الثقافة من ضحايا السياسة: المعهد الكردي في اسطنبول نموذجاً
التاريخ: الأثنين 31 اب 2009
الموضوع: اخبار



  اسطنبول - هوشنك أوسي

لأكراد تركيا، هموم وشؤون وشجون أخرى، مهما حاولوا النأي بها عن معمعة السياسة وأحابيلها، لا يجدون أنفسهم إلاّ وهم يدفعون ضريبة ما هو سياسي، من كيس ما هو ثقافي. ففي مطلع التسعينات، وبعد أن أبدى الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، بعض المرونة حيال الأكراد في تركيا، قررت مجموعة من المثقفين والأكاديميين الأكراد والأتراك، هم: موسى عنتر وجمشيد بندر واسماعيل بشيكجي (عالم اجتماع تركي) وياشار كايا وعبدالرحمن دره وإبراهيم غوربز وفقه حسين ساغنج والشاعر دلبرين تأسيس المعهد الكردي في اسطنبول، في 18/4/1992، بغية الاهتمام بالثقافة واللغة والتراث والأدب والتاريخ الكردي، من حيث البحث والتوثيق والدراسة.


ويضمّ المعهد في عضويته الآن، ما يناهز 100 شخص، وتتألَّف هيئته الإداريَّة من 7 أشخاص، يرأسها الكاتب والباحث اللغوي سامي تان. والمعهد، عبارة عن شقّة، في مبنى متواضع، في حي آكسراي في اسطنبول، وليس له فروع في المدن الأخرى.
يصدر المعهد مجلَّة فصليَّة، باسم «زند / Zand»، معنيَّة بنشر البحوث والدراسات اللغويَّة والأدبيَّة والتاريخيَّة باللغة الكرديَّة. بالإضافة إلى طبع القواميس الكردية - الكرديَّة، والكرديَّة - التركيَّة، أو بلغات أخرى، وإعادة طباعة دواوين الشعر الكلاسيكي الكردي، وكتب تعليم الكرديَّة وقواعدها. ويموِّل المعهد نفسه، من ريع مطبوعاته واشتراكات أعضائه. بالإضافة إلى إقامة أمسيَّات فنيَّة وأدبيَّة لدعمه.

