الوضـع الـدولـي .. قراءات متباينة
التاريخ: السبت 06 ايلول 2008
الموضوع: اخبار



  افتتاحية جريدة آزادي *

    إن التطورات السياسية الأخيرة وما نجم عنها من تحركات دبلوماسية سريعة ووضع ترتيبات عديدة تشير إلى ملامح مرحلة جديدة تنم عن آفاق واسعة من التفاعل والترابط،  لكن ثمة قراءات مختلفة لمسار الوضع السياسي وخصوصا في الجانب الدولي ومدى انعكاساته على الجوانب الأخرى الإقليمية منها والمحلية وغيرها ، فهناك من يرى أن الدور الأمريكي يبدأ في الانحسار وأن القطبية الأحادية تميل إلى الأفول, وأن الواقع السياسي في المحافل الدولية يوحي ببروز التعددية القطبية سواء السياسية أو الاقتصادية ولا سيما عودة دور كل من روسيا والصين وتلويحهما بحق الفيتو في مجلس الأمن لبعض المواضيع الساخنة


كما لا يخفى- بنظرهم- التنافس الاقتصادي بين مختلف الكتل والتجمعات والشركات الاقتصادية الأمريكية والأوربية واليابانية والصينية ..الخ الأمر الذي يحد برأيهم من الدور الأمريكـي ويسـاهم في مـد وتعزيز دور الأقطاب الأخرى وخصوصا الأوربي ، ويضيف أصحاب هذا الرأي أن الترتيبات الأخيرة في المنطقة والعالم ، اتفاق دوحة بشأن لبنان ،  والمفاوضات السورية الإسرائيلية عبر الوسيط التركي، وجهود ترميم الوضع الفلسطيني، وعدم استجابة السودان لقرارات المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، والانقلاب العسكري في موريتانيا ، وفتح إيران مكاتب لها في الجزر الإماراتية ، والتدخل الروسي في جورجيا،  وتحرك الدول الثلاث من جديد(سوريا وإيران وتركيا) واستئناف لقاءاتها وترتيباتها المشتركة لمناهضة الوضع الكردي عامة أو التدخل في الشأن العراقي خاصة ، كل ذلك وغيرها لا تعدو عن كونها بنظرهم إلا نتائج طبيعية للحالة الدولية المتبدلة ..
     وفي الجانب الآخر ، هناك من يرى أن روسيا الاتحادية غير الاتحاد السوفييتي السابق فهي دولة رأسـمالية ولديها إمكانات عسكـرية واسعة وهي تعد من الدول الصناعية الكـبرى ، لكنها اليوم منهمكة بمصالحها الاقتصادية ولا تملك متسع إمكانيات تؤهـلها مساعدة الدول أو الأنظمة أو الشعوب الأخرى ، أو لتدخل في صراعات حادة أو المنافسة على الاسـتقطاب مع الدول الصناعية الأكثر تطورا، فهي مهتمة في مساعيها لاستعادة دورها الريادي بين الأنظمة والشعوب التي انفصلت عنها بالدرجة الأساس بغية تعويض خسائرها التي نجمت عما حصل ، وهكذا بالنسبة للصين ، صحيح أنها من الدول العظمى التي لها وزنها السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي ، لكنها في الواقع قد بدلت الكثير من ممارساتها الأيديولوجية  كدولة (اشتراكية - شيوعية ) واستعادت عنها بأساليب تتـفاعل مع الحـالة الدولية الجديدة ، فتخلت نسبيا عن التخـطيط المركزي في الاقتصاد وأعطته مدا من التحول الليبرالي ووضعت المنافسة الاقتصادية محل عسكرة الصراع السياسي والاقتصادي ، ودخـلت الأسـواق العالمية بقوة بعد أن أولت الاهـتمام المـتزايد في نوعـية الإنتاج وتطوره ، أما بالنسـبة للدول الأوربية واليابان وكـندا فيرى هـذا الجانب أنها ما تزال تحـافظ على حسن علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وعبر الأحلاف العسـكرية والسياسية التي تعزز من دور ومكانة هـذه الأخـيرة (أمريكا) ، بمعنى أنها ماضية في دورها وما تزال تحافظ على عوامل الهيمنة ومقومات القطبية الأحادية في سيطرتها السياسية والاقتصادية وتفوقها العسكري ، ولئن بدا نوع من الجذر في حراكها السياسي أو الدبلوماسي فمرد ذلك إلى انشغالها المتزايد بالوضع الداخلي واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لولاية دستورية جديدة ..
