تفاعـل القضـية الكــردية بين العامل الذاتي والأبعاد الإقليمية!.. *
التاريخ: الثلاثاء 01 ايلول 2009
الموضوع: اخبار



    يجمع المراقبون على أن العامل الإقليمي قد أعاق كثيراً تطور القضية الكردية في الماضي، وحال دون ارتقائها إلى المستوى الدولي، وحرمها بالتالي من دعم ومؤازرة الأصدقاء والمتعاطفين معها، وذلك بسبب تشابك المصالح بين كل من الدول الأربع المعنية بهذه القضية، وبين حلفائها الكثر من دول المنطقة والعالم، إضافة إلى حرص أنظمة تلك الدول على التنسيق المشترك في مواجهة أي تطور قد تشهده تلك القضية في هذا الجزء أو ذاك من كردستان، والتجائها الدائم لبناء تحالفات سياسية معادية لتطلعات الشعب الكردي، وتكريس صيغ التعاون فيما بينها في مجال تبادل الخدمات الأمنية والسياسية لمصلحة الدور الإقليمي لكل منها، ورسم سياستها حيال الشأن الكردي على ضوء ما تستجد من أحداث في الجوار الكردي.


  ويمكن على مستوى القضية الكردية في سوريا ملاحظة ذلك التنسيق وتلك الانعكاسات من خلال رصد حركة تطبيق المشاريع العنصرية والسياسات الاستثنائية في المناطق الكردية، فالإحصاء الاستثنائي الذي جرى في تشرين أول 1962 جاء بحد حوالي عام فقط على اندلاع ثورة أيلول في كردستان العراق، مثلما جاء مشروع الحزام العربي بعد مدة ليست طويلة على توقيع بيان 11 آذار الذي أقرت الحكومة العراقية بموجبه الحكم الذاتي لكردستان العراق عام 1970 . وبنفس العلاقة جاءت فتنة آذار 2004 بعد إقرار النظام الفيدرالي في العراق ونتيجة للدور الوطني الكردي في الحراك الديمقراطي الداخلي. مما يعني أن تلك الأحداث والمشاريع لم تأت متزامنة مع مثيلاتها في الجوار الكردي بالصدفة، ورغم  أن علاقات التأثير المتبــادل
تعتبر أمراً طبيعياً بين الدول والشعوب المتجاورة بغض النظر عن انتماءاتها القومية أو الدينية والسياسية، لكن شعبنا الكردي في سوريا كان محكوماً بالحرمان من أي تطور ايجابي لتلك العلاقات، إلا بالحدود التي كانت تخدم السياسة الشوفينية وتوفر لها فرص تحويل أنظاره نحو الخارج الكردستاني، أو تقديم الذرائع المطلوبة أو الدلائل المفترضة التي تتحجج بها للتشكيك بولائه الوطني.
  ورغم إجراءات القمع والمنع من جانب النظام، فإن التطورات الايجابية المحيطة تعاونت مع الحراك الديمقراطي الداخلي في إنعاش الآمال القومية التي بدت في السنوات الأخيرة على شكل خط بياني صاعد خاصة بعد سقوط النظام العراقي البائد وما نتج عنه من تحرر كردستان العراق، ليس فقط من الدكتاتورية، بل كذلك من التدخلات والضغوط الإقليمية المجاورة، وتحولت إلى ملجأ للعديد من القوى السياسية، بما فيها أطراف الحركة الكردية ومنها PKK الذي ظل موضوع تواجده يثير الخلاف بين الجانبين التركي والعراقي، وتسبب في العديد من الاعتداءات التركية التي فشلت عسكرياً ليبدأ حزب العدالة منذ عام 2005 بالبحث عن صياغة سياسية جديدة في التعامل مع القضية الكردية،، توّجت مؤخّراً بما