بلا ترخيص

يعمل المعهد، من دون ترخيص رسمي، كـ «معهد كردي»، بل ينشط كشركة تجاريَّة، ذات اهتمامات ثقافيَّة. وحول ذلك يقول الباحث اللغوي، عضو الهيئة الإدارية للمعهد، زانا فارقيني لـ «الحياة»: «رفضت الدولة منحنا الترخيص، على رغم مراجعتنا لوزارة الداخليَّة ووزارة الثقافة مراراً. وحتَّى مجلس الأمن القومي (أعلى هيئة قياديَّة في تركيا، تضم رئيسي الدولة والحكومة وقائد الأركان العامّة ووزارء) رفض بشكل قاطع منحنا الترخيص. ولم يكلِّف أحد نفسه ابلاغنا أسباب الرفض بشكل رسمي وخطَّي، واكتفوا بالرفض الشفوي أو التجاهل والإهمال، أو عدم الردّ». ويضيف فارقيني: «منذ عامين، حصلنا على ترخيص رسمي لجمعيَّة مدنيَّة، اسمها؛ جمعيَّة المعهد الكردي في اسطنبول، وظيفتها التنسيق مع الجمعيَّات المدنيَّة، في ما يتعلق بإقامة النشاطات الثقافيَّة، لتطوير المجتمع المدني وحسب». وحول سبب رفض الدولة منح الترخيص لهم، حتَّى الآن، على رغم الحديث عن انفتاح الحكومة التركيَّة على اللغة والثقافة الكرديَّة، يقول فارقيني: «حتَّى الآن، لم يتمّ إجراء أيّ تغيير في القانون التركي، يقضي بالاعتراف بالكرد كشعب، وبهويته الثقافيَّة. وبالنسبة للإصلاحات الطفيفة في القوانين التركيَّة، فإنَّها تجري من دون أن يذكروا كلمة كُرد ضمنها. مثلاً، التعديل الذي أجروه لإطلاق قناة كرديَّة في التلفزة الرسمية (قناة تي آر تي 6)، كان يرتكز على السماح للمواطنين الأتراك الذين يتكلَّمون باللهجات المحليَّة الفولكلوريَّة للتعبير عن أنفسهم. ولم يأتوا على ذكر اللغة الكرديَّة، بتاتاً. وبالتالي، هل يمكن الحديث عن انفتاح جدّي وحقيقي على الأكراد، من دون الاعتراف القانوني الصريح بهم وبحقوقهم؟ً نحن في الدستور التركي، كلَّنا أتراك. والتغييرات التي يتحدثون عنها، لا تشملنا كشعب، بل كأفراد، تحت عنوان، زيادة هامش الحرية أمام المواطنين الأتراك. وحتَّى القناة الكرديَّة في التلفزة الرسميَّة، والسماح بافتتاح قسم للغة الكرديّة في جامعتين تركيتين، يناقض روح القانون التركي، المعمول به حاليَّاً. هنالك تخبُّط وخلط، بغية التهرُّب من استحقاق وطني ديموقراطي كردي في تركيا. وما يروَّج عن إصلاحات وانفتاح تركي على الأكراد، فيه الكثير من التسويق والبروباغندا ويتنافى مع الواقع، قانونيَّاً وعمليَّاً».
وعن علاقات المعهد الكردي في اسطنبول مع المعاهد الكرديَّة في برلين وبروكسل وباريس وواشنطن، يقول مدير المعهد سامي تان: «لا توجد علاقات رسمية بيننا. هنالك بعض النشاطات المشتركة مع المعهد الكردي في برلين والمعهد الكردي في بروكسل. والمعهد الكردي في آمد/دياربكر، هو مستقلّ عنَّا. لكننا نشترك في إقامة فعاليّات، الهدف منها، تنشيط اللغة والثقافة الكرديّة».
ويضيف «لا توجد لدينا علاقات بمراكز البحث والمعاهد والجامعات في كردستان العراق. والسبب يعود لهم. فحتَّى العلاقات الثقافيَّة هناك، خاضعة لاعتبارات سياسيَّة، وأيديولوجيَّة. يبدو أن التواصل معنا، يلزمه ضوء أخضر، أو تزكية أو ترقيَّة، أو ما شابه ذلك، من جهات حكوميَّة وقياديَّة في كردستان العراق، أو من تركيا، لا طاقة لنا على الوصول إليها!».
روناهي ولات، مدِّرسة اللغة الكرديّة، والعضو في هيئة إعداد كتب مناهج التعليم بالكرديَّة، تحدَّثت لـ «الحياة» عن نشاطها فقالت: «بسبب قلّة التجارب في التدريس باللغة الكرديَّة، لا مناص من أن نلاقي في عملنا بعض المصاعب والأخطاء، لكون التعليم باللغة الكرديَّة في تركيا، لا زال في مرحلة التأسيس، ولا يلقى دعماً رسميَّاً. لذا، نعود إلى المصادر الإنكليزيَّة أو الفرنسيَّة في التدريس، والاستفادة منها، بما ينسجم مع لغتنا الكرديَّة».
أمَّا الناشطة في المعهد، آيسل تشتين (28 سنة)، المعنيَّة بالمسائل التقنيَّة وتصميم وإخراج الكتب، والتي مضى على عملها في المعهد 10 سنوات، فتقول: «أنَّا سعيدة في عملي، ولم تواجهنيِ أيَّة ضغوط أو مضايقات سياسيَّة أو قانونيَّة».

