ادارة اقليم كردستان: خطوات بالاتجاه الصحيح
التاريخ: السبت 14 شباط 2009
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

     لسنا في هذه العجالة بصدد تقييم تجربة اقليم كردستان العراق الفدرالي التي تمتد الى مايقارب العقدين منذ مغادرة الادارة الحكومية الرسمية خلال الانتفاضة الظافرة واجراء الانتخابات البرلمانية الحرة وانبثاق الحكومة لأن ذلك يتطلب المزيد من الجهود الجماعية والوثائق والمختصين خاصة وأن التجربة الكردستانية التي نراها ديموقراطية واعدة بكل المقاييس تحمل مثل أية تجربة في المنطقة والعالم جوانبها الايجابية والسلبية وانجازاتها واخفاقاتها كما أنها ولمهامها المتعددة ولخصوصيتها القومية والكردستانية وطابعها الوطني العراقي وآفاقها الديموقراطية التغييرية على مستوى المنطقة مرشحة على أن  تؤسس نموذجا في الحل السلمي الناجز للمسألة القومية في العراق وخارجه


وأن تشكل منطلقا سليما للعلاقات الكردية مع الآخر (العربي والتركي والايراني) الشريك الموضوعي بحكم التاريخ والجغرافيا وعلى ضوء ذلك فان تصدي أي متابع لهذه التجربة بمجملها ليس ترفا ثقافيا سهلا أو رياضة فكرية وقت الفراغ أو تسجيل مواقف اعتراضية مزاجية متسرعة بقدر ماهو عملية تاريخية ثقافية جدلية معقدة متواصلة تتناوب على أدائها الأجيال وتعالجها رؤا وتوجهات مختلفة وتقودها سياسات نابعة من توازنات تتحكم فيها الاصطفافات الاجتماعية والطبقية والقوى الفاعلة التي تمسك بمفاصل السلطة والاقتصاد والقرار وأيا كانت المواقف المسبقة من هذه التجربة والملاحظات والمآخذ المحقة منها والظالمة فانها ليست جامدة فحسب بل تسير نحو الأمام كل لحظة في عملية تراكمية متنامية ومتجددة يمكن تلمس آثارها وتقديماتها في حياة الناس اليومية الآخذة في التقدم ولو ببطىء وتحسن مضطرد في المستوى المعيشي العام وسط انتعاش اقتصادي ملحوظ وبروز طبقة بورجوازية وسطى ينتظرها أدوار في تطوير المجتمع الكردستاني وفئات رأسمالية محلية قد تساهم في التنمية والبناء اذا توفرت شروط الرقابة الشعبية وخاصة من جانب الاتحادات والمنظمات العمالية والنقابات والارشاد الاقتصادي الحكومي خاصة على صعيد تحديد الأسعار ومراقبة السلع وسن قوانين تضبط آليات السوق الحرة المائلة الى الجشع والاستغلال اضافة الى توسع في حركات المجتمع المدني وتعدد في المنابر الاعلامية ونهوض ثقافي وتربوي في أجواء الأمن والاستقرار كل ذلك الى جانب بروز وأحيانا الى درجة التفاقم مظاهر سلبية مرضية مثل الفساد والمحسوبية والعصبيات الحزبية والفئوية لاتشذ بتخلفها ودورها المعرقل للتقدم عن المناخ الآسيوي – العالم ثالثي العام بطبعته الكردستانية .
    شهدت الأشهر القليلة الأخيرة نشاطا نوعيا للادارة الكردستانية بسلطيتها التنفيذية والتشريعية من رئاسة وحكومة وبرلمان في مجالات عدة منها الانفتاح أكثر على العالم العربي وتطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع بعض دول الجوار بما تخدم سلامة الاقليم وأمن شعبه وذلك تمشيا مع ضرورات اتخاذ الاجراءات اللازمة تحضيرا لمرحلة ما بعد انسحاب القوات المتعددة الجنسيات من العراق التي ستفتتح زمن الاستحقاقات الدستورية والتشريعية عبر الصراع السياسي السلمي وقاعدة الديموقراطية التوافقية والتحالفات الوطنية الجديدة والتي تقضي بحتمية الاعتماد على النفس بالدرجة الأساس في مواجهة كل أنواع التحديات خاصة وأن الدستور العراقي يجيز للاقليم انشاء مكاتب علاقات وبعثات ثقافية وسياحية في السفارات العراقية في العالم  وافتتاح وتوسيع بوابات العبور الدولية ومنافذ التبادل التجاري ومطاري اربيل والسليمانية مع الجيران والعالم الخارجي والمساهمة كطرف شريك في السلطة وموقع القرار في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين العراق وشعوب ودول العالم  .
