حوارٌ أم مناورة بدأت تلوح بوادرها في الآفاق؟
التاريخ: الأربعاء 27 تموز 2011
الموضوع: اخبار



  بلند حسين

   منذ بدء الثورة السلمية وانطلاقة شرارتها من درعا في15 آذار، دفع النظام السوري بالبلاد إلى شفير الهاوية، حيث لقي المئات من المتظاهرين حتفهم وألقي بالآلاف في الزنازين ناهيك عن الجرحى واللاجئين إلى دول الجوار: لبنان والأردن وتركيا، لاعتماد الحل الأمني الذي يتوخى وأد الحراك الشعبي واطفاء جذوته أو اجهاضه في المهد. أما اعلامه الرسمي، فدأب ـ كعادته ـ على اجترار "نظرية المؤامرة" وفبركتها من جديد، بدليل أنه جَنَّدَ لتسويقها طابوراً من سدنته (احمد صوّان، احمد حاج علي، شريف شحادة، ابراهيم عبود، محمد آغا، طالب ابراهيم، بسام أبو عبدالله وغيرهم).


وبلغت الوقاحة بالأخير، وهو استاذ العلاقات الدولية بجامعة دمشق، إلى وصف المعتصمين بحثالة المجتمع في اتصال مع قناة الجزيرة/جمعة حماة الديار 27 أيار2011م، ومنهم مَنْ نعتهم بالمندسين أو قَذَفَهُم بِتُهَمٍ ما أنزل الله بها من سلطان، أقلها شأناً أنهم عازمون على انشاء إمارة سلفية، وفيهم مَنْ مضى قُدُماً في الاستخفاف بعقول الناس إلى حَدِّ المجازفة بوصف المحتجين بحصان طروادة أو اتهامهم بالعمالة تارة واثارة الفتنة الطائفية تارة أخرى !.
   ومضى هذا الطابور برفقة فقهاء النظام المتصلفين، ينعق بخطاب متخشب في لقاءاته المتلفزة والمستفزة أو يستميت بنفاقه ونقيقه في حملة تضليل لامثيل لها، بغية تغييب الحقيقة أو تزييفها بأي ثمن أمام الرأي العام السوري والعربي والعالمي وإظهار الضحية بهيئة المندس، لايكترث بشيء سوى تسويق الخزعبلات وتبرير استخدام العصا الأمنية الغليظة، ولابأس من القول بأن هذا الطابور مضى في طريقه مستعيناً بنظرائه اللبنانيين، من أمثال ميخائيل عوض. بَيْدَ أن فريقاً آخر من خيرة الاعلاميين والكتّاب والمفكرين ورجال الدين والفنانين ولجان حقوق الانسان، وقف لهم بالمرصاد (أصالة نصري، عمار القربي، برهان غليون، ممتاز سليمان، هيثم مناع، محي الدين اللاذقاني، محمد رحال، حسين العودات، الشيخ عدنان العرعور، هيثم المالح، بسام جعارة وآخرون)، لئلا يكتب التاريخ عنهم:"لماذا تركتم الشعبَ وحيداً ؟". وتطوع هذا الفريق يدافع عن الشعب المغلوب على أمره، ويفضح زيف ادعاءات أبواق النظام، عبر وسائل الاتصال والتواصل الشبابية المتنوعة، أعني تلك الوسائل التي انتزعت من النظام ورقة احتكار انتاج المعلومة وضخها، فأزاحت بذلك عن عورته ورقة التين التي كان يتستر بها.
   انتهج النظام منذ البدء سياسة مزدوجة، سداتها الترغيب ولحمتها الترهيب؛ تجسدت الأولى في حزمة من الاصلاحات الخُلبيّة والمضلِّلة، بغية كسب الوقت عن طريق المناورة أو المراوغة للالتفاف على الثورة، أما الثانية فتمثلت بالترويع (حملات الاعتقال التي طالت النشطاء في طول البلاد وعرضها) أو البطش(تجنيد الشبيحة وزج الجيش في مواجهة الاحتجاجات السلمية، ناهيك عن القبور الجماعية). وكانت "نظرية المؤامرة " ـ التي تلقفها النظام أو أعاد اجترارها ـ وسيلة لتبرير ارهاب الدولة، فعلى أنغامها و وفق مقاساتها نُسِجَت فتاوى الشيخين (البوطي وحسونة)، التي صُنف السوريون بموجبها إلى أهل الجنة وأهل النار.
   إن الشعب السوري بكل مكوناته ـ والذي خبر تُرّهات النظام ونسفَ أسس فلسفة الخوف التي أشاعها منذ عقود ـ مازال يرى بأم عينيه كيف يواظب الاعلام الرسمي كعادته على نسج وتلفيق الأخبار، عبر خطاب نتنٍ يُزكم الأنوف، أو التغني بشعارات "الممانعة"، التي لم يسبق لها أن قتلت ذبابة، والمضي في تلميع صورة النظام الذي حوَّل سوريا إلى سجن كبير، والتطبيل لـ(يوتوبياه)، ضارباً بمسألة الفساد والافقار الاقتصادي وخنق الحريات والاذلال المعنوي المنظم عرض الحائط. 