والواقع أن كل ما يقـال في الجانب الأول لا يخرج عن مجال ثقافة ما قبل التغيـير الجاري في العالم ، ثقافة التكتل والصراع الحدي الأيديولوجـي ، وتطيب لأصحاب هذا الاتجاه  عودة التكـتلات السـياسية والعسـكـرية عـلى غرار حلفي وارسو وأطلسي وغيرهما إلى جانب الكـتل السياسية الأخرى ، بغية اسـتقطاب كل اتجاه إلى فلكـه ما يشـاء من الأنظمة والدول ذات المصـالح والأهداف المشـتركة، ولا شـك أن الجانب الآخـر إنما يغـالي في هـيمنة الاتجاه الواحد وينحاز بشدة إلى وحدانية القطب ، وبراغـماتية العلاقات السياسية ، ويجـعـل من المصالح الاقتصادية كهدف وحيد للسيطرة على مكامن الموارد الاقتصادية والبشرية ، مما يهدف إلى إخفاء العديد من الحـقائق الهامة ، وبالتالي المساس بدور القوى الدولية الفاعلة والإقلال من أهـمية التغيير المستمر ، وفي الجانبين التباس وحَيْد ولو بنسب مخـتلفة عن مجال حقيقة ما يجري في العالم من تبدل وتغيـير نحو حياة سـياسـية جـديدة ..
    إن ما يجري في العالم لا يخلو من التنافس الاقتصادي والتباري السياسي ، لكن يبقى ضمن منظومة علاقات وضوابط من الحرية والديمقراطية ، بعيدة كل البعد عن عقلية الصراع والاحتدام وخصوصا بـين الدول الصناعية الكبرى الثمانية التي لها لقاءات واجـتماعات دورية ، فهي تتلاقـى في توافق متقدم على أسس ومبادئ مبرمجة وواضحة تؤسـس لمشروع عالمي للتغيير والتحول الديمقراطي ، يهدف إلى تحرير الإنسان أي كان أفرادا وشعوبا ومللا من الظلم والجور والاستبداد ، ومكافحة الإرهاب وأسـلحة الدمار الشامل وكل ما يثـير قلق الإنسان أو يمس أمنه واستقراره ، وتوفير عوامل التنمية الاقتصادية  والتطور السياسي والتقدم الاجتماعي عـبر إعادة الترتيب في الجـيوسياسية العديد من المناطق والأقاليم ، من خلال طرح المشاريع الكـبرى (كمشروع الشرق الأوسط الجديد ) وبناء الاتحادات الإقليمية والقارية ..الخ ..
    من هـنا ، يمكن الاستنتاج أن الترتيبات الجارية في عموم المناطق ومن بيـنها منطـقـتنا لا تخـرج عن نطاق التوافق المجتمعي الدولي بأي شـكل كان وخـصوصـا الدول الثمانية الكـبرى وباقي دول الاتحـاد الأوربي ، ولو برز الدور لبعضـها في هـذا المجال أو ذاك وفي هـذه القضـية أو تلك وبحسب توافق المصالح والأهداف القريبة منهـا والبعيدة ، بمعنى أن ما جرى في غضون الأشهر الماضية بخـصـوص ترتيبات منطـقتنا عبر باريس وأنقرة والدوحة ، وما يتم الآن في المناطق والأقاليـم الأخـرى من العالم  فهـي إما ليـس بمعزل عـن أقـطاب المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية التي تمـتاز بالدور الأهـم في السـياسة الدولية ، وإما لا يكتب لها النجـاح حتى ولو اسـتمرت بشـكل وقتي ، أو أن هـناك نوع من توزع الأدوار فيما بينها بغية محاصـرة الأزمات واحتوائها لحـين توفر عـوامل معالجتها واستكمال شروط نجاحها ، وتجلى ذلك في العديد من القضـايا والمسائل ذات الاهـتمام الدولي المشـترك ومن بينـها الرسائل الأمريكـية الموجهة إلى كل من سوريا وإيران عبر باريس وأنقرة ، فضلا على العلاقة المباشـرة بين باريـس وواشـنطن بخصوص عموم الترتيبات ولاسيما عملية السلام والوضع اللبناني والعراقي ، أي لا تبدل جـوهري حالياً في السياسة الدولية ولا انحسار لدور أي من الأطراف الأساسية ولحساب الأخرى ، وإنما فترة هدوء دولي نسـبي ربما تسـبق مفاجآت منتـظـرة !!
رئيس التحرير
-----
* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (401) أيلول 2008

لقراءة مواد العدد انقر هنا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4409