السيناريوهات المفتوحة في ( لعبة الدين والدم في الشرق الأوسط الجديد ) – 2
التاريخ: الخميس 14 ايلول 2006
الموضوع: اخبار


بقلم: توفيق عبد المجيد

بات في حكم المؤكد بعد أن وضعت الحرب اللبنانية الأخيرة أوزارها أن معادلات كثيرة قد تفرض نفسها على خريطة المشهد السياسي في المنطقة ، كما أن مشاريع سابقة طرحت يوماً ما قد يؤجل البت فيها أو ترجع إلى الخلف لإفساح المجال لمشاريع جديدة وجدت على خلفية تعثر المشاريع السابقة أو فشلها بعد أن أدخلت عليها رتوش جديدة وزينت بأصباغ مختلفة لكي تكون مقبولة نوعاً ما في هذه المنطقة من العالم ، كما بات في حكم المؤكد أن المشهد الذي سيتصدر المخططات التي تحاك للمنطقة سيكون مختلفاً جداً عن مشهد ما قبل الثاني عشر من تموز دون أدنى اعتبار لمشيئة وتطلعات شعوب المنطقة .

فمنطقة الشرق الأوسط الحبلى بالمفاجآت ، والتي ستكون المسرح الرئيسي لهذه المتغيرات ، في الوقت الذي  يتبارى على ساحة الأحداث فيها أكثر من لاعب ، تبدو أشبه ما تكون ( بمرجل ضخم يغلي بشتى احتمالات التفجير ) والتغيير المتوقعة والمرتقبة في هذه المنطقة الملتهبة من العالم ، والتي تصارعت عليها القوى الكبرى منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الآن لعدة أسباب قد يكون الموقع الاستراتيجي ، ووجود الثروات الدفينة باحتياطياتها الهائلة من النفط والغاز ، وبعض المواد المعدنية النادرة ، والمياه الغزيرة في هذه البقعة من أولى الدوافع التي سال لها لعاب هذه الدول الطامعة ، لذلك حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تعتمد بديهية كلاوزفيتس الأولى وهي ( الحرب امتداد للسياسة )، وذلك عندما وجدت نفسها عاجزة عن لي ذراع الخصم للإرادة السياسية الأمريكية عبر ( فن الإقناع ) الذي يعتمد الديبلوماسية الهادئة على المدى الطويل ، فلجأت إلى الأسلوب البديل لتغيير تلك السياسة وهو القوة العسكرية لفرض الرؤى الأمريكية على الآخرين بمنطق القوة عندما وجدت أن الديمقراطية التي وعدت بها المنطقة جلبت التيارات الإسلامية ( المتطرفة ) التي تعادي إسرائيل والولايات المتحدة في سياساتها المعلنة وايديولوجياتها البعيدة على المديين المنظور واللامنظور ، فكانت إيران هي الهاجس الوحيد المقلق في المنطقة والذي كان يقض باستمرار مضاجع الإدارة الأمريكية وينافسها على السيطرة على هذه المنطقة الحساسة من العالم بما تملكه من ثروات نفطية هائلة وبما تطمح إليه من رغبة في الدخول إلى النادي النووي العالمي لوجودها في منطقة تتصارع  فيها بشكل خفي أكثر من دولة نووية كالصين وأفغانستان والهند مثلاً ، بالإضافة إلى إطماع قديمة لها لإحياء إمبراطوريتها السابقة التي كانت تتنافس مع الإمبراطورية العثمانية على زعامة المنطقة تجلت بوضوح في حبها للسيطرة على الخليج الذي تسميه حتى الآن بالخليج الفارسي وثبتت هذا الاسم في الأطالس العالمية المشهورة ، رافضة تسميته بـ ( الخليج العربي الفارسي ) واصطدمت المشاريع المطروحة ببعضها ، فكان الشرق الأوسط الكبير في البداية مقابلاً للشرق الأوسط الإسلامي أحدهما أمريكي والآخر إيراني ، إلى أن جاء على تأجيلهما أو أنقاضهما مشروع ( الشرق الأوسط الجديد ) .
