تحديات أمام الأحزاب الكردية السورية
التاريخ: الخميس 07 تموز 2011
الموضوع: اخبار



 أ.د. فاروق إسماعيل

نقترب من أواخر الشهر الرابع من الأزمة التي تشهدها بلادنا, وهي تتعقد وتتشابك يوما بعد يوم , وتودي بحياة الشهيد تلو الشهيد ,وتعصف بالبنية الاقتصادية. ولكنها في الوقت ذاته تحرك الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية الراكدة منذ عقود , فتلوح في الأفق ملامح فجر جديد نتفاءل بأنه سينتهي – بعد مرحلة انتقالية ضبابية – بنهار مختلف يستعيد فيه الشعب وحدته الحقيقية وكلمته المقهورة .
إن الانتصار الأبرز للكرد في هذا الوضع هو أنهم أسقطوا نظرية الانفصال الكردي التي ظلت السلطة تنشرها لمواجهة مطالبهم المشروعة برفع الظلم والاضطهاد والقرارات الاستثنائية الجائرة,وحقوقهم القومية الوطنية , وتتمسك بها ورقة وحيدة واهية للتشكيك بوطنيتهم ومنع التقارب والتآخي الكردي – العربي.


ويعود الفضل في ذلك إلى الاندفاع الكردي العفوي لمحاربة فساد السلطة , ورفض الإجراءات الأمنية العسكرية , والعنف في قمع التظاهرات السلمية المنادية بكلمة (الحرية ) التي تلخص الموقف الرافض للفساد وحماته وتعكس إرادة التغيير نحو دولة مدنية ديمقراطية لكل السوريين , ينتهي فيها الاستبداد في الرأي والقرار , ويسدل الستار على تمثيليات الانتخابات ولعبة "الجبهة الوطنية " , ويحترم فيها المواطن ويعامل على أساس جهده وإخلاصه للوطن , وليس حسب موقفه من الحزب الواحد (القائد) وعلاقته بفروع الأمن .
لم توجه الأحزاب الكردية هذا الاندفاع , بل كان وليد قهر السلطة وبطريركية الأحزاب المترهلة المنفصلة عن جيل الشباب ؛ بل المتعالية عليها . ولذلك ثار الشباب على الطرفين , وانفجر بالصراخ وقوفا مع إخوتهم في درعا وبانياس وحمص وجبل الزاوية ودير الزور وحماة وسائر المدن والبلدات السورية , ناسين الشعور القومي الضيق ومشعلين الشعور الوطني الصادق .
إن أحزابنا الكردية هي التي تقود حركة النضال من أجل الحقوق القومية الوطنية للكرد , ولا يمكن تجاهل دورها وتضحياتها وخبراتها وحرصها على حل مشكلات الشعب الكردي في سورية . وقد ناضلت حقا وفي ظروف صعبة , ولكنها أهملت تقوية جسدها وتطوير قدرات شعبها وتوسيع صلتها به , وتركز اهتمامها على الطرف الآخر ،وأهملت مكونات بيتها اقتناعا منها بأن أهل البيت سيكونون راضين عنها حكما. إنها مثل الأب الذي يجد ويسعى من أجل مصلحة الأبناء ولكنه لا يحسن التعامل وتوثيق العلاقة معهم لأنه يرى ذلك أمرا بدهيا فطريا .
قاد الوضع بمرور الزمن إلى شرخ في المجتمع والحراك السياسي الكردي , وإلى انقسامات لا تستند إلى أية خلافات إيديولوجية , وإلى تسرب اليأس وانتشاره بين شريحة واسعة من المجتمع الكردي .
ليست كل الأحزاب الكردية أحزابا حقيقية تنضوي في إطارها جماعات كبيرة من الشعب , تعرف ماذا تريد , وتحرك الشارع الكردي حركة تؤخذ بالحسبان , بل نجد بينها عددا من "حزب الرجل" الذي يضم أصحابه المرتبطين به برابطة ما , وهي أحزاب صغيرة جدا لا تملأ زقاقا !
هذه الحال تسيء إلى الكرد وتضعف حركتهم. وجميعنا يعلم كيف انقسم هذا الحزب إلى أربعة , وذاك إلى ثلاثة , وآخر إلى اثنين, ففزنا بتسع نقاط بدلا من ثلاثة !!!
