السلطة والمعارضة ومحاولة تعويم القضية الكردية وطنيا !!!
التاريخ: السبت 09 نيسان 2011
الموضوع: اخبار



 المحامي محمود عمر

هذا الدرس ليس بالدرس الجديد على الكرد فحين وصول طلائع الفتح الإسلامي إلى تخوم بلادهم, استبشر الكرد خيرا في مبادئ الدين الجديد كونه يدعو إلى العدالة والمساواة والتسامح بين بني البشر.
دخل الكرد ودون قتال أفواجا الدين الجديد , وتفانيا في خدمته تخل الكرد عن كل خصوصياتهم, وأصبحوا حماة ثغوره, والداعين له, والفاتحين لما تبقى من بلاد, في الوقت الذي ركب الفاتحين الجدد صهوة مبادئه ومعهم كل الشعوب الأخرى التي اعتنقته لاحقا, واستغلوها لإقامة دول وإمارات وكنز للثروات والأموال, ولم يبق للكرد من حصة في الميراث سوى أن يطلق عليهم (الكرد يتامى المسلمين).


تكرر الدرس ـ مع الكرد ـ إبان انتصار الثورة البلشفية  وظهور الإتحاد السوفييتي كقوى عظمى, فقد انتشرت الأحزاب الشيوعية كالفطر في معظم أصقاع العالم ومنها وطننا سوريا ـ الدولة الحديثة النشىء ـ و رواد الحزب في سوريا وجل مريديه الأوائل كانوا من الكرد, ومن جديد نزع الكرد عباءتهم الكردية محاولين قدر الإمكان محاكاة الشيوعية بكل تفاصيلها, ففي الوقت
الذي كان الكرد منهمكين بالمبالغة في جلد ذاتهم الكردية للتعبير عن صدق ولائهم لمبادئ الحزب الجديد, حيث إن الانتماء يجب أن يكون أولا وأخيرا للأممية, وكل انتماء دونه ـ قوميا كان أو دينيا ـ فهو قرين التخلف والرجعية ولقطع الشك باليقين تخلى العديد منهم ـ وحتى لا ينعت من قبل
الرفاق بالتخلف ـ عن الحديث حتى بلغتهم الأم ضمن بيوتاته الطينية , في حين إن بقية الشعوب انتهزت الفرصة وكانت منشغلة بعد الربع الأول من القرن الماضي بالتحالف بلغة المصالح مع القوى الجديدة ونجحت في أن تؤسس لها دولا وجمهوريات من تركة الرجل المريض وسواها. ومن جديد كان الكرد ضحية المبادئ القديمة الجديدة وكانت حصتهم من تركة الرجل المريض الصفر.
يتكرر الدرس الآن من جديد فبعد كل التضحيات الجسام التي قدمها الكرد في سبيل استقلال البلاد وتحررها وبعد كل الجهد الذي بذلوه في سبيل بنائه , تنكر الشركاء الجدد لكل شيء وأبوا ألا أن يطغى اللون الواحد على كل شيء وبعد مسيرة عقود خاض الكرد خلالها الكثير من المعارك ردا على هذا الإنكار والتهميش, وكان ضريبة هذا النضال المزيد من الاعتقالات والسجون والشهداء والإمعان في المزيد من المظالم والمشاريع والسياسات التمييزية والتهجير والتعريب, كعناوين بارزة لمرحلة ماضية مستمرة ليومنا هذا. ولعل إن النتيجة الأبرز لهذه العناوين والنضال الكردي الدءوب كانت رسالة واضحة للجميع إن القضية الكردية في سوريا معادلة يصعب القفز عليها أو تجاوزها ولعل هذه الحقيقة أدركتها السلطة والمعارضة في البلاد فتعامل كل طرف معها بطريقته, تعاملت السلطة بمبدأ القوة وحاولت تعويم القضية وطنيا عبر كبح أي نشاط كردي في المهد وتأليب الرأي العام ضد الكرد في الإعلام المغرض ووصفهم  بالانفصاليين والمثيرين للنعرات الطائفية والمذهبية وإنهم يحاولن سلخ جزء من البلاد وبالتالي فإن مطالبهم تتجاوز حدود الوطن والوطنية.
