العصبية والعنصرية خطيئة كبرى ...؟!
التاريخ: السبت 27 ايلول 2008
الموضوع: اخبار



عبد الرحمن آلوجي

إن من أكبر ما اجترحته المجتمعات الإنسانية وأقدمت عليه من الخطايا والسيئات , ما يمكن أن تحيط به الخطيئة , وتكسبه من سيئة , لتظل عيانا واضحا , هو ذلك الداء الي ابتليت به الإنسانية , وغرقت فيه أنظمة وحكومات , واصطلت بلظاه شعوب وأمم , تجد نفسها محاطة بكل ألوان المكر والكيد , والسحق والمطاردة , والقسوة والحرمان , وإهدار عميق للكرامة الإنسانية , من خلال تراكم رؤية متعصبة , وفكر عنصري مقيت , يحمل كل ّ أدران الفكر الازدواجي, والرؤى المختلة في معاييرها ومقاييسها , لترى لنفسها ما لا تراه للآخرين , وتجد في ذاتها منحة أو صبغة علوية ترجح بها كفة مصالحها و رؤاها على الآخرين , أفرادا وجماعات , شعوبا وقبائل


دون ان تعي أو تشعر أو تدرك أن فوق العباد حاميا , وأن الله يقهر الناس جميعا , وأنهم خلقوا ليختلفوا في اللغات والثقافات , والأفكار والاتجاهات , والمشاعر والعادات , ليكون ذلك مدخلا إلى التعارف والتوادّ والتحابّ والتواصل , ليكون أكرم الناس أكثرهم تقوى , وأعلاهم مقاما أكثرهم نفعا , وأشدهم قربا إلى الحقيقة والخير والبر , أبرزهم قبولا , يستوي في ذلك أعلام الأفراد في الفكر والعلم والسياسة , والشعوب في الرقي والتقدم والدعوة إلى السلام والازدهار والأمن .
هذه حقائق ثابتة وقيم راسخة , أيدتها شرائع السماء , وثبتتها قوانين الأرض , وشنع على خلافها عظماء المفكرين والفلاسفة , لتكون في الصلب من القيم الرفيعة , والمنظومة الفكرية الإنسانية الجامعة , وفي العمق من قضايا المذاهب والأديان , ودعوة المصلحين والأتقياء والصالحين , فلا فرق بين عرق وآخر صفاء ً ونقاء وادعاء تفوق وأفضلية , ولا تفاضل في الألوان والأشكال والأحجام إلا بمقدار ما ترقى إليه من مراتب علمية وخلقية , ورؤى إنسانية رفرافة شفيفة , تنبئ عن انعتاق الإنسان من ربقة هواه , ودجل ازدواجيته , ومن أشكال النفاق والكيد , واستبطان التآمر والوقيعة , والغدر بالآخرين , استئثارا بخيراتهم ومذخوراتهم وطاقاتهم , وما وهبهم الله مما فوق الأرض وما تحته , ليكون ذلك أداة رقي , ومظهر تفوق فيما يملكه الإنسان بمجمله وهويته من طاقة واستعداد لتسخير ذلك في عمارة الكون , وتسخير طاقاته , وفهم قوانينه , والوصول إلى مناهجه , لتحقيق قيم التطور والخير والمدنية والعدل .
تلكم من أبرز ثمرات الوعي الإنساني من بعد تجارب طويلة , ومحن ونكبات عظيمة ابتليت بها البشرية على مرّ العصور ومنذ فجر التاريخ , لتجد الجبابرة والطغاة , من الفراعنة والقياصرة والأكاسرة , ومن وحوش بشرية ضارية , فتكت بالبلاد والعباد في حروب شرسة  كانت الحربان العالميتان آخرها وأشدها فتكا , حيث زهقت أرواح الملايين , وهدمت مدن على رؤوس أصحابها ( ناغازاكي وهيروشيما ) , لتلتمع نجوم الجلادين وسط آلاف الجثث المنتنة  والأنقاض المدمرة , عبر عويل الأرامل واليتامى وقوافل الفقراء والمشردين والمهجرين , لتقترن أسماء هيتلر وموسوليني بنيرون روما وقارون وهامان وفرعون , ممن أسرف في الطغيان و ادعى الألوهية , ليخرجوا جميعا من بوابة التاريخ الإنساني مقهورين أذلاء , تلاحقهم أنات الملايين وعذابات المستضعفين , جراء حقد عنصري دفين واستعلاء قومي مشين .
