هجرة الشباب الكرد خارج الوطن وتبعاتها على اقتصاد كردستان
التاريخ: السبت 22 تموز 2006
الموضوع:


بقلم: عارف رمضان*

أين أنت أيها المسافر دوماً إلى القلوب
لقـد اشـتاقت القصـائد إليـك متى تعـود
  دمعتان اثنتان تجمدتا في عيوني عندما تلقيت من الوطن هذين البيتين من الشعر عبر رسالة S.M.S.  و أنا في بلاد الغربة ألمانيا .. حيث الطبيعة الجميلة و الأشجار الكثيفة .. و القرى و الريف في غاية الجمال و الهدوء .. و مهما كانت القرية صغيرة فإنها لا تفتقر إلى شيء .. كذلك الطرق معبدة  و مخدمة   بالكهرباء و الماء و التلفون و وسائل النقل مع توفر كل شيء و كأنك في مدينة كبيرة.. هذا رغم أن ألمانيا لا تملك سوى عدة مصانع للآليات و السيارات . و تعتمد على الضرائب لدعم اقتصادها الوطني . و حسب الروايات أن الكثير من الألمان يرفضون العمل في الأعمال الصعبة و الشاقة و يعمل بدلاً عنهم  العمال  الأجانب .

و من هم الأجانب : الأكثرية هم أتراك و يليها في المرتبة الثانية الكرد. 
 و من الجدير بالذكر بأن أكثر الشباب يهربون إلى الغرب لعدم قدرتهم على الزواج و المهور الغالية في الوطن فيتفاجؤون هناك بأنه من المستحيل الزواج     و ال استمرار مع عادات و تقاليد غريبة .. و حتى إذا أراد الزواج من كردية الأصل .. الحاصلة على الإقامة و الجنسية فإن مهرها يكون أغلى بكثير من الوطن ..
 و قد حضرت أحد موائد الخطبة و طلب اليد ..  فطلب والد العروس مبلغ 50،000 يورو مهراً لابنته :
 ما يعادل 60،000 $ ، ما يعادل 3،000،000 ليرة سورية ، أو 55 مليون تومان، أو 90 مليون دينار عراقي ، أو 90 مليار ليرة تركية ...
  فالشبان في في بلاد الغربة  صنفين .. الصنف الاول   يعملون   في الأعمال الصعبة من الصباح و حتى المساء و يعودون منهكي القوى يكاد لا يجد الوقت الكافي للراحة .. و لا يملكون  وقتاً للمطالعة أو الرياضة أو أي نشاط آخر أو حتى زيارة بعض الأصدقاء . سوى  يوم العطلة يتفرغون  فيها لترتيب و تنظيف البيت . يشتغلون كثيراً  ولكن  يدفعون ثلث راتبهم ضرائب للدولة .
أما الصنف الآخر .. الذي لم يحصل على الاقامة و ليس لديه الحق في العمل و التحرك خاج المدينة التي هو فيها و يقيم في ( الهايم ) سكن اللا جئين الجماعي . يقبضون بعض اليوروهات كحد أدنى لمستوى العيش و منهم من يقف يومياً على باب ( الهايم ) ليستلم كرتونة مواد غذائية تكفيه ليومه فقط.
و هكذا يقبع المهاجر في غياهب الهايم على أمل الغد المشرق الذي يحصل فيه على الإقامة ليكون كغيرة رقماً متحركاً لتنظيف الشوارع أو تربية الأبقار و الخنازير أو عامل في أحد المعامل دون توقف لا يعرف طعم للراحة .
و قد يستغرق الانتظار شهوراً و سنين  حالماً بالحصول على الاقامة   .. يتعلم خلالها فنون الصبر و السلوان و النوم بين الأربع جدران
و قد عرفت و تعرفت على الكثيرين ممن انتظروا لأكثر من عشر سنوات و اعدادهم كثيرة بالمئات او اكثر بالآلاف حتى وهؤلاء  من جميع أنحاء كردستان و  ليس في ألمانيا فقط .. بل في كل أرجاء أوروبا....
  أقول :
 لو احترموا من قبل حكوماتهم في أوطانهم ..
 لو نظروا  إليهم كبشر   ..
 لو رعيت مشاعرهم كأناس ..
لو استثمرت جهودهم و طاقاتهم و قدراتهم العملية و العقلية و الفكرية ... لما هاجروا .‍‍ وسلكوا دروب الغربة ...‍‍!
