قراءة أولية في دعوة العراقيين الى الرياض
التاريخ: الثلاثاء 02 تشرين الثاني 2010
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

    بخلاف ماذهبت اليه وسائل الاعلام وبعض المقالات الصحافية باطلاق عبارة المبادرة على حديث العاهل السعودي في الثلاثين من الشهر الفائت بشأن العراق أرى أنه لم يتجاوز الدعوة حسب النص المعلن الى " المسؤولين العراقيين الى اجراء محادثات في الرياض .." وهم ممثلو الكتل البرلمانية الفائزة بالانتخابات الأخيرة وليست الدعوة  لعقد مؤتمر وطني عراقي مثلا يتمثل فيه كل المكونات والأطياف والتيارات والفعاليات على غرار مؤتمر الطائف بخصوص لبنان الذي جرى التحضير له من أجل مايشبه تعديل الدستور واجراء تغييرات تطال الميثاق اللبناني والنظام السياسي وموازين القوى المذهبية والشؤون العسكرية والأمنية والادارية وعلاقتها بالحرب والسلام والبعدين العربي والدولي محادثات " ترعاها الجامعة العربية .. "


اشارة الى تثبيت المظلة العربية الشاملة ولو بصورة رمزية وارضاء النظام العربي الرسمي حتى لايفسر باحتكار الرعاية السعودية فقط كما حصل بالنسبة لاتفاقية مكة بين حركتي فتح وحماس وذلك " لتجاوز مأزق تأليف الحكومة العراقية " أي اقتصار لقاء الرياض على تحقيق بند واحد وهو تشكيل الحكومة وقد جاء المؤتمر الصحافي للوزير سعود الفيصل في أعقاب دعوة الملك بمثابة توضيحات عليها في سبيل تسويقها وتعزيز فرص نجاحها على الصعيد العراقي خصوصا بنفيه وجود " أية شروط مسبقة وتأييد مايتفق عليه العراقييون " .
    الدعوة السعودية لاستضافة المسؤولين العراقيين ليست الأولى على الأقل في الستة اشهر الأخيرة مابعد الانتخابات بل ظهرت الدعوات المماثلة من بعض دول الجوار العراقي علنية ومواربة تلميحا وتصريحا وكان أبرزها من سوريا قبل أقل من شهر ولم تلق آذانا عراقية صاغية لأسباب عديدة من اهمها اعتبارها طرفا في الأزمة العراقية وليس محايدا وبالتالي لاتتوفر فيها شروط الوسيط النزيه وفي حقيقة الأمر يعتقد العراقييون بغالبيتهم ويتفق معهم المراقبون المعنييون بالقضية العراقية أن الأنظمة الحاكمة في دول الجوار بمختلف مشاربها لاتحمل الود تجاه العراق الجديد وليست سعيدة بالتغيير السياسي الذي تحقق فيه خاصة بما يتعلق بالنظام الفدرالي المطبق حسب الدستور والارادة الشعبية بمافيه فدرالية اقليم كردستان وكذلك بالعملية السياسية الديموقراطية الجارية رغم كل العقبات وهي لن توفر أية فرصة سانحة للانقضاض على التجربة العراقية الجديدة الواعدة كسابقة نموذجية في نظر شعوب المنطقة وطموحاتها المشروعة في التخلص من الاستبداد والدكتاتورية لذلك فليس من السهولة بمكان واستنادا الى تلك الحقائق أن يأمن العراقييون جانب الأنظمة والحكومات المجاورة أو يسلموا بأدوارها أو يطمئنوا الى دعواتها ووعودها وعهودها وفي هذا المجال لاتعبر المواقف الصادرة السهلة من بعض الكتل السياسية المتسمة بالمجاملة والترحيب " بأية مبادرة أو دعوة صادقة لمساعدة العراق وحل مشاكلها بما فيها الدعوة السعودية أو أي طرف آخر " عن حقيقة مواقف العراقيين ولا تزيد أو تنقص من الواقع القائم وهي ليست مواقف سياسية حول قضايا مصيرية داخلية مختلفة عليها خاصة وأن دعوة الرياض لاتحمل أجندة سياسية في ظاهرها المعلن ولايمكن لأي طرف أن يعلن أنه ضد دعوات – الخير – اللفظية من أية جهة كانت حتى لو كانت معادية له  .
