إلى الدكتور محمود أحمد العربو... مع فائق الشكر والامتنان
التاريخ: الأحد 13 تموز 2008
الموضوع: اخبار



هوشنك أوسي
Shengo76@hotmail.com

أثناء بدئي، بكتابة سلسلة من المقالات النقديَّة، بكل ما أوتيت من صراحة، تفاديت إرفاق هذه المقالات بعنواني الإلكتروني، تجنٌّباً لما قد يأتيني من رسائل، ربما أسهو عن الردِّ على بعضها، ولئلا يُفسَّر هذا السهو، بأنه تكابر وإهمال، وبعد أن أثرت قسطاً وافراً من الأسئلة والملاحظات والمعلومات والانتقادات، التي لم يثرها قبلي أحد، حسبما أظنّ، بدأت إرفاق المقالات الأخيرة بعنوان بريدي الإلكتروني، كي أشرك المتابعين والقرَّاء فيها، في مسعى الاستفادة منهم ومن آرائهم.


وبالفعل، انهالت عليَّ عشرات الإيميلات، التي يمكن فرزها على نسقين: الأوَّل، مدحٌ ودعمٌ وتأييدٌ لما ذهبتُ إليه، مع تحفُّظ البعض على الحدِّيَّة في الطرح. والثاني، نقدٌ ولومٌ وعتاب، بسبب ردّي على بعض الأشباح المثيرة للشفقة والسأم والقرف، أكثر من إثارتها للرعب، وإن هذا، لهوَ انتقاصٌ من شأني، بحسب رأيهم. وحاول بعض أصحاب الرسائل الترافع والدفاع عن الحركة الحزبيَّة، بتوجيه النقد ليَّ ولآرائي، وهذا حقُّهم الطبيعي، وبل يجب عليهم فعل ذلك. لكن، على أن يبقوا النقاش في سياقه، وعدم تغيير مساره، وتقديم الأدلَّة والبراهين المنطقية، التي تشرعن معقوليَّة وضروريَّة أن يعيش الكرد السوريون وحركتهم الحزبيَّة، في هذه الحال المزرية، بعد مرور نصف قرن من انطلاقة تباشير الحراك السياسي الكردي في سورية. وما لفت انتباهي، إن الرسائل التي أتتني، عَرَّف أصحابها عن أنفسهم، خلاف معشر الدجَّالين الذين أعرفهم، والمتوارين خلف أسماء مستعارة، وأفصحوا عن آرائهم النَّاقدة ليّ، بشجاعة الفارس الكردي وأخلاقه، الحريص على هموم وشجون وشؤون أمَّته وشعبه ووطنه. وكما أجمع أصحاب الرسائل، بأنهم لم يتركوا مقالة واحدة لي، إلاّ وقرؤوها.
وهنا، يطيب لي أن أوجِّه جلَّ شكري وامتناني، لكلّ من تابع وقرأ مقالاتي، وتابع بشكل لصيق، لكلّ ما أثرته، بقطع النظر عن منسوب الاختلاف أو الاتفاق فيما بيننا. كما كانت تلك الرسائل، آتية من مناطق متعددة من العالم، أمريكا ومملكة النروج والسويد وألمانيا وسورية...،وتفاجأت برسالة آتية من هولير، هذا نصُّها: "الأستاذ العزيز هوشنك أوسي المحترم
تحية حارة وبعد
أنني أقرأ كل مقالاتك والردود عليها فهل تعتقدون بأنكم على صواب
بالتاكيد ستعرفني انا ومن دون تخفي د.محمود احمد العربو من الدرباسية استاذ في كلية العلوم السياسية هولير. ارجوكم ارحمو الموتى والمساجين مع فائق احترامي وساكتب لجنابكم لاحق
D. KAWA AZIAI".
وعليه، ووددت أن أردَّ على الأستاذ الدكتور محمود أحمد العربو، على شكل رسالة مفتوحة، نظراً لما يجمعني بآل العربو، من ودٍّ واحترام وتقدير، ولما لهذه العائلة الكريمة من أفضال على أسرتي، وبخاصَّة، العمّ الراحل معصوم العربو، رحمه الله، وطيّب الله ثراه، وأسكنه فسيح جنانه. وأردت كتابة الردّ على شكل رسالة مفتوحة، نظراً للقيمة المعرفيَّة والثقافيَّة الاعتباريَّة لمقام الدكتور الفاضل؛ محمود.