هذه الأحزاب الصغيرة مصطنعة خابت آمال رجالها ولم يتراجعو عنها , أو أزاحها غياب الروح الديمقراطية عن بنيان الأحزاب الأساسية . لا نشكك في قومية زعمائها ووطنيتهم بل نجد بينهم مثقفين سياسيين بارعين مظلومين , ولكن يبدو أن طباعهم الشخصية تنفرهم من قبول فكرة العيش في بيت آخر , ويفضلون البقاء في ظل خيمة صغيرة , وقد ألغوا ذلك بمرور الزمن.
إن وعي التغيير المنشود في سورية يبدأ بإدراك خطورة هذا الوضع , والبدء بمعالجة هذه الآفة السياسية التي تنشر جراثيمها في شتى زوايا بنيان الحركة الكردية.والمرحلة تتطلب الإخلاص والتضحية ونسيان الخلافات (الشخصية) وتوحيد الصف الكردي . ولا يمكن الزعم بوجود خلافات فكرية سياسية , كما لا يمكن احترام الحركة السياسية الكردية إن لم تعالج مرضها هذا.
نحن سوريون قبل أي اعتبار آخر , وعاصمتنا دمشق. على هذه الأرض وجدنا أنفسنا استمرارا لأسلافنا . نعتز بحضارات سورية القديمة باختلاف مسميات مبدعيها , ونفتخر بإسهام أسلافنا في التراث الإسلامي والعربي , وبجهودهم في حماية وحدة الشعب والبلاد عبر التاريخ الإسلامي والحديث والمعاصر. ولذلك يجب أن نتطلع دوما إلى الاستمرار في هذا الدور أداء للواجب الوطني , مؤمنين في الوقت ذاته بحقنا في رعاية خصوصيتنا القومية وتراثنا وهويتنا الثقافية . إن معظم الكرد السوريين مقتنعون بذلك ومتفقون عليه , ولذلك لابد من إزالة الضبابية والتشابك بين الهم الوطني والقومي والكردستاني لدى قسم منا , وأعتقد أن الهم الأخير لم يعد مقبولا وفق معطيات التطورات الحاصلة في العالم والمنطقة, وبين الكرد أنفسهم . لقد انتهى عصر الاستمتاع بالأحلام.
تنفر الأحزاب من المثقفين والشباب , وتغازل الفعاليات الاجتماعية , وتأبى أن تستغني عن "طلب الانتساب" و"وثيقة حسن السلوك" , ولا تهتم بمن يرفع "وثيقة التبرع بالدم" . وإن كان المثقفون قد لزموا الصمت انطلاقا من طبيعتهم النظرية من ناحية , واحتراما لنضال الأحزاب وحرصا على وجودها من ناحية أخرى, فإن رياح الثورات في المنطقة أنعشت روح الشباب الكرد , وحركتهم بلا تردد لخلق مستقبل جديد مشرق , متكاتفين مع سائر شباب سورية , ومعبرين عن الحس الوطني الكردي عامة .
لقد أثبتوا أنهم يمتلكون طاقة وحماسة وطنية  منقطعة النظير , وقدرة على الفاعلية وإنهاء السكون الذي رسخته اختلافات الأحزاب وشخصنتها وتهافتها على الزعامة والتمسك بها , وقضوا على الأحلام الواهية التي خدرت الكرد زمنا طويلا.
إنهم يستحقون التقدير . والحكمة كل الحكمة تستوجب مد الأيادي إليهم بشتى الوسائل , والاستفادة من آرائهم , ومناقشتها بكل احترام , والقبول بما يخدم الوطن والشعب الكردي منها .
تقف الأطراف جميعا اليوم أمام تحد ؛ أعني الأحزاب والمثقفين والفعاليات الاجتماعية والشباب , ولكني أرى أن الأحزاب هي الربان الأنسب ؛ على الرغم من كل ما ذكرته عنها . إنها تستند إلى تراث نضالي وتمتلك خبرة سياسية ,ولكن لابد لها من تجاوز حالة الانقسام (المخجلة) لتمنع ذلك عن الشباب وغيرهم , وأن تحتضن الشباب بروح ديمقراطية تزيد من قوتهم , وتفيدهم بخبراتها . إن الحركة السياسية الكردية هي بلا شك الكتلة السياسية الأضخم في سورية , وستزداد قوة ومكانة إن تميزت بتوحدها مع حركة الشباب الكردي .
هذه بعض تحديات المرحلة أمام الأحزاب الكردية , ونأمل أن تبذل جهودا استثنائية لإزالتها ,وإلا فإن اليأس سيكون سيد الموقف. إنها لن تكون فاعلة في التغيير إن لم تبدأ ببيتها.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9067