من جهتها وبالرغم من الصعوبات ـ نظرا للطوق الأمني المحيط بها والمحاولات المستميتة لعزلها عن الكل السوري ـ التي لاقتها الحركة الكردية في الانفتاح على المعارضة السورية التي لم تفتح بابها إلا حين شعرت بالثقل الكردي نظرا لما تمثله هذه الحركة من حجم وزخم جماهيري وفرته المعاناة الكردية بالدرجة الأولى, من جهتها وبعد أخذ ورد حاولت بعض قوى المعارضة
تعويم المسألة وطنيا وديمقراطيا وكمثال على ذلك إن الحوارات والنقاشات التي سبقت إعلان دمشق إذ أن أصوات معارضة كثيرة كانت تحاول القفز فوق الحقائق بالقول إن الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات في ظل دولة المواطنة كفيلة بأن يحصل كل على حقه أما أن تطرح القضية الكردية كقضية أرض وشعب فكان يتم التهرب من هذا الطرح على الدوام, ولولا الحاجة الضرورية إلى الدور الكردي في حينه, فإن المادة التي تتعلق بضرورة إيجاد حل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد ضمن وثيقة إعلان دمشق ـ ربما ـ لم تجد النور, والدليل على ذلك إن قيادات الإعلان من غير الكرد وفي ندواتهم ومقابلاتهم كانوا دوما يحاولون تجنب ذكر هذه القضية ولا بل إن أحد شيوخ السجن المعارضين وكلما دق الكوز بالجرة يقول (يا أخي شو كل مرة بدنا نكتب بيان الأخوة الأكراد عم ينطووا من فوق ويطالبوا بما لم ينزل الله به من سلطان).
وفي ذلك الحين نشرت مادة بعنوان (إعلان دمشق وتعويم الكرد ديمقراطيا) ما زالت محفوظة في أرشيف العديد من المواقع, وفي هذه الأوقات ومع تسارع الأحداث نفاجأ يوميا بمقابلات ولقاءات متكررة للعديد من شخصيات المعارضة التي تتابع الحدث ومعظمها  تتحدث عن ضرورات الإصلاح دون التطرق إلى معاناة الشعب الكردي في سوريا وربما يتم تجاهلها عن قصد وحين يجبر هؤلاء في الحديث عنها فإنهم وبخجل يحاولون تعويمها  بمطالب ستصحح في الإطار الوطني, أما مسألة مناقشتها كقضية شعب يعيش على أرضه في إطار ما نصت عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها فما زال الحديث بهذا الشكل عن القضية الكردية من قبل السلطة والمعارضة من المحرمات التي لا يجوز مساسها أو الاقتراب منها, وربما إن التقاء السلطة والمعارضة على هذه المواقف ليس بالأمر العجيب, إذا ما أدركنا بأن المنابع والمرجعيات الإيديولوجية للجهتين التي تقوم على تضخيم الذات وإنكار المختلف أيا كان
هي واحدة وما زالت أفكار أقطاب الجهتين أسرى هذه العقلية الأحادية, ومع ان الكرد في سوريا حاولوا وعلى الدوام ربط القضية الكردية في سوريا على أنها قضية وطنية بامتياز أي يجب أن تحل في الإطار الوطني على قاعدة الاعتراف الدستوري بها وليس عبر محاولة تعويمها ضمن أي إطار, فإن أية قضية ستبقى معلقة ولن تحل بهذه العقلية اليوم أو غدا , فأول شرط لآي عقد مهما كان بسيطا هو اعتراف المتعاقدين كل بحقوق الآخر عبر إرادة حرة وواعية, فكيف ونحن نتطلع جميعا إلى إبرام عقد اجتماعي وسياسي جديد في ظل الوطن ليحفظ حقوق الكل على قدم وساق عقد يعترف بالحقائق كما هي في إطار مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية والمساواة في الحقوق والواجبات . لا في إطار عقد يحاول طرف أي طرف  وتحت أية مسميات أن يفصله على قياسه.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=8212