تسلية أمنية وسذاجة كردية
التاريخ: الجمعة 14 تموز 2006
الموضوع: اخبار



مسعود عكو


مرت 44 عاماً على جريمة الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة, الذي صدر بموجب المرسوم التشريعي رقم /93/  بتاريخ 23/آب/ 1962 و طبق قراراته في 5/10/من العام نفسه, وتم بموجبه تجريد ما يزيد عن /120/ألفاً من الكرد السوريين من هويتهم الوطنية, وتسميتهم بأجانب, ومكتومي محافظة الحسكة, والذي يناهز عددهم اليوم أكثر من ربع مليون كردي, لا يملكون أية وثيقة تثبت انتماءهم إلى أي أرض, أو وطن, أو حتى أي انتماء يثبت هويتهم على أنهم بشر, وليسوا بكائنات أخرى.


عاشت تلك الفئة من الكرد على آمالٍ, ووعودٍ كثيرة فقد كانت بين الحين, والآخر تقوم مجموعات مختلفة كردية, وعربية. رسمية, وغيرها بإطلاق بالونات هوائية بأن الحكومة ستعيد الجنسية إليهم, وسيتم تعويض المتضررين من جراءها إلا أن مصير هذه البالونات كانت دوماً دبوس حاد من يد لا يعرف أحد هي لمن, أو على أقل تقدير نخاف أن نحدد صاحبها , وما يتبقى من بالوناتنا العزيزة ينتهي بها المطاف لسجن مؤبد في أحد أدراج مسؤول بلا مسؤولية, هذا إذا لم يقم بإحراقها ليشعل بها سيجاره الكوبي.

الغريب في الأمر, هو لماذا لا تعيد السلطة الجنسية إلى هؤلاء المجردين منها؟ ما هي دوافعها لتمتنع عن منحها الحق الطبيعي لأي  إنسان يعيش لأكثر من خمس سنوات على أراضيها؟ وهذا الإنسان لم يخل بأي قانون من قوانين, وأنظمة البلاد لا بل ظل دائماً خير شخصٍ يخدم هذا البلد, ويقوم بتنفيذ كل ما يتوجب عليه من الواجبات كأي مواطن في حين لا يأخذ أي حق من حقوقه التي من المفترض حصوله عليها تلقائياً طالما يقوم بأداء واجباته كمواطن في حين لا تمنح سلطة هذا الوطن ورقة تعريف بإنسانيته.

السؤال الجامح الذي يشذ عن قاعدة الأسئلة الكونية كونه بدون أي إجابة حقيقية, وواقعية, ومنطقية من قبل أي مسؤول حكومي, لماذا لا تعيد السلطة الجنسية للمجردين منها؟ وبفرض أن ادعاءات السلطة هي حقيقية, وأن كل الأجانب, والمكتومين, ومن في حكمهم هم مهاجرون أتوا من دول الجوار, وهذا السبب الرئيس الذي تم بذريعته في الخامس من تشرين الأول من عام 1962 إجراء إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة, وكانت الحكومة متذرعة في ذلك الوقت باكتشاف عدد الذين عبروا الحدود السورية التركية قادمين من تركيا بعد الثورات الكردية فيها إلا أنه لم تحقق المطلوب منها بل عمدت إلى تجريد /120/ ألفاً من الكرد السوريين الذين كانوا يتمتعون بالجنسية قبل هذا المرسوم حيث الكثير من الذين تحولوا إلى أجانب, ومكتومين خدموا في الجيش السوري, ولهم سندات تمليك الأراضي بالإضافة إلى حملهم للبطاقات الشخصية التي تثبت هويتهم, ونسبهم, ولكن هذا الإجراء الاستثنائي قد مر عليه الآن /44/ سنة, ولا زالت وعود الحكومة لم تنفذ, ولم ترعى حقوق تلك الفئة من المجتمع السوري أي اهتمام علماً أن الكرد لم يحاولوا حتى الآن الحصول على أي جنسية ما, ولا رغبة لهم في ذلك وجل اهتمامهم حصول أبنائهم على الجنسية لكي لا يلقوا مصير آبائهم من الفشل, والحرمان من أبسط حقوق المواطنة, والتمتع في هذه الحياة بهوية ذات طابع إنساني حقيقي.

