استعراضيُّو الفيسبوك
التاريخ: الأثنين 30 ايار 2011
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

الاستعراض من العرض، والعرض ليس أكثر من إحالة ما هو متخيل أو متصور أو جار ٍ التفكير فيه، إلى وضعية العلن أو الإشهار، لكن الاستعراض يعني العرض ويتجاوزه إلى لفت النظر.
في سياق الفيسوكيات يسهل على أيٍّ كان تبين مستويات الاستعراض الفيسبوكية والذين يمثلون مجتمعها ونوعياتهم وما يُطرح للتداول الفيسبوكي، وأي عقد مجتمعي: فيسبوكي يشملهم.
إن البحث في أخلاقية الفيسبوكيات يتطلب المزيد من تحرّي "قواعد" اللعبة التي تضم أمزجة وأهواء، حيث إن المطروح الفيسبوكي هو الذي ينشد قراءه ومتابعيه هنا وهناك أما إذا كان هناك نوع من التنظيم في الفيسبوك فيجب استقصاء العلامات الفارقة ومغازي الفيسبوكيين عبرها.


لا بد من تلمس نوعية المجتمع والذين ينتمون إليه، وأين يتوزعون، وكيف يتخاطبون والرموز التي تستخدَم لإيصال فكرة، علامة، إشارة لتعميق تواصل معين وفي سياق معين، وما يكون عليه المجتمع، وبشكل خاص في الوضعية المتأزمة للمجتمع. أي عندما تضيق السلطة الخناق على هؤلاء الذين يندفعون بمقاييس فيسبوكية، وتطلعات فيسبوكية، ورهانات فيسبوكية للرد عليها.
إن جمالية الفيسبوك تتجلى في نسف كل قاعدة تضعنا في مواجهة ما هو متفق عليه، نظراً لتنوع  ميول أو مرامي الذين يتفسبكون بقدر ما يبحث كلٌّ منهم عن فرصة لتسليط الأضواء عليه أكثر.
لا أحد يستطيع التنكر لفاعلية الفيسبوك في تحريك الراكد الصدئ عربياً لا بل في خلق أكثر من صدمة اعتبارية موجهة إلى أولي أمر المجتمع وعلى أعلى مستوى حيث العمل يتم في غفلة منهم، من خلال طريقة التواصل والتشفير المعتمد في إيصال المطلوب وسائطياً..
في وسع متابعي الفيسبوك ومجتمعه والذين يمثلونه أو من يدعون تمثيله، ملاحظة ما هو جدير بالتوقف عنده ومساءلة بنيته كما لو أن ثمة تغييراً في الجينات قد حدث، وأنه إزاء بنيان ثقافي وتحول في أساليب المواجهة الثقافية والسياسية والمجتمعية، وضغطاً لا يمكن تجاهله تواجَه به السلطة مهما ادعت قوة تماسك ٍأو حزماً أو تهديداً ووعيداً في منطقها المادي والمعنوي، وهو أن الذين يمتلكون الحد الأدنى من الثقافة أو قوة المبادهة في الكلام وروح المغامرة وحتى بهلوانيات مرئية يبزُّون أولئك الذين يعتمدون تخطيطاً ودرساً لكل خطوة تُتخذ بعد مكاشفة بنيوية في الواقع.
في المجتمع الفيسبوكي العربي، يسهل البحث في تنامي الاستعراضيات عبر تلمس كلمات لا تخلو من إنشائية، ومن مراهقة في التعبير والدعوة إلى الصدام مع السائد، وحب المجهول مهما كان حجم المخاطر، خاصة حين تبرز في السلطة معالم تعزّز في الفيسبوكي إقداماً بلا حساب.
إن البحث في أبطال الفيسبوك الطارئين، ومخرجي المشاهد الفيسبوكية المتقنة، وموزّعيها وحتى الذين يتلمسون في أنفسهم ما هو محفّز لقواهم في الترويج والتوليف بين المشاهد، إلى درجة التعتيم أو الإخلال بأي مبدأ قيمي أو اعتباري، لتكون اللقطة الرجراجة أو الخاطفة أشبه بالقصة القصيرة جداً أو قصيدة الومضة، وما يترتب عليها من اختزال للواقع أو من إمكان وقوع الصادم.
