اوباما بعد عام من خطاب القسم والوعود
التاريخ: الجمعة 22 كانون الثاني 2010
الموضوع: اخبار



محمد قاسم
m.qibnjezire@hotmail.com

منذ كنت طالبا على مقاعد الدرس اتخذت ما يشبه الموقف النهائي من العمل السياسي.. لا نكرانا لأهميتها وضرورتها،بل لأني وجدت ان ما تتوفر لدي من الملكات-إذا جاز التعريف-  لا يوافق ان أكون محترفا كسياسي..مع ما تكوّن من ملاحظات عن الأداء في السياسة عموما، وأدائها في البلدان المتخلفة –وبلادنا منها- خصوصا.
لكن رؤيتي حول السياسة تبلورت في فكرة أن كل إنسان سياسي؛ بمعنى القدرة على إدارة الاحتكاك الاجتماعي اذا كان ذا شخصية سوية، والاهتمام بمصير الجماعات والدولة..ولكن ليس كل إنسان محترفا للسياسة، ما لم يكن منتميا الى جماعة منظمة تحت أي اسم كان، وابرز الأسماء هنا؛ هو الجماعة الحزبية..بغض النظر عن طبيعة هذه الجماعة ومعتقداتها واتجاهاتها..وأساليبها وأهدافها..الخ.


