كلنا عرب .. كلنا اخوان
التاريخ: الخميس 13 ايار 2010
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

استأثرت مقالتي الموسومة ب " عروبة العراق ضد وحدة العراق " المنشورة في عدد من المواقع والصحف الكردية والعربية باهتمام عدد غير قليل من أصحاب الرأي والاعلاميين بعضهم كان قاسيا موغلا في التعصب الشوفيني والبعض الآخر كان أقل وطأة وأكثر موضوعية ومن بينه والتي أثار انتباهي مقالة الاعلامي السعودي المشرف على قناة العربية الفضائية – عبد الرحمن الراشد – المنشورة في صحيفة الشرق الأوسط في التاسع من أيار – مايو – الجاري تحت عنوان : " هل يمكن احياء القومية ؟ " والتي دارت حول موضوعنا المطروح من دون الاشارة المباشرة الى السجال الدائر حول الحالة العراقية الخاصة التي تناولناها كمثال نموذجي معبر عن الحالة العامة للنظرة العربية السائدة الى الآخر المختلف قوميا وأثنيا في بلدان المنطقة


وقبل التصدي النقدي لمضمونها الفكري وتوجهها السياسي وتعبيرها الثقافي أود إيضاح أن كل ما نشر مؤخرا وما سيكتب لاحقا بهذا الشأن ليس بجديد وبما أنه يدور حول علاقات العرب بالشعوب والقوميات التي تتعايش معهم في دول منذ ترسيم الحدود وفرض الخارطة الجغرافية الجديدة بدون ارادة الجميع اثر اتفاقية سايكس – بيكو ونتائج صراعات الدول الاستعمارية وما خلفتها الحربان العالميتان بفعل موازين القوى العسكرية فان المسألة تتسامى الى درجة المبادئ والمواقف الإستراتيجية الكبرى حول خلاص وحريات ومصائر عشرات الملايين من أفراد الأقوام المحرومة والمقموعة والمنسية في الشرق الأوسط موزعة بين عدة دول ومن بينها بلدان تقع فيها المسؤولية المباشرة في إيجاد الحلول على عاتق الأطياف العربية الرسمية والشعبية من ساسة ومثقفين واعلاميين مثل : العراق وسوريا والشمال الافريقي والسودان.
   ان مواصلة المناقشات وتبادل الآراء علنا وعبر مختلف المنابر الإعلامية بين نخب الشعوب حول القضايا المختلفة عليها ستنير الطريق وستؤدي إلى العودة إلى نهج الحوار الثقافي السلمي الشفاف كخيار وحيد للتوصل إلى الحقيقة والتمسك بما يجمع ولا يفرق من عوامل تاريخية وثقافية وروحية وإنسانية والتوافق حول قواعد الشراكة العادلة بالتوازن بين مستحقات الهويات الخاصة في إطار الثوابت الوطنية الجامعة بديلا عن الخيارات العسكرية والحلول الأمنية وسياسات القمع والعنف والإقصاء والإبادة التي مورست في أكثر من بلد في العقود الخمسة الأخيرة ضد القوميات والأثنيات والمكونات الأقل عددا ومن بينها الكرد من جانب حكام وأنظمة الأقوام السائدة والتي لم تجلب سوى الكوارث والآلام والأحقاد العنصرية والفقر والتخلف للجميع وهكذا فان استمرارية الحوار ومن موقع المختلف وبمنتهى الصراحة والوضوح ستكون ذات قيمة ثقافية مفيدة وقد تشكل منطلقا لتوسيع النقاش مستقبلا بين المثقفين من الكرد والعرب والقوميات الأخرى فبالأمس القريب حاولنا اجراء تقييم نقدي ومناقشة لما جاء في تصريح وزير خارجية تركيا السيد – د أحمد داود أوغلو – بصحيفة الحياة من تطور هائل في موقف النخبة التركية الحاكمة بشأن الكرد والقضية الكردية وسجلنا ذلك الاختراق في مجالين : سياسي عندما تم الاعتراف باقليم كردستان العراق الفدرالي رسميا وللمرة الأولى في تاريخ تركيا الرسمية وتاريخي لدى قبول كرد الشرق الأوسط كمكون رئيسي رابع يستحق حل مشاكله بعد المكونات العربية والتركية والفارسية وأدرجنا كل ذلك في مصاف الأحداث الكبرى واعتبرنا أن " داود أوغلو يهزم أتاتورك " .
