إلى أين تريدون الذهاب بنا أيها السادة ؟ (حول التهجم على مواقف المطران متى روهم)
التاريخ: الخميس 24 تموز 2008
الموضوع: اخبار



أحمد سليمان *

إن دراسة التاريخ على حقيقته، وبموضوعية علمية، هو المختبر الفعلي لاستخلاص العبر والنتائج منه، والبناء عليه لمعايشة الحاضر، والتامين لمقومات مستقبل أفضل، وبغير ذلك لا يمكن الاستفادة من التاريخ، بل العكس سيؤدي بنا الى تكرار الأخطاء القاتلة، والتي سبقنا إليها أجدادنا في الماضي، ومن هذا المنطلق يبدو قراءة التاريخ ضرورة لحاضرنا ومستقبلنا، وعلى أساس ذلك لن يكون هناك أي خوف من تناول حقيقة ما جرى من أحداث ، مهما كانت مؤلمة بالنسبة لهذا المكون أو ذاك


ولهذا لا يمكن نسيان كارثة حلبجة مثلا ، باعتبارها جريمة العصر ضد الوجود الإنساني، أي كان انتماءه، وهو درس للإنسانية جمعاء، وان كان بخصوصيته يعني إبادة للشعب الكردي، وعلى الرغم من محاكمة مقترفي هذه الجريمة البشعة ،لا يزال أهالي الضحايا يعيشون الجريمة ببشاعتها، ولا يمكن أن يهدأ من آلامهم وسخطهم إعدام المجرمين مئات المرات ، ولا يمكننا أن نقول لهم : إنسوا .. ، وكذلك الأمر بالنسبة لجرائم الأنفال ،وغيرها من الجرائم بحق الشعب الكردي، والجرائم البشعة بحق الشعوب قاطبة.
 وتستوقفنا جرائم الإبادة بحق المسيحيين في سنوات الحرب العالمية الأولى 1914-1918 على يد الجيش التركي، وبمساهمة ممن انطلت عليهم مؤامرة الفاشيين الأتراك، من الكرد وغيرهم ،والتي اعتذر عنها الكثير من قيادات الشعب الكردي عبر التاريخ ،منذ الجريمة إلى الآن ، على الرغم من تفهم الجميع لملابسات الموضوع ،وخلفياته التآمرية ليس فقط ضد المسيحيين، بل وفيما بعد ضد الشعب الكردي نفسه. ولا يمكن بأي حال ، أن نطلب من ذوي الضحايا، أن ينسوا ما حصل مع آبائهم وأجدادهم من تنكيل وذبح واغتصاب ونزوح وتشريد وتهجير.
إن قراءة هذا التاريخ، واستخلاص الدروس منه، وتجنب أضراره تاليا في مستقبلنا، مهمة نبيلة ، ومسؤولية تاريخية تقع على عاتق جميع الفعاليات في المجتمع من دينية و سياسية و ثقافية وفكرية وغيرها . وترسيخ مفاهيم العيش المشترك ، بين مكونات المجتمع ، وتعزيز مقومات السلم الأهلي، وهذا لن يتحقق من خلال طمس الحقائق وتجاهلها ، ولا من خلال إذكاء ثقافة الحقد والكراهية وانغلاق مكونات المجتمع على نفسها, بل من خلال إلقاء الضوء على الأسباب الحقيقة وراء تلك الأحداث ، وترسيخ القناعة في إدانتها دون مواربة, وهو السبيل الأمثل لطمأنة الجميع دون استثناء, وعندما لا نطلب من ذوي الضحايا أن ينسوا ما حصل فأننا نؤكد على إن استمرار الذكرى تمر من خلال إدانة مرتكبيها فقط، وان لا تلقي بتبعاتها ، على أبناء هذا المكون أو ذاك، ممن كان للبعض منهم يد في ارتكاب هذه الجريمة أو تلك.
أن منطقة الجزيرة في سوريا ، و كغيرها من المناطق السورية، وجوارها ، تعيش حالة التعددية الدينية، مسلمين ومسيحيين وايزيدين ، وقوميات من عرب وأكراد وكلدواشورين وسريان وججان وغيرهم ، وهم بانتمائهم هذا، ورثة لنتائج العلاقات التاريخية بين تلك المكونات، بوجهيها الايجابي والسلبي ، وهي تعاني من مظاهر الوجه السلبي في علاقاتها، إذ يشوبها الكثير من المنغصات التي تعكر الأجواء ، وتنخر في جسم المجتمع بالنذر الخطر, ولاشك أن ذلك لا يستند فقط على تاريخية العلاقة ، بل يضاف إليها تناقضات من الماضي القريب ، والواقع الحالي، وهي تدخل في سياق السياسات المتبعة منذ نشوء الدولة السورية.