سمّيت بمبادرة آردوغان التي لم تأت كعمل خيري، بل جاءت تحت ضغط مجموعة من العوامل يتقدمها العامل الذاتي الذي يتجسد في تصاعد إرادة النضال الكردي، وبالعامل الإقليمي الدولي الذي ساهم بدور كبير في دفع حكومة حزب العدالة للاعتراف بأخطاء ارتكبت بحق الأكراد وبأن الوقت قد حان لتصحيحها في إطار مفهوم جديد للهوية الوطنية التركية، التي تستند إلى حقيقة أن تركيا دولة متعددة القوميات.. ويمكن فهم خلفية هذا الدور من خلال السياسة الأمريكية الجديدة التي أدرجت في مقدمة أولوياتها موضوع العراق والملف النووي الإيراني، وأعلنت من أجل ذلك دعمها للحكومتين العراقية والتركية، لأنها تريد من الأولى أن تصبح قادرة على حماية الأمن، وأن تبسط سيادتها على كافة الأراضي العراقية تمهيداً لانسحاب أمريكي آمن، وترى إدارة أوباما أن من بين القضايا التي تحول دون ذلك أو أنها يمكن أن تشكل مشاريع مستقبلية لصراع جديد هي المتعلقة منها بالملف الكردي، سواءً ما يتعلق بالمناطق المستقطعة في محافظتي كركوك والموصل، والذي يتحسب له النظام التركي، لما يمكن ان يعكسه مثل هذا الصراع المحتمل من اضطرابات في الجوار الكردي في تركيا، خاصة على ضوء الانسحاب الأمريكي المقرر قبل نهاية 2011، أو ما يتعلق بقانون النفط وصلاحيات الإقليم، أو ما يرتبط بمعسكرات مقاتلي PKK ولاجئي مخمور وغيرهم.
  وفي حين يضغط فيه الجانب الأمريكي على حكومة الإقليم لتأجيل البت في قضايا الخلاف مع الحكومة المركزية، ومنها موضوع التعداد السكاني المرتبط بالمادة 140 من الدستور، وذلك تحت ضغط القوى السياسية العراقية المناوئة، التي تدعي أن كركوك وجوارها خضعت لمخطط كردي لإحداث تغيير ديمغرافي، فإن موضوع المعسكرات يرتبط بقضايا ترتبط بخارج الحدود العراقية، لأن غالبية مقاتلي PKK هم أصلاً من أكراد تركيا وسوريا، وأن أي حل لتواجدهم المسلح هناك يجب أن يدرس مع حكومتي هذين البلدين .
  ومن هنا يمكن فهم أحد جوانب مبادرة أردوغان الذي أوكل الرئيس أوباما لحكومته مهمة إستراتيجية في مواجهة النفوذ الإيراني المتمدد ...ولكي تتفرغ لهذه المهمة فإن القضية الكردية التي شهدت سابقاً بعض التقدم على خلفية الضغوط الأوربية في السنوات الأخيرة في إطار الالتزام بشروط الانضمام للاتحاد الأوربي ، يجب ان تجد لها حلا مقبولا .
  ورغم أن مضمون المبادرة لا يزال غير واضح، وأن هناك عراقيل عديدة تعترض نجاحها، والتي تتمثل في تحفظ المؤسسة العسكرية التي يمكن أن تتخذ من هذه المبادرة ذريعة لاستهداف حزب العدالة، إضافة إلى رفض كل من الحزب القومي التركي وحزب الشعب الجمهوري، فإن ما يطفو منها على السطح يكاد ينحصر بالحلول الأمنية والاقتصادية إضافة للجانب الثقافي، ومن بين بنودها إعلان عفو عام عن كوادر PKK وتطوير اقتصاد المناطق الكردية ومساعدة النازحين الكرد الراغبين بالعودة الى ديارهم بالقروض ومستلزمات العمل والبناء وإقامة المشاريع الاقتصادية للتخفيف من وطأة البطالة.