تناول السيد الراشد الموضوع من زاوية أخرى بطرح التساؤل الاشكالي التالي حول الفكر القومي العربي : " ثم أي قومية نريد؟ ناصرية أم بعثية أم قومية خاصة مثل القومية السورية في بلدان الشام ؟ " معتبرا أن " كل من عاصر واحدة من الآيديولوجيات الشعبية، من قومية إلى شيوعية أو إسلامية، هي أنها رفعت كشعارات بغرض الإمساك بالحكم.. حيث قومية عبد الناصر كانت مرتبطة بشخصه أما البعث، فقد زكمت أفعاله السيئة والشريرة في العراق أنوف العرب في كل مكان بجرائم تقشعر لها الأبدان أما الشيوعية العربية، فقد كانت دخيلة ومرفوضة والآن عصر الإسلاميين الذي رفعوا شعار «قال الله وقال الرسول» لكنهم لم يختلفوا كثيرا عن القوميين والبعثيين والشيوعيين، سنة كانوا في غزة، أو شيعة في الضاحية، أو جماعات معارضة في كهوف أفغانستان.. الهدف هو السلطة .." ثم لا يلبث أن يعود مستدركا " بالقول إن فكرة القومية العربية تبقى جذابة، بعد ترميمها. فلا تعني العرق العربي، لأن جزءا من «العرب» ليسوا عربا، بل بربر وكرد وتركمان وقبائل أفريقية .. " وفي الختام يستنتج " الفكرة البسيطة تقوم على وطنية عربية واسعة بلا شوفينية أو عصبية عمياء، تقدم مصالح الجماعة.. تستفيد من الرابطة المكانية واللغوية والمصالح المتعددة المشتركة.."
   قد يتفق الكثيرون مع النظرة التقييمية للكاتب حول المدارس الفكرية القومية العربية العلمانية منها والدينية بالرغم من انطلاقه من تصورات ذاتية مسبقة وميله الواضح بشكل غير مباشر – وهذا من حقه – لتفضيل نهج بلده المملكة العربية السعودية حيال الشأن القومي خاصة وقد خاضت القيادة السعودية كطرف عربي ذي شأن مواجهات سياسية وفكرية كانت حامية في بعض المراحل مع مراكز المدارس الأخرى من ناصرية وبعثية واخوانية وبن لادنية وشيعية ناهيك عن الشيوعية منذ قيامها وحتى الآن والمأخذ هنا أنه لم يفصح ولو قليلا عن منطلقات قيادة المملكة وأهدافها وبرنامجها حول المستقبل بخصوص العرب والأقوام الأخرى من غير العرب والمأخذ الآخر الأهم والأكثر ارتباطا بموضوعنا هو تحاشي الكاتب في الاقتراب من سرد مواقف تلك المدارس – القومية – من قضية الأقوام غير العربية وفشلها في إيجاد حلول سلمية إنسانية ديموقراطية للمسألتين الوطنية والقومية المتشابكتين وتجاهل الجرائم التي ارتكبت بحق القوميات الأخرى خاصة بحق الكرد وبالأخص في العراق وسوريا.
   ومما خيب الآمال أكثر الاستنتاج الختامي المتناقض مع مقدمته الذي توصل اليه الكاتب والاعلامي – عبد الرحمن الراشد – المعروف بالاعتدال والاتزان عندما – فسر الماء بعد الجهد بالماء – وعاد الى المربع الأول لدى قوله بأن " الوطنية العربية " هي الحل بعد ترميمها – كيف ؟ - ولا تعني العرق العربي لأن جزءا من العرب ليسوا عربا بل بربر وكرد وتركمان وقبائل افريقية لكأن الكاتب يبقى في إطار الشكل وليس المضمون عندما يدعو إلى تغيير الألفاظ وممارسة تكتيك كلامي مع " عرب ليسوا عربا " من دون التطرق ولو إشارة الى تاريخ وحقوق ومصير هؤلاء وهوياتهم الثقافية وطموحاتهم وقبل كل شيء معاناتهم ومن الخطأ الكبير اعتبار هذه الأقوام من – العرب المستعربة – وهي شعوب من السكان الأصليين لها ثقافاتها الخاصة وتتكلم بلغاتها إلى جانب العربية وصمدت أمام محاولات صهرها وإذابتها وتغيير قومياتها بالقوة مئات السنين ان لم نقل أكثر وبعضها يقيم في مناطقها وبلدانها قبل الهجرة العربية – الإسلامية نحو الشمال .
         لقد ذكرتني اطروحة الكاتب حول اعتبار البربر والكرد والتركمان وماسماها قبائل افريقية والأصح قوميات وأثنيات افريقية بعرب من أصول غير عربية بحديث مطول جرى بمحض الصدفة خلال إحدى المجالس الوطنية الفلسطينية وفي بهو الفندق الذي تقيم فيه عشرات الوفود الأجنبية والعربية وأمام أنظار بعضها وعلى مسمع الراحل – الفقيه البصري – الذي تابع الحوار وأصدقاء سوريين ولبنانيين وفلسطينيين وأردنيين بيني وكنت أترأس الوفد الكردي من جهة وبين رئيس الوفد العراقي الذي كان عضوا بالقيادة القومية لحزب البعث وبمبادرة منه حيث توسع النقاش واحتد حول حقوق شعب كردستان العراق والانتهاكات التي يتعرض لها وبعد أخذ ورد ورفض وقبول اضطر محاوري أمام أنظار الشهود - الذي ترك حزبه مبكرا وأصبح رجل أعمال كما سمعت من أوساط المعارضة العراقية حينذاك - إلى الاعتراف ببعض الحقائق والتسليم بحقوق الكرد القومية لينتهي إلى القول أمام دهشة واستغراب واستياء الحاضرين : " كلنا عرب كلنا اخوان ".







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=7044