثير من الكرد الحاصلين على الجنسية يتمنعون عن تزويج بناتهم من الشباب الأجانب أو المكتومين تخوفاً لامبرراً من مستقبل غامض ينتظر هؤلاء، وهؤلاء ليسوا أعداء لأحد بل ، ربما كانوا أبناء إخوة بعض الرافضين لهذا الفكرة .و..و..الكثير من الكرد المعترين يدفعون مبالغ كبيرة من أجل أن يرتقي أولادهم من مرتبة المكتوم إلى مرتبة "الأجنبي"
أنا مثلاً أعزب في وثيقة "إخراج قيد" باعتباري أن زوجتي تملك الجنسية ، وأنا أجنبي  وبإمكان أي "رجل" أمن أن يأخذ أولادي مني وفي وضح النهار ، لأنهم باختصار ليسوا أولادي حسب الوثيقة .
وبعد:
هل البلد تتعافى وهذا الظلم مازال مستمراً رغم جبال وصخور الوعود والعهود ، ويبدو أن المشكلة ستبقى في حالة الكر والفر إلى أن تحين "الساعة"






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=941