ما بين أبو رمانة وزورآفا
التاريخ: الجمعة 11 اب 2006
الموضوع: اخبار


عمر كوجري
 
emerkoceri@yahoo.com
 
 العنوان المثبت أعلاه ليس دعاية لمسرحية تعرض في مسارح العاصمة ، كما أنه ليس إعلاناً عن مباراة بكرة القدم أو غيرها من الأطراف بين فريقين محليين أو بين حيين من أحياء البلد.
     فللذي لا يعرف أبو رمانة أقول : هي من الحارات الراقية جداً في دمشق، ففيها يسكن أثرياء البلد ولاحسد ، كما أنها المستقر الرئيسي لمعظم السفارات الشقيقة والصديقة .


 أما زورآفا فهي حقاً اسم على مسمى ،ومعناها بالكردية - البناءالذي شيد بشق الأنفس - وهو فعلاً كذلك ،هي من الحارات الشعبية والتي تسمى بالمخالفات في دمشق يسكنها في الأغلبية الساحقة كرد تركوا قراهم ،وأراضيهم بحثاً عن رزق عيالهم ، فهم خليط غير متجانس بين كرد الجزيرة وعفرين وكوباني ، ولأن السكان في معظمهم غربتلية ترى المشاحنات والمكاونات على أشدها بين سكان الحي وخاصة في بداية تأسيسه .ولو بقر الناس بطون بعضهم ،ولو فجوا رؤوس بعضهم لا يحس بهم أحد ، في حين في الحارات الراقية هناك من يحرس الفراشة لتطير بأعصاب هادئة ، والنرجس كي يعبق بعطره وهو خلي البال.
      نعم العنوان فحواه هو أن هناك حقيقة مؤلمة باتت منتشرة في حاضرة الأمويين، فلن يحتاج السائح الأجنبي أو غيره أو حتى المواطن المعتر من أمثالنا إلى كثير عناء ونباهة ليرى بأم أو بوا لد عينيه تهافت الصبية والصغار والشباب والشيوخ أيضاً إلى نبش حاويات القمامة ،والغوص في أعماقها للظفر بأي شئ يمكن بيعه،وتكون له قيمة تجلب الخبز الحافي - بالإذن من الروائي المغربي المرحوم محمد شكري - للعوائل الميتة من فقرها ، والباقية على قيد الحياة لقلة الموت .
     إن هذه المناظر وغيرها الكثير الكثير تثبت حقيقة أساسية وبدهية هي أن الشعب باستثناء قلة قليلة جدا ًيحن إلى ما يكبه ـ إن هو أو غيره ـ ولكنه ليس أجدباً حتى يبحبش في قمامات حارة لاتكب شيئاً مثل الــ زورآفا والتي سميت فيما بعد بـ وادي المشاريع الغربية ،وكان هذا الحي  قد لاقى شهرة واسعة في أحداث قامشلو، إذ صُوِّر وذكر على القنوات السورية لأكثر من عشر مرات، وكم ينغمص قلبي عندما يستفسر كردي في السرفيس الواقف في الجسر بانتظار الركاب  ويسأل أخاه الكردي : أف سرفيس يا وادي يه يان يا رزه ولا يلفظ كلمة زورآفا .     
       نعم هذا المواطن سيفكر ومن غير تردد الغوص في حاويات القمامة الراقية أيضاً في الحارات الراقية مثل المالكي وأبو رمانة ، وسيخاطربأي وسيلة رغم التواجد الكثيف لرجال أمن السفارات الشقيقة والصديقة ، فالفقراء يغامرون مهما كانت المخاطر، يدفعهم الجوع والعطالة والجيوب التي نسيت طعم الدفء.
 ولاتتوقف تلك الغارات عند هذا الحد ، بل تطور الأمر إلى درجة أن هؤلاء المكافحين يتقاتلون من أجل الحصول على بقايا القمامة ، ويتناحرون ، ويتدافشون ، وربما يسحبون الموس والشنتيانات على بعضهم البعض من أجل الفوز بكمية أكبر من المحتويات. بل أن عمال التنظيفات الذين يفرزون إلى الحارات الشعبية هم من المغضوبين عليهم ،في حين أن جماعة أبو رمانة يدفعون المعلوم ليستمروا في منصبهم أكثرلأنهم يستفيدون بطبيعة الحال من المكبات الجديدة والغالية لسكان الحي ناهيك عن الهبات والهدايا أيام الأعياد والمناسبات التي تعطى لعمال التنظيفات .
      ومن الطبيعي أن هذه الأعمال أعني الإغارة على حاويات القمامة يسهِّل إلى حدٍّ بعيد أمر سيارات جمع القمامة ،وهي في الغالب لاتجد ما تجمعه سوى بعض أكياس النايلون وأوراق الشجر المتساقطة حتى في عز فصل الربيع .       
