2. الأحزاب الكردية:
وهي التي تمثل الحركة السياسية الكردية المنظمة التقليدية؛ وهي أحزاب ضعيفة بصورة عامة على الصعيد التنظيمي، وذلك بفعل الانشقاقات المتتالية التي أدت إلى بروز أكثر من أربعة عشر حزباً؛ كما أنها أدت في الوقت ذاته إلى ترك الآلاف من الكوادر العمل الحزبي. غير أنه على الرغم من هذا الضعف، يُلاحظ أن لهذه الأحزاب قيمتها الاعتبارية التي تمنحها إمكانية التأثير في الشارع الكردي ، وذلك في حال وحدة موقفها، وتيقن الشارع من جديتها ومصداقتيها؛ ولكنها في حال انتفاء ذلك، تبدو عاجزة، غير قادرة على التأثير، حتى في المنتسبين إليها أحياناً.
المشكلة الأساسية التي تعاني منها هذه الأحزاب مجتمعة أنها لم تقرر بعد ما إذا كانت جزءاً من المعارضة أم لا. تدخل مع هذه الأخيرة في مشاريع، لكنها تحاول في الوقت ذاته المحافظة على هامش من الخصوصية؛ فهناك أحزاب كردية عديدة مشاركة في إعلان دمشق؛ وهناك أحزاب أخرى انضمت إلى هيئة التنسيق الوطنية بقيادة حسن عبدا لعظيم، وهناك أحزاب غير منضوية تحت لواء أي تجمع سوري معارض. ما يُلاحظ في موقف هذه الأحزاب هو أنها ما زالت متمسكة بمطلب التغيير الوطني الديمقراطي، ولم ترفع بعد شعار إسقاط النظام الذي يطالب به الشارع السوري بأسره بوضوح ما بعده وضوح. هذا بالإضافة إلى وجود قسم أو وسط معين من الحركة الكردية ما زال يراهن على إمكانية التفاهم مع أوساط معينة ضمن النظام بذريعة فوائد السياسة البرجماتية العملية. هذا في حين أن قسما آخر منها يرى أهمية المشاركة في حركة الاحتجاجات التي تقوم بها القوى الشبابية المشار إليها. بينما يسعى فريق ثالث من الأحزاب ذاتها إلى تكثيف اللقاءات مع المعارضة السورية التقليدية بغية التوصل معها إلى توافقات، توافقات من شأنها تحديد مسار التحرك المستقبلي.
عير أنه على وجه العموم، يتلمّس المرء وجود تجانس في مواقف الأحزاب الكردية يتمثل في عدم إقدامها على تفعيل الموقف الكردي عبر اللقاءات الجماهيرية، والبيانات المنتظمة، والحوارات المعمقة مع النخب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية غير الحزبية، وعدم سعيها بصورة جادة من أجل تشكيل مرجعية كردية حقيقية، مرجعية من شأنها توفير الأرضية اللازمة للعمل بروحية الفريق الواحد في مختلف الحوارات والنشاطات الوطنية السورية العامة.
كل ذلك ينعكس سلباً على الأطراف المعنية، ويؤدي إلى اتساع الشرخ بينها وبين المجتمع الكردي عامة، والقوى الشبابية في التنسيقيات على وجه التخصيص. وهذا كله مؤداه مزيد من الاضطراب وتشتيت للطاقات، يتجلى في تعددية الاجتهادات والمسارات والبيانات، والبيانات المضادة.
نحن لا ننكر أن لهذه الأحزاب تاريخاً يشمل نجاحاتها وإخفاقاتها؛ كما أنها تضم كوادر يشهد الجميع بصدقيتها وإخلاصها، لكن هذا كله لا يعفيها من المسؤولية في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها البلاد؛ وذلك بناء على أدائها منذ انطلاقة ثورة الكرامة السورية في 15 آذار 2011 وإلى يومنا الراهن. ولعل هذا ما يفسر جانباً من التبرّم الشعبي الكردي المتمحور حول طريقة عمل وتحرك هذه الأحزاب؛ وهو تبرّم نلمسه واقعاً على الأرض، سواء عبر التصريحات أ والكتابات، أو من خلال المواقف العملية على الأرض.
هناك فجوة بين الأحزاب الكردية والمجتمع الكردي علينا أن نعترف بها، وهي فجوة ستتسع ما لم يتم تدارك الأمر عبر إجراءات سريعة فاعلة، ترتقي إلى مستوى التحديات.
