المرجعية كمشروع في ضوء واقع الحراك السياسي الكردي في سوريا
التاريخ: الأحد 31 كانون الثاني 2010
الموضوع: اخبار



  ميداس آزيزي
Email:midaseazizi@yahoo.com

إن السجال الدائر بين أطراف الحركة السياسية الكردية حول إنشاء مرجعية ، يرتكز إليها الحراك السياسي للشعب الكردي ، أصبحت موضع جدل في الشارع الكردي ، لأهمية تشكيل إجماع كردي أمام الاستحقاقات القادمة ، خشية من تشكل أضرار تنتج عن وجود خطأ في مسيرة الحراك ، وما يترتب على الخطأ من العبثية التي أخشى تعيشها الساحة السياسية الكردية . وخاصة أننا بتنا نسمع بين فينة وأخرى بولادة حزب جديد وانشقاق جديد ، وبظهور مسميات كثيرة  تعلن عن هذه الانشقاقات ، علما أن الكثير منها تفتقد حين تطبق عليها  المعايير والمقاييس للتأهيل لان تسمى بتنظيماً أو حزباً سياسياً ، لكونها لا تملك سوى جريدة تصدر عند اللزوم .


 ومع احترامي الشديد لمبدأ التعددية الحزبية الذي يشكل ضرورة في الحراك السياسي الكردي ،  فان ما نشهده اليوم تخطى كل المسلمات المعهودة في العمل السياسي ، وأصبحت تشكل ظاهرة سلبية توثر في بنيته الاجتماعية ، وتخلق حالةً من الارتباك السياسي بين الجماهير . وخاصة خلال محاولات بعض الأحزاب الصغيرة الساعية إلى الترويج لنفسها ، عبر رفع سقف الشعارات الديماغوجية ، والعبارات التي تسئ وتوسع من دائرة التشويه للقضية الكردية في سوريا .   

