لكي يعيد التاريخ نفسه
التاريخ: الأربعاء 21 كانون الثاني 2009
الموضوع: اخبار



عباس عباس

في مقالتي السابقة قلت أن التاريخ هو الماضي , والماضي هو الزمن المتعلق بالنشاط الإنساني .
ومقولة التاريخ يعيد نفسه, تبقى حقيقة في حالة واحدة فقط, عندما يكون  الظرف مناسباً للنشاط الإنساني الذي قد يتكرر, وبخلاف ذلك يكون التكرار مستحيلاً والمقولة عبثاً.
سأحصرهذا المفهوم في زاوية واحدة فقط , لغاية في نفس يعقوب, بل لغاية شخصية، الهدف منه إثبات الحق لا غير.
هناك القليل من الشبان الذي نالوا صداقات بوسع ما تمتعت به, والقليل أيضاً ممن حافظوا على تلكم العلاقات بعد سنين طويلة.


منذ أيام طفولتي, كنت من أولئك الأطفال الذين لم يكن يسدهم حاجز مادي أو اجتماعي في خلق صداقة أو صداقات ضمن الجو الاجتماعي الخاص العائلي أو العام المدرسي أو على الشارع , وكنت فخوراً بعلاقاتي المتواضعة الصبيانية تلك والشبابية فيما بعد, ولم أفرط بأية منها قط وحافظت عليها باستمرار, باحترامي لذاتي أولاً واحترام الآخرين ثانية .
شملت صداقاتي كل الأطياف, القومية والاجتماعية والدينية, ولم أميز في جاه ولا مكانة أبداً, فقد كنت مع أبناء الشيوخ والمشايخ والأغوات ابناً لأغا, وكنت في القرية ابناً لفلاح وفي المدينة لموظف .
تجاوزت بحدود صداقاتي مساحة قريتي والمدينة التي كنت تلميذاَ وطالباً فيها, مدينتي الجميلة جداً حين ذاك, القامشلي , ووصلت وتوسعت لتشمل الجزيرة كلها, بأكرادها وعربها, فمن شيوخ الشمر والمسلط من الجبور في مدينة الحسكة حتى شمر العراق, مروراً بشيوخ الطي بكافة بطونها , ولتاريخ جدي محمد عباس والذي لقب لجوده وكرمه بين العرب بالمصطفج الدور الهام في تعميق بل في توسيع واحترام تلك العلاقات بيني وبين أبناء تلك العائلات من الشيوخ , وخاصة من أبناء وأحفاد الشيوخ,  دهام الهادي والباشا والزيد والمدلول والمثكال والمشعل من الجربا من الشمر وأبناء الشيوخ من الطي حتى أحفاد المسلط من الجبور.
كانت علاقتي بهؤلاء تتمتع بخصوصية جداً حساسة, لأنها كانت تمر عبر علاقة تاريخية بين الأجداد, وأستطيع القول أن التاريخ كان يعيد نفسه معي ومع هؤلاء, ولأن الظرف كان مهيئاً للتكرار ذلك, فقد نلنا ما نلناه من ود واحترام متبادل حتى يوم رحيلي .
أما صداقاتي مع الكرد من أبناء الأغوات, فكانت لها نكهتها الخاصة , وأختصر هنا على أبناء الأغوات لغرض أقصده, وكما قلت لغاية في نفس يعقوب .
توسعت صداقاتي لشبان من أبناء الأغوات, لتشمل كافة عشائرهم تقريباً
من أبناء وأحفاد الباشا نايف أغا الكوجر في أقصى الشرق من جزيرتنا كما أصبحنا نحب أن نسميها إلى أحفاد الباشا إبراهيم الملي في الغرب.
وكما كان لي الشرف أن أُكوَّن صداقة مع أحفاد آل الحقي والخزنوي من المشايخ الدين وإن كانت محصورة بعدد قليل منهم .
   إلا أن أهم وأجمل الصداقات التي كانت لها الأثر في حياتي كطفل وكشاب, كانت مع أبناء وأحفاد العائلتين المتميزتين بعلاقتهما مع عائلتي, الجربا العربية من شمر وآل حاجو من الكرد . أولاً لتاريخنا المشترك على أرض الجزيرة تلك وحبنا في استمرار تلك العلاقة .
وإذا رددنا المقولة السابقة وقلنا أن التاريخ يعيد نفسه, سنكون غير مخطئين في ذلك, لأنه فعلاً تكرر هذا الود عبر الأجيال الثلاث أو الأربع, وكان واقعاً وحقيقة تاريخية بكل ما لهذه الكلمة من معنى .
أَوردُ مثالاً بسيطاً عن هذا الود بين عائلتي والشمر, والذي عاش واستمر عبر أجيال, ولم يغير الزمن من حرارته رغم كل الظروف الاجتماعية والقومية المستحدثة .
