الحركة الشيوعية في سورية إلى أين..؟!
التاريخ: الأربعاء 04 اذار 2009
الموضوع: اخبار



دهام حسن

إن مناولة واقع الحركة الشيوعية في سوريا أمر يبعث على الجدل ويثير الشجن..وفي هذا الاستهلال يحضرني بيت للشاعر عمر أبي ريشة يقول:
أتلقاك وطرفي مطرق                خجلا من أمسك المنصرم
لقد تميزت الحركة الشيوعية في سوريا ، بماض نضالي مجيد ، وسطرت صفحات من المآثر ، سقط الضابط" طيب شربك " وهو شيوعي أثناء القصف الفرنسي لمبنى البرلمان السوري في التاسع والعشرين من أيار  من عام 1945، كما سقط العامل الشيوعي " حسين عاقو" شهيدا في هجوم  غادر على مكتب الحزب الشيوعي في دمشق من قبل قوى  ظلامية  أصولية ، على خلفية اللغط الذي رافق موقف الحزب الشيوعي السوري من مشروع  تقسيم  فلسطين إلى دولتين ، عربية ويهودية ، المعروض على مجلس الأمن .. ثم كان استشهاد الرفيق القائد فرج الله الحلو في دمشق، على أيدي مخابرات الوحدة المصرية السورية ، وشهداء آخرون ، فضلا عن المعتقلين الشيوعيين في مختلف المراحل..



إن للحركة الشيوعية في سوريا بمختلف فصائلها برامج جيدة نسبيا، لكن هذه البرامج لا تترجم على صعيد الواقع، ومن المعلوم أن الرؤية النقدية لأي برنامج في الداخل يتم تقييمها على أساس الترجمة على صعيد الممارسة أي على صعيد الأفعال لا الأقوال..

اليوم.. إنك مهما حاولت القراءة الموضوعية لواقع الحركة، والاجتهاد في المقاربة، من باب الحرص والغيرة على هذا الماضي المشرق والمشرف، سوف تجد نفسك نهبا لسهام المقاولات الحزبية والسياسية.. أول سلبية تسجل على الحركة، أنها لم تستطع أن تجدد نفسها، بل اعتادت على إنتاج ذاتها فالزوجة ترث التركة من زوجها، والابن عن أبيه، والأخ عن أخيه. إن شيخوخة القادة من سمات الحركة، وكذلك عزوف الشباب عن الإقبال والانضمام إلى صفوفها، وقد بدا ذلك جليا من قوام المؤتمرين من حيث متوسط الأعمار..

إن الحركة لا تعير بالا  لقواعدها ، في هيكلها التنظيمي ، فكل شيء  يتم حسبما اتفق عليه ، بمعزل عن إرادة الرفيقات والرفاق في قواعد الحزب ، والمؤتمرات لا تبدع الجديد بقدر ما تثبت نتائج ما تمت صياغته بتعبير لينين. كل شيء  يتم في الكواليس غرف شبه مغلقة وبالتراضي ، كما لا يؤخذ بالحسبان في نشاطها مزاج الجماهير ، ما هي تطلعاتها ؟ بما ذا  تفكر ؟ ما هي آفاقها ؟ أو كيف يمكن أن تتم الملاقاة بين الحركة وتطلعات الجماهير، حتى تصبح الحركة حركة جماهيرية...
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ! فقدت   الحركة سندا  قويا ،  مما دفعها  للبحث عن ولاءات جديدة ، وربما وجدت  في النظام القائم ما تبحث عنه ، فربطت الحركة مصيرها بمصير النظام ، في رباط لا فصام له ؛ فإن دام النظام دامت الحركة ، وإن دال ، دالت ..!

من المعلوم أن أي حركة سياسية تتكئ على النظام تبتعد بالضرورة عن هموم الناس ، وتخسر ثقة ورجاء الجماهير فيها ، ويختزل نضالها في ممارسات يسارية لا ترقى إلى مستوى الفكر اليساري ، بل قد يدور في إطار البحث عن الذرائع  والاستشهادات ليبرر هذا الموقف الخطأ من النظام أو ذاك..

