كلمة في الحوار
التاريخ: السبت 09 تموز 2011
الموضوع: اخبار



  أحمد اسماعيل اسماعيل

يتبادل الناس الأحاديث في قضايا شتى ، يطول الحديث فيها أو يقصر، وقد ينحرف عن مساره ، أو يبتعد عن القضية المطروحة ، وقد يتحول إلى ثرثرة ، أو ينتهي بين طرفين مختلفين إلى خلاف أو مشاجرة أو ..ما شابه ذلك ، فنطلق على هذا النوع من الأحاديث نقاشاً ، وقد نسميه دردشة أو مجرد حكي.. وقد نسميه ما نسميه ، ولكن لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال تسميته:  حواراً.
 فالحوار بداية لا يكون إلا بين طرفين مختلفين ومتكافئين من العقلاء ، فلا حوار بين عاقل وجاهل ، لأن من شأن حوار كهذا أن ينقلب إلى عكس ما يراد له ـليتحول إلى جدل بين غالب ومغلوب ، وينتهي إلى ما لا تحمد عقباه ، وقد عبر الخليفة علي بن أبي طالب عن ذلك أحسن تعبير في قوله (ما حاورت عاقلاً إلا وأقنعته ، وما جادلت جاهلاً إلا وغلبني)


قد لا ينتهي الحوار إلى إقناع ، بل لا يجوز أن يكون هذا الهدف هو منطلق أو مسعى أحد الطرفين ، لأن الطرف الذي يسعى في حواره مع الآخر إلى إقناعه بأجندة معينة تخصه وحده يفسد الحوار ، بل يلغيه ، لأن كل المحاولات والأساليب التي ينتهجها أثناء الحوار ، ومهما كانت ذكية ، تكتسب صفة عنفية ، عنف كلامي ، والعنف كما هو معروف لا يقتصر على الإيذاء الجسدي فقط ، فالإملاء أو فرض الرأي شكل من أشكال العنف أيضاً.
للحوار شروطه ومناخاته ومساراته، والإخلال بواحدة منها تلغي الحوار برمته ، وتضعه في خانة أخرى غير خانة الحوار. ولعل من أولى هذه الشروط وأهمها الاعتراف بالطرف الآخر واحترام رأيه، مادام صاحبه غير جاهل أو سفيه أو مجنون أو مجرم ، ذلك النوع من الإجرام الذي يسم السلوك والفعل والرأي وليس لمجرد مخالفة الآخر موقعاً أو موقفاً ورأياً .
وإذا كانت الحرب هي عجز السياسة، حسب أحدهم، وأعتقد أنه لينين ، فإن العنف هو عجز العقل، الذي يشكل غياب الحوار، أو تغييبه وتهميشه، أحد أبرز تجلياته ، وقد أثبت هذا الأسلوب أو النهج خطأه في كل مراحله الحياتية بما نتج عنه من كوارث بشرية على المستويات كافة؛ على مستوى الأفراد والجماعات والأنظمة والدول و حتى الحضارات ، ولعل ذلك ما جعل تسمية من يتنكر للحوار بالجاهل في قراءة التاريخ ، أو القارئ السيئ له.
واليوم ، الآن وهنا ، يطرح الحوار كوسيلة للوصول إلى حل مرض لما يحدث في وطننا سوريا ، وهو طرح لا يمكن لكل ذي بصيرة أو حس وطني أن يرفضه ، فالحوار وحده لا غيره يُمكننا من تجاوز هذا الذي يحدث ، فهو ، وكما كان دائما في كل الأزمان والأماكن والظروف ، البوابة الوحيدة لخروج من جحيم اللحظة ، دون خسائر أو هزائم ، ولعله المعركة الوحيدة التي ينتصر فيها الطرفان المختلفان، هذا إذا كان الحوار جاداً وصحيحاً وغير منقوص الشروط ، وعلى هذا الأساس، يعتبر تحديد السلطة للمواضيع المطروحة الحوار ، واتصالها بجهات معينة دون غيرها لمحاورتها ، شخصيات وجماعات ، إضافة إلى انفرادها بتحديد