إن تطور المجتمع لا يمكن أن يقبل بأنماط سياسية موروثة ، كانت هي السائدة في فترة زمنية سابقة ، ولم تعد تتوافق مع روح العصر ، وشكل المقاربة من العملية السياسية برمتها. فالخلل في الأطر السياسية التي تكونت على مبدأ المحاور ، والتجاذبات السياسية الوهمية ، والارتجالية القائمة على الفعل  وردة الفعل ، هي التي أخرجت من رحم الحركة السياسية الكردية مفرزات نخشى انه  لم يعد من الممكن ضبطها بوصفات ومشاريع تطرح اليوم ، كما تسعى بعض الأطراف الكردية  حين شكلت "المجلس السياسي " ، والذي جاء كمحصلة لتراكمات ضاغطة في الشارع الكردي على حالة التشرذم والتشتت ، التي تعاني منها الحركة الكردية في سوريا . لقد اتخذ الحراك السياسي الكردي مساراً تقليديا هي في جوهره ، حين اعتمد على التجارب السابقة في إنشاء الأطر والتحالفات المبنية على اختزال القرار السياسي في هيئات حزبوية عليا ، وعلى قاعدة إضافة إطار ضمن إطار ، مستبعداً مشاركة المستقلين كشريك فعال في الحراك الثقافي والاجتماعي الذي يشكل البنية التحتية للحراك السياسي . وبذلك علقت تلك العلاقة الشائكة في زاوية استنسخت النمط الكلاسيكي في العلاقة بين الأحزاب والجماهير ، وهذا ما يعيد الذاكرة إلى التجربة السورية في تكوين العلاقة بين المدني والسياسي في مطلع الألفية الثالثة ، بدءا من تشكيل لجان المجتمع المدني ، و وصولا إلى تجربة إعلان دمشق وما رافقها من قصور في فهم كل طرف فيها للآخر . لذا فإن  إعادة إنتاج اطر جديدة مماثلة شكلا ومضوناً لسابقاتها ، كمثال " المجلس السياسي " الذي أعلن مؤخراً تأتي نتيجة للخلل في النشاط السياسي الكردي ، من حيث أنها غير ملائمة  أصلاً لواقع الحال الكردي ، وطبيعة التفاعل بين مكوناته السياسية ، من حيث التمايز والاختلاف الواضح بين المشكلين للمجلس السياسي  . إن الكثير من القضايا المحورية التي تحتاج إلى حل من الناشطين في الحراك السياسي الكردي ، لا يصح أن تشكل  أرضية مناسبة  لبناء مرجعية لكونها تفتقد لمرتكزات لإطار متجانس ، يستند إلى مجموعة من الرؤى والتصورات ، إلى جانب فهم الآليات العمل ، و العلاقة مع  شركائنا في الوطن . أن كوننا كردا لا يبرر ولا يشفع لنا في أن نتجاوز الواقع تحت مجمل  يافطات عاطفية . إن كوننا أكراداً وأخوة هو حق تام لا ينازع فيه ، ولكن لنسم الأشياء بمسمياتها ، لان حقيقة الأمر أن  هنالك الكثير من المسائل العالقة ضمن دائرة ممتلئة بتناقضات وتعقيدات ، وهي تمس قضايا حساسة ودقيقة للغاية ، بحاجة إلى مشروع شامل يظهر مشروعية حراكنا في الواقع من خلال  التأسيس له على مرجعية من أخوتنا الكردية .
عقد المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا اجتماعا بتاريخ 20/11/2009، حضرته الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمهنية والإعلامية، وأعلن فيه المجلس العام للتحالف مشروعه للرأي العام الكردي ، لعقد مؤتمر وطني كوردي ينبثق عنه مرجعية كردية . إن من الواضح والبين بأن هذا المشروع المطروح من قبل المجلس العام هو نتاج طبيعي للنقاشات والمداولات التي جرت بين أعضاء المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا ، حول كيفية تاطير الحركة الكردية في سوريا بما ينسجم مع حجم مخاطر المؤامرات التي تنسج للقضية الكردية . و أحداث آذار 2004  رفعت في سلم الأولويات على جدول أعمال المجلس العام ،ضرورة عقد مؤتمر وطني كردي ، واعتباره خيارا  استراتجياً يستوجب العمل من اجله ، وتتبلور الرؤي من خلاله وفق المعطيات على الساحة السياسية الكردية .  إن هذه الحاجة قد أنتجت أولى خطواتها وهي التوجه نحو الجبهة الديمقراطية الكردية وانجاز مشروع الرؤية المشتركة ، وإقراره من قبل التحالف والجبهة . وبعدها تم عرض ناتجها على لجنة التنسيق والأحزاب الأخرى ، خارج الأطر الثلاثة للمناقشة . لقد استغرق التحضير لذلك مدة زمنية طويلة ، لكي يتم الاتفاق بين أحد عشر حزباً حول مسودة مشروع رؤية سياسية مشتركة،على الرغم من تحفظ المستقلين وبعض الأحزاب في التحالف على بعض البنود الواردة في المسودة . فتم الموافقة خشية أن يقال من أن التحالف يعيق تشكيل المرجعية الكردية . وكان هذا الذي حصل خطا باعتقادي ارتكبه المجلس العام للتحالف آنذاك . وبدأت النقاشات تدور حول تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد للمؤتمر ، والبحث في الآليات ، وتحديد نسب التمثيل للأحزاب والمستقلين واستيفاء كامل المسائل الإجرائية . لقد شكل إصرار بعض الأطراف في إعلان المسودة قبل تشكيل اللجنة التحضيرية  العقبة في السير نحو المؤتمر الوطني الكردي .لأنه من المسلم به أن مجرد إعلان مسودة المشروع ، فهذا يعني تبني المسودة كرؤية مسبقة تفرض على المؤتمر ، وهي بذلك تكون غير قابلة للنقاش أو التعديل ، أو قبول بمشاريع وأراء  أخرى قد تعرض حينها .وبهذا المنطق في التعامل مع مسالة ذات أهمية كبرى . تتضح الصورة العامة للمشهد السياسي الكردي في عدم وجود إرادة سياسية لدى مختلف الأطرف الكردية في سوريا ، وهذا ما يظهر أن الكرة في مرمى الأحزاب الرئيسة ، لأنها الوحيدة التي تمتلك زمام المبادرة الحقيقة لإنهاء المأزق الذي نعيشه . وإنني أرى أنها  أمام خيارين : الأول منهما هو المؤتمر الوطني  الذي يرتكز على الأتي :  
1-    ضرورة أن تنبثق المرجعية الكردية عن مؤتمر وطني كردي .
2-    مشاركة الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمهنية والإعلامية واعتبارها شريكاً في القرار السياسي الكردي .
3-    عدم وضع الفيتو ، أو محاولة إقصاء أي طرف ، طالما يؤمن هذا الطرف  من خلال برامجه برؤية تستند على الأرضية  الوطنية .
4-    قبول جميع المشاريع المقدمة من الأحزاب السياسية أو الشخصيات المستقلة إلى المؤتمر ، على أنها مسودات للمشاريع  قابلة للنقاش والتعديل ، حتى يتم أقرارها في المؤتمر بعد المناقشات .
5-    الأخذ بالحسبان لطبيعة ما يتقدم من الا يتعارض مع ما يطرح في المؤتمر مع الخصوصية الوطنية السورية.
والخيار الثاني هو تأسيس ميثاق شرف كردي  كردي ينبذ المهاترات ، ويحدد سقف العمل النضالي بما ينسجم مع الخط الوطني ،  والسعي الحثيث لتوفير مناخات مناسبة للتفاعل الايجابي بين جميع الأطراف وتنقية الأجواء بينها . ومع ذلك هذا الخيار لا يشكل بديلا عن الخيار الأول . وهذان الخياران ليسا متعارضين ، بل إنهما يتكاملان ليصبحا خط منسجم في عمل الأحزاب الرئيسة الفعالة على الساحة ،حتى تكون خدمتها للشعب الكردي مناسبة لما يجري على الساحات الوطنية والإقليمية والدولية .
كاتب كردي سوري 
  26- 1- 2010







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6636