إن الامتدادات الإيرانية العقيدية إلى العراق – وخاصة جنوبه – مروراً بأغلب دول الخليج العربي ، ممتداً إلى شرق المملكة العربية السعودية ، متمركزاً وبقوة في لبنان ، متعكزاً على عقيدة تلاقي القبول في ذهنية هذه المنطقة وعلى أرضيتها ، وتختلط مع معتقداتها بشكل عام ، تتلخص هذه العقيدة وهذه المفاهيم بقدوم المهدي المنتظر بجيشه ذي الملابس السوداء والذي سينطلق من الشرق ، فالأطماع القديمة ، والمعتقدات الراسخة ، والثروة الهائلة ، والخزان البشري الذي يمكن التحكم فيه والسيطرة عليه وتوجيهه ، كانت من أهم الأسباب التي شجعت إيران على الطموح في أن تكون أحد اللاعبين الأقوياء في المنافسة على السيطرة على هذه المنطقة متسلحة بشتى أنواع الأسلحة بما فيها النووية ، فدخلت في صراع علني أحياناً ، وخفي أحياناً أخرى ،  مع الولايات المتحدة الأمريكية في لعبة المصلحة والسيطرة على المنطقة ، وذلك عبر البوابة الفلسطينية ، لتجد نفسها مرغمة على العزف على وتر المشاعر الدينية الحساسة ومهددة إسرائيل بالفناء ، مستهترة بذاكرة المنطقة المثقوبة التي نسيت أن إسرائيل كانت قد أمدتها بالسلاح والعتاد إبان حربها مع بطل القادسية الثانية وحارس البوابة الشرقية .
يوصي الإمام الخميني أتباعه بأنهم إذا أرادوا أن يدخلوا المنطقة ويسيطروا عليها فعليهم أن يعلموا – والكلام للخميني - ( أن الحل الأمثل في دخولنا المنطقة وتكريس نفوذنا فيها سيكون عبر البوابة الفلسطينية!!.) فساهمت الجمهورية الإيرانية ( الإسلامية ) باستقدام أمريكا إلى المنطقة التي أزالت لها أول ما أزالت  العقبة العراقية ، فكانت إزالة هذه العقبة أعظم هدية قدمتها واشنطن لطهران وهي ( زوال عقبة الثقل الإقليمي للعراق بوصفه قوة ردع إزاء طموحات إيران والمد الفارسي في المنطقة ) بعد أن كانت قد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية في إزالة حكم الطالبان في كابول ، وقد عبر ( الأبطحي ) عن ذلك بصراحة ووضوح عندما أدلى بتصريحه الشهير ( لولا طهران لما سقطت كابول وبغداد ) يضاف إلى كل ما ذكرنا المد الأيديولوجي العقيدي الذي يلاقي القبول في المنطقة ، فكان لابد من تجربة لاختبار مدى القوة الإيرانية الصاعدة ، وردود الفعل في المنطقة ، وهل هي مرفوضة أم مقبولة ، وتوجيه إشارة إلى الغير بأن إيران لن ترضى أن تكون اللاعب الخاسر في المباريات القادمة مع اللاعب الأمريكي الذي يدق أبواب المنطقة بقوة ، فكان الاختبار الإيراني الإسرائيلي بعيداً عن الأرض الإيرانية ، وعلى الأرض اللبنانية لكسب الوقت وتشتيت الاهتمامات وإبعاد الخطر المحدق بها ولو مؤقتاً ريثما تنتهي من برنامجها النووي لتحقق ما رسمته من أهداف في هذه المنطقة المتصارع عليها ومن ثم لتشترك أو تساهم في إدارة الشرق الأوسط الجديد حسب رؤاها المستقبلية ، أو تديره بمفرها إذا استطاعت ، وقد عبرت إحدى عضوات الكنيست الإسرائيلي عن حقيقة هذه الحرب الأمريكية الإيرانية قائلة وباستنكار أنه ( ليس من حق الولايات المتحدة أن تسخر الدم الإسرائيلي لتحقيق مخططاتها ) ، وفي نفس المسار والاتجاه عبر المفكر الأمريكي نعوم تشو مسكي حين قال بصراحة : ( ليست هذه حرباً إسرائيلية بسلاح أميركي، إنما هي حرب أميركية بجنود إسرائيليين ) ، وعلينا أن نتذكر دائماً ما قاله الصحافي الإسرائيلي (أوري شمحوني) في صحيفة ( معا ريف ) في 1997، وهذا الرأي يلتقي كثيراً مع أغلبية الرأي العام المسيطر على الساحة الإسرائيلية وهو أن ( إيران دولة إقليمية ولنا الكثير من المصالح الإستراتيجية معها... وأن التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من جانبنا، بل من جانب الدول العربية المجاورة ، فإسرائيل لم تكن أبدا ولن تكون عدوا لإيران) ولنتذكر دائماً الأسلحة الإسرائيلية التي صدرت إلى إيران وبغض النظر عن مصدرها الذي أفتى به الإمام الخميني وقتذاك عندما كانت طهران تخوض حربها مع صدام ، وهذا يعيد إلى الأذهان دائماً ويؤكد عدم وجود حلفاء دائمين في السياسة .

يتبع …
في 5-9-2006

 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=789