الثورة القطرية ضد الشيخ حمد: المسخرة الحصرية على قناة –الدنيا-!
التاريخ: الخميس 02 حزيران 2011
الموضوع: اخبار



  محمد منصور

وسط هذا الدم والمجازر والمقابر الجماعية والصور المروّعة التي صدمت الرأي العام العالمي والسوري... وفي وقت يشمئز فيه المرء من الضحك، ويخجل من رغبته من السخرية... تجرنا قناة الدنيا إلى مساحة من الضحك الأسود والسخرية المرة... عبر رعايتها لتمثيلية اسمها: الثورة القطرية ضد حمد بن خليفة.
صدّقت قناة الدنيا ومعها الإعلام السوري الذي أدمن العمى والتعامي عن الحقائق ردحاً طويلاً، أن ثورة الشعب السوري صنعتها قناة (الجزيرة) القطرية... وأن المتظاهرين يخرجون للتظاهر تحت وطأة حبوب الهلوسة التي أرسلتها قناة الجزيرة إلى سورية، في أكياس شفافة تحمل شعار القناة الذهبي المميز، وكأن قناة الجزيرة تملك ترخيصاً عالمياً لصناعة الأدوية، ولهذا فهي لا تحب أن تصدرها لأي شعب شقيق من دون أن تتفاخر بهذا الترخيص!


وبناء عليه فقد قررت قناة (الدنيا) بإمكانياتها الضخمة، وعقلها الإعلامي الجبار أن ترد على إشعال (الجزيرة) للثورة السورية، بثورة كيدية مضادة... وما الذي يمنع أليست الشعوب مغفلة... أليس المتظاهرون هم مجموعة من السذج الذين يميلون على وقع بث الفضائيات من دون أن تكون لهم أي مطالب على أرض الواقع... أليس الناس مجرد كومبارس في تمثيلية تلفزيونية اسمها (ثورة الحرية والكرامة) تصنع في محطات إخبارية لا شركات إنتاج فني؟ فلم لا تساهم قناة الدنيا بعبقريتها الفذة في تصدير رياح الثورة إلى قطر عبر بثها التلفزيوني العالي الجودة والمصداقية؟
أكثر من ذلك... قناة الدنيا لصاحبها رجل الأعمال السوري محمد حمشو وشركاه، تملك شركة إنتاج تلفزيونية متخصصة في المسلسلات هي (سورية الدولية) وبالتالي قد تكون قدرتها على صناعة مسلسل الثورة القطري، أكبر من قدرة (الجزيرة) نفسها... ومن لا يصدق فليتابع التقارير الإخبارية الحصرية التي تفردت ببثها قناة (الدنيا) دون أية قناة أخرى أو وكالة أنباء في العالم... عما سمته ثورة (قطر الحرة) التي لم تستخدم فيها هذه القناة الدنيا، إمكانات شقيقتها شركة سورية الدولية الكاملة بعد... لأنه لو استخدمتها حقاً، لكان لزاماً عليها أن تكلف المخرج حاتم علي بتصوير مشاهد ذات تكلفة إنتاجية عالية، أو تستعين بمخرج مسلسل (القعقاع بن عمرو التميمي) المثنى صبح كي تكون الصور التي بثتها حصرية للغاية، وليست مأخوذة من موقع اليوتيوب لمظاهرات حدثت في البحرين، ويمكن لأي مغفل اكتشافها بكبسة زر... لكن ربما ظن مفبركو قناة الدنيا أن هذا الزر ملك شبكتهم الخاصة، وهو شبيه بالزر النووي الذي لا يمكن لأي مستخدم أن يضغط عليه إلا بموافقة البنتاغون لا سمح الله!

فيسبوك الثورة!