   حدثان بارزان حصلا في كردستان أثارا الانتباه في المدة الأخيرة كمؤشرين يرمزان الى الكثير من المعاني العميقة بمضامينها الاستراتيجية الكفيلة باحداث نقلة نوعية في الحياة الاجتماعية والسياسية لشعب كردستان العراق .
  الأول : بشأن النجاح الهائل في محو الأمية فحسب التقرير السنوي لعام 2008  لوزارة التربية في حكومة اقليم كردستان العراق انخفضت نسبة الأمية الى 20% في الاقليم وكانت أعداد الأميين حسب الوزارة نفسها من عام 2000  وحتى 2004 تصل الى مليون وثلاثمائة وثمانين ألف ويؤكد التقرير على تعليم 283180 فرد من الرجال والنساء في محافظات اربيل والسليمانية ودهوك خلال السنوات الأربع الأخيرة بواسطة 76 مدرسة أنشأتها الوزارة خاصة بمحو الأمية وهي ستزداد حسب الخطط الموضوعة وستواصل عملها بأساليب أكثر تأثيرا بالمستقبل .
  الثاني : يتعلق بالقرارات الصادرة عن السلطة الاشتراعية فقد  أصدر برلمان كردستان في الأيام القريبة الماضية جملة من القرارات الهامة منها :
1 - خفض عمر المرشح لعضوية البرلمان من النساء والرجال من 30 الى 25 سنة .
2 - رفع حصة المرأة في عضوية البرلمان بالنسبة الى المجموع الكلي من 25% الى 30% .
3 - تخصيص خمسة مقاعد في برلمان كردستان للمكون القومي التركماني وخمسة مقاعد للكلدان الآشوريين السريان ومقعد واحد للقومية الأرمنية .
لاشك أن هذه القرارات الصادرة عن أرفع مؤسسة تشريعية والتي ستكون بمثابة قوانين دستورية غير قابلة للمراجعة تبرز درجة الوعي والتصميم والشعور بالمسؤولية لدى المشرع الكردستاني حيال تقدير الجيل الجديد الشاب الذي يشغل غالبية سكان كردستان ونشأ في ظل السلام وترعرع في مناخ العولمة وعطاءات الكومبيوتر مابعد مرحلة الثورة ولديه طموحات عصرية في تحسين الأوضاع الاقتصادية والحياتية والثقافية والعلمية , وبخصوص تمثيل المرأة بالنسبة الجديدة في البرلمان والتي تضاهي قوانين الدول المتقدمة فاضافة الى تلبية أحدى مطالبها المحقة فان ذلك من شأنه فتح الأبواب مشرعة أمامها في سائر القطاعات الأخرى الحكومية والخاصة الوظيفية والخدمية والادارية والقيادية والثقافية , وما يتعلق بحقوق القوميات الكردستانية التي كانت ومازالت تمارس على الصعد السياسية والثقافية والقانونية ولو بدرجات متفاوتة ليست بالمستوى المأمول فقد جاءت قرارات البرلمان كاعتراف دستوري في وجودها وحجمها انسجاما مع دستور الاقليم ومواقف القيادة السياسية أولا وفي تحديد تمثيلها القانوني حسب نسبة السكان ليس في البرلمان فحسب بل في السلطتين التنفيذية والقضائية وبالتالي افساح المجال لطرح المطالب والخيارات ومناقشتها ومن بينها مسألة نوع من الادارة الذاتية لكل من المكونين التركماني والكلداني الآشوري السرياني ان هذه القرارات بمجملها وبجوانبها المتعلقة بالحاضر والمستقبل والسلم الأهلي والتعايش القومي بمثابة انتفاضة فكرية – ثقافية ضد الأفكار الشوفينية والعنصرية والتمييز بين الجنسين تحدث في بقعة من الشرق الأوسط المعروف بقساوته تجاه التعدد القومي والديني والموقف من المرأة اسمها كردستان.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5116