في ذكرى سقوط جدار برلين متى تسقط جدران كوردستان ؟!
التاريخ: الخميس 10 ايلول 2009
الموضوع: اخبار



 صلاح الدين بلال *

* جدار برلين .
 في الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين أقام معهد غوته وبالتعاون مع مؤسسة " جدار برلين " عدة نشاطات ثقافية وفنية، وكما تم عرض بعض الأفلام الوثائقية التي ذكرت بهذه المناسبة، والتي تظهر حجم الرعب الذي كان يحيط بالجدار وأشكال الحراسة المشددة وحقول الألغام التي أنشأت على أطرافه والهندسة الإنشائية المرعبة للجدار، وتوضح أيضاً الآثار الكارثية التي خلفها قيام جدار برلين على وحدة وثقافة وتطور المجتمع الألماني، وما زرعه من فوراق ما زالت نتائجه بارزة في الحياة السياسية والاقتصادية في ألمانيا ، الجدار الذي  سمي " بجدار الموت " كان سبباً في سقوط المئات بطلقات  الرصاص  إثناء محاولة عبور مواطني " ألمانية الشرقية " صوب الشطر الغربي، واقتحام حقول الألغام بأجسادهم، أو وقوعهم بين مخالب كلاب الحراسة المتوحشة، بعد محاولتهم الفاشلة للفرار من جحيم الشيوعية إلى جنان الديمقراطية  الموعودة !!! .


**  التقسيم .

قسمت ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة ألمانيا النازية عام 1945 بين دول الحلفاء الممثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا و روسيا وألمانيا المهزومة. وتكرس هذا التقسيم بقيام جدار برلين الذي قسم العاصمة الألمانية إلى شطريين، لتبدأ معها مرحلة الصراع بين الغرب والشرق وإيذانا بقيام الحرب الباردة بين المعسكرين .

*** معهد غوته .
معهد غوته المعروف في مساهمته بنشر الثقافة وتعليم اللغة الألمانية في أغلب الدول في العالم موجود في أكثر من عاصمة، وله حضور مهم في أكثر من دولة،  وبمناسبة ذكرى سقوط جدار برلين أقام المعهد  معرض متنقل سمي " رحلة جدار برلين " طاف بين أكثر من دولة وطار من قارة  إلى أخرى للتذكير بهذا الحدث، مطالباً بهدم ما تبقى من جدران عنصرية و قومية ودكتاتورية وطائفية  بين الشعوب والدول في العالم .

**** رحلة الجدار .
السيد "ميشائيل يايسمان" من معهد غوته رافق رحلة الجدار من اليمن " تذكيرا بالصراع الذي تسبب بقتل عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي"...إلى فلسطين وجدار الفصل العنصري بين أبناء المدن الفلسطينية والإسرائيلية... إلى شبه الجزيرة الكورية والتوتر المهيمن على تقسيمها بين جنوبية وشمالية... إلى جدران الفصل الطائفي في العاصمة العراقية بغداد ،.... و إلى  سور الصين  .


*****  الكورد وجدار برلين .
 بالرغم أن هناك مذكرة تفاهم بين وزارة التربية في إقليم كوردستان ومعهد غوته، وبالرغم من تواجد جالية كوردية كبيرة في ألمانيا من كافة أجزاء كوردستان مدعومة بممثليها وواجهتها من منظمات ثقافية وجمعيات اجتماعية وهيئات حزبية تذخر المواقع
الالكترونية ببياناتها وإطلالة قادتها وأسماء منشديها والأنشطة الدائمة لها من أعتصامات وتظاهرات في كل صغيرة وكبيرة ، لم يتمكن الكورد حتى الآن من إيجاد موقع قدم أو تأسيس لوبي كوردستاني لهم في الحياة السياسية الأوربية عامة والألمانية خاصة، وفي ظل هذا التقصير المستغرب لم يكن للكورد حضورا في" أجندة معهد غوته "  " ورحلة جدار برلين "..... تقسيم كوردستان  بجدار من الفصل العرقي الذي قسم المدن والعائلات والعشائر والوطن الكوردي بين أربع دول كان الغائب عن هذه الذكرى التي تجاوزت قراءتها ومعانيها حدود وفضاء الألمانيتين و قارة أوروبا، وكان من الاجدى بمكان الاهتمام من حكومة إقليم كوردستان ومن ساستنا ومثقفينا وممثلي جمعياتنا وأحزابنا وخاصة القاطنين في العاصمة الألمانية برلين النظر إلى هذه المناسبة بجدية كبيرة والاستفادة منها للفت نظر العالم والرأي العام الألماني على جدار الفصل الاستعماري والشوفيني والديكتاتوري بين أجزاء كوردستان، كقضية ما زالت فصولها ومآسيها مستمرة إلى يومنا هذا بلا حل أو اهتمام من قبل الدول الكبرى .
 
