كيفَ نفهمُ الحرّية في مجال النّقد؟؟!! (الحلقة العاشرة)
التاريخ: الأحد 24 ايلول 2006
الموضوع: اخبار


نارين عمر

مرّة أخرى أوجّه شكري الخالص وامتناني العميق لكلّ مَنْ يراسلني ويطلبُ إليّ الاستمرار في كتابة هذه السّلسلة, وأودّ أن أؤكدَ لهم أنّني لستُ صحفية ولم أدّعي ذلك مطلقاً على الرّغم من إصرار البعض على أن ينعتني بذلك, على الرّغم من أنّ دراستي للغة العربية كتخصّص جامعي قد أفادتني كثيراً لتشابه الدّراسة بين الأدب العربي والصّحافة كما أودّ أن أجيبَ الأخوة الذين يطلبون إليّ إيجاد حلول للمواضيع التي أطرحها وإلا لماذا أطرحها وأثيرها ما دام الجميعُ يعرفها ويتلمّسها أقول: أنا أكتبُ في هذه الحلقات ما تطرحونه أنتم,على الرّغم من اتفاقي الكبير معكم فيها ولكنني لا أطرحُ الحلول حفاظاً على أخلاق الكتابة وتجنّب الفردية في طرح الحلول


فقد أطرحُ حلولاً ناتجة عن قناعتي الشّخصية ولا تتفقُ مع قناعاتكم وآرائكم وهذا ما يتبعه معظم الكتاب والأدباء, حيثُ يتركون النهاية مفتوحة لكي ينهيها القرّاء والمشاهدون أمّا بالنسبة لرغبتكم في أن أنشر كلّ يوم حلقة فإني أشكركم على هذه الثقة وأشيرُ إلى أنّ هناك مَنْ يطلبُ إليّ التمّهل والتروي في نشرها كي يتمكن أكبر عددٍ ممكن من قراءتها وتكوين فكرة عنها.

وقد اخترنا في هذه الحلقة موضوع النقد الذي يطرحُ نفسه بقوّةٍ دوماً وأبداً بعدما اخترقه بعض مَنْ لا يفقه منه شيئاً .

في التّعريف العام للنقد أنّه الوسيلة التي من خلالها نميّزُ حسن الشّيء من رديئه, إيجابيّه من من سلبيه. أمّا مجالاته فتتعدّدُ وتتشعّبُ لتشملَ كافة جوانب الحياة, وكافة شرائح المجتمع وطبقاته . ومن خلاله نتمكنُ من الإحاطة والإلمام بأمور مختلفة كنا نجهلها في الموضوع الذي  بين يدينا, ونستطيعُ التوصّل إلى الغرض المراد منه. وبذلك يُعدّ النقد المرآة الصّادقة التي تعكسُ كلّ ما هو جيّدٌ وصحيح, وتطرحُ ما هو رديء وفاسد.

من هنا نلاحظ ما للنقد من أهمية كبرى في حياتنا, وهذه حقيقة واضحة لا تخفى على أحد ونحن نعيش عصر المخترعات والتقنيات الحديثة المرئية منها والمسموعة وخاصة تلك الموظفة في خدمة البشرية كالمحطات الفضائية وشبكات الانترنيت والكمبيوتر بالإضافة
إلى أجهزة الإذاعة والتلفزيون إلى ما لا نهاية له من التقنيات التي أضحت أشبه بالمعجزات والتي ما زال يبدعها العقل البشري الذي لا يملّ ولا يكلّ من الخلق والابتكار ومفهوم للجميع أنّ من أضاع من عمره أجمل أيّامه لإنجازها وتوظيفها في خدمة البشرية كان يتأمّل أن تستخدم بشكل إنساني وأخلاقي ويتمّ التعامل معها بشكل لائق وحضاري ولكن يبدو أنّ البعض يتعامل معها بشكل عشوائي ينمّ عن تخلف وجهل بأبسط قواعد الأخلاق والحضارة والإنسانية فمن خلالها وخاصة من خلال الرّسائل الانترنيتية والتعليقات المرفقة ببعض النصوص الكتابية في بعض المواقع مع العلم أنّ الأخوة المسؤولين عن هذه المواقع الانترنيتية عندما يفسحون المجال للقرّاء بإبداء آرائهم يمارسون روح الدّيمقراطية في إبداء الرّأي والنقد الهادف والأخلاقي وللأسف الشّديد الكثير من كتابنا وأدبائنا المبدعين يعانون من مثل هذه التعليقات والآراء النقدية المخزية والتي لا تطال أدبهم ولا أسلوب كتاباتهم إنّما تطالُ شخصهم وشخص زوجاتهم وأزواجهم وبأسماء مستعارة تخفي خشيتهم وخوفهم من المواجهة المرئية الصّريحة وإذا ما عاتبهم الآخرون فإنّهم يعتبرون عتابهم هذا حجزاً لحرّيتهم في التعبير وإبداء الرّأي.

