هل إغلاق الصحيفة الكرديّة الوحيدة في تركيا يحلّ القضيّة..؟!
التاريخ: السبت 11 تشرين الاول 2008
الموضوع: اخبار



هيثم حسين

يشكّل الإعلام هاجساً مُقلقاً للسلطات والأنظمة التي تهتك وتفتك بمواطنيها، التي يكون جلّ همّها وكلّ سعيها إلى التعمية والإلهاء، ذلك لأنّ إيضاح الحقيقة، وتقديمها من أيّ طرفٍ كان سيعرّيها أمام الجميع، وستظهر الوقائع كما هي من دون أن تعتّم عليها، أو تتلاعب بها.. وليس من العبث أن سمّيت الصحافة بـ «السلْطة الرابعة»، لأنّها، إذا توفّر لها المناخ الملائم الذي تنتعش فيه، ستكون أبعد تأثيراً وأمضى فعلاً من السلطات الثلاث الرئيسة المتكاملة نظريّاً، لكن المجيّرة كلّها لخدمة السياسة التي تحفظ الامتيازات وتحتفظ بالمكاسب والمناصب المستحصلة، جرّاء التلاعب بقوت الشعوب ومصائر العباد والبلاد..


لكنّ الواقع يظهر العكس، فعوض أن تصبح الصحافة سلطة قائمة بذاتها، تغدو سَلَطة يتفنّن بها (بالقضاء عليها) المتحكّمون بها، المقيّدون لها، يدسّون فيها سمّاً لمَن يعارضهم، يُقوْلبونها ويحجّرونها ويوقفونها لمن يهتف بحياتهم ويهلّل لهم، معظّماً ومؤلّهاً، يجمّل قبيحهم، يحاول القيام بدور ورقة التوت، ولكن هيهات، لأنّ الحقيقة تبقى أقوى من كلّ الحجبِ..
مناسبة الحديث، إقدام السلطات التركيّة على إغلاق صحيفة (آزاديا ولات – حرّيّة الوطن) الكرديّة، التي تصدر وتطبع في ديار بكر وتنشر في تركيا. وهذه الصحيفة ذات اتّجاه إنسانيّ، وجريمتها، أو جنايتها بالنسبة للعسكر الترك أنّها ناطقة بالكرديّة، أمّا موضوعاتها فلا تهمّ أولئك المتعصّبين، لأنّ الجريمة، في نظرهم، تكمن في إصدارها بالكرديّة، وهم يقمعون الكرديّ طوال تاريخهم، ولا يعترفون به إنساناً مثلهم، فكيف سيتقبّلونه شريكاً في الوطن، وحرّاً في الكتابة والتكلّم بلغته التي حباه الله بها، ويصدر صحفه التي تعبّر عن شخصيّته المستقلّة، وعن كينونته التي يستحيل محوها، ولا ينسى التحريض المداوم من قبلهم على الصحافيّين الكرد، وتشويههم لصورتهم عند الجماهير، بل وتصفيتهم جسديّاً في مرّات كثيرة كما حصل مع الكاتب والشاعر الكرديّ موسى عنتر الذي الذي قضى اغتيالاً..
ولأنّ الجيش التركيّ قد فشل عسكريّاً في حلّ القضيّة التركيّة فيبدو أنّه يعود إلى سلوكه العلنيّ غير المستحَى منه، والذي كان يُجمَّل إرضاء للأوربيّين، والمطالبة بعقد جلسات استثنائيّة للبرلمان لمصادقته على اجتياح كردستان العراق، وملاحقة الثوّار الكرد، وقبل ذلك الضغط السريع على الحكومة لاستصدار قرار إغلاق الصحيفة الكرديّة، وكأنّهم بذلك قد قضوا على الكرديّ، وهم ككلّ مرّة سابقة، يحاولون التغطية على سوء سلوكهم، بتصدير النزاع وإبقائه مستعراً كي لا تهدأ الظروف التي يُراد لها أن تبقى في حال هيجان وستعار دائمة.. وهذا السلوك يعاود بمنع اللغة الكرديّة، وتضييق الخناق على الصحيفة الكرديّة الوحيدة المرخَّصة، التي كانت كالسكّين في حلوقهم، لا يبلعونها ولا يلفظونها.. وذلك يعتبر تصعيداً يكشف ويعكس في آن فشل الحلول العسكريّة التي يصرّ الجنرالات على اتّباعها.. ولم يأبه العسكر الأتراك لمقولات الديمقراطيّة وحقوق الإنسان التي يتشدّق بها ساستهم، في مراوغة مكشوفة للاتّحاد الأوروبيّ الذي يفرض عليهم شروطاًً كثيرة للانضمام إليه.. وبما أنّ تركيا وريثة إرث شائن من مخلّفات العثمانيّين، فإنّها تتوارث وتقاد بذهنيّة الخلافة، وتنظر إلى نفسها على أنّها ستعود إلى دورها في قيادة الشرق كلّه، والتحكّم بمصير شعوبه، التي يجب أن تنصهر – بحسب المفهوم التعصّبيّ الأتاتوركيّ – في بوتقة القوميّة التركيّة التي تستعلي على الآخرين، وتنظر إليهم بعين الاستصغار..
إغلاق صحيفة كرديّة لمدَدٍ مختلفة، أو التشويش على بثّ إذاعة أو فضائيّة كرديّة، لا يحلّ القضيّة الكرديّة في تركيا، ولا يقضي على الكرد فيها، ولا يمحو اللغة الكرديّة، بل لا شيء كالحوار وتقبّل الآخر يساعد على التقارب في سعيٍ إلى العيش المشترك، الذي ينادي به الكرد، ويرفضه ويرفضهم أيضاً المتعصّبون الأتراك.. 








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4536