      وكل هذا مرده إلى تفشي ظاهرة البطالة المريعة في البلاد ، فآلاف الشباب ينضمون سنوياً إلى سوق العمل ، وفرص العمل تتبخر بشكل يثير الريبة فمثلاً : يتقدم عشرة آلاف خريج جامعي للفوز بثمانين وظيفة وقد تكون هذه الوظيفة جابي في بلدية مستحدثة في قرية نائية .
      الفقر صار يخيم ،ويعسكر بِليْلِهِ الأسود على بيوتات جديدة كل يوم ، وإن نسبة واسعة من الشعب السوري يعيش على حافة الفقر والحاجة،وخاصة الموظفين الحكوميين وخبزهم للأسف ليس كفاف يومهم ، لذا ترى ضعاف النفوس يمدون أيديهم من خلف الطاولة لتسيير معاملة المواطن ، وبعض هؤلاء أصبح لا يخشى لا من رقابة ضمير أو رقابة وتفتيش أومن غيرهما، فثمة تآكلٌ فظيع للرواتب ، ولاتوازن أبداً مع الأسعار الكاوية واللاهبة والتي لا يشكو من وطأتها الميسورون، وأصحاب الكروش المتهدلة والملايين التي معظمهم لم يتعب، ولم  تتشقق يده وهو يعدها أو يرسلها إلى بنوك سويسرا .
     ولكن يشكو من نار الأسعار المسحوقون من عامة الشعب من غير أن تفكر الحكومة جدياً بالبحث الجدي والفعال للخروج من الوضع الخانق ،ودون البحث عن سياسة اقتصادية ناجعة. وحتى هذه اللحظة لا أنا ولا الآلاف من غلابة الشعب لم يفهموا بعد اقتصاد السوق الاجتماعي ، وهذا السوق الاجتماعي لم يقدم حلاً لخروج الاقتصاد السوري من أزمته اللهم إلا الإمعان في إفقار الشعب والأسعار التي تطير إلى عنان السماء .
 فربما تجد أن محلين يتجاوران هذا بييع أكثر من ذاك بضعفين أو أكثر ولا رادع .
    وفي أيام ميليس وتقريره المشهور  كان التجار يروجون لإشاعة أن سوريا قاب قوسين أو أدنى من الحرب التي ستغير نظام الحكم في البلد فرفَّعوا الأسعار إلى أرقام خيالية ، والدولار قفز من إحدى وخمسين ليرة إلى ما يقارب السبعين ليرة ، إضافة إلى فقدانه بسبب المخاوف من هبوط الليرة السورية التي استبدلت بالعملة الصعبة التي هُرِّبت إلى بلاد برّا ، ولما عُدَّت المخاوف باللامبررة ،وعاد الدولار إلى سعره السابق ، لم تعد أية سلعة إلى سابق عهدها بل ازدادت الأسعار أكثر من ذي قبل بكثير.
 ويوماً فيوم البطالة في تفاقم والعاطلون في تزايد .
 نعم الجميع يتحدث في هذا الموضوع ومن أعلى المستويات ، والصحافة الحكومية الرسمية تتحدث في هذا الشأن عن المحسوبيات والرشاوى والحيتان التي تأكل الأخضر واليابس والشبيحة وغير هذه المصائب إلا أن الأمور بقيت على حالها ، وكذلك رسب القطاع الخاص في امتحان استيعاب جيش العاطلين بل أن هذا القطاع يشكل مصدر رعب
 حقيقي للعمال ، فالعامل يوقِّع على ورقة استقالته منذ اليوم الأول لتعيينه في الوظيفة وليست لديه جهة تحميه حينما يتعرض لابتزاز رب العمل ، أو إذا صرف من عمل ظلماً وبهتاناً .
 وحديث موازنات الدولة السنوية ونصف السنوية كله هراء في هراء على أرض الواقع وحتى تظل الحكومة حائرة في إيجاد الدواء الشافي سيظل جيش العاطلين عن العمل عفوا النابشين للحاويات في ازدياد مستمر.
 وسينأى هؤلاء عن حاويات الــ  زورآفا التي سمعت من أحدهم أن القطط التي يربونها صغيرة وعندما تكبر ويشب طوقها تهجرهم ولا تقيم كثيراً لديهم لأنهم عندما يأكلون اللحم على ندرته فإنهم يهرسون  العظم أيضاً بأسنانهم التعبة ، في حين أن جيرانهم الذين يسكنون في الطابق الفوق في الجزر المقابلة  يأكلون اللحم يومياً ،وقططهم بطرانة وشديدة المواء والفحولة  فيرمون العظم لقطط الــ زورآفا مقابل أن تدفع هذه القطط  شيئاً لقطط الناس الفوق، وهذا الشيء قد يكون امتهاناً لكرامتها وانبطاحا ما!!!!!!
 وحتى يظل هذا الوضع عالقاً سيأكل ، وسيسطو الفقر على براءة الضحكات المنطلقة من عيون صغارنا ، وسينام الأسى والهَمّ في أفئدة الكبار .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=650