السياسة الخارجية الأميركية وفرضية الابتزاز المزدوج
التاريخ: الجمعة 15 تشرين الاول 2010
الموضوع: اخبار



  آزاد أحمد علي

في مطلع تسعينات القرن الماضي، مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بخسارة الطرفين بشرياً واقتصادياً، إضافة إلى تزايد القدرات العسكرية لهما، وخاصة في مجال التصنيع الحربي. أطلق خبراء السياسة الخارجية الأمريكية خطّة لاحتواء كلّ من الدولتين، وكانت تعرف حينها بسياسة الاحتواء المزدوج (لكلّ من إيران والعراق). بعد عام 2003 تغيّرت المعادلة، أسقط نظام الحكم في بغداد، أما نظام الحكم في إيران فقد ترسّخ وتجذّر أكثر، ولم يعد لسياسة الاحتواء المزدوج أو المفرد أيّة فعالية. إذ بدأت مرحلة جديدة للسياسة الأميركية. فمن الملاحظ وخاصة خلال متابعة التصريحات المتفرقة والمتتالية للمسؤلين الأمريكيين والتي توجه عادة لنقد سياسيات الحكم لدول مختلفة في العالم، وبخاصة في منطقة الشرق الوسط، يتبيّن للمراقب أن هذه الانتقادات تتزامن عادة مع تطلّعات الأمريكيين لتمرير صفقات أو سياسات محددة يطلب تنفيذها من السلطة في هذه الدول موضوع الانتقاد.


 ولا تركز عادة هذه الانتقادات على بنية هذه الأنظمة ومنظوماتها السياسية، فقلما نصادف ملاحظات أمريكية جوهريّة حول طبيعة الحكم في هذه الدول وآلية توزع وانتقال السلطات فيها.
إن تلكّؤ مشروع دمقرطة الحكم في العراق وتعويم القوى الدينيّة، والموقف البراغماتي من إيران وطبيعة الحكم فيها، وكذلك التعامل الموسمي الباهت مع معارضتها من "إصلاحيين وعلمانيين وبشكل أكثر تخصيصاً الحركة الكردية الديمقراطية الناشطة فيها منذ أمد بعيد، واليسار الإيراني ممثلا بحزب تودا ومنظمة كومه له" ، بل ثمة مؤشرات على أن أوساط رسمية أمريكية تفضل التعامل مع مجموعات مذهبية انتحارية إيرانية. كل ذلك دليل وتعبير واضح عن عدم جدية الإدارة الأمريكية في تناول مسألة دمقرطة أنظمة الحكم في العديد من دول المنطقة ومن ضمنها إيران، فليس لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منهجٌ نظريّ ولا تطبيق عمليّ واضح لمساعدة الشعوب والحكومات لدمقرطة أنظمتها وتطوير قوانينها، وإنما تعتمد مبدأ الضغوطات الدبلوماسية والإيحاءات الإعلامية، وتطلق المصطلحات والمفاهيم السياسية العائمة مثل: ضمان الحريات وحقوق الإنسان الخ ...
 لذلك لا يلمس المراقب بالفعل أيّة جدية في السياسة الأمريكية لتطوير النظم السياسية والحكومات اللاديمقراطية ودفعها بحسن نيّة نحو مسار تكتسب فيها شرعية دستوريّة، ولتؤسس لديمقراطية منسجمة متفاعلة مع حواملها الاجتماعية، إلا باستثناءات قليلة عندما تنصب جهود الإصلاح والتحديث باتجاه خدمة السياسات الأمريكية بطريقة فاقعة ومباشرة وآنية.
 هذه الملاحظة الأساسية مع العديد من الملاحظات الأخرى يمكن الاستدلال من خلالها بأن الأجندة الأمريكية في المنطقة تعتمد الاشتغال على تناقضات محلية مزمنة داخل حدود أغلب الدول من جهة، وبين الدول المتجاورة من جهة أخرى. وصولاً إلى التعامل مع ثنائيات متفاعلة ( سلطة ـ معارضة) أو( أديان ـ مذاهب) أو مناطق جهوية متباينة داخل الدولة الواحدة ( شمال ـ جنوب) لتوظيف حدة تناقض هذه الثنائيات، إضافة إلى استثمار العلاقات المتوترة  بين الدول المتنافسة في رقعة جغرافية وأقاليم شديدة الحساسية كالخليج العربي، لتأمين بيئة تتشكل فيها ثنائيات متناقضة كبرى كإيران ـ دول الخليج في المحصلة. وتتجاهل في الوقت نفس القوى السياسية المستقرة ذات الإرث الفكري والسياسي المتنور، كما لاتهمها كثيرا البرامج والأسس الفكرية والمعرفية لهذه المنظمات السياسية ذات التوجه التنويري.
فجوهر السياسة الخارجية الأمريكية يكمن في العمل باتجاه استغلال هذه الثنائيات، واستثمار جميع الأطراف، سواء بالنسبة لقضية الشرق الأوسط المركزية أم بالنسبة لمسائل أطرافها ذات الصلة، وهي لم تحقّق أي منجز سياسيّ ذات قيمة لأي طرف حتى الآن سوى ما تحققه مرحليا لحليفتها الثابتة إسرائيل، وبالتالي تبقى أمريكا الحكم بعيدة عن المعارضات حيناً وقريباً من السلطات حينا آخر، وتستجر مصفوفة الثنائيات المتشكلة لتقدم لها المزيد من التفاهمات والتنازلات.
 لاشك أن هذه الثنائيات المتعارضة ليست اختراعاً أمريكياً ولا غربياً إمبرياليّاً محضاً، وإنّما   موجودة بشكل موضوعيّ، لكن على ما يبدو أن السياسة الخارجية الأمريكية تسعى لإعادة ترتيبها وتفعيلها لتحقيق المزيد من المكاسب وسحب البساط من تحت كافة الأطراف. لدرجة
 يمكن تشبيه هذه الممارسات ووصفها بسياسة الابتزاز المزدوج لمجموع القوى السياسية المتزاحمة التي تبحث عن دور محليّ وإقليميّ.
  وفي حال خلوّ الساحة من أية مبادرات سياسية إقليمية فكلّ الأطراف المنتظمة في ثنائيات المنطقة ستتعرض لمزيد من الإضعاف والابتزاز. وبالتالي تتعمّق أزمة الثقة بينها، وتتحوّل هذه الفرضية إلى واقع ثقيل وخطير يصعب تجاوزه.
لذلك إن بقاء كلّ من السلطة والمعارضة في أغلب الدول بعيدة عن مداخل الحوار والبحث الجاد عن الحلول لمعضلاتها القائمة، وكذلك استمرارية تناقضات الدول المتجاورة المتنافسة، ستؤجل المسائل الخلافية وتعقدها...
  فمن الضروري أن تسعى النخب والقوى الفاعلة في المنطقة لفتح  قنوات الحوار الجدي فيما بينها لتشخيص مشاكل المنطقة، ولابد من مبادرات جريئة تنبع من مصالح شعوبها لوضع خطة للوفاق الإقليمي، تعتمد مصالح الشعوب أساساً للعمل.
 فكون أمريكا دولة قوية وفاعلة فهذا لا يعني أبداً أنها رسول السلام والديمقراطية وقادرة على حل إشكالات التاريخ والجغرافيا والاجتماع المزمنة في المنطقة، وخاصة أنها لم تدعي يوماً ولم تعبر لحظة واحدة عن أيديولوجيا أو مشروع نظري واضح المعالم بهذا الخصوص.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7478