 و لأعطوا أجمل و أقوى الأوطان .. لأنه لن يكون غريباً في وطنه و بين أهله .. و سيكون عطاؤه أكبر و يصبح بلده أجمل بكثير من البلد الذي هاجر إليه و الذي  يدفع شبابه ضريبة للاغتراب ..  و يساهمون في اعمار بلدان ليست لهم  . و يدفع ضريبة أخرى  للدولة التي هو فيها  تصرف لمواطنيها الكسالى الذين لا يعملون إلا الأعمال الإدارية البسيطة و المتسمة  بالراحة ..
 و من خلال تجربتي الطويلة في الإمارات من بداية نهضتها و إلى الآن .. و من قبل قيام الاتحاد عام 1970 .. كان لكل عائلة إماراتية شخص يعمل في إيران أو لبنان أو العراق ليكون عوناً لأسرته ..
لكن بالوحدة المشهودة بين الإمارات السبع و وحدة القلب و الدرب بين أهلها و حكومتها هذه الدولة التي  استفادت  من فرص سياسية نشأت  في المنطقة و خلال فترة قصيرة .. أصبحت من أهم دول الخليج  و العالم وقدمت لمواطنيها أعلى مستوى معيشة  . و أصبح الإماراتي لا يعمل إلا إدارياً .. و انقلبت الآية    و جاءت الكثير من الجنسيات الاخرى من خارج الامارات للعمل فيها  و للتذكير و ليس الحصر يوجد في الإمارات أكثر من 300 جالية يشكلون 80% من مجمل سكان الدولة .
 فيها 1400 كردي  من أجزاء كردستان الأربع . كلهم مقيمون . عدا الضيوف و التجار العابرون يومياً .
 و منهم 600 شخص من كردستان الغربية ( سوريا ) تؤلف 45% من الجالية
 و 500 شخص من اقليم كردستان العراق تؤلف 35 % .
 و 200 شخص من كردستان الشرقية ( ايران ) و تؤلف 15 % .
 و 100 شخص من كردستان الشمالية ( تركيا ) و تؤلف 5 % من مجموع الجالية .
 ربعهم يعملون في التجارة و لهم منشآتهم و مكاتبهم و محلاتهم التجارية و الحرفية و الصرافة و العقارات و المطاعم
 و ورشات العمل الصغيرة كالميكانيك و الكهرباء و الخياطة ....
و الربع الثاني مهندسين و مدرسين لدى الدولة أو المؤسسات الوطنية الأخرى .
 و النصف الآخر عمال و موظفون بسطاء حالهم ليس أحسن بكثير من حال المغتربين في أوروبا  و الذي لا يعمل هنا لا يستطيع العيش و التواصل .
و للبعض بصمات كثيرة تستحق التقدير و التذكير سنتطرق إليها في حلقة قادمة ..
و طالما نحن بصدد كيفية ازدهار و تطور دبي نتذكر قول  الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم باني نهضة دبي و حاكمها  في كتابه ( رؤيتي ) :
" إن الثقة بالنفس أولاً و بالآخرين ثانياً تعزز المسؤولية الجماعية في أي عمل . و يمكن ان يكون لكل عضو من أعضاء الفريق رؤيته الخاصة و طموحه الذي يدفعه إلى التفاني في عمله لكن على جميع اعضاء الفريق ان يكونوا واثقين برؤية القائد و ان يكون لهم فيها رأي ايجابي و ان يعملوا على تحقيق أهدافه ."
 و كذلك قال :
" كلنا جنود في جيش التنمية و بحسب الرتب و توزيع المهام الذي نجده في الجيوش .
فرق العمل هي مغاوير التنمية ووظيفتها تنفيذ المهمات الحرجة التي تضمن تحقيق النصر في حرب التنمية . و ما لم يتعهد القائد هذه الفرق بالتدريب و التحفيز و العناية و التشجيع ، و ما لم يكن قادراً على أن يكون على رأس هذه الفرق فلن تستطيع الفرق اقتحام المصاعب و قهرها و تحقيق الأهداف المرسومة لمهمتها . " 
 و طالما نحن في صدد وجه المقارنة بين دولة هاجر شبابها للعمل و الآن أصبح الناس يهاجرون إليها .. و اليوم نرى  افتتاح معرض للوظائف للإماراتيين .. الذي يضم الكثير من المؤسسات الحكومية الرسمية و الشبه رسمية و حتى الخاصة لتروج و تعلن عن وظائف لمواطنيها ..