زرت أخي الذي كان يعيش في أنقرة عاصمة تركيا , لظرف صحي خاص, وكان أخي يعمل في السفارة الكويتية حينها, في نفس الوقت كان القائم بأعمال السفير الغائب, شخص أسمه هادي الوردان من شمر الكويت.
لم يسمع هذا الرجل الذي لم أراه بحياتي , بزيارتي القصيرة لأخي, حتى زارني في البيت, وفي نفس الليلة كان العشاء في السفارة على شرفي وحضره عدد من المسئولين من بينهم السفير السعودي , وأجمل ما كان في ذاك العشاء , ترديد قوله عن كرم جدي ألمحمد عباس مع الشمر يوم هجرتهم من النجد أمام الضيوف ونيله شرف لقب بالمصطفج, والذي يعني المميز في كل شئ باللهجة النبطية.
طبعاً ما قام به حين ذاك الجد من كرم الضيافة وحسن الاستقبال, لم يقم به أحد مع الشمر, فقد تصدى لهم كل من الباشا الكوجري وقتل أحد أبناء الهادي, والباشا إبراهيم الملي والدقوريين والكابار وغيرهم  من العشائر الكرد الذين تصدوا لهم, ونال جدي على إثر ذلك لقب المصطفج من العرب و الآشيتي من الكرد, وكما هي تحريف عن كلمة السلام في اللغة الكردية, والخطأ والصواب في هذا ليس مجاله هنا, إنما القصد ما أريد قوله عن الكريم إذا أكرمته .
مع أبناء وأحفاد المرحوم السيد حاجو, لم يكن الأمر يختلف بتاتاً, فالود والصداقة بيني وبينهم كانت على أجمل ما تكون, بل لم تكن على تلك الحساسية التي كانت مع أبناء الشيوخ من العرب, ولم يكن بيننا أية عقد لكي تعكر صفو تلك الصداقة, والمميز بيننا نحن كشباب, هو الاحترام  والتقدير, بالإيضافة إلى مجالس اللهو والمزاح حتى الثقيل منه .
إلا أن الذي اختلف وخفت منه الآن , هو أن يشط بنا التاريخ ولا يتكرر مع الجيل الذي يلينا , وهو الذي يحصل الآن وللأسف الشديد, وهي نتيجة حتمية لإنكار جميلِ بيننا كنا نفتخر به, ونسيان الود الذي كان بين الآباء والأجداد!...وقد حذرت في مقال سابق لي كل من السيد خالد عيسى وشفوياَ السيد مدني فرحو, ورجوتهم أن يعتمدوا التوثيق في نشر المعلومة, خاصة المتعلقة بثورة بياندور, لكي لا يكونوا سبباَ فيما نحن فيه الآن من الجفاء, وقد التزم بعدها السيد خالد عيسى بذلك وأنا من أشد المتتبعين لنشراته الدورية , حتى كان الذي كان من السيد شاهوز حاجو, والرد الذي أتبعته .
طبعاَ لا يفهمني أحد أني أقدم اعتذارا لأحد, فأنا لست من يقدم عذراَ عن أمر اقتنعت به, بل لأني أكره العودة على البدء في أمرِ عفى الله عنه, كالعشائرية والقبلية وما إلى ذلك من الجاهلية التي ولت, وأيضاَ لأني لم أكتب إلا رداَ عن خطأ تجاوزوا به الخط الأحمر لدينا .
هنا أعود لأكرر, إن الذي حصل في بياندور موثوق, بسلبه وإيجابه, وهو عام يخص الأمة الكردية, وللكل حق في أن يدلو منه مايشاء, بشرط التوثيق بما يخص الأجداد, لأن زمن العبث بالحوادث قد فل, والذي يريد أن يستنسخ التاريخ من جديد ليس عليه سوى أن يبحث في الملفات المستوثقة في الأرشيفات لدول المعنية بالأمر , ويكونوا بذلك قد قدم خدمة جليلة لأمته وللأجيال القادمة, بدون لغط وخلط الأمور, أما بخلاف ذلك فسنتصدى له بكل الوسائل, أي كائن كان .
 وأخيراَ أكتب هذا ,حرصاَ مني لسد باب الفتنة بوجه كل من يحاول الصيد في ماء العكر, بل أقول لأحفاد حاجو, دعونا لا نعكر الماء بيننا, فالتاريخ المشترك بيننا نفتخر نحن وإياكم به, وبخلافه لكم أن تفتخروا به كما تشاءون , وبذلك نكون قد أنصفنا بعضنا البعض على الحق والخير.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=5017