   اذا قرأنا الدعوة السعودية كما هي خارج المواقف المبيتة والأجندة الخفية التي تثير ريبة العراقيين يمكن تسجيل عدد من المآخذ عليها وابداء سيل من التخوفات ومنها :
 أولا – من حيث التوقيت اقليميا تأتي في ذروة تفاقم الأزمة اللبنانية وفي أدق ظروف القضية الفلسطينية وفي أخطر مراحل الصراع المذهبي والسياسي في اليمن المجاور للسعودية وفي أجواء مليئة بالاشاعات والأقاويل عن صفقة سعودية – سورية وسعودية ايرانية ودور تركي أو ليس في مثل هذا المشهد الذي تتزاحم فيه الأجندة والخطط والمشاريع أن يكون الشعب العراقي على علم ودراية حول ما يجري وما يرسم وما يخطط بشأن مستقبله ؟ أوليس من حقه اتخاذ جانب الحيطة والحذر من الدعوة السعودية ومااذا كانت تخضع لمساومات في بازار المنطقة على حساب التجربة العراقية الديموقراطية الجدية ؟ .
 ثانيا – هناك محاولات حثيثة من جانب مختلف الكتل البرلمانية والمكونات السياسية للخروج من الأزمة الراهنة ذات الطابع الحكومي والرئاسات الثلاث وهي قضية داخلية بامتياز تتعلق بمبدأ التناوب على السلطة والشراكة فيها ولاتتعلق بالاستحقاقات الاقليمية والدولية ولا بطبيعة العلاقات مع المحيطين العربي والاسلامي ولا بمستقبل العلاقات العراقية – الأمريكية ودور الأمم المتحدة وقد دفعت المحكمة الاتحادية مساعي الاتفاق على تشكيل الحكومة نحو الأمام وبدأت لقاءات الكتل تتواصل ليل نهار في بغداد وأربيل والآمال معقودة على انهاء الأزمة عبر مؤسسة البرلمان قريبا لذلك تأتي دعوة الرياض في وقت لاتتوفر فيه الحاجة اليها والمراهنة عليها فاذا نجحت المساعي العراقية في حلحلة الأزمة الحكومية تنتفي الحاجة الى لقاء الرياض لتبويس لحى البعض وحتى لو لم تنجح فلن يكون الحل لافي الرياض ولافي دمشق ولافي طهران .
 ثالثا – أستقبلت مبادرة رئيس اقليم كردستان السيد مسعود بارزاني من أجل حل الأزمة بتجاوب منقطع النظير من جميع الكتل والمكونات والكيانات العراقية وبالاضافة الى بنودها الجوهرية المناسبة فان من ميزتها أنها صادرة من طرف كردستاني وهي كمشروع كبير طرحه الأخ الكردي الصغير على الأخ العربي الكبير ( حسب توصيف الكاتب قرداغي ) في المعادلة العراقية من حيث التكوينات القومية المتفاوتة في العدد وهذا بحد ذاته يعبر عن معاني تاريخية وسياسية ومصيرية مليئة بحقائق الدور الكردي دائما وأبدا ومنذ قيادة الزعيم الراحل  مصطفى البارزاني في صيانة الوحدة الوطنية وتعزيز الشراكة والعيش المشترك الكردي العربي والحرص على وحدة العراق الفدرالي الجديد وفي التوقيت ذاته جاءت الدعوة السعودية وكأنها بديلة عن المبادرة أو انتقاصا من قيمتها ومعانيها الدالة ألم يكن أجدى لو حذت السعودية حذو الجامعة العربية ومصر والأردن والادارة الأمريكية والاكتفاء بدعم واسناد مبادرة الرئيس البارزاني ؟ أليس نجاح المبادرة يقود الى تعلق الكرد أكثر بوحدة العراق وبالعيش المشترك مع العرب ؟ وهل تهدف السعودية الى استصغار الدور الكردي الجامع وكونه كوسيط خير وجسر يجمع كل العراقيين وذلك ارضاء للأنظمة الثلاث التي تضطهد الشعب الكردي في المنطقة وتعمل منذ فترة بالتنسيق الأمني والسياسي والعسكري على حبك الخطط والمؤامرات على الحركة التحررية الكردية وخاصة نظام دمشق وذلك كجزء من صفقة شاملة ؟
   العراقييون أمام الامتحان لصيانة وحدتهم الوطنية والحفاظ على تجربتهم الديموقراطية ودرء المخاطر والتحديات من الجوار فهل سينجحون ؟







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7521