القوميون العرب دهسوا الوطنية بأرجلهم في يوم الإحصاء
التاريخ: الثلاثاء 03 تشرين الاول 2006
الموضوع:


   كاردوخ                         

في مثل هذا اليوم الخامس من تشرين الأول لعام 1962قام النظام السوري بأجراء الإحصاء المشين0 في محافظة الجزيرة بقصد تجريد الشعب الكردي  عن الجنسية الوطنية في سوريا وفعلا تم ذلك وتم تسجيلهم في عداد سجلات الأجانب ومنحهم النظام أخيرا البطاقة الحمراء المعروفة0 رمزاً للدكتاتورية الفاشية والعنصرية البغيضة0 و آثاره ظلت محفورة في ضمير كل كردي شريف .لقد كان ذلك عملاً جبانا وخسيسا من قبل النظام السوري وبه قد أضاف النظام  جريمة إنسانية أخرى إلى جانب جرائمه العديدة بحق الشعب الكردي  و أصبح حدثا تاريخيا يستذكره الشعب الكردي في مثل هذا اليوم من كل عام حيث سجل في ذاكرة التاريخ أيضا ليبقى حياً أبداً في وجدان الشعب الكردي وها نحن نذكر قصة مؤلمة لأحد أبناء الشعب الكردي ( كاردوخ) تتعلق بهذه المناسبة .  