وبطبيعة الحال فإن النجاح في الإدارة السياسية تتطلب خصائص قيادية مبدعة ..قلما تتوفر في سياسيي العالم الثالث المتخلف. لأن المناخ السائد لا يوفر الحظ لتبؤء المبدعين ..ولذلك وقت آخر للحديث.
بمعنى أن كل إنسان له الحق ان يهتم بقضايا تطرحها السياسة-أو السياسيون- في أي ظرف وهيئة..وفي هذه النقطة تبرز إشكالية التخصص واستحقاق أهلية النقد؛ سواء من داخل  الجماعات السياسية المنظمة-الأحزاب مثلا-  أم من خارج المنظمات السياسية- الناس غير المنظمين في أحزاب..
في المجتمعات المتقدمة-كما يبدو- حُلّت الكثير من المشكلات التي تكتنف السياسة كممارسة قيادية في المجتمع..ولكنها تتعثر بشكل ملفت ومؤلم أيضا؛ في المجتمعات المتخلفة..
فهم الأمر بسيط..فالمجتمعات المتقدمة ومنذ القرن السادس عشر وما تلاه من قرون وضعت قدمها على طريق التطوير:
1- بالتحرر من هيمنة قاسية للدين حيث تختلط الأيديولوجيا الدينية بالقضايا الواقعية اجتماعيا وطبيعيا، مما يبقي على ارتباك في التفكير وفعاليته المنتجة فلسفيا وعلميا..
وتبوء البعض من الكهنة الدينيين قضايا ليسوا مختصين فيها، وإخضاع التفسير والتوجيه فيها لاتجاهات أيديولوجية باسم الدين، تعسفا..وعند الفشل أو الحرج يبررون الأمر بتعبيرات قد لا تنطوي على مضمون حقيقي..-سفسطة بمعنى ما-
2- بوضع القدَم على طريق النهج العلمي في البحث والاستكشاف ،ومن ثم إيجاد ما عرف بالتكنولوجيا- تطبيق العلم النظري في الواقع الطبيعي- فكانت الاختراعات المذهلة المتسارعة منذ اختراع المحرك الانفجاري في مراحله المختلفة.ومرورا بمختلف الخطوات التي تنقل من حال الى حال  أكثر نموا وتطورا، وآخرها -حتى اللحظة- التطور الإلكتروني والنووي.. ..
3- انعكاس ذلك على الوعي البشري إيجابا لجهة نشر العلم (والمعرفة) وسهولة تداوله ،وتحويله الى قوة إنتاج على كل صعيد.خاصة الإعلام وقضايا أساسية في علم الاجتماع والنفس ،واهم ملامح الرؤية السياسية ،من عناصر التفكي.. وطبيعة الحرية وحدودها ,,الخ. فكان قانون؛ نظّم الحياة الاجتماعية والسياسية بطريقة أتاحت للجميع أن يمارس ما يتمتع به من فعالية ما لديه من طاقات ..فكرية..تصنيعية-اختراعات- فلسفية..فنية..أدبية..الخ.
صحيح رافق ذلك مآس بشرية منها مثلا، الحربان الكونيتان..ونتائجهما الرهيبة والمرعبة  ومنها مثلا – آثار القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي – ومنها الحركة الاستعمارية منذ  أواخر القرن السابع عشر وحتى أواخر النصف الثاني من القرن العشرين..بل ولا تزال أشكال منها تجد هنا وهناك في إهاب مساعدات وتدخلات ومنها ما  حدث في العراق وأفغانستان...وصحيح ان القوى اختلفت قوة وضعفا ولا تزال موازين القوى متأرجحة ،وان كان قطب واحد قد استأثر بالهيمنة -أمريكا-
لكن قوى يحتمل ان تتوازى مع هذه القوة؛ تبدو وكأنها تتفعّل يوما بعد يوم. الصين مثلا.. او آسيان-مجموعة الدول الشرقية-أو أمريكا الجنوبية في مجموع دولها –أو محاولة استعادة روسيا بعض دور لما كان عليه الاتحاد السوفييتي سابقا..!
لكن ذلك كله ينتظر وقتا طويلا –اذا كان مقدرا لها ان تصل، أصلا..لأن وصولها مرهون –أساسا- بضعف القطب الأمريكي..وهذا غير محتمل –إلا في مخيّلة الحالمين- على المدى المنظور-على الأقل-..
فأمريكا تتمتع بنظام اجتماعي –سياسي،ولنقل ثقافي- قوي ،متراكم التكوين، وواضح الأداء؛ على الرغم من التعقيد الذي يرافق هذا النظام. بسبب الطبيعة الديمقراطية فيها، ووجود قوى متوازنة-وربما متنافسة وقد تتصارع ايضا0 اقتصاديا؛ مع الدولة سياسيا الى حد ما..
أو بعبارة أخرى ، تعدد القوى ضمن النظام وخارجه ،يعقّد ملامح النهج المتبع ..لكنه بالمقابل علامة ايجابية على ان الشعب الأمريكي يملك ثقافة إدارية تقطع الطريق على احتمال التخلف..
وان الأزمة الاقتصادية التي تمر بها كنتيجة لبعض ما قامت به الإدارة السابقة؛ ما هي سوى مرحلة تنتظر بعدها حصادا أوفر بتقديري..!
فأمريكا تكاد تكون قد رتبت العالم سياسيا واقتصاديا –كما أرادت..وخارطة العالم تتغير وفق برنامج رسمته لمصالحها أساسا، وهي ثقافة معلنة لديها، ولا تخجل من التعبير عنها؛ بخلاف البعض من الأنظمة الشرقية  التي تمارس الحكم وفق نظام مصلحة الحكام، وتغلفها بشعارات مضللة لا تملك رصيدا واقعيا، بل تساهم في زيادة الانقسام داخل الأوطان طائفيا ومذهبيا وعرقيا..الخ.
فما هو دور اوباما بعد كل هذا..؟
في البدء دعونا نناقش الأمر كما يجري-بغض النظر عن مواقفنا نحو هذه السياسة او تلك.. فمن ناحية، معظم شعوب العالم تشكو من السياسة الأمريكية البرجماتية الى درجة تهمل القيم الأخلاقية الأساسية، ومن الأمثلة حال الفلسطينيين  وحال الكورد إبان اتفاقية آذار بين صدام حسين والشاه وقول وزير خارجية أمريكا حينها هنري كيسنغر"لا أخلاق في السياسة،إنها مصالح".أو معناه.
نحاول ان نقرأ الواقع بحيادية على قدر المستطاع..
اوباما ظاهرة جديدة في أمريكا لجهة كسر الحصار على انتخاب أسود..ولجهة تقبل صلته بالإسلام ولو عن بعد-باراك حسين اوباما- هكذا نطق الكاهن باسمه في القسم وردد هو وراءه ذلك.."I,am, Barack Husain Obama ".
وقد ادخل بعض مفاهيم جديدة وآمال جديدة لجهة حل مشكلة الشرق الوسط-فلسطين وإسرائيل- وسحب القوات من العراق وأفغانستان في أزمان محددة..ومحاولة إيجاد مزاج يتجه نحو تغليب السلم على الحرب ..الخ.إضافة الى إصلاحات داخلية لصالح الطبقة الوسطى منها، السعي الى إقرار نظام حديد للخدمة الصحية يستفيد منه أكثر من ثلاثين مليون أمريكي...وينتظر المشروع اللمسات الأخيرة في التشريع الأمريكي.
هل سينجح؟
الأمر مرهون بمجموعة عوامل لا يجب إغفالها..فهو قد تحمل عبئا ثقيلا من تركة الإدارة السابقة وخاصة الأزمة الاقتصادية الكبيرة والتي عجّل في تطويقها بفعالية تسجل له..ولكن تجاوزها يحتاج وقتا.
لعل التحدي الأكبر هو داخليا تجاوز الأزمة الاقتصادية، وخارجيا إنهاء مشكلة العراق وأفغانستان وحل قضية فلسطين..فلننتظر –على الأقل عاما..!
الأمل لا يزال يتوقد في ناصيته لمعالجة هذه القضايا..ولنأمل خيرا..فإن حيازته على جائزة نوبل كان من أجل هذا الأمل.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6599