هذا الواقع يحملنا جميعا مسؤولية العمل على فك عقده المتعددة ، وتغييره نحو واقع  يتسع للجميع ، على أسس  من الحرية، والحياة الكريمة، وتمكين الجميع من ممارسة الدور الايجابي في بناءه، وتوفير الفرصة وبالتساوي أمام الجميع، على أساس المواطنة الحقيقة، مع الحفاظ على خصوصية أي مكون ديني أو اثني، في التعبير عن نفسه، مهما كان صغيرا أو كبيرا، في إطار وحدة المجتمع.
و على العكس مما ورد أعلاه ، جاء مقال في جريدة اليكيتي العدد 158 حزيران 2008 ، ليخالف ما جاء في مقدمة مقاله بالذات، حين دعا إلى (نشر ثقافة المحبة والتسامح بين الناس) لا بل يذهب بعيدا نحو خشيته (أن تنتقل العدوى إلى جميع أماكن التعايش الكردي المسيحي) - وللأسف هو نفسه يعمل على نقل هذه العدوى - وذلك عندما ينتقد موقف راعي كنيسة السريان سيادة المطران متى روهم , في إساءة واضحة إلى دوره من خلال أمثلة في مجملها غير صحيحة مثل (مجالسه الخاصة)، وإذا كانت تلك المجالس خاصة فكيف وصلت إلى الرفاق في اليكيتي ؟؟ ، وهنا اسأل: من منا ليست له أحاديثه الخاصة في مجالسه الخاصة ؟؟ ، وهل يمكن لتلك الأحاديث أن ترى النور لإدراكنا بأنها ضارة بالمجتمع, وكذلك في النقاط الأخرى، حتى يعتقد قارئ المقال بان سيادة المطران هو المسئول عن هضم حقوق الشعب الكردي ، وعن أحداث آذار 2004، إلى أن يصل به إلى الدعوة إلى فض العلاقة بين سيادته وبعض الشخصيات السياسية والاجتماعية الكردية وذلك بقول الكاتب أن : (المطلوب منه إعادة النظر في موقفه).
من أولى الخطوات لتنقية الأجواء في المجتمع، هي قول الحقيقة، وإنصاف العمل الايجابي. الحقيقة إن مجتمعنا يعاني الكثير من التمزق والتشوه في العلاقات بين المكونات، ولكن الحقيقة الأخرى إن الخيرين من جميع هذه المكونات، يعملون بجد على ردم الخنادق، وبناء الجسور، ومن بينها العلاقة التي قصدها المقال بين سيادة المطران متى روهم ، وبعض القيادات السياسية والاجتماعية الكردية، والتي وفرت مناخا ايجابيا بين الأكراد والمسيحيين ، وللإنصاف فان سيادة  المطران متى روهم قام بدور جيد في أحداث 12/آذار 2004 على العكس مما جاء في المقال وكلنا نذكر كرد وعرب وأشور وسريان .... الخ، الاجتماع الشهير في كنيسته، والتي جاءت بناء على دعوة من سيادته.
وفي قراءة واضحة لخلفيات المقال، يلاحظ محاولة تخريب ما بني من علاقة في هذه المرحلة، و خاصة بعد تجاوز الفتنة الخطيرة التي حصلت في ديريك، والتي راح ضحيتها شاب كردي، على يد أخر مسيحي ، وكادت أن تودي بمجتمعنا نحو خطر كبير، وحريق يلتهم الجميع، ونتيجة للعلاقة الطيبة بين الخيرين من الوسطين الكردي والمسيحي، وفي المقدمة منهم سيادة المطران متى روهم والأستاذ عبد الحميد درويش (وهي العلاقة المقصودة في المقال)، وبشجاعة ذوي الفقيد ، تم تجاوز تلك الفتنة، ولاشك إنها فتحت أفاقا رحبة، في ترسيخ قيم المحبة والسلام في المجتمع ، وجاء مقال سيادة المطران ، والذي تم توزيعه على جميع كنائس العالم حول تلك الأحداث وإشادته بالموقف الايجابي للكرد، وللذين لعبوا دورا ايجابيا في وأد الفتنة, والذي يبدو انه لا يروق للكثيرين ، وخاصة المتضررين من هذا التقارب ،و اسمحوا لي بان أورد اسم السيد عبد المسيح قرياقس، في خانة كاتبي المقال من حيث الذهنية والدور، وليس كما ورد وبكل أسف مع السيد المطران و شتان ما بين الاثنين.
 وأخيرا وفي هذا التوقيت عندما يأتي مقال وفيه إثارة لمواضيع، لا تخدم بأي شكل من الأشكال، التعايش السلمي الأخوي بين القوميات، والأديان، يتبادر إلى أذهاننا، السؤال: إلى أين تريدون الذهاب بنا أيها السادة ؟.

22/7/2008
* عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4209