وكان الأولى بالمجتمعات الإنسانية أن تعتبر بعبر الأولين وتدرس بعمق صفحات التاريخ , وسير الأباطرة والجلادين , وظلام المكر العنصري , وعنت الرهق والاضطهاد , وشراسته وبغيه , ومصيره المقبور , وفكره الهابط المرذول , لتكون صفحات التواصل والتكامل , ومواقف التلاقي والتحاور , بديلا حيا متحركا , تتهادى إليه قوافل الشعوب , وتعتبر به الأمم مجسدة في أعلامها ومفكريها , لتمقت كل وبيء , وترقى بكل فكر وضيء بعيد عن ضحالة الازدواجية وربقة العصبية المنتنة , في انفتاح حر وتلاق ٍ وجداني عميق .
ولكن الذي يحصل وتؤرثه فضائيات سوداء , وتخطط له مدارس ومناهج ونظم يقع في دائرة سوداء مؤسفة ترى في الشعوب المتطلعة إلى الانعتاق الهائمة بالحرية , مشرئبة بأعماقها إلى غد إنساني أجمل وأفضل , تنعم بالازدهار وتتلاقى على الخير الجامع والمحبة الواسعة , ترى فيها نكرا , وجهلا بحقائق الحياة والتاريخ , لتنظر إليها نظرة دونية وصائية , تتحامى عن رؤية الجانب الأنصع , والوجه الأكثر إشراقا وتألقا منذ فجر تاريخ الإنسانية , عراقة وبعد انتماء, وتجذر وتوغل في سمات الإخلاص والنقاء الإنساني والتضحية البالغة , والمواقف المبدئية الصلبة عبر التاريخ , كالأمة الكوردية في الشرق والأمازيغية في الغرب , منذ أعمق أعماق التاريخ الإنساني , وحضارته وقيمه وتراثه الروحي العميق المتصل برسالة أبي البشرية في مهد البشرية الثاني نوح عليه السلام , وأبي الأنبياء إبراهيم الخليل الهوري الذي خرج من شمال كوردستان , ليبني مع ولده إسماعيل قواعد البيت عند بيت الله المحرم , ولتبرز معالم الحضارة المادية في أقدم المستوطنات الكوردية على وجه الأرض ( du derî , şaneder , kobado , zawî şemsî , şemşaran , hemo ker , nîvalî tişûrî , alalax )   
تبرزها أعلام الدارسين والأثريين (شتاين هاوزن , هوزنك , وليام إغلتن , مينورسكي , نيكيتن , ميجر سون , ليرخ , مار ... إلخ) مما لا يدع مجالا لشبهات يستند إليها ممن وجد في نفسه الاستعداد الكامل لتشويه تاريخ الكورد وحضارته وإعلان الحرب على ثقافته كما فعل (إسماعيل العرفي ومحمد طلب هلال وأحمد مطر وسهيل زكار وغازي عبد الغفور) وكما يصر عليه ويتمادى في النكير والعنصرية والبغي من أمثال : (هارون محمد , الخزاعي , أكرم عبيدي , عبد الله الجبوري , عبد الأمير علوان , الجنابي ... إلخ) ممن تفرغوا لصب جام حقدهم , وإظهار كل أشكال الكراهية والمقت على تاريخ شعب شقيق وعريق , أعلنت الحرب عليه وعلى قادته ومفكريه وأحزابه وأطرافه السياسية , في حمى عنصرية لاهبة تشوه الحقائق وترى في العراق الحديث وأمنه واستتبابه خطرا يشكله الكورد , وبخاصة في الآونة الأخيرة مع التنكر لمادة الدستور /140/ , ومحاولات الالتفاف عليه ونقض كل موثق وعهد بشأنه , ليعلم هؤلاء وأساتذتهم أن الفكر العنصري مقبور , وأن الشعب الكوردي تواق إلى الحرية , وخير ومعطاء , بعيد عن ردات الفعل , متنزه عن الوقيعة والمكر والغدر , منفتح في كل جزء من أرضه المقسمة على الآخرين , إباء وحبا لا خنوعا واستسلاما , في وثوق كامل من النصر المؤزر مع بروز قضيته وقضايا الشعوب المستذلة إلى واجهة الأحداث في العالم , لأنها قضية عادلة وإنسانية وعميقة الجذر بامتياز , ولن تبقى هذه الأمة رهينة الاضطهاد والتنكر والتجاهل لأنها أكبر من كل عوامل الإفناء ومحاولات الإبادة والسحق.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4479