حيث نتيجة الإحصاء الأسود  أصبحت أنا كاردوخ و أخوتي وعوائلهم جميعا في عداد ما سموه حينذاك بـ (ملغاة الجنسية) وهذه التسمية كانت تعتبر إهانة لصاحبها أيضا من حيث المعنى نفسيا ومعنويا ناهيك عن إسقاط حقوق المواطنة وغيرها0و أصبحنا  في حيرة ميؤسة منها وجاهدنا كثيرا كبقية أبناء شعبنا الكردي لمراجعة السلطات المعنية وتقديم الأوراق الثبوتية لها على تأكيد مواطنتنا السورية  وكانت لدينا وثائق ثبوتية  كوثائق ضريبة المواشي( أعداد المواشي) و وثائق الملكية وثائق أخرى كانت بحوزتنا أيضا منذ أيام العثمانيين والفرنسيين مما يثبت بأننا مواطنون ومن أصحاب الوطن الأوائل قبل احتلال الاستعمار الفرنسي  لسوريا  وقبل تشكيل الدولة السورية حيث كانت لعائلتنا  بصمات تاريخية معروفة أيضا كانتفاضة عامودا ضد الاستعمار الفرنسي عام1937 والمعروفة بين أوساط شعبنا الكردي باسم سالا طوشا عامودي(sala toa am/d. )وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلناها مدة أربعة أعوام متتالية لإعادة الجنسية فإنها لم تجدي نفعا وللذكر فقط 0 قد بادر إلى ذهننا اللقاء مع بعض الوطنيين السوريين الأوائل الذين أصبحوا في سدة الحكم في أوائل الخمسينات وحتى قبل تأسيس الوحدة المصرية السورية من القرن المنصرم ومنهم  رئيس أركان الجيش السوري السابق المرحوم توفيق نظام الدين في مدينة دمشق وبمعية الوطني عبد المجيد ...... الذي سبق أن اعتقله الفرنسيون في سجن تدمر المعروف  السيئ الصيت ومن ثم نفيه إلى مدينة السويداء بسبب مشاركته في انتفاضة عامودا المعروفة ونتيجة الحوار مع السيد رئيس أركان الجيش السوري الأسبق والنقاش معه حول موضوع الإحصاء المشين و بعد أن تعرف عليّ تحمس كثيرا وسألني بحماس شديد: هل أنتم أيضا أصبحتم من الأجانب؟ فأجبته:بل نحن أصبحنا من مجموعة( ملغاة الجنسية) فأصفر وجهه وقال: يعني أنتم الآن أصبحتم (لا مواطنين ولا أجانب) فأجبته بنعم فأستغرق في التفكير ثم رفع رأسه قائلا بصوت مرتبك وبهذه اللهجة ( القوميون العرب دهسوا الوطنية بأرجلهم  ولم يبق أي معنى للوطنية بعد اليوم في هذا البلد) ثم تابع قائلاً (هؤلاء القوميون العرب قد خسروا في الدنيا والآخرة وسوف يخسرون كل شيء وهذه ستصبح وصمة عار تاريخي لهم  وأنهم سوف يُحَمّلون أجيالهم القادمة عبئا ثقيلاً وبالتالي سيصعب التخلص منه مستقبلا يا برازى )  ( (yabiraz.أي يا ابن العم
فقلت له :هل أنت كردي فتبسم المرحوم قائلا :نحن أبناء وطن واحد لا يستطيع الشوفينيون ولا أية قوة في العالم أن تفرق بيننا فكرّرت عليه القول أنك تناقشني باللغة الكردية الفصحى أكثر مني طلاقة ثم أن العرب يقولون لنا ابن أختي أليس كذلك؟ إلا أنه غير الحديث قائلا:( العرب لا يفقهون في  الدين كما لا يفقهون في عروبتهم شيئاً أيضا) ثم تجدد النقاش بيننا حول موضوع الإحصاء مرة أخرى ووضع الجزيرة وموضوع الوحدة السورية المصرية المنهارة وسلبياتها بالنسبة للشعب السوري بشكل عام والكردي بشكل خاص فقال لي بالحرف الواحد( إن فشل مؤامرة شوا ف في العراق قد خيب أمل جمال عبد الناصر  بالوحدة مع عبد الكريم قاسم و تغيرت نظرته سلباً حول الأكراد وأن تلك السياسة السلبية تجاه الأكراد قد هيئت مناخا ملائماً لما َخلّفه القوميون  العرب الذين يحكمون سوريا حاليا و ها هم قد تجرؤا على إجراء مثل هذا الإحصاء الذي أنت تشكو منه حاليا)0  إلا أن المرحوم عبد المجيد .... قال له: يعني أننا سنصبح غرباء في وطننا بعد كل هذه التضحيات التي قدمناها لأجل هذا الوطن0 يبدو أن هذه الجملة من الحديث  قد أثرت عليه كثيرا حيث تفاجئنا عند رفعه  سماعة الهاتف فجأة وتحدثه مباشرة مع رئيس مجلس الوزراء0و بعد تبادلهما التحية تحدث معه عن الإحصاء0 لاحظنا علامة الغضب على وجهه ولكننا لم نسمع ما يقول له رئيس مجلس الوزراء إلا أننا سمعنا من السيد توفيق نظام الدين يقول لرئيس مجلس الوزراء "أنتم خربتم البلد وأنكم سوف تندمون على ما تفعلون" ومستطرداً قال:( الآن موجود عندي في بيتي أناس وطنيون أكثر مني وأكثر منكم هؤلاء الذين دافعوا عن سوريا وضحوا من أجلها و اعتقلوا من قبل الفرنسيين وُهجّروا قسرا عن بلدهم وشردوا ونهبت أموالهم وممتلكاتهم والآن أصبحوا غرباء في وطنهم  أليس هذا ظلم بعينه؟ أيستوجب عليهم القيام بالواجب الوطني بعد اليوم؟ وهل يستطيع أحد أن يلومهم على ذلك  بعد ظلمكم هذا وأخيرا  كيف ترتاح ضمائركم لمثل هذا العمل المشين بحق هؤلاء الناس؟) ونتيجة المناقشة الهاتفية  اقترح رئيس مجلس الوزراء  على السيد توفيق نظام الدين قائلاً: ليأتي ( كاردوخ) إلى مكتب رئاسة مجلس الوزراء وسأوافق  على إعادة  الجنسية إليه وأزوده بكتاب لأمانة السجل المدني في عامودا حول الموضوع   وفعلا نفذ ما وعد به وتم تسجيلنا في سجلات الأحوال المدنية في عامودا  غير أن المرحومة والدتي لم تحصل على جنسيتها الوطنية السورية فهي كانت قد بلغت من العمر خمس وسبعين عاما تقريبا و كلما جرى الحديث عن الإحصاء كنت أكرر لها القول: أن والدتك المرحومة بكي (beg.) كردية الاسم ولذلك لم تمنحك  السلطة السورية الجنسية الوطنية0 وهي كانت دوما تتحدث عن هويتها رغم سنها الكبير وتحس بأنها مظلومة وكانت تقص عليّّ"طوشا عامودى" و ما جرى لهم من الويلات والمآسي التي  رأوها من الفرنسيين وأزلاهم وكيفية هجرتهم إلى تركيا والمظالم التي رأوها والمرارة التي ذاقوها على يد الأتراك أيضا وكانت تقول كنا نعتبر الإسلام أمة واحدة  ولكن الحقيقة أثبتت عدم صحة ذلك0 فقلت لها من باب الفضول كيف تثبتين ذلك أجابتني: يا ولدي أ لم تر أو تسمع أن ملا مصطفى البرزاني الآن في الجبال يحارب الحكومة العراقية دفاعا عن نفسه وعن شعبه وأنتم تقولون لنا: الحكومة العراقية تحرق القرى الكردية في العراق يوميا وتهجر الكرد من ديارهم  وها نحن نرى المخابرات السورية تعتقل الكرد  بتهمة أنهم   برزانيون0 عجبا أليس ملا مصطفى البرزاني مسلم ومن عائلة كردية مسلمة و معروفة ؟ وكذلك ألا ترى الأتراك كيف يعاملون الكرد حتى يمنعونهم من لباسهم الكردي؟ كأنهم غير مسلمين وكذلك وضع الكرد في إيران أسوء حالا أيضا 0 أليس المرحوم القاضي محمد عالما مسلما وأعدم هو ومن معه على يد المسلمين الفرس ؟ أ لم يكن المرحوم شيخ سعيد والعلماء الذين كانوا معه مسلمين أعدموا جميعا على يد الأتراك المسلمين؟ الم يُضطّهدْ الكرد على يد المسلمين منذ مئات السنين؟ ألم يكن العرب والترك والفرس جميعهم مسلمون؟  وها نحن أخيرا أصبحنا  أجانب في وطننا سوريا 0 وكانت المرحومة تكرر القول: أليست كل هذه الدول التي أجرمت بحق  الكرد دولاً مسلمة بالاسم؟  وكانت تقول دائما" لوكان الكرد مجاورين للكفار لكان أفضل لهم0" وكان قصدها الدول غير المسلمة   فأنها توفيت وحسرة الهوية الوطنية ذهبت معها إلى العالم الآخر يرحمها الله 0 ولما توفيت كان عمرها قد تجاوز الخمس وتسعين عاما تقريبا وكانت متدينة وحاجّة لبيت الله0 مع المرحوم والدي في أواسط الأربعينات من القرن المنصرم يرحمهما الله وللتنويه  حيث أنني ذكرت ما قصّت لي والدتي ليس إلا لمناسبة ذكرى الإحصاء المشؤم وتبعاته المريرة التي  لم أستطع0 الاستغناء عن ذكرها كونها حلقة  من حلقات مآسي الشعب الكردي في سوريا.
                     







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=885