فهاهي ( دوبال ) شركة ألمنيوم دبي تعلن عن انجاز أكثر من 60% من خطتها التوظيفية للعام 2006 في ظل تعيين مواطنين إماراتيين للاعتماد عليهم .
و كذلك ( مؤسسة الإمارات الخاصة للبترول ) تنضم للمعرض لعرض وظائف في إطار السعي المستمر لدعم جهود التوطين و تعزيز كوادرها الوطنية و تنمية معدلات التوطين في جميع القطاعات .
و ( موانئ دبي العالمية ) تعلن أن المواطنين يشكلون نسبة 75% من إجمالي العاملين فيها و أن إدارة الموارد البشرية وضعت برنامجاً طموحاً لتدريب عدد كبير من موظفيها ضمن برامج تخصصية متطورة خارج الإمارات في بريطانيا و السويد و بلدان أخرى .... 
عندما سئل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي عن ماهو أصعب شيء واجهه خلال عملية التنمية على مدى العشرين سنة الماضية ، أجاب :
" إبلاغ المعلومة إلى المعنيين بعملية التنمية لكي يفهموا بالضبط ما الذي أريده . إنه التأكد من أن العاملين معي يعرفون ما هي رؤيتي بالتحديد و ما الذي أريده من كل واحد منهم القيام به لتحقيق أهدافها و التعرف جيداً على طريقها و وضوح كل مرحلة من مراحل الطريق في أذهانهم لكي لا نحيد عن الرؤية و نضل الطريق إلى أهدافها ."
و حتى يتحقق مراد الجميع لتطوير كردستان. و حتى تتحقق أمنية السيد مسعود البارازاني لتكون كردستان نموذجاً من دبي .. يجب أن نوجه النداء التالي مع التمني لكل من :
1-     على كل تجار كردستان التوجه إلى الاعمار و التصنيع .
2-  يتطلب من اتحاد رجال أعمال كردستان القيام  بالندوات المكثفة للتجار الوطنيين لتوحيد الجهود و البحث عن بدائل الاستيراد المميت و المدمر لاقتصاد الوطن و خاصة البضائع التقليدية التي تهلك السوق و السيولة لدى المستهلك و بالتالي لدى الحكومة و تذهب سدى بعد استعمال مرة أو مرتين .
          و قد أصبح في العراق عامة و إقليم كردستان خاصة كميات من مخلفات و قمامة الألكترونيات و الكهربائيات              
          تتراكم يوماً بعد يوم .. علماً أن المواد الأولية لتلك المواد تشترى من عندنا ( مواد صناعية ) بسعر زهيد و
          ( طاقة بشرية ) بسعر زهيد أيضاً .. ثم تعاد و تباع لنا بأسعار باهظة تكلف الكثير على الاقتصاد .
3-   على المنظمات الإنسانية و الحزبية و الشبابية العمل وفق برنامج توعية مجدية و اغراءات جدية للعمل على عودة هؤلاء الشباب لاستثمار طاقاتهم محلياً .
4-  و أخيراً و ليس آخراً دور الحكومة الموقرة للوقوف على هذا الموضوع و بالتعاون مع وزارة الاعلام المحلي و الدولي  لايجاد سبل لوقف الهجرة و اعادة السواعد التي هي الركيزة الأساسية للنمو و الازدهار و المستقبل المنشود الى الوطن . و تشجيع سياسات و خطط تطوير و توظيف المواطنين في الإقليم و توفير الفرص في كافة قطاعات العمل العامة و الخاصة في ضوء الاهتمام بالقطاعات الحيوية و الاقتصادية في الإقليم .
و لكل هؤلاء نقول :
أين أنت أيها المسافر دوماً إلى القلوب
         لقـد اشـــتاق الـوطـن إليـك متى تعـود.........
--------------
* ممثل رجال أعمال إقليم كردستان في دبي
تلفون : 00971506258489   فاكس : 0097142249286 
   Tel : 00971 50 6258489   Fax : 00971 4 2249286
ص. ب. : 171171 دبي – الإمارات العربية المتحدة     P. O. Box : 172171 DUBAI – UAE
 Website - www.semakurd.net

سماكرد 20/7/2006





أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=560