التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
التاريخ: الأثنين 02 اب 2010
الموضوع: اخبار



  لا تزال منطقة الشرق الأوسط تعيد إنتاج أزماتها، فالإدارة الأمريكية عادت للتركيز على أولوياتها في إيران والعراق وأفغانستان، في حين لم يحقّق فيه المسار الفلسطيني تقدّماً يذكر رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على مهمّة المبعوث الأمريكي لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخاصة بعد احتواء أزمة أسطول الحرية وتراجع حدة اللهجة التركية حيال إسرائيل أمام تعنت حكومة نتنياهو، التي تصرّ على البدء بإجراء مفاوضات مباشرة تتّفق معها إدارة أوباما، التي تسعى بكل الوسائل لطي الملف الفلسطيني، عبر مشروع دولة فلسطينية قابلة للحياة، كي تكسب العرب إلى جانبها في صراعها الجاري مع إيران، وتقايض إسرائيل بتقديم تنازلات "مقبولة" في الأرض الفلسطينية. مقابل درء الخطر النووي الإيراني.


  ورغم إقرار مجلس الآمن في حزيران الماضي لعقوبات قاسية ضد إيران بشأن هذا الملف ودعمها مؤخراً، بعقوبات إضافية من قبل الاتحاد الأوربي وأمريكا وكندا، فإن الأصوات بدأت ترتفع من جديد تطالب بالتحضير لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، التي بدأ النظام الحاكم فيها يدرك خطورة تأثير تلك العقوبات على اقتصادها المنهك أصلاً، خاصة بعد أن بدأت الكثير من الدول والشركات العالمية بتطبيقها، وما تركته من آثار ملموسة على قطاع النفط والنقل البحري والجوي والتجارة الخارجية، وما سبّبته من ردود أفعال داخلية تجلّت في شكاوى البازار والإضرابات العمالية .