الزمان والمكان المعينين للحوار، إخلال لمبدأ  الحوار ، الحوار الجاد و المثمر ، ومما يزيد هذا الإخلال ويضاعفه تنكر السلطة لمبدأ توفير الشروط والمقدمات الأولية الحوار المأمول، والمتمثل في إعادة الجيش إلى ثكناته ولجم جماح الأجهزة الأمنية والكف عن التشكيك بوطنية المختلف من كافة الشرائح الوطنية ، والتجييش الإعلامي الممارس ضدهم ، وتخوين كل من لم يجد قوتاً في بيته أو فضاء للحرية في سماء وطنه فخرج إلى الشارع  شاهراً صوته لا سيفه.
ومن المفيد الإشارة إلى أن النتائج الكارثية لممارسة هذه السياسة حتى اللحظة الأخيرة لن تقتصر على الوطن والمواطن ، بل ستشمل أصحابها أنفسهم ، ولو بعد حين ، فدوام الحال في السياسة ، كما في باقي مجالات الحياة من المحال ، فالثقافة التي أنتجت هذه السياسة قد فعلت فعلها المدمر في ذهنية الشرائح الواسعة والمختلفة من أبناء الوطن ، ورغم ما قد يحدث من انعكاسات هذه السياسة من خراب؛ خراب عميم ، إلا أننا على يقين تام بأن ما من منتصر في معركة طرفها الآخر شعب يطالب بالحرية.
الحوار ليس ثرثرة ولا ترفاً ولا تطاولاً، بل فعل حضاري وأخلاقي ينفرد به الإنسان دون غيره من الكائنات ، فإذا كان في أوقات السلم ضمانة للاستقرار وحافزاً للتقدم والإبداع، فإنه في الأوقات العصيبة يتحول إلى جوع  ؛ والجوع إلى الحوار كالجوع إلى الخبز والحرية ، مآله إلى كفر ؛ كفر قد لا يذر ولا يبقي.
وجوعنا إلى الحوار ، هنا والآن ، كما كنا قبل الآن ، لا يقتصر على الحوار مع السلطة رغم أهميته وأولويته في هذه الظروف ، بل هو جوع إلى حوار أشمل حسب ما جاء في كلمة سعد الله ونوس التي ألقاها في يوم المسرح العالمي سنة 1996:
حوار متعدد، مركب، شامل، حوار بين الأفراد، حوار بين الجماعات، ومن البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء.
وبغير هذا النوع من الحوار الشامل والمتعدد ؛ حوار الأحزاب مع بعضها البعض وحوار الأحزاب مع المثقفين ومع الشارع ، وحوار المثقف مع السياسي والحزبي والشارع ، وحواره في الوقت عينه مع المثقف المختلف معه وعنه ، وحوار كل فرد مع كل فرد آخر :الشريك مع الشريك ، المدينة مع القرية ، الرجل مع المرأة.. الأب مع ابنه... بغير كل ذلك ، ومع استمرار ثقافتنا الحالية المبنية على التفرد والإقصاء أنى وجدنا ،ستستمر هذه الأزمة حتى ولو لم يستمر النظام في البقاء.
وإلى أن نجد يوماً سياسياً أو غير سياسي، مثل الجنرال ديغول ، الذي نهر مستشاره لموافقته على كل ما كان يتفوه به  قائلاً: قل لا يا هذا كي أعرف أننا اثنان. إلى تلك اللحظة أو الزمن ، علينا أن نعترف بالآخر كما هو لا كما نريده أن يكون: شخصاً كان هذا الأخر أما معارضة أم شعباً.
فلا وجود لشخص بدون وجود الآخر ، ولا شرعية لنظام بلا وجود معارضة حقيقية ، ولا وجود لشعب
حر يستعبد شعباً أخر. أو يوافق على استعباده.
    
        a.smail1961@gmail.com   








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9087