3. المجتمع المدني الكردي: وهو يضم الآلاف من الكوادر الأكاديمية في مختلف الاختصاصات من أطباء وصيادلة ومهندسين ومحامين وأساتذة، من مثقفين وفعاليات اجتماعية واقتصادية وسياسية غير حزبية وروحية. ناضل قسم كبير من هؤلاء في صفوف الأحزاب الكردية وغيرها، وتركوا العمل السياسي المنظم لأسباب شتى، لكنهم ما زالوا يتابعون ويتفاعلون بنشاط مع الشأن العام، وهم على استعداد تام للإسهام الفاعل كردياً في ثورة الكرامة السورية؛ لكن الذي ينقصهم هم العمل المؤسساتي، وذلك بفعل قمع سلطة الاستبداد التي كانت دائماً بالمرصاد لأي عمل من شأنه تفعيل المجتمع المدني سواء السوري العام، أم الكردي على وجه التخصيص.
وقد تركت الكوادر المعنية المجال واسعاً أمام الأحزاب الكردية منذ بدايات الثورة وحتى وقتنا الراهن، وأبدت استعدادها للتنسيق معها، ومع القوى الشبابية التي تنظم المظاهرات والأعمال الاحتجاجية المختلفة. ولكن بعد مضي أكثر من أربعة أشهر على انطلاقة الثورة، يبدو أن هناك خللاً ما يحول دون تمكّن الأحزاب الكردية من أخذ زمام المبادرة، وقيادة التحرك الشعبي الكردي في إطار ثورة الكرامة السورية على قاعدة كون المسألة الكردية جزءاً لا يتجزأ من المسألة الوطنية الديمقراطية العامة في البلاد؛ وهذا ما يستدعي ضرورة تفعيل المجتمع المدني الكردي، انطلاقا من حقيقة فحواها أن ما يحصل يهم الجميع، ويمس مصير الجميع. وتستوجب عملية التفعيل المعنية تحرك الكوادر الفاعلة المشار إليها، لتدعو من جانبها - وبالتوافق مع ظروفها ومعطياتها- إلى لقاءات عامة، يتم الاتفاق من خلالها على تحديد الخطوط العامة التي ستكون بمثابة برنامج عمل. كما يتم تشكيل اللجان المختصة التي ستناط بها المهام المختلفة، وذلك بما يتناسب مع طبيعة المرحلة والدور الكردي.
التحديات كبيرة، والضريبة قد تكون باهظة، ولكن مهما يكن لا يجوز لأي كان أن يصادر الموقف الكردي، ويحول دون ترسخ التفاعل الحاصل بين العام السوري والخاص الكردي. لا يجوز لنا أن نتحجج أو نتذرع بتصريحات أو ممارسات بعض المعارضين السوريين التقليديين المتقاعدين التي يأبى أصحابها الإقرار بالحق الكردي ضمن إطار المشروع الوطني السوري؛ فهؤلاء كانوا، وما زالوا، يستخدمون المنظومة المفهومية البعثية أداة لتفكيرهم، وهؤلاء لا يمثلون من ناحيتي الحجم والعمر المعارضة الشبابية الحقيقية في الشارع السوري، هذه المعارضة التي ستقطع من دون شك مع قيم الاستبداد والإقصاء والتعصب.
إنه الشباب السوري الذي سيتجاوز بجدارة حواجز التمييز القومي والطائفي والفكري، فهو شباب يعيش عصره، ويستفيد من تجارب المجتمعات المتقدمة التي تمكنت من تحويل تعددياتها المجتمعية إلى عوامل ازدهار وتنوع وتواصل، سواء ضمن المجتمع الواحد، أم مع المجتمعات المحيطة، والأمثلة في هذا المجال كثيرة، يمكننا الاستفادة منها في الوقت المناسب.
المرحلة الراهنة مفصلية، تاريخية كما نرى جميعاً. وهي لا تتحمل أي تردد أو تقاعس، كما لا تتحمل أية صبيانية وبحث عن نجومية كاذبة مضللة للذات قبل الآخر.
علينا جميعاً أن نعمل بكامل طاقاتنا حتى نتمكن من تأمين مستقبل زاهر لأجيالنا القادمة.
الرحمة لشهدائنا، العزيمة لشبابنا وشابتنا، وعاشت الوحدة الوطنية على قاعدة احترام خصوصية ربيعنا السوري الجميل.