الثورة القطرية على تلفزيون الدنيا، مصدرها الفيسبوك، حسبما جاء في التقارير الإخبارية... ''''وما حدا أحسن من حدا يا شباب... مو هنن استخدموا الفيبسوك ضدنا... أيضاً قناة الدنيا تعرف كيف تدخل إلى الفيسبوك''''. وصفحة الثورة القطرية التي أنشأها الجيش الالكتروني السوري جاهزة وشعارها هذه المرة يشبه شعار شبكة شام، عبر أحرف مقطعة في مربعات لاسم عاصمة قطر (دوحة)... لكن المشكلة فقط أن معظم مشتركيها كانوا يضعون على بروفالياتهم صورا لبشار الأسد، قبل أن ينشر مشرف الصفحة رسالة يطالبهم بتغييرها. أما شاهد العيان فهو بانتظار المذيعة وفاء الدويري كي تسأله عما يحدث من تطورات في قطر وللمصادفة الرمزية البحتة اسمه (فالح) يعني بالسوري (زكي) الله يحرسه من العين... والكلام الذي يقوله على نشرة أخبار الدنيا يقطع نياط القلوب رغم نبرته الهادئة والمرتاحة، التي تخلو من أي انفعال تمثيلي أو غير تمثيلي: (الحقيقة الوضع عندنا مؤسف جداّ.. ما شهدناه من قمع همجي للمتظاهرين لم نره في أي ديرة أخرى... شاهدت الشرطة القطرية يطقوّن متظاهراً على رأسه حتى فقع... وفوق هذا قاموا باعتقاله).. أما المذيع الألمعي نزار الفرا (وأحب أن أذكر أسماء المذيعين هنا للأمانة والتاريخ كون هذه الثورة انطلقت من حناجرهم شخصياً) يعلق على صورة ملأى بالغاز المسيل للدموع، الذي لم يستطع أن يحجب وضوح الرؤية على حد تعبير الأخ نزار... طبعاً نفس هذه الصور نشر ناشطون سوريون مقاطعها الكاملة على اليوتيوب ويظهر فيها العلم والمعالم البحرينية، لا مدينة (الريان) في قطر كما تفضلت قناة الدنيا... أما سبب (جمعة العزة) كما يدعوها نزار الفرا... الذي سيسجل له التاريخ كل هذه الأكاذيب الساذجة فهو (عروبة قطر) التي تقيم علاقات مع الأمريكان، ومكتب تمثيل تجاري مع إسرائيل، لم يفتتح ـ كما يعرف الجميع- بالأمس طبعاً... بل كان قائماً في عز شهر العسل الذي كان يجمع النظام السوري مع قطر... وكأن قناة الدنيا ونظامها المقاوم الممانع اكتشفا ذلك في غفلة من الزمن الآن!

ثورة الممانعة!

