الأدب.... قبل الأدب
التاريخ: الجمعة 16 تشرين الاول 2009
الموضوع: اخبار



خليل كالو
x.kalo59@hotmail.de

 في البداية ندعم عما بدر من الأخوة الأفاضل من الأدباء والكتاب في بيان حول القلم النظيف والمسئول والمبدع والترفع عن الوضاعة وانتهاز الفرص للنيل من الغير لاعتبارات شخصية وأنا الضالة وعما يضر بالكرد في قيمه وحقوقه ورموزه وهويته والتي تعتبر عند بعضنا قيما ما وراءها قيم في نفس الوقت هناك رجاء من كل قلم أن يلتزم ولو قليلا بما يخدم القضايا العامة والثقافة الكردية بهوية تثبت ذلك من خلال نتاجه أما دون ذلك سيتحمل المرء وزر عمله.


 ما يقال عن الأدب يقال عن السياسة وما يقال عن السياسة يقال عن باقي جوانب وميادين الحياة لندع السياسة للسياسيين ونترك لهم واقعهم المتأزم والخانق كونها تخضع لاعتبارات حزبية ضيقة وشخصية لا تمت كثيراً إلى الحقوق والواجبات وليس للكرد فيها من فائدة أو نفع  ولم يعد ما يستحق الحديث عنها وقد قيل فيها الكثير وهي تستهلك الوقت والجهد والحبر والورق والوزن وحرق الأعصاب حتى كاد أن تصيبنا الإحتشاء القلبي في ذات الوقت الذي لا نعلم فيما إذا كان الذي تتحدث عنهم موجودين أو قد أضحوا في عالم آخر فنحن في واد وهم في واد آخر إلى أن أصبح كل ديك أمام قنه صياح هذه الأيام .
لنرجع إلى موضوع يخص جانب آخر من حياتنا ألا وهو دور الأدب في تنشيط الحركة التنمية الفكرية والثقافية للمجتمع الكردي. ففي كل الأزمنة وخلال تعاقب مراحل التاريخ البشري كثيرا ما تسعى الشعوب وكذلك الأفراد بأن يكونوا رقما من بين الأرقام في هذا العالم وقد حقق الكثير من الشعوب والرجال ما أرادوه على حد زعم  قول إمبراطور فرنسا العظيم نابليون بونابرت  ..الناس كالأرقام قيمتهم في مواضعهم .. فمن هؤلاء من كان طموحا وأراد أن يكون رجل ذو أهمية وله جاه وسعى إلى تحقيق ذلك المجد لنفسه وناله كمن يسعى إلى جمع المال والذهب يكد ويجتهد ويحارب من أجل غايته بكل الوسائل. لا نستطيع تعميم هذا القول إلا لمن يتوفر في ذاته القدرة والموهبة والاستطاعة والطموح والهدف ويعتبر هذه النزعة لدى المرء من أنبل  السلوكيات والصفات التي يمكن أن يمتلكه خلال وجوده في الحياة  وقد أثبت التاريخ القديم والحديث أن أقرب الطرق وأفضلها لتحقيق تلك الأماني والطموحات هو من خلال هدف وغاية نبيلة يخص شأن الجماعة حتى يكون في نظر الممجدين له مستحقاً لها وموضع تقدير وشرف وهذا حق مشروع وطبيعي للإنسان في أن يكون ذات منزلة عالية وعلم من أعلام يشار إليه لقاء خدماته الجليلة والهامة في صالح العام وغالبا ما يكون هؤلاء بمثابة جنود مجهولين وشموع يحرقون ذاتهم من أجل خير الناس وتقدمهم وسعادتهم وما كل التطور التغيير الذي حصل للبشرية منذ نشأتها حتى الآن هي ثمرة جهود هؤلاء وما البشرية مدينة لأعمالهم وانجازاتهم وما كل الأوسمة والألقاب والتقدير والقدسية التي نالها الأعلام والعظماء والمشاهير لدى كل شعب هم في الحقيقة قد نالوها عن استحقاق وجدارة واستحوذوا عليها من خلال نتاج أعمالهم الخيرة والخلاقة  ضمن شروط ومقاييس الجماعة وآدابها وتقاليدها وأي خروج عن نطاق الدائرة الطوطمية لها كانت تعرض الخارج عنها إلى المساءلة والنقد والرفض حتى لو كانت الخدمة المقدمة ذات أهمية. إذن فلا شهرة واحترام وتقدير خارج نسق المجموعة القيمية الإنسانية ونظم أخلاق الجماعة وأي تصرف أو سلوك هو شذوذ وارتداد عن الأعراف مهما بلغ الشخص من القوة والإمكانيات والمواصفات والمواهب في كل المستويات العلمية أو الأدبية أو السياسية .. إلخ  ما ندعوا إليه من أدب وأخلاق ليست بدعوة مبشر كاهن أوداعية روحية لفكر مجرد  بل ندعو إلى أخلاق زرادشت الذي دعا إلى ـ الفكر الحسن ـ الكلام الحسن ـ العمل الحسن ـ هذا الثالوث المقدس الذي هو أساس أية فلسفة الإنسانية بدون جدال وبداية كل جمال حقيقي وكل شخصية جميلة في هذه الحياة فبدون الأدب والأخلاق يصبح العالم الإنساني سواد وظلام أشبه بعالم أهريمان وبالبيئة الحيوانية من العالم السفلي يفترس فيها القوي الضعيف يسودها الفوضى والأنانية المفرطة وهذا ما هو حاصل.