وعودة للنقد أؤكد على أنّ النقد وكونه يُعتبر علماً من العلوم, وجنساً فنياً لا يُستهان به فقد استند إلى قواعد وأصول لا بدّ لكلّ مَنْ يحاول ويرغبُ في الإبحار في خضمّه أن يكون ملمّاً بأكبر قدر منها إلى جانب ضوابطه التي ترقبُ مَنْ يتعامل معها وترصد تحرّكاته والتي تتلخّصُ في:

أوّلاً: امتلاك الموهبة النقدية القادرة على تحمّل المسؤولية.

ثانياً: التمحيص والتدقيق في اختيار المواضيع المعنية بالنقد والدّراسة.

ثالثاً: الموضوعية وأعني بها العقلانية والتعقل في تناول الموضوع المراد انتقاده ولكن هذا لا ينفي دور العاطفة ولا يهملها بل ما أقصده هو التوفيق بين الجانبين معاً: العقلي أو العقلاني والرّوحي أو العاطفي فحينما نطالع مؤلفاً ما فإنّ عاطفتنا تشاركُ عقلنا في الحكم عليه سلباً كان أم إيجاباً. ومن خلال ذلك نستطيعُ أن نحقق الغرض المرجو منه ونتوصّلَ إلى أسمى أنواعه بكلّ معانيه وقيمه المسمّى بـ/النقد البنّاء والهادف/ والنقد الذي لا يحققُ الهدف منه لا يُعتبَرُ نقداً, والذي لا يسعى لتحقيق أهدافٍ لا يُعتبر هدّافاً ولا بناءً والهدف منه يعني:

أوّلاً: تعريف المنقود أو المنتَقَد بمواطن الخطأ والصّواب في نصّه.

ثانياً: تنبيه القارئ أو المتلقي إلى جوانب لم يستطع ملامستها أو فهمها في متابعته للموضوع المطروح وإحاطته بمعلوماتٍ أوّلية وهامّة تحفزه إلى قراءاته ومشاهدته.

ثالثاً: إثارة انتباه المنتقد للعثرات التي قد تعيقُ مسيرة تقدّمه وتطوّره.

والأمر المحزن حقاً هو محاولة البعض الغوص في يمّ النقد وهو شبه جاهل بأصوله وقواعده المفترض الالتزام بها, والأمر لا يدعو إلى شواهد وأمثلة كثيرة فكما أسلفتُ قبل قليل فيكفي أن نطلع على المنشورات الصّادرة عن الصّحف والمجلات والدّوريات المختلفة أو الآراء الشّفهية التي يطلقها بعضهم بين الحين والآخر ونتصفّحَ بعض الكتب والمؤلفات التي يحاولُ أصحابها إضفاء صفة النقدية عليها حتى نكتشفَ هذه الحقائق مباشرة فهذا البعضُ ينطلقُ من نظرته الفردية الخاصة, وينساقُ وراء عاطفته الذاتية التي تسيّره وتتحكم به والتي غالباً ما  تتحكم بها شوائب مختلفة . لذلك نجده إمّا قرأ مؤلفاً أو كتاباً أو تابع مشهداً تلفزيونياً أو مسرحياً لا مسَ حسّه أم لم يلامسه, ودغدغ شعوره وفكره أو لم يدغدغ نجده يطلقُ العنان لقلمه الأخرس ومزاجه الخاص ليحكما على موضوعه, فإمّا أن يسهب في ذكر محاسنه ومزاياه لدرجة المبالغة أو يتفنّن في تعداد مساوئه بشكل يخالف المنطق والعقل متناسياً بذلك أموراً عدّة يجب اتباعها في

نقده هذا ومن أبرزها:

سلامة الشّعور, وصوابُ التفكير , واستخدام العقل , والعاطفة التي تتجاوب مع هذا العقل وتسايره فلا يُعقل أن يعرض كتابٌ أو مؤلف أيّاً كان موضوعه وأيّاً كانت محاوره وركائزه من دون أن يحمل في طيّاته مفاهيمَ وفكر وقيم تهمّ الإنسان والمجتمع ككل.