وفي هذا السياق فإن أعضاء من الحركة ، عندما يصرون على التحالف مع النظام القائم منطلقين عادة  من مصلحة ذاتية ضيقة ، كثيرا ما  يستشهدون بمواقف البلاشفة الذين دخلوا النقابات الرجعية والبرلمانات البرجوازية ، هؤلاء  للأسف لا يستحضرون لا الواقع الروسي ولا ظروف البلد ولا حركة الناس والتفافهم حول البلاشفة  والقوى اليسارية الأخرى .
هناك في روسيا تم دخول تلك المؤسسات إثر خوض انتخابات، استطاع خلالها البلاشفة  من انتزاع مقاعد نقابية وبرلمانية بمساندة جماهيرية وليس منة من أحد؛ أما هنا فالانتخابات تكون شكلية ، يتم فيها تعيين من يقع عليهم اختيار السلطة ، وهم بهذا مدينون للقوى التي عينتهم ، وبالتالي فالحركة تفقد كثيرا من استقلاليتها .. النقابيون والبرلمانيون في روسيا لم يهادنوا السلطة القائمة ؛ فكان غير جائز للبرلماني أن يقعد على كرسي النيابي بخمول ، وكان لينين يميز بين البرلمانات بقوله : هناك برلمانية وبرلمانية ، برلمانية قد تفتح الطريق أمام أصحابها لتسلم حقائب وزارية ،وهناك برلمانية تنتهي بأصحابها إلى السجون والمنافي ، وأشار إلى بعض البرلمانيين الشيوعيين كيف نفوا إلى سيبيريا ..

كانت الحركة الشيوعية في سوريا تنظر إلى الجبهات  التي تشكلت في بلدان المنظومة الاشتراكية كقدوة في التحالفات ، ونادت الحركة في سوريا في وقت مبكر من حياتها بجبهة وطنية ، وجاء قيام الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا في بداية السبعينيات من القرن الماضي بنت ظروفها  ، وبعد أقل من عقدين انهارت تلك التجارب الجبهوية في سائر بلدان المنظومة الاشتراكية ، واحدة تلو الأخرى ، وتوارت تلك  الأحزاب الصغيرة جميعها الداخلة في قوام تلك الجبهات والمتشبثة بأذيالها ، أجل اختفت عن الساحة السياسية، بسبب عزلتها عن الشعب   واتكالها على النظام ..

 فهل هناك مراجعة ، أو نظرة نقدية لتلك التجارب من قبل الحركة الشيوعية في سوريا ، وهل اتعظت  واعتبرت من تلك التجارب التي كانت واهية بالأساس ، وهنا نتساءل أما يستدعي هذا التحالف بين البعث العربي والشيوعي السوري من عقد لقاء أو اجتماع ، ولو مرة واحدة ، خلال ما يزيد على ثلاثة عقود بين أعضاء اللجنة المركزية لكلا الطرفين ، وعندما يكون الجواب بالنفي ستدرك طبيعة هذا التحالف وهشاشته ؛ ونتذكر سويا منذ سنوات كيف أن فصيلا من الحركة أصبح خارج الجبهة بهاتف أو تعميم ولم يبق مداوما في مكتب الجبهة سوى الرفيق المرحوم دانيال نعمة ... 
ثم نطرح على الحركة هذا التساؤل : أليس من المحبذ أن يوضع على جدول أعمال اللجنة المركزية ولو مرة واحدة بندا يتناول واقع الأكراد في سوريا ، ولا أقول الشعب الكردي أو المسألة الكردية خشية أن أثير حفيظتكم أيها الرفاق، وحتى لا تكون لهذا الكلام أبعاد سياسية وجغرافية حسب مصطلحاتكم التي تنتجونها أو تتلقونها من دون تدقيق ، ولكن عن قليل في سبيل الاطلاع  والتنوير ، حيث كنا نجهل الواقع الكردي من قبل ، مسائل كثيرة لا أريد أن امضي فيها بعيدا، ألم اقل منذ البداية أن الحديث عن واقع الحركة ذو شجون....

أخيرا ...أقول بعد هذا المشهد الرمادي من واقع الحركة الشيوعية في سوريا، وأتساءل وأنا مفعم بالتفاؤل هذه المرة: من هم الذين يتحركون نضاليا اليوم على الساحة السياسية، أليس معظمهم من خلفيات يسارية ؟ أليس هم الذين يطرحون برامج وطنية واضحة المعالم ؟ أليس هم الذين ينادون بالإصلاح السياسي والاقتصادي، مع رفضهم الدائم لأي تدخل خارجي ؟ أليس هذا يزكي اليسار رغم تقاعس الحركة  الشيوعية المتمسكة  بلواء السلطة ، فضلا  عن  إخوانهم الأحرار الذين يتفقون معهم على برنامجهم الوطني في نقل سوريا إلى مناخات من  الحرية والأمن  والأمان ، والعيش الكريم ، في دولة  تتعزز فيها المواطنة وتستتب فيها العدالة والمساواة الحقة ....







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5203