 انطلاقا من قواعد ومسلمات وحقائق منطقية بسيطة علمتنا بها الطبيعة بأن سعى كل شعب وجماعة عنصرية إلى سن قوانين وشرائع ضبطت أحوال المجتمع حسب مصالحه ودرجة وعيه والتطور الفكري والثقافي عند كل مرحلة من مراحله التاريخية التي عاشه وقد كان ذلك من خلال القادة الأوائل القوامين على شؤونه والمبدعين من ذوي العلم والمعرفة والفكر والسياسة ورجال الأدب واعتمد مقياس تطور المجتمعات البشرية بكل أنماطها الجغرافية والبيئية والعرقية فيما بعد من خلال التطور الروحي والثقافي والفكر الخلاق مع امتلاك وتكريس كافة المفردات والعناصر الأساسية والجزيئات المكونة للحياة الروحية للأفراد وما قضية التطور المادي هو تحصيل حاصل ومشتق من حقيقة الإنسان بامتلاكه الوعي السليم وذلك من خلال تجسيده عناصر تفعيل ثقافة الروح والعلوم الإنسانية لديه لبناء الشخصية المنتجة والسليمة والسوية قبل تسلحها وامتلاكها العلوم الطبيعية والتجريبية.
 الكرد أمة ومتحد وشعب مثله مثل غيره من شعوب في هذا العالم فيهم من الرجال من كل الأصناف والأنماط الشخصية ممن يكونوا لهم أهدافا ذاتية خلاقة ونبيلة يسعون إلى أن يكونوا مشاهير وأعلام وأرقام ذات منزلة ضمن الجماعة وفي حدود المكان والزمان والبيئة المعاشة كلا حسب قدرته وموهبته باتخاذهم المسالة القومية وحقوق الكرد كهدف إستراتيجي  وجداني والعمل بمسؤولية عالية  والتفاعل والاندماج مع المجتمع ومعايشة معاناة الكرد على أرض الواقع في مجمل الظروف واتخاذ أشكال تلك المعاناة كموضوعات للإبداع الفكري والثقافي والوصول إلى  درجة قلم المقاتل دون الاكتفاء بمنهج النمطية والتقليد لأداء الرسالة التاريخية بل بالمبادرة والاستكشاف والحداثة في طرح المفاهيم والأفكار من أجل التغيير والنهضة وإعادة هيكلة الشخصية المنحلة المكثفة الملتفة على ذاتها وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ عن هذا النمط .بالتوازي مع النمط الطبيعي والسليم الذي ذكر آنفاً صاحب كل مرحلة نمط آخر من الشخصية الثقافية الأنانية التي عمل في مجال الأدب والفنون ولم تعش البيئة الاجتماعية الكردية واغتربت و الآن يوجد من الشخصيات التي تعمل في مجا ل الثقافة والأدب وهي مغتربة عما يفكر بها  غالبية المجتمع وبعيدة عن أمال ومعانات الكرد وخاصة الحقوق القومية  التي تعتبر القضية المركزية لأي تحرك إنسان كردي ذو عقل سليم ينتمي إلى حقيقته منذ قرن تقريباً هذا النمط  قد ركن خلف يافطات وشعارات إنشائية خالية من أي جوهر وبذرائع شتى واهية غير منطقية  عذره أقبح من ذنبه ويعيش مدعو تلك الثقافة الفجة من أجل الثقافة في أجوائهم النرجسية والأنانية باسم الأدب والإبداع الفني والعمل المستقل بعيدا عن السياسة المجتمعية مستفيدين من الأجواء السياسية الراكدة كمنفذ للهروب وكذريعة لتبرير ذاتهم من مسؤولياتهم كواجب دون أن يعطوا للأدب والفنون أية وظيفة حقيقية لحراك عام. ليدعوا السياسة وعوالمها  البائسة جانباً فلا مانع  ولكن تبقى وظيفة الفنون الأدبية برمتها من دون استثناء معالجة القضايا