الإيزيدية والتزمت الأقلياتي
التاريخ: الأربعاء 15 ايلول 2010
الموضوع: اخبار



كاني رويار

من المعلوم و البديهي على الأغلب أن الأقليات الدينية والقومية والمذهبية وغيرها تتميز بعدة خصال وسمات عامة تجمع فيما بينها على أختلافها ومنها بشكل خاص تزمتها وتمسكها الشديد و"الشرس" بالحفاظ على وجودها وبقاءها وعدم اضمحلالها وانحلالها أو ذوبانها ضمن البوتقة الأكبر ولربما أن هذا الأمر ليس مستغربا أو مضرا بل عاديا بشرط ألا يتجاوز حدود المنطق والعقل وألا يتحول إلى شرنقة تخنق أصحابها – أيا كانوا- وألا تؤدي الى تقوقع مؤذ وفاقع وضيق أفق لا حدود له.


تخاطرت إلى ذهني هذه الأفكار وأنا أتابع تفاصيل "الحرب" الانترنتية المستمرة التي شنها رهط من أخوتنا في القومية – الإيزديين- الذين بكل حال من الأحول لا يمثلون الإيزديين برمتهم لكن مهما كان فأنهم يشكلون رأيا ومنطلقا ووجهة نظر تؤخذ بالحسبان ولها الكثير من الدلالات والمعاني الإيجابية والسلبية، بحق السياسي الكردي السوري صلاح بدرالدين الذي كثيرا ما يتهم من قبل المفكرين و اليساريين العرب بالانحياز إلى أبناء جلدته من الكرد مهما كان دينهم ومذهبهم. كما يعرف عنه – سواء اتفقنا أواختلفنا معه- ميله الفكري والعملي إلى العلمانية والحداثة ضمن إطار قومي كردي منفتح على الآخر وقابل للتطور والتقدم ومستند على إرث مدارس الكوردايتي كالبدرخانية و البارزانية وكفاح الشعب الكردي الذي كما يقول عنه الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي، رغم تعدد الأمراء الكرد لكن يبقى "الشعب الكردي هو الأمير الوحيد" على مدى الدهر.

لن أتطرق ها هنا إلى أصل وتاريخ الإيزديين وتسميتهم ذلك لأنني لست بمؤرخ ولا أدعي ذلك، لكن بالنسبة إلى الايزديين فمن الواضح للعيان ومما لا يستطيع أن ينكره أحد هو مسألة قوميتهم لأن الإيزيدية دين وليست قومية. فالموضوع يدور برمته عن قومية الإيزديين. ولم يفه أحد من الكرد أن قومية الإيزديين ليست الكردية لكن بعض الأصوات التي تنبعث من هنا وهناك ضمن الإيزيديين تثير البلبلة وتبحث لها عن إثنيات وقوميات أخرى غير الكردية. إن الدين الوحيد الذي يتضرع إلى الله تعالى ويتقرب من الحقيقة الأزلية و يصلي و يصوم باللغة الكردية من ألفه إلى يائه هو الدين الإيزيدي! وحتى الكتاب المقدس لدى أتباع الديانة الإيزدية ( الكتاب الأسود – مه صحفا ره ش) مكتوب باللغة الكردية بلهجتها الكرمانجية التي هي لهجة القسم الأكبر من الكرد في طول كردستان وعرضها.

أعتقد أن بدرالدين وسواه من مفكري وكتاب الكرد لا يكفرون ولا يأثمون حين يهبون للذود والدفاع عن إقليمهم الكردستاني الفيدرالي العراقي الذي هو أكبر إنجاز تحقق للكرد –أينما كانوا- في العصر الحديث بعد جمهورية كردستان في مهاباد 1946 التي راحت ضحية للتوازنات وتقاطعات المصالح الدولية ولم تدم –كحلم كردي جميل- سوى 11 شهرا، من الكتابات الجارحة والمبطنة لبعض من كتاب ومثقفي الإيزيديين الذين يتناولون إقليم كردستان بالنقد اللاذع والمستهزء والعدمي الذي لا يرضى بأي شيء وينظر إلى التجربة الفتية للإقليم بعيون الريبة والشك و يبرع في شحذ الأقلام لتحويل كل إنتصار مهما كبر أو صغر إلى خسارة.