هذا لا يعني أن يكون أحدنا متخصّصاً في المجال النقدي الذي يتناوله فليس بالضّرورة أن ينتقد الشّعر مَنْ هو شاعر, والقصّة من هو قصصي والفلسفة من هو فيلسوف...إلخ ولكن من المتفق عليه ولعدم الوقوع في شرك التعصّب والنظرة الضّيّقة للأمور أن يكون ذوّاقة للمجال النقدي الذي يبحرُ فيه, وملمّاً بأصول وقواعد النقد العامّة.

من هنا نجدُ أنّ الناقد الحق الصّادق هو من يعرّف المنقود بمواطن الخطأ لديه بطريقة أدبية, مهذبة يراعي فيها مشاعره فلا يوقعه في قاع الإحباط والسّوداوية معتمداً على الأدلة المقنعة, ومرتكزاً على قواعدَ سليمة وآراء صحيحة, مستندة إلى اليقين ومنطلقة من الضّمير الحيّ اليقظ.

قبل أن أنهي موضوع هذه الحلقة أحبّ وللأمانة الأدبية والأخلاقية أن أنقلَ إليكم طلبات بعض إخوتي وأخواتي القرّاء ومن بينهم بعض الكتاب حول التعليقات والآراء غير السّليمة واللامسؤولة التي تصدرُ عن بعض الأخوات والأخوة المعلقين وقد تلخصت مطالبهم في ثلاثة:

أوّلاً: وجوب ذكر القارئ المعلق لاسمه الحقيقي, فمَنْ يبدي رأياً عليه أن يقوله بصراحة تامة ولا يفعل ما تفعله النعامة.

 ثانياً: أن يلتزم حدود الأدب والأخلاق الإنسانية وأن ينتقد عمله الأدبي أو الكتابي أمّا إذا كان يحمل له الضّغينة والحقد فليواجهه وجهاً لوجه ولا يعلن ضغينته للناس لأنّ الناس غير مجبورين على قراءة أو الإصغاء إلى المشاكل وتصفية الحسابات على حساب الأدب والكتابة والثقافة.

ثالثاً: أبناء البلدة أو القرية أو المنطقة الواحدة والذين يعرفون عن بعضهم البعض الكثير من المفترض بهم أن يفتخروا بمَنْ يشتهر منهم في أيّ مجال كان أدبيّ وثقافي وعلمي وغيره من المجالات لا أن يفسح المجال للحقد والحسد أن يتسللا إلى أعماقه فيحاول أن يسيء إلى شخص ابن بلدته ويشهر به.والبعض تساءل هل هم حقاً بهذه الأقوال يمارسون حرّية الرّأي والتعبير؟ وهل تدخلُ حقاً في سياق الحرّية الحقيقية والحقة؟؟ وأجابوا: نعم من حقهم أن يمارسوا حريتهم إذا ما انتقدوا نصوننا الأدبية والثقافية ولكن أن يتسللوا إلى حرماتنا بدون استئذان ويتهموننا بتهم باطلة فهذا تصرّفٌ مشين ينمّ عن جهل وحقد.

وأجمل ما سئلتُ به واستُفسِرْتُ عنه ما قاله لي البعض: فهمنا قصّة أن يتخفى هؤلاء وراء أسماءٍ مستعارة, وأحياناً يجرّدون أنفسهم من المسمّيّات ولكن أن يحوّلوا أنفسهم إلى أرقام مجرّدة كأن يسمّي أحدهم نفسه برقم2أو رقم5أو رقم7أو 9 فهذا ما لم نجد له من تفسير؟؟!! أجبتهم: يبدو أنّهم فعلاً تحوّلوا إلى مجرّد أرقام لا تعي ولا تشعر ولاتدرك بعدما جرّدوا قلوبهم من كلّ مشعر وحسّ ينبض بالإنسانية الحقة, بعد ما أعماها الحقد والكراهية والضّغينة, مع تمنياتي القلبية لهم أن يسمحوا لنسائم المحبّة والصّفاء والنقاء والسّكينة أن تهبّ على أفئدتهم وألبابهم وتطهّرها من كلّ الشّوائب العكرة وأن يواجهونا ويتحدّثوا إلينا ويذكروا الأسباب التي جعلتهم وإيّانا على طرفي نقيض فربّما أخطأنا بحقهم من دون أن ندري ونبادر إلى إزالة العوائق والعثرات التي تحولُ دون تواصلنا وتحاببنا مع ودّي الخالص للجميع.

وإلى لقاءٍ آخر يجمعنا على المحبّة دوماً.

                                                                      







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=829