   ومن المفارقات التي تطفو اليوم في خضم أزمة انسداد التحول نحو الديمقراطية، شيوع الفكاهة الساخرة كمادة طازجة للتندر والتهكم.
   فالنظام في الوقت الذي يمارس فيه الاستبداد ضد مواطنيه، يلعب دور الحمل الوديع في سياسته الخارجية، وهو يسعى جاهداً إلى استمالة القوى العظمى أو مهادنتها، ويتغاضى عما قامت به اسرائيل التي اخترقت بطائراتها الأجواء السورية مرات عدة، مما خلق لدى الناس شعوراً ببطلان الترويج لشعار"الصمود والتصدي والمقاومة والمواجهة والممانعة"، الذي تشدق ومازال يتشدق به الاعلام السوري، كوسيلة لذر الرماد في العيون.
   كما أنه في الوقت الذي مارس فيه دور الوصي على لبنان طوال عقود، وأرسل المفخخات والارهابيين إلى العراق، وعاث فساداً على الساحة الفلسطينية، وزوّد القذافي في محنته الأخيرة بالأسلحة والطيارين، ظلت جبهة الجولان هادئة مستقرة. ولئلا نُتَّهَمُ بالتجني على هذا النظام، يمكن التذكير بما أتحفنا به رامي مخلوف ـ أحد أعمدة النظام ـ مؤخراً، حين أماط اللِّثام عن حقيقة النظام وأعلنها جهاراً نهاراً، بأن أمن واستقرار اسرائيل من أمن واستقرار سوريا !.
   وهاهو النظام يسلك طريق الخديعة والديماغوجية، بعد تعثر حله الأمني المقيت، ويعلن على الملأ من جديد دعوة لاجراء حوار وطني شامل في 10 تموز، لكننا نتساءل: أيُّ حوار ياترى يمكن الحديث عنه بين الجلاد والضحية ؟، وهل يمكن لأي عاقل أن يركنَ ـ في ظل حمامات الدم ـ إلى حوار كهذا ؟.
   ألف باء مقومات الحوار الحقيقي ـ بقناعتي ـ يتمثل في التكافؤ بين طرفي الحوار، والتخلي عن الحل الأمني واللجوء إلى الحل السياسي، وإلغاء مسببات إنسداد الآفاق على الفور، المتمثلة في انسحاب الجيش والأمن وتبييض السجون والمعتقلات ومحاسبة مرتكبي الجرائم والسماح بالتظاهر السلمي من دون قيود، ناهيك عن إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنصُّ على أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع، والتمهيد لاجراء انتخابات نيابية حرة وشفافة، تكون مقدمة لوضع قانون عصري لتنظيم الأحزاب والاعلام، وحل القضية الكردية حلاً سلمياً وديمقراطياً وتثبيت ذلك في الدستور. أما الاملاءات التي خبرناها أو بَوْسَ اللِّحى واللقاءات التي تتم وراء الكواليس عن طريق القنوات الأمنية، فلا تَمِتُّ إلى الحوار بصلة. خلاصة الحكاية، إن النظام يُعَلِّقُ اليوم "لافتة" الحوار ـ والحوار كلمة حق يراد بها باطل ـ على منشأته القديمة المتصدعة والمتداعية، كي تنهار في النهاية على رؤوس المعارضة، من هنا يمكن وصف الدعوة بالمناورة، وما جرى في مدينة حماه مؤخراً في جمعة(إرحل 1تموز2011م)، خير شاهد على مانقول، فعلى أثر المظاهرة النصف مليونية التي شهدتها المدينة الذبيحة، أقيل محافظها وعُيِّن الجنرال وليد أباظة خلفاً له، والجدير ذكره أن المذكور كان رئيساً لفرع الأمن السياسي فيها عام 1982م وشاهداً على مأساتها ومشاركاً نشطاً في الاعداد لنكبتها آنذاك ...!، هذا من جهة ومن جهة أخرى لجأ زبانية النظام إلى النيل من الهَتَّاف (ابراهيم قاشوش)، الذي سحر السوريين بصوته وموهبته، حين اغتالته واستأصلت حنجرته الذهبية وألقته على ضفاف نهر العاصي.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9310