طالب أميركي

تشيز وينتر (28 سنة)، مواطن أمريكي، يتلقّى دروس تعليم اللغة الكرديَّة في المعهد، تحدَّث لـ «الحياة» عن علاقته بالمعهد فقال: «صديق أميركي، كان يدرس معي في جامعة بوغازيجي في اسطنبول، هو من نصحني بالتوجُّه للمعهد الكردي. وصديقي ذاك، هو أيضاً، كان قد تعلّم الكرديّة، بمجهود فردي». وحول سبب اختياره تعلُّم اللغة الكرديَّة، يقول وينتر: «كنت أتابع أخبار الأكراد، ومشاكلهم وهمومهم، لذا أردت أن أتعلَّم لغتهم. وقمت بزيارة كردستان العراق. وتعلمي اللغة التركيّة، سهل عليّ تعلم الكرديّة. وبحكم التجربة، يمكنني القول إنّ تعلم التركيّة أصعب من تعلُّم الكرديَّة».
الموظَّفة في المعهد، روشن بانا (26 سنة)، تقول: «كنت طالبة في دورات تعليم اللغة الكرديّة، وهنا تعلَّمت الكتابة والقراءة والنطق السليم بلغتي الأمّ». وتضيف بأنَّها لم تتعرّض لأيَّة مضايقات قانونيّة في عملها. لكن «العمل هنا، مرهق، لأنني معنيّة بأمور عديدة، منها ما هو تقني، وما هو إداري. ونظراً لشحّ الموارد الماليّة للمعهد، فرواتبنا قليلة جداً. وأحياناً، ندفع من جيوبنا. ومع ذلك، أنا فخورة وسعيدة بعملي».

تجاهل وطموح

وفي ما يتعلَّق بعلاقات المعهد الكردي في اسطنبول، بمنظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة الـ «يونيسكو»، والمؤسّسات الأوروبيَّة ذات الصلة يقول مدير المعهد: «ليست لدينا علاقات مع «يونيسكو»، ونأمل أن يحدث ذلك في المستقبل القريب. أمَّا بالنسبة للتواصل والعلاقات مع المؤسَّسات الأوروبيَّة، فقد كانت لنا محاولات عديدة، وقدمنا مشاريع ثقافيَّة لها، إلاَّ أنّها لاقت رفضاً وإهمالاً. وطبعاً، السبب سياسي. فدول الاتحاد الأوروبي، لا تودّ أن تتعكّر علاقاتها السياسيَّة والاقتصاديَّة مع تركيا، بدعمها لمشاريع ثقافيَّة كرديّة، داخل تركيا». وعن هموم المعهد ومشاكله والمصاعب التي يواجهها، يذكر تان انه «يمكن اختصارها في نقطتين: أولاً؛ لا يوجد اعتراف رسمي باللغة الكرديَّة في تركيا، يجيز تدريسها في المدارس. لذا يكون نطاق تعلم اللغة الكرديَّة محدوداً وضيقاً، ما ينعكس سلباً على انحسار حركة طبع وتوزيع الكتب والمطبوعات الكرديَّة. وثانياً عدم الاعتراف بنا كمؤسّسة كرديَّة، وتقديم الترخيص لنا، هذا أيضاً، يعرقل نشاطاتنا».
ويضيف تان: «إنَّ الضغوط على المعهد، قد خفَّت، قياساً بالسابق. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في سنة 2000، نتيجة افتتاح المعهد دورات تعليم اللغة الكرديَّة، تمَّ إغلاقه بالشمع الأحمر، لخمسة أشهر. بالإضافة إلى الدعاوى التي كانت ترفع بحقّ المعهد وإدارييه، بسبب نشاطاتهم الثقافيَّة والأدبيَّة الكرديَّة. ويجب ألاَّ ننسى، أنَّ أوَّل مدير للمعهد، موسى عنتر، قد تمَّ اغتياله. وقيّدت التحقيقات في هذه الجريمة، ضدّ فاعل مجهول!!. كما أنَّه، بعد افتتاح المعهد بنصف ساعة، تمّ إنزال اليافطة المكتوب عليها اسم المعهد، لاحتوائها على كلمة الكردي».
ويختتم تان كلامه بالقول: «إنَّ طموح المعهد، ليس طموحاً تعجيزياً. وسقف ما يطمح إليه، هو أن يصبح مؤسَّسة رسميَّة، يمارس نشاطه بشكل أكاديمي، دون مضايقات قانونيَّة واقتصاديَّة، وصولاً لأن يصبح جامعة كرديَّة معروفة في كل أنحاء تركيا والعالم».
--------
دار الحياة







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6016