  ومع تزايد عزلة النظام في طهران وتعمّق أزمته، فإن المخاوف تزداد من احتمالات تحريك أوراقه الإقليمية، وهو ما يفسّر اندلاع المعارك في اليمن مع الحوثيين، وتزايد الحديث عن خريف ساخن في لبنان على وقع الإعلان عن قرب صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية الخاصة بالحريري، وما يتردد من إشاعات تدور حول توجيه الاتهام لبعض عناصر حزب الله المتّهم بالتحرّش بقوات اليونيفل، وذلك في رسالة إيرانية تحذيرية، مقابل ما يستجد من توجّه سوري نحو التحييد في هذا الموضوع، وتحوّلات ملموسة في التحالفات السياسية، وتعثّر الحوار الوطني اللبناني، وهو ما يجعل من لبنان مرة أخرى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات إقليمية، ويزيد من احتمالات تورّط حزب الله في توتير الوضع الداخلي، أو في اشتباك مع إسرائيل، لاستعادة صورته، كحزب (مقاوم)، وكتعبير عن رد إيراني محتمل على العقوبات الدولية وعلى سيناريو هجوم إسرائيلي أو أميركي محتمل، مما يزيد من حالة الاحتقان السائدة.. لكن الوفاق السعودي/السوري، الذي ضمن حالة من الاستقرار الحكومي في الفترة الأخيرة، وتوّج بالزيارة المشتركة للعاهل السعودي والرئيس الأسد إلى لبنان، قد يساعد على إشاعة التهدئة من جديد، وبناء مظلة واقية من مخاطر حرب أهلية.
  أما في العراق، فإن المضاعفات الإيرانية الأمريكية تتفاقم، ويتعمّق التدخّل الإيراني في شؤونه بأشكال عدّة، خاصة ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة العراقية، التي استعصت ولادتها بسبب تلك التجاذبات، وعمق الهوة بين الطموحات الإيرانية الرامية لارتهان العراق، وسد الفراغ الناجم عن خروج القوات الأمريكية، وبين السياسة الأمريكية التي لا تريد أن تمسك إيران بسلطة القرار في الخليج من خلال تكريس نفوذها في العراق، وإطالة أمد المواجهة على الساحة مع الأمريكان عبر إعاقة الانسحاب، لابتزازهم وإشغالهم عن التفرّغ لساحات أخرى.. وهكذا تراوح جهود العراقيين المحكومين بالتوافق، وبالاحتكام مرة أخرى لمحاصصة طائفية - أثنية للمواقع والمناصب، بانتظار الولادة العسيرة لحكومتهم الجديدة، التي يدور الخلاف فيها حول هوية القائمة التي ستشكلها، والتي ستؤشّر للمستقبل السياسي لهذا البلد، ولخارطة النفوذ الدولي والإقليمي ونسب توزيعه بين الجيران، كما يدور الجدل حول طبيعة تلك الحكومة وعلاقاتها بالأقاليم والمحافظات، مما يثير المخاوف من جديد لدى الجانب الكردي حول مستقبل الفيدرالية ومصير مناطق عديدة، بما فيها كركوك التي تدخل بقوة في النقاش الدائر حول تشكيل الحكومة الجديدة، والتي شملت تداعيات تأخيرها العديد من أوجه الحياة مثل انهيار الكثير من الخدمات العامة كالكهرباء والمياه وشبكات الطرق، إضافة إلى تدهور الأوضاع الأمنية في الفترة الأخيرة .
  وفي ظل هذه الأوضاع المتوترة تصاعدت مؤخراً الضغوطات التركية بشأن معسكرات PKK في جبال قنديل، حيث نجحت في تفعيل آلية عمل اللجنة الثلاثية في أربيل بين تركيا والعراق والولايات المتحدة لرصد تحركات مقاتلي  PKKوتعطيلها.. لكن رئاسة إقليم كردستان ترى أن التعاون في هذا المجال يجب أن تسبقه خطوات عملية على صعيد إيجاد حل مقبول للقضية الكردية في تركيا، ومتابعة تنفيذ مبادرة آردوغان للانفتاح الديمقراطي، بعد الاستفتاء في أيلول القادم على التعديلات الدستورية الرامية إلى إصلاح النظام القضائي، وتحديد صلاحيات العسكر ومحاكمة عناصره أمام محاكم مدنية، والذي يتحول إلى استفتاء على شعبية ونفوذ كل حزب في تركيا بما فيه حزب العدالة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في صيف 2011 ، خاصة بعد أن تراجعت لصالح الحزب الجمهوري على ضوء تعثّر جهود انضمام تركيا للاتحاد الأوربي، وفشل وساطتها بين كل من إيران ومجموعة 5+1 ، وبين سوريا وإسرائيل، إثر حادثة قافلة الحرية، وهو ما يثير قلق الجانب السوري من تداعيات فقدان تركيا لهذا الدور، ويخدم التوجهات الإيرانية التي لا تنظر بارتياح  للمفاوضات السورية الإسرائيلية .
  وعلى صعيد الداخل الوطني، فإن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تضغط على مختلف أوجه حياة السوريين، بعد ازدياد معدلات البطالة والفقر بشكل متسارع، وبالتزامن مع تحدّيات النمو السكاني السريع واستمرار قمع الحريات الأساسية، وغياب الحياة السياسية، واستمرار حالة الطوارئ، التي تجري في ظلها عمليات الاعتقال والملاحقة ومنع السفر بحق الكثيرين من مختلف الأطياف واللونيات السياسية ورجال الفكر والقلم.
  وتشير الدراسات الاقتصادية بأن أكثر من ثلث السكان يعانون من الفقر، وهذه النسبة مرشحة للزيادة مستقبلاً، بسبب غياب برنامج جدي للإصلاح، وتفشي ظاهرة الفساد في مفاصل الدولة والمؤسسات الحيوية، والتي تؤدي إلى خسائر ضخمة على صعيد هدر المال العام، ورفع تكاليف الإنتاج وانخفاض مردود وانجازات المؤسسات العامة، وتهريب الأموال.. كما أن تفاقم البطالة، ذات الطبيعة البنيوية، يعكس بوضوح ضعف النمو الاقتصادي وعجز سوق العمل عن استيعاب خريجي الجامعات والمعاهد، كما يعكس إهمال القطاعات الأساسية المنتجة للدخل، مثل الزراعة والصناعة والبناء، فالإنتاج الزراع مثلاً تراجع بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والأسمدة والمستلزمات الأخرى للإنتاج، وتحاول السلطة تبرير ذلك الإهمال بالجفاف وشحّة الأمطار، وكان القمح في مقدمة المحاصيل المتضرّرة في المواسم الماضية، كما أن هناك محاصيل أخرى في الموسم الصيفي مهددة بالخسارة مثل القطن وغيره، وذلك بسبب توزيع البذور السيئة وإلغاء الدعم والإهمال الحكومي .
   وفي ظل غياب برامج إصلاح حقيقة، واستمرار تغييب الحريات الديمقراطية، تتفاقم الأحوال المعيشة في البلاد مما يزيد من حالة الاحتقان، الذي بدوره يضرّ بأمن الوطن والمواطن، ويزيد من أهمية الدعوة لإصلاح ديمقراطي شامل .
   وبهذه المناسبة، وبعد إطلاق سراح معتقلي إعلان دمشق، فإن القوى الوطنية التي شاركت في اجتماع المجلس الوطني الأول، مطالبة بحماية دور الإعلان، وتطوير آليات عمله، وذلك عبر مراجعة وثائقه، لتنسجم مع المتغيّرات والمستجدّات التي طرأت على مختلف الصعد، والتمسّك الثابت بمبدأ الحوار الديمقراطي بين مختلف الأحزاب الوطنية، كوسيلة حضارية لا بديل عنها من أجل تضافر جهود المعارضة الوطنية في الداخل، وإيلاء الاهتمام اللائق بالوضع الكردي، ونبذ الإجراءات والضغوط والمراسيم الاستثنائية التي باتت تشكل كابوساً مخيفاً في المناطق الكردية، وتزيد من مأساوية هذا الوضع الخاص.. ورغم أن تصريحات السيد الرئيس بشار الأسد لوكالة جيهان التركية مؤخراً :(بأن المواطنين الأكراد في كل من سوريا وتركيا ليسوا سوّاحاً أو مقيمين مؤقتين، بل هم جزء لا يتجزأ من الشعبين) أنعشت الآمال مرة أخرى بإنصـاف شـعبنا الكـردي، ابتداء من إشـارة الاعتراف بوجـوده، لكنها تحتـاج إلى ترجمـة عمليـة على أرض الواقع، تضمن إنهـاء معـاناتـه من الشوفينية ومن مختلف أوجـه التمييز.
  1|8|2010 
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7253