****** الباب الكوردي .
هنا لا بد من توجيه بعض اللوم إلى معهد غوته والمسيرين لهذه الحملة، فمن المؤكد إن منظميها مطلعين على كل إحداث العالم، إن تقسيم كوردستان بين عدة دول ووضع جدران من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام بين أبناء الشعب الواحد من الكورد، قضية تحمل إبعاد إنسانية وحقوقية كبيرة لا يمكن إن تغيب أو تسقط بالتقادم التاريخي، من المؤكد إن تفاصيل الصراع في المنطقة والتاريخ الدموي معلوماً لديهم ، والسؤال هنا  هل المنظمين  على حملة " جدار برلين " يخشون دخول الباب الكوردي، كي لا يزعجوا الباب العالي  في أنقرة و دمشق و طهران . أم ثمرة وعناقيد المصالح الكوردية لم تنضج بعد لمشاركة العالم بفتح هذا الملف، الذي ينذر بإشعال فتيل الصراعات في المنطقة وإثارة حروب داخلية وتوترات عرقية بين القوميات المتداخلة والمتقاربة مع الكورد .

******* شريف باشا .
من المهم أيضا التذكير بما كتبه المندوب الكوردي" شريف باشا " من خلال تقديمه مذكرتين محملة بخريطتين لكوردستان إلى مؤتمر الصلح بباريس، إحداهما بتاريخ 21/3/1919 والأخرى يوم 1/3/1920. وطلبه من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات،على أمل أن ينال الكورد حقوقهم المشروعة، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية "ويدرو ويلسن " بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة. وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى "إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق…" ولعل هذه الجملة " للشريف باشا " تشكل حضورأ وطلباً دائما ومتجددأ ، وبالرغم من استمرار سقوط الآلاف الضحايا ما زال صداها ، ومنذ أكثر من ثمانين عاما يدق ناقوس الخطر بلا أذان صاغية لدى المعنيين في المنطقة والعالم .
******** جدار كوردستان .
 كوردستان كانت تسودها أمارات مستقلة لها أمرائها ونظامها وتتصرف بشؤونها وتحت أدارة أهلها وناسها، لكنها ونتيجة المؤامرات الخارجية والداخلية تعرضت للتقسيم الأول بعد معركة "جالد إيران"عام 1514 بين الإمبراطورية العثمانية و الإمبراطورية الصفوية، وفي عام 1555 تكرس هذا الانقسام  بعد توقيع الجانبين على اتفاقية تم من خلالها فرض تقسيم كوردستان بشكل رسمي بموجب اتفاقية " أماسيا "  وتكرس هذا التقسيم في معاهدات لاحقة بين الإمبراطورتين عام 1639 باسم معاهدة " زهاو " ومن خلال اتفاقيات تنظيم الحدود بينهما مثل أرضروم الأولى 1823، وأرضروم الثانية 1847  واتفاقية طهران عام 1911، واتفاقية الأستانة عام 1913  .

********* لعبة المصالح .
إلا أن الكورد لم يبخلوا بأدمائهم و أرواحهم لنيل الاستقلال والانعتاق من نير الاحتلال الصفوي والعثماني من خلال قيامهم بالثورات وحملات العصيان ضد الدولة، أو الاتصال مع الدول الكبرى وخاصة بعد ظهور ملامح انهيار الدولة العثمانية وتقديم مطالبهم إلى السلطات البريطانية، وقد التقى"الشريف باشا"في مدينة مرسيليا الفرنسية بالسفير البريطاني " برسي كوكس " عام 1918  إلا أن الاجتماع انفض بدون أي نتائج  تذكر سوى استماع السفير للمندوب الكوردي بدون إبداء أي تعليق أو رد أو أي وعد، وهذا ما كان مطلوباً من السفير" كوكس" بحسب رسالة مسجلة أرسلت إليه من قبل وزارة الخارجية البريطانية للاستماع "  فقط  ؟؟؟ " إلى ما سيقوله " الشريف باشا.
هذه المقدمة التارخية لا بد منها فبعد انقسام الكورد بين جناحي الصفوين والعثمانيين  في جالد إيران, توالت المؤامرات والاتفاقيات لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من تفاهمات طهران والآستانة و مؤتمرات باريس إلى سايكس بيكو مروراً بمؤتمر لندن إلى معاهدة لوزان واتفاقيات أضنه وتحالفات الرباعي الإيراني العراقي التركي السوري .

********** انهيار الجدار .
انهيار جدار برلين أدى لسقوط رمز هام من رموز تقسيم العالم. لأن أحداث التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر لم تؤدي فحسب إلى انهيار نظام ألمانيا الشرقية، بل قادت أيضا بعد ذلك بعام إلى إعادة توحيد ألمانيا،وبذلك انتهت الحرب الباردة. ومع نهاية قصة جدار برلين على العالم الحر والديمقراطي عدم النكوص في المساهمة ووضع الحلول التي كانوا إحدى أسبابها، والقيام في إزالة وانهيار جدران أخرى ما زالت سببا في مآسي كثيرة وحروب خفية لم تهدأ فصولها،ولن تتمكن كل أساليب العنف والقتل والطغيان والاستبداد والمجازر والأنفال والإبادة للقرى الكوردية وتهجير ملاين الكورد من ديارهم في إنهاء وامحاء هذه القضية ، وان سقوط جدران كوردستان آتي عاجلاً أم آجلاً  لأن الاستعمار والطغيان والظلم مهما طال  ومهما قام على  ثقافة الإنكار و شريعة الدم فهو زائل لا محال وتبقى قضية الشعوب  منتصرة في النهاية .
 

صلاح الدين بلال
صحفي وإعلامي
ألمانيا
09 / 09 / 2009
salaheldinbilal@hotmail.com







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6064