هنا لابد لي من أن أذكر أن النقد من أهم عوامل تقدم وتطور المجتمعات والأحزاب والمنظمات والجمعيات والأفراد. ويحق لكل شخص و لكل كردي غيور محب لوطنه وشعبه أن يقوم بنقد تجربة إقليم كردستان الفتية وحكومة الإقليم التي لا بد وهي تؤدي مهامها وتقوم بعملها أن ترتكب بعض الأخطاء الصغيرة وغير المقصودة هنا وهناك. لكن أن يأتي كاتب كردي إيزيدي في مستوى السيد هوشنك بروكا ويقوم بنسف كل شيء تقوم به هذه الحكومة والحزبين الرئيسين في الإقليم بضراوة ودونما هوادة وكأني به يتقصد أن تخطأ هذه الحكومة وهذين الحزبين حتى يقوم بالتشهير بهما فهو لها بالمرصاد فهذا مما أعتبره تهويلا للأمور ومبالغة في تصوير الواقع. أليس مستغربا إلى حد ما أن يستشهد بعض الكتاب العرب المعروفين بأفكارهم العنصرية والشوفينية وبمعاداة الكرد وقضيتهم القومية بآراء وأفكار السيد بروكا في كتاباتهم ومقالاتهم؟!

يتهم بروكا بدرالدين بالتخفي وراء قناع العلمانية لتمرير أجندته الإسلامية وخاصة المعادية للإيزديين لكنه يخطأ في هذا الأمر. ولا أقول هذا لأن الأخير أبعد ما يكون عن المواقف و الأجندات إسلامية، بل لأن بروكا ذاته يبدأ كل كتابة وفكرة من أفكاره سواء المكتوبة باللغة الكردية –التي يتقنها بروكا- أو العربية التي يقلد فيها أسلوبه الكردي من منطلق إيزيدي مخبأ وراء الكثير من الحيل اللفظية والتلاعب بالمفردات التي يجيدها شاعر بحجمه. وحتى في شعره فأنه ينهل من معين "عقدة " الاضطهاد التاريخي – 72 مجرزة بحق الإيزديين وواحدة تنتظر الولادة برأيهم وأغلبها كما يدعون هم أنفسهم من قبل أبناء جلدة الأمير الأعور أي الكرد المسلمين لاغيرهم وهذا التفسير تجلي في مثل شائع بين اليزيديين يقول "لاشيء أسوأ من الفقر سوى الإسلام!".

الفرد الإيزيدي الذي يعتبر الشاعر هوشنك بروكا الوجه الفكري الساطع لهم، يعتبر ذاته مضطهدا ولانصير أو مؤيد له فهو مظلوم من قبل أبناء قوميته الكرد وهذه السيكولوجيا المريضة – التي كانت لها أسباب خارجة عن إرادة الإيزيديين في الكثير من الأحيان- تضخمت بفعل مرور الزمن وتقوقع الإيزيديين حول نفسهم للحفاظ على وجودهم وصيانه تميزهم وإختلافهم عن غيرهم ووصلت إلى درجة التطلع بعيون مليئة بالشك إلى كل من حولهم ولاسيما أبناء جلدة الأمير الأعور! بل وصلت هذه الحالة الغير صحية إلى درجة ظهور تقييد شديد بين أبناء الدين الإيزيدي أنفسهم ومنع التزاوج بينهم حيث يوجد طبقات عديدة لايسمح لها بالتزاوج من طبقات أدنى منها ناهيك عن الزواج من مسلم أو مسلمة ولابد أنكم تذكرتم مثلي الآن الفتاة دعاء وما حصل لها ولابد أنه قد أقشعرت أبدانكم الآن وأنتم تتذكرون تلك القصة المؤلمة.

لكن هل تعبر حادثة قتل – دعاء- عن فكر وتوجه عامة الإيزديين أو عن الدين الإيزيدي؟ بالتأكيد لا. فرغم أثر الحادثة الحاد الذي سيبقى وصمة عار على جبين البشرية بأكملها إلى الأبد، لكن من منا يستطيع أن يتناسى أوينسى كرد أرمينيا الإيزديين الذين أطلقوا ثورات ثقافية وفكرية وغيرها ساهمت في تعزيز وتخليد الثقافة والأدب الكرديين في ذاك "الجزء الخامس" من كردستان. هؤلاء الكرد الإيزديين البسطاء و الغيورون على قوميتهم الذين زارهم البارزاني مصطفى أثناء تواجده في منفاه بالإتحاد السوفيتي و سمى الكثير منهم أبناءهم بإسمه، لسنا نقصد هؤلاء ولانقصد الإساءة إلى الإيزيديين لكن نرغب أن تمتلك أية أقلية الجرأة لمواجهة الحقيقة ومراجعة حساباتها وبالأخص الكاتب والشاعر هوشنك بروكا الذي عليه رؤية النصف المليء من الكأس التي هي كأسنا وإن إنكسرت وصلت شظاياها إلينا كلنا، إلا من أعتبر نفسه في الجانب الآخر مع حفنة المتربصين والحاقدين الذين لا يعجبهم العجب ولا يريدون الخير والنماء لهذا الإقليم الكردي – بمسلميه وإيزيدييه – وكافة أطيافه ومذاهبه وأديانه ذلك أن كردستان هي الأم الرؤوم التي تتسع صدرها لجميع أبناءها دون تمييز أوتفرقة.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7402