الرئيس الأسد, وفي زيارة لمحافظة الحسكة وعد بأن تكون نهاية مشكلة الإحصاء فور عودته إلى العاصمة دمشق بعد أن التقى بالعشرات من هؤلاء المتضررين بهذا الإحصاء الاستثنائي الجائر, والمجحف بحق أكثر من ربع مليون كردي, بالإضافة كان حل هذه المشكلة في سلسلة توصيات المؤتمر العاشر لحزب البعث التي أقرها في صيف عام /2005/ لكن أيضاً تلك الوعود, والآمال تحطمت على شواطئ الكلمات, ووئدت تلك الأحلام.

وفي معرض لقاء مع الرئيس الأسد من قبل قناة الجزيرة القطرية قبل سنتين عن أحداث القامشلي, وموضوع الإحصاء أكد الرئيس الأسد أن "موضوع الجنسية هي قضية عمرها الآن اثنان وأربعون عاماً تقريباً من عام اثنين وستين كان هناك قانون الإحصاء، كان فيه ثغرات، فأشخاص أُعطوا الجنسية، وأشخاص تحقّ لهم الجنسية، كما يُطرح، لم يُعطوا هذه الجنسية. أنا قمت بزيارة لمدينة, أو لمحافظة الحسكة، والتقيت بفعاليات مختصة من مختلف الشرائح, وطرحوا هذا الموضوع, وأعطيتهم جواباً في ذلك الوقت بأن هذا الموضوع سوف يُحل، وفعلاً لا توجد مشكلة بالنسبة لهذا الموضوع. الشيء الوحيد الذي كان يؤخره هي الأمور السياسية المختلفة، ولكن وُضعت أسس, ونوقشت هذه الأسس فكان الموضوع في المراحل الأخيرة، فهم يمتلكون جواباً حول هذا الموضوع، ولا توجد أية معارضة من أية جهة في سورية. فهم مواطنون سوريون يعيشون بيننا، والقومية الكردية جزء أساسي من النسيج السوري, ومن التاريخ السوري، ومندمجة بشكل كامل. فهذا الموضوع محلول. هكذا هي القصة بكل بساطة".
إذاً لا توجد مشكلة في إعادة الجنسية لهؤلاء المجردين منها, وأكبر دليل على ذلك حديث الرئيس الأسد, وقناعته شخصياً بأحقية هؤلاء الناس الحصول على جنسية هذا الوطن رغم أنهم سيكونون مواطنين عرب سوريين كون سورية لا تعترف بوجود قوميات أخرى, وتسمي كل مواطنيها بعرب سوريين.

على ضوء ذلك لماذا تلتجئ السلطة, أو البعض من كياناتها إلى إجهاض هذه الحقيقة الواضحة, ومماطلة حلها نهائياً, وإيجاد صيغة عمل حقيقية لإنهاء أزمة شريحة واسعة من المجتمع السوري تفتقر إلى التمتع بشيء اسمه السفر, أو المبيت في فندق, أو إنهاء الدراسات الجامعية, أو ممارسة حق الانتخاب, والتصويت, والترشح لهيئات الدولة المختلفة, والعيش كباقي أبناء الوطن.

تسلية أمنية جديدة تحاول من خلالها أجهزتها المماطلة في حل هذه الأزمة, وخاصة عندما تم تعيين الدكتورة نجاح العطار لتكون هي المفاوض الحكومي مع بعض الأطراف الكردية, والذي تم لقاء بينهم في الآونة الأخيرة بغية إيجاد حل منطقي, وواقعي لهذه الأزمة فالسيدة العطار نائبة الرئيس الأسد للشؤون الثقافية, وقضية الأجانب, والمكتومين هي سياسية بامتياز, والأصح من السلطة أن تعيّن شخصية سياسية حكومية للتفاوض, والأجدر بالكرد الذين قبلوا الحوار أن يلتزموا بأسس, وقواعد الحوار المنطقي. اللهم إذا كان الاثنين لا يعلمون لماذا سيلتقون, وتلك مشكلة بحد ذاتها هي أكبر بكثير من قضية أجانب, ومكتومين, وبشر بدون أي انتماء.