إن المرصود الجلي هنا ليس ما يتم السعي إلى تغييره اعتماداً على وعي شمولي يشد السبب إلى النتيجة، من قبل عدد ملحوظ ممن يلفتون النظر في الشارع ويتفسبوكون بدايةً، إنما لانتفاء هذا الوعي المسئول، إلى درجة إمكان القول أنهم( لا يمثلون حتى أنفسهم)، رغم قساوة هذه العبارة، وفي هذا الوضع الراهن، وقد رُهِنت بلاد وعباد لأكثر من مجهول، القساوة التي لا تكون في أصل تشكيلها تبريراً لأي سلطة عربية قائمة، جلية التمركز، تتنشط من الداخل بمبدأ المفعول الرجعي الأحادي الجانب كثيراً، ولا تتدخر أي عنف تعبيراً عن هذه السلفية التي تعتدُّ بها بقاءً، وما في ذلك أيضاً من محاولة استدراك بطولات أو استحقاقات بطولة فائتة من باب التشابه، كما لو أن التاريخ هو نفسه، وأن اللحظة المصوّرة لحدث تجلّي" البطل" هي ذاتها، وعمى المشهد..
نعم، لا أكثر عظمة وملحمية ذات من التعبير عن روح منذورة لمبدأ جليل هو الوطن بالحرف، إنما فيما إذا كانت هذه الروح متنورة، متبصرة لحقيقة وضعها ونظيراتها في مجتمعها الكبير، حيث يتم المضي بالشعار المرفوع والمجلجل حتى نهايته العظمى: إسقاط النظام بتنسيب شعبي..
في سيكولوجية الفيسبوكي الذي ينشد البطولة كما في الواقع العربي وعلى أوسع نطاق، يمكن معاينة الساعي إلى اقتناص الفرصة، إلى تشكيل ما يشبه جماعة رفض اعتباطية ومبلبلة لمحيطها في الواقع، وإعطاء فكرة عما هو سائد كما لو أن المرئي والمقارَب الفعلي هو ما تفسبَك فقط.
لأن ثمة نوعاً من المشاركة الجمعية بين أعضاء سيقوا أعضاء في ظرف، تستهويهم روح المغامرة بقدر ما تبرز النجومية في أقصى مدىً لها ماثلة أمام أنظارهم، وهي  تدفع بهم إلى الأمام ليتقدموا على سواهم، لأن ثمة أكثر من غاية يمكن لها أن تتحقق عبر روح انتهازية أو نكدية أو التفافية على آخرين، إذ يستساغ فعلُ اعتقال أو زج في السجن أو تعرض لعنف شارعي، بغية الوصول إلى ما هو مبتغى لاحقاً، كما هو الممكن التوقف عنده هنا وهناك: اعتقال من هنا، وإطلاق سراح بعد حين، ومحاولة الحصول على شهادة بطولة لغاية منفعية ما أو مقدَّرة فيها ..
ليس هذا الذي أعاينه هنا يتعلق بهؤلاء العاملين بلا مقابل في الحقل الفيسبوكي، حيث تتراءى صورهم في مشاهد حركية صائتة، وربما بين أشخاص يتسابقون حول الصدارة بثياً، وما إذا كان الجاري حقاً بلا مقابل، إن ثمة تقديراً لنسبة منهم باعتبارهم يسخّرون روحاً متفانية في العمل غير المأجور عن قرب، لكن علينا، وفي هذا الوقت بالذات، ألا نغض الطرف عن تلك الروح التي تتصيد فرصها السانحة، وتمد ببصرها بعيداً، لتحقيق مبدأ المواطنة العالمية بديماغوجية لماحة!
لا يُنسى هنا الواقع وما يجري، ما تكونه السلطة كقوة فاعلة وتوجيه سلوك هنا أو هناك كما في سوريا، وكيف تدار عملية العنف ومن يرصدها فيسبوكياً تماماُ، ويتسجل كل ذلك بعد حين من خلال أنشطة فيسبوكية تشكل امتيازاً لهؤلاء المندفعين وراء بطولات استعراضية بامتياز...






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8652