طبعاً الثورة القطرية ضد الشيخ حمد بن خليفة، لا ترفع أي مطالب داخلية... وقناة الدنيا التي تكره شعارات الحرية والكرامة، وترى فيها (رجساً من عمل الشيطان) تريد للقطريين ثورة تقوم على شعارات المقاومة والممانعة حصراً... ولذلك فالأخوة القطريون كما تؤكد الدنيا... يثورون ضد ما يعتبرونه (العمالة لأمريكا وإسرائيل)... مع أنه لم يطرأ على سجل علاقات قطر المعروفة تلك أي جديد يختلف عما كان، عندما كانت قطر دولة شقيقة وعزيزة وأميرها رجل وطني محتفى به في الإعلام السوري، وفوزها بتنظيم مونديال 2022 فرحة تستأهل تهنئة سورية، حكومة وشعباً... وشخصياً لا زلت أذكر أنني في آخر مرة استدعيت فيها إلى احد فروع الأمن في سورية قبل خمسة أشهر... كانت قناة (الجزيرة) من المحطات التي دعاني مضيفي إلى الاستمتاع بمشاهدتها في غرفة الانتظار قبل دخولي إلى مكتب السيد اللواء، سائلا إياي بلطف أمني (شلونك انت والجزيرة أستاذ)... بعد أن كانت عقوبتي في استدعاءات سابقة مشاهدة التلفزيون السوري حصراً ولمدة ساعات طويلة لا يسمح فيها بإغلاق جهاز التلفزيون!
طبعاً الثورة القطرية التي اندلعت شرارتها على شاشة لهلوبة الثورات قناة (الدنيا) امتدت بالمصادفة إلى بعض المواقع الإلكترونية المملوكة للنظام السوري.. وفي احد تلك المواقع المغمورة نقرأ عناوين من قبيل: (الأمن القطري يقمع المتظاهرين بوحشية... وناشطون: حمد لن يستطيع أن يجعل بلادنا ممراُ للصهاينة).
والآن... دعوا كل هذا الضحك الأسود جانباً... دعوا هذا العبث... دعوا هذا المجون... دعوا هذه المسخرة... وتحلوا بذرة احترام للنفس... ذرة احترام لدم الشهداء... لصدمة الإنسانية والضمير أمام صور تعذيب الطفل حمزة علي الخطيب. كفاكم إسفافاً... كفاكم إسرافاً في امتهان عقول الناس... كفاكم إسرافاً في الغباء الذي لن يحل المشكلة، ولن يخمد الثورة، ولن يعيد الناس إلى بيوتها. من أخرج الناس إلى الشوارع لا حبوب هلوسة الجزيرة... ولا تحريض العربية... ولا دس البي بي سي... ولا شماتة فرانس 24... من أخرج الناس هو الظلم والاستبداد... هم أطفال درعا الذين اقتلعت أظافرهم في فرع الأمن السياسي في درعا... هو الرصاص الحي الذي ووجه به المتظاهرون رداً على هتافهم للحرية... هو ضحك السيد الرئيس في خطابه الأول أمام مجلس الشعب، حين كان دم أهالي درعا وشبابها طازجا وحاراً لم يجف عنه التراب... هو تصفيق البلهاء في ذلك المجلس... هو إضحاك الناس على سورية التي يخرج أحد نوابها ليقول لرئيسه في همروجة التملق والنفاق: (الوطن العربي قليل عليك يا سيادة الرئيس وأنت يجب أن تقود العالم)... ما أخرج الناس أنهم طقوا... وشبعوا شعارات ووعودا إصلاحية وتسويفات... نعم هبت رياح الثورة الشعبية عليهم من تونس ومن مصر... رأوا كيف تسقط الشعوب عروش الاستبداد... لكن لو لم يروا نفس صورة حياتهم في تلك الصور الشقيقة لما تأثروا... لما شعروا بأن حياتهم يجب أن تتغير... وأن شعار ''''إلى الأبد'''' لم يعد له مكان في عقولهم وفي وعيهم... فإلى متى يبقى السوريون يوكلون مهمة تغيير اسم الرئيس إلى ملاك الموت عزرائيل وهم مسلوبو الإرداة والخيار؟
كفوا... كفوا عن هذا العمى والتعامي... لا اختراع ثورة في قطر سيحل مشكلتكم مع شعبكم... ولا عودة القذافي مع كتابه الأخضر لحكم الجماهيرية الليبية العظمى سيشد من أزركم... ولا الحديث عن مؤامرة سيجعل الناس تصدق أنها يجب أن تعود إلى مربع الذل الأول... ولا أسطوانة العصابات المسلحة ستقنع من رأوا رجال الأمن بأعينهم يقتلون أبناءهم، بأن القتلة أتوا بأجندات خارجية... ولا كل هذا النباح الإعلامي سيجعلهم يلتفون حول قائد المسيرة من جديد.
إنه زمن انتهى بشعاراته وأكاذيبه... وعليكم مواجهة الحقيقة بعيون عارية من الخيالات... بل عليكم الاستعداد لتجرع كأسها المر!

'''' ناقد فني من سورية
mansoursham@hotmail.com
القدس العربي








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8682