الأمر الآخر الذي غفلته السلطة, وتجنبته الأطراف الكردية إن تلك الأحزاب ليست الممثل الشرعي, أو الوحيد للشعب الكردي في سوريا, وليسوا بمحامي الدفاع عن أكثر من ربع مليون كردي بدون هوية, وقبولهم, أو رفضهم لأي حل هو بحد ذاته تجاوز لحق هذه الشريحة, وهو اعتداء على حقوق الأحزاب, والتيارات السياسية الكردية الأخرى العاملة في هذا المضمار, والتي تقاسم تلك الأحزاب قيادة شريحة لا بآس بها من الشارع الكردي السياسي الكردي رغم أنها تفتقر إلى مشروع سياسي ممنهج, وخطة ناضجة إلا أن وجودها خير من عدمه.

رغم أن منظمة اللاجئين الدولية توصي الحكومة السورية بضمان المواطنة لكل الأفراد المحرومين من الجنسية بما يتوافق مع المادة الثالثة من قانوني الجنسية السورية, والقانون الدولي, والبدء في برنامج إعادة تأهيل, و تطوير للكرد الذين فقدوا جنسيتهم, وممتلكاتهم عام /1962/ والاعتراف بالثقافة, واللغة الكردية ضمن المجتمع السوري, والتأكيد على أن كل طفل يولد في سورية له الحق في الحصول على جنسية, وأن لا يكون بلا وطن, وسن تشريع للسماح بتمرير الجنسية من الأم للطفل, والمصادقة على معاهدة عام /1954/ المتعلقة بحالة الأشخاص عديمي الجنسية, واتفاقية /1961/ حول منع التجريد من الجنسية.

أما المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة فتوصي الحكومة السورية بتوسيع التركيز, والعمليات لتشمل الأشخاص عديمي الجنسية بالإضافة إلى اللاجئين, والعمل مع الحكومة السورية لإنهاء حالات عدم الجنسية في البلد، بما في ذلك الكرد, وتأمين فوري, وإسعافي لتسجيل الأشخاص المجردين، وذلك بالتنسيق مع الوكالة المتخصصة, وتعيين فريق للعمل بفعالية لإنهاء حالة التجريد في سورية, وفتح فروع للمفوضية في المناطق التي يتواجد فيها المجردون من الجنسية بكثرة.

إلا أن الحكومة السورية ترفض حتى هذه اللحظة أن تنفذ كل هذه التوصيات لا بل تحمل الحكومة الحالية وزر حكومة قد انتهى نظامها منذ عقود, وتستمر في تنفيذ قراراتها رغم أنه منطقياً تنتهي صلاحية قرارات حكومة بانتهاء نظامها, ويستمر السياسيين الكرد المخضرمين في سذاجتهم لتصديق وعود منتهية الصلاحية, وحل قضية هؤلاء الكرد المجردين من أي انتماء قومي, أو وطني حقيقي هو اتخاذ قرار سياسي الأمر الذي تحتاجه, وليست مواعيد, ولقاءات بين جهتين كلاهما لا يمثل الطرف الصحيح في المعادلة الأمر الذي سيؤول بكل تأكيد إلى أن تكون المعادلة مستحيلة الحل كون الدلتا أصغر من صفر. اللهم إذا حصل في الكون معجزة تدهش الجميع!!!

دكتور يبيع البُشار، محامي يعمل حلاقاً، أكاديمي ينقل أكياس القمح, والشعير، صيدلاني يعمل مندوباً تجارياً لأحد شركات الدعاية, وآخر ترك عائلته ليعمل في مطعم, أو فندق, وآلاف الأسر انتقلت إلى الداخل السوري ليكون رب أسرتها ناطوراُ لبناية, أو حارساً لمدجنة, أو مزرعة, أو بستان ناهيك عن آلاف الشباب الذين تحولوا تلقائياً إلى كراسين, وبياعي اليانصيب, والدخان, ومعلمي الأركيلة في منتزهات, ومطاعم وكافيتريات دمشق, وحلب, وغيرها. فإلى متى ستكون نهاية أجنبي بهذه التعاسة؟ هل سيصبر هؤلاء المجردون عقود أخرى؟  وترمى أوراقهم في سلة مهملات السلطة, والمسؤولين كما هي العادة, أم السماء ستحن على أبناءها, ويهدي الرب المسؤولين لينهوا مشكلة ملّ أصحابها من كثرة الوعود المتلاشية في فضاءات كلماتها الطنانة, وخطبها الرنانة, حينها سيكون حل أزمة إنسانية منذ عقود يلوح في الأفق, هذا إذا كان هناك أفق!!!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=526