  ولكن ومهما تكن التفاصيل وإمكانيات النجاح فإن ما تقدم يسجل لحكومة حزب العدالة بأنها قادرة على امتلاك زمام المبادرة، خاصة بعد أن تمكنت من تحجيم دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، كما يسجل لها توجهها الجاد نحو تطوير العلاقات مع حكومة إقليم كردستان التي تتحسب بدورها لانسحاب القوات الأمريكية وما يمكن أن يتركه ذلك من وضع جديد في العراق والمنطقة، وما يعني ذلك أيضاً من حاجتها لعلاقات جيدة مع كل من حكومة بغداد وضرورة التوصل الى تسوية مقبولة معها حول قضايا الخلاف، ومع حكومة أنقرة التي تطالب بإغلاق معسكرات PKK ، كما أن الطموح التركي بدور وسيط بين آسيا الوسطى والقفقاس من جهة، وبين أوربا الغربية من جهة أخرى، يحتاج لعودة الاستقرار إلى كردستان تركيا كممر لأنابيب الغاز الإستراتيجية، مما يفسر كثيراً التحرك التركي نحو حل القضية الكردية بكل ما تعنيه من انعكاسات قد تطال الجانب السوري منها أيضاً بحكم الجغرافيا والمنطق السياسي، فتركيا التي كانت تتنكر تاريخياً للوجود الكردي، ويباري العسكر فيها السياسة الشوفينية في بلادنا منذ ستينات القرن الماضي في سياسة التهجير والتتريك والتجهيل والإفقار واضطهاد الكرد الذين اعتبرتهم أتراك الجبال، لم تعد كما كانت، وإن ما يجري فيها الآن يدعو للمقارنة والمفارقة والاستغراب، فالبرلمان التركي يضم حالياً مائة عضو كردي من مختلف الأحزاب، وهناك بالمقابل حوالي مائة رئيس بلدية كردي، وتوجد قناة فضائية رسمية ناطقة بالكردية، كما بدأت وفق تلك المبادرة المذكورة تنفتح أكثر على القضية الكردية في إطار ترسيخ الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة المتعددة القوميات، وإذا أضفنا لما تقدم ان كردستان العراق أصبحت إقليماً فيدرالياً في إطار دولة اتحادية، وان أكراد إيران يتمتعون بحقوقهم الثقافية، فان التساؤلات تدور في كل الاتجاهات حول إصرار السياسة الشوفينية في سوريا على مواصلة نهج الإلغاء والشطب على كل ما هو كردي واستمرار حملات القمع والمنع التي تصاعدت إثر أحداث آذار 2004، ولم تعرف التدابير والقوانين الاستثنائية حدودا لها حتى الآن، حيث تلحق أفدح الأضرار بالمجتمع الكردي عموماً وبمدى تفاعله مع المجتمع السوري، لأنها خلقت لدى الإنسان الكردي شعوراً عميقاً بالمرارة والاغتراب نتيجة سياسة القهر والحرمان والإهمال المتعمد للمناطق الكردية التي تشهد هجرة اضطرارية نازفة وخطيرة، ودفعت قطاعات واسعة من المجتمع الكردي نحو السلبية نتيجة الآثار الاقتصادية والنفسية لهذه السياسة الشوفينية .
   مما لاشك فيه أن هذه السياسة لن تستطع الصمود طويلا أمام إرادة شعبنا من جهة وأمام المستجدات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وان اللحظة التاريخية لن تكون مواتية على الدوام، وأن التأخر في التعامل بحكمة مع الشأن الكردي في سوريا يعقد كثيراً إمكانات الحل، ما يقتضي صدور مبادرة جريئة لها خصوصية وطنية سورية، تنطلق من مصلحة سوريا ووحدة شعبها، بعيداً عن محاولات التسويف والمساومة، وعن رسائل التخدير وفقاعات الاختبار، لإحداث انفراج في حالة الاحتقان التي تشهدها المناطق الكردية ....ورغم تأخر الوقت على مثل هذه الخطوة فإن الاستجابة لمنطق العصر والاقتداء بما تناقش من حلول في الجوار الكردي والتفاعل مع ما تدور حولنا من تطورات، أفضل كثيراً من أخفاء الرأس تحت الرمال والتهرب من استحقاقات الحل الديمقراطي الذي تحمله رياح التغيير التي تهب على المنطقة والعالم وسوف تصل إلى بلدنا عاجلا أم أجلاً .
ــــــــــــــــــــ
*-افتتاحية جريدة الوحدة العدد آب 193







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6018