الإنسانية بكل أشكالها والاهتمام بأحوالها فلا أدب بدون جماعة ولا جماعة تستطيع تجاوز الكثير من عقدها وأمراضها بدون تضافر الجهود بين كافة الفعاليات العامة من السياسة والفكر والثقافة والاقتصاد والاجتماع فأية حركة مستقلة بغياب العناصر الأخرى سوف تفرز نتائج غير سليمة وغير متكاملة. إزاء نمط الثقافة المغتربة عن أحوال وظروف الكرد والتي لا تمتلك هوية  ثقافية  لا تلقى الاهتمام  في الأجواء التي يعيشها الكرد بل تحمل أصحاب هذا النمط  الثقافي المبتذل الكثير من العتاب حينما تتجرأ في الكثير من الأحيان  دون خجل من نفسها على تجاوز حدودها المسموح لها وتعطي نفسها الحق وتبرر موقفها تحت حجة النقد الأدبي وحرية التعبير للتسلق على حساب الآخرين من ذوي المواهب والإبداعات التي جندت ذاتها من تلقاء ذاتها وبدون مقابل حتى لا تطلب  كلمة شكر من احد  ممن جعلوا من المسألة القومية الكردية أساس حركتهم الإبداعية وامتلكوا القدرة والموهبة  وأبدعوا وسائل متعددة للتعبير عن الذات الخاصة والعامة من خلال مشاعرهم  الحساسة المفعمة بالحياة الجديدة وعبروا عن تلك المشاعر العامة والمشتركة للناس من هموم وآلام وإرادة ونضال من أجل الحقوق بصورة جميلة وأتت ثمار عملهم  بنتائج ايجابية في تكوين وعي جمعي وتغير ملحوظ  في المفاهيم من خلال البحث في التراث والتاريخ الأدبي والفني لإبراز مواهب السلف من الكرد ودورهم الجوهري في بقاء الكرد صامدين في وجه الثقافات المعادية بالرغم من التقصير والنمطية أحيناً  هذا من جهة وبناء الشخصية الجديدة ذات النزعة والسلوك الكردايتي من جهة أخرى في غمرة النضال العنيف للكرد خاصة لحفظ  الهوية واللغة والعادات والتقاليد  والتاريخ النضالي للكرد. فقبل إقدام الأديب لنسج الأدب بكل فنونها الإبداعية يستوجب عليه امتلاك الأدب والأخلاق الإنسانية تجاه شعبه ومشاركته كل همومه ومشاعره وخاصة في الظروف الصعبة التي يستوجب التعبئة والتصدي للثقافة الخاصة الرديئة المتجذرة منذ قرون والتي أصبحت أهم عثرة في حصول التغيرات والتحولات في المجتمع وها هم الكرد يجنون نتائج تلك الثقافة الرديئة والمغتربة عن الذات والهوية الحقيقية في الكثير من المجالات وقد كان دور مثقف النكرة (بلا هوية) في بقاء تلك الحالة الشاذة محورياً لتكريس واقع مرفوض بكل المقاييس وما زالت تلك الأسراب تغرد نشازا خارج بيئتها وبعيدة عن أجواء الكردايتي و هذا ما نجده أحيانا من كتابات ورؤى ومواقف من خلال المقالة السيئة التي تطعن بالكثير من قيم وثوابت ورموز وجهود الوطنيين من الكرد هنا وهناك أو من خلال النتاج الأدبي الخالي من أي مفردة أو عنصر أو فكرة تشير على خصوصية تتعلق بمعاناة الكرد من كل النواحي فإن مثل هكذا ثقافة وأدب لا تهدف على عمل نبيل وهي تعمل خارج  الزمان والمكان ونطاق منطقة عملياتها وبعيدا عن دائرة التأثير على الجماعة بل تعمل لتمجد ذاتها بشكل أساسي بعد أن أصبحت الذات النفعية والأنانية غاية بذاتها.......  






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6203