المقومات الاساسية للديمقراطية
التاريخ: الخميس 04 تشرين الثاني 2010
الموضوع: اخبار



  بقلم هيئة تحرير صوت الأكراد *

يكثر اليوم الحديث عن الديمقراطية وخاصة في منطقة الشرق الاوسط وعلى الاخص في البلدان العربية, وذلك من طرف النخب المثقفة والساعية إليها , والانظمة العربية الحاكمة المدعية للديمقراطية علناً , والرافضة بل الغاصبة لها سراً , وهذا مايجعلنا محتارين عن أي ديمقراطية يتكلم الجميع , لذلك لابد من تحديد مقومات الديمقراطية ليكون كل شيء واضحاً وجليا , وإسقاط هذه المقومات على الواقع في الدول العربية , واستنتاج مدى تطابق الواقع الفعلي مع مقومات الديمقراطية .
إن الديمقراطية هي مجموعة او منظومة من القيم ترتكز بل تستند على بعض المقومات والمرتكزات الاساسية التي تكون محمية بضمانات مؤسسية وقانوينة , وهذه الضمانات التي بالطبع يوفرها النظام الديمقراطي هي التي تعطي للافراد الضمانات اللازمة للعطاء والتحرك , لأن جوهر الديمقراطية الحقيقية يقوم على الممارسة الحرة والفعلية للحقوق التي يضمنها القانون , لذلك فإن أي نظام لاتتوفر فيه مثل هذه الضمانات لايمكن تصنيفه او حتى وصفه بأنه ديمقراطي .


وهنا سنعرض اهم المقومات وابرزها التي يجي توافرها في أي نظام ديمقراطي :
1-  احترام حقوق الانسان :
يعتبر احترام حقوق الانسان اللبنة الاولى في البناء الديمقراطي في حال عدم وجود احترام كامل للحقوق الجوهرية للانسان فالحديث عن الديمقراطية  يكون زورا وبهتاناٌ أن الديمقراطية هي التي تضمن للمواطن حقه في التعبير عن الرأي وحقه في التجمع والانتماء إلى التيار او التنظيم الذي يرغب في الانضمام إليه , كما ان حرية الرأي والتعبير لاتكتمل إلا بحرية الانتخاب التي تضمنها حرية الاجتماع والتعبير التي ينبغي ان تستكمل بقواعد اشكال المؤسسات التي تراقب بل تحول دون التلاعب بالإرادة الشعبية , ودون إعاقة تداول الاراء واتخاذ القرارات , لأنه ليس هناك مبدأ أشد اهمية بالنسبة لموضوع الديمقراطية من الحد من سلطة الدولة في مواجهة المواطن واحترام حقوقه الاساسية التي يضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان مهما كانت الخصوصية الثقافية والحضارية للمجتمعات .
2- التعددية السياسية :
إن الاوضاع المعقدة التي تسود العالم الأن جعلت من المستحيل ان يكون طرفا واحد او حزب واحد صائبا بشكل مطلق لأن سيطرة الرأي الواحد والحزب الواحد تولد الجمود وفقدان المقدرة على الأبداع والمبادرة مهما كانت نوايا الحزب المسيطر طيبة (وهذا شبه معدوم) وقيادته كفوءة ,لأنه في ظل غياب التعددية في الرأي والممارسة السياسية يكون مجال ارتكاب الأخطاء واسعا وخاصة عندما يتم التفرد بممارسة السلطة لسنوات طويلة هذا التفرد الذي يخلق الفساد المالي والاداري .
إن العمل السياسي في المجتمعات المتحضرة يقوم على آلية الاحزاب السياسة بوصفها آلية مدنية تكفل التداول السلمي للسلطة والحوار وتبادل الافكار , كما ان الآلية الحزبية تضمن للمجتمع وسائل واساليب حديثة تدفعه الى العمل الجماعي الذي يمكنه من التطور بعيدا عن الآليات والاساليب التقليدية المعيقة لتطور الدولة والمجتمع من قبلية وعشائرية وطائفية , والتي تنافي مفهوم الدولة الحديثة القائمة على مفهوم المواطنة والعيش المدني المشترك الذي يوفق بين المصالح العامة والمصالح الخاصة على أسس قانونية موضوعية تضمن تنفيذها مجموعة من المؤسسات العصرية , وهو مايعني احلال الفكرة والاختيار الحزبي الحر والولاء للمؤسسة محل الولاء للشخص حياً كان او ميتا شيخاً لقبيلة كان او رئيس طائفة , وذلك لتسهيل احلال الروابط  الحزبية والتنظيمية الحديثة المتحركة مكان الروابط الكلاسيكية الجامدة وهكذا تسهل عملية الانتقال السلمي للسلطة بمعناه الواسع عن الفئات التي تحكم او تحتكر السلطة وفقدت اليوم ماكان يؤسس لشرعيتها وامتيازاتها او اهميتها في مواجهة الشرائح الاجتماعية والفئات التي افرزتها التطورات الحديثة بل جعلتها كماً وكيفاً لتولي الحكم والمسؤولية وكما يقول الفقيه كلسن في كتابه الديمقراطية (إن الاحزاب امر لاغنى عنه للديمقراطية) وكذلك المفكر آلان تورين يعتبر (إنه لاوجود للديمقراطية دون حرية المجتمع وحرية قواه الفاعلة او دون اعتراف الدولة بدورها الذي يحتم عليها ان تكون بخدمة هذا المجتمع وهذه القوى ) باعتبار ان الديمقراطية هي الصيغة الامثل عن وجود المجتمع السياسي بوصفها النظام الحديث الذي يضمن إيجاد مجتمع سياسي تكون المساواة هي محوره المركزي
3- امكانية تداول السلطة سلمياً وشرعياً :
تفقد التعددية السياسة معناها إذا لم تتوفر الآليات المعتمدة في تسيير المجتمع كله وكذلك مختلف المؤسسات والتنظيمات والتي تتيح للاتجاه السياسي مالك الاغلبية ان يتولى السلطة لتنفيذ البرنامج الذي يدعو إليه , وهذه هي حسنة من حسنات الديمقراطية لأنها توفر الشرعية لتداول السلطة سلمياً بعيداً عن الانقلابات العسكرية والعنف (كما في غالبية الدول العربية لأنها تجعل من الشعب هو الحكم بين الاتجاهات السياسية المتعودة .
إن الممارسة الديمقراطية وماتوفرها من آليات تضمن استمرار واستقرار الوضع السياسي , باعتبار المشاركة في الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً تعطي المواطنين والقوى السياسية وسيلة للمشاركة المباشرة في الشأن العام ولمحاسبة المسؤولين على ادائهم إيجاباً او سلباً, وتعتبر المشاركة السياسية خاصة والمشاركة في الشأن العام هي الوسيلة الملائمة لتداول السلطة , وغياب هذه الآلية عن واقع الممارسة السياسية في الدول العربية هو الذي يفسر حجم العنف المنتشر في المنطقة لأن أغلبية انظمة الحكم في الاقطار العربية تعمل على تعطيل الحياة السياسية ومختلف ادواتها , كما تقوم هذه الانظمة بتعطيل أي نوع من انواع المشاركة في الحياة العامة من خلال خلق القوانين المقيدة او المانعة لمارسة النشاط السياسي على الرغم من كثرة الانتخابات في بعض الدول العربية وهو مايعني ان تلك الانتخابات تظل شكلية وتجرى للاستهلاك الإعلامي وللتسويق الخارجي , دون ان تمس جوهر الاشياء في الحياة السياسية الجامدة بفعل الاستبداد السياسي .
4- وجود دولة القانون والمؤسسات :
إن نظرة ولو عابرة على شكل انظمة الحكم لغالبية الدول العربية سنلاحظ غياباً شبه كاملاً لدولة القانون والمؤسسات لأن هذه الدولة تستمد وجودها وشرعيتها من مؤسسات مستقلة عنها يتحدد اطار عملها من خلال منظومة من القوانين والتشريعات الثلاث , في حين ان شكل الدولة القطرية العربية القائمة الأن بعيد كل البعد عن دولة القانون والمؤسسات فهي (الدولة القطرية) إما دولة الحاكم الفرد أو دولة (الحزب الواحد) وإما دولة الموسسة العشائرية القبلية واما دولة تخفي جوهرها أللا ديمقراطي بمظاهر ديمقراطية شكلية او مزيفة , ذلك ان دولة القانون والمؤسسات التي يجري الحديث عنها ينبغي ان ترتكز على :
آ- ضرورة وجود دستور ديمقراطي يحترم الحريات الاساسية ويحدد الصلاحيات بشكل واضح ومحدد والحقوق والواجبات , ويضمن لجميع المواطنين حقوقهم وواجباتهم .
ب- الفصل التام للسلطات عن بعضها البعض , أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية بما يضمن التوازن بينها , عكس مايسود الأن في معظم الدول العربية حيث تهيمن السلطة التنفيذية وراس حربتها الامنية على باقي السلطات بشكل شبه مطلق , لأن الديمقراطية الحقيقية لا تتأسس في بلد ما لم يتم فيه الفصل التام بين السلطات .
ج- أهلية جميع المواطنين لشغل الوظائف العامة وتمتعهم بالمساواة في مواجهة القانون بعيدا عن أي تمييز بسبب الدين او العرق او اللون او المركز الاجتماعي
5- الوجود الفاعل لمؤسسات المجتمع المدني :
لايمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية وفعلية دون الحديث عن وجود مؤسسات مجتمع مدني قوية ومؤثرة ذلك أن وجود المجتمع المدني القوي والفعال يعتبر دليلاً على صحة الديمقراطية في ذلك البلد حيث اصبح تقدم الدول والمجتمعات اليوم يقاس بمدى فعالية هذه المؤسسات والادوار التي تقوم بها باعتبارها وسيطا مقبولا بين المجتمع بمختلف شرائحه والدولة بمؤسساتها المتعددة .
إن طرح اشكالية المجتمع المدني في الساحة العربية اليوم ياخذ طابعاً ملحاً لأهمية موضوع الديمقراطية المنشودة مايعني ان العمل على إيجاد مؤسسات المجتمع المدني الغائبة مطلب ملح وذلك لإزالة هذه الديمقراطيات المشوهة والمسخة التي تمارسها الدولة بمراقبته, ولكن الديمقراطية الصحيحة هي الوسيلة التي تمكن المجتمع من مراقبة الدولة .

* الجريدة
المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )  العدد (431) تشرين الأول 2010

لقراءة مواد العدد انقر هنا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7533