بدابةً، اسمح لي بتوجيه الشكر الجزيل لك، على كتابتك لتلك الرسالة، وعلى متابعتك لما يكتب كاتب هذه السطور. وإنه لشرفٌ عظيمٌ ليّ، إذ استطعت لفت انتباهك لما أكتب، ولفت انتباه العديد من مثقفينا وأبناء شعبنا الكردي، داخل وخارج كردستان، وداخل وخارج سورية لأوجاعنا ومأساتنا وصراخنا...، نييجة الخراب والفساد والإفساد المعشش في الحركة الحزبيَّة. وبحسب ما يتوارد إليَّ، فقد أحدثت مقالاتي حراكاً نشطاً في القراءة والمتابعة، لا بأس بها.
نعم يا سيّدي؛ أعتقد إنني صائب في جزء كبير من النقد الذي ووجهته، ومن الأسئلة والأفكار والملاحظات التي طرحتها، إلى أن يثبت العكس، بالحجَّة والبيّنة والقرينة والبرهان الدامغ، من قلبكم وأم نقبل غيركم من المعنيين بالشأن الكردي السوري، مستقلِّين أو محازبين. ولا أنفي عن نفسي السقوط في الخطأ البتَّة. وكان بإمكاني، العمل بحكمة تماثيل القدرة الثلاث: "لا اسمع، لا أرى، لا أتكلَّم"، وأترك حبل خرابها، على غارب عطبها، وأسقي آخرها بأسِ أوَّلها، متلذذاً بصمتي، واضعاً كفِّيَ على خدِّي، منتظراً، ما ستؤول إليه الحال التعيسة والبائسة، والؤم والحقد الخسيس الذي ينهش في هذه الحركة، منذ نصف قرن.
ولك أن تثق، أو لا تثق، وحقِّ أيمان الكرد وكردستاننا العظيمة، لم يتحمَّل وجداني هذا الخراب. إنِّي اعتبر بؤس هذه الحركة وخرابها، هو بؤسي وخرابي، وفشلها هو فشلي، ونجاحها هو نجاحي. وإن كان هنالك ثمَّة قسوة في نقدي، أو حزم في لغتي، فهذا من شدَّة الوجع والأسف على ما آلت إليها حالنا، بمعيَّة قادة هذه الأحزاب، الذين أصبحوا عالة على الأحزاب، والأحزاب صارت عالة على المجتمع الكردي... وهكذا دواليك. فهل من المجازفة القول: إن هذه الأحزاب الـ99، وحالتها الشقاقيَّة التالفة، قد سممت مجتمعنا، وأزكت فيه الوثنيَّة السياسيَّة، والقبليَّة السياسيَّة، والشلليَّة السياسيَّة، في أدرأ نُسخها وأحوالها، وأعادته للوراء. ألا تراهم، كيف لا يطيقون سماع نقدي ووجهة نظري، وهم التقدُّميون والديمقراطيون منذ نصف قرن!!؟. ألا تراهم، كيف يلجأون للاتصالات الهاتفيَّة، والاستنجاد بأعمامي، بغية ردعي ومنعي، من إبداء رأيي فيهم!!؟. ألا تراهم، يسبُّون ويشتمون ويخونون... كاتب هذه السطور، من علياءِ حقدهم المكين، وجهلهم المشين!!؟.
يا سيّدي؛ واللهِ، وبكسر الهاء، أنا لا أردُّ على هؤلاء الجهلة الحاقدين، بل أردُّ عن الحركة الحزبيَّة جهل ونتانة وبؤس هؤلاء، علَّها تشفها وتتعافى من عللها!؟.
أحد الأصدقاء، الذي تربطني به علاقة ودّ واحترام، وهو قيادي في هذه الحركة،  كتب في مقالٍ له، بشكل رزين ومهذَّب، وبعمق، موحيَّاً إليَّ ضرورة تجنُّب الردَّ على ذوي الاستعارة الفاشلة، مخافة أن أنجرَّ لأن أصبح صورة مشابهة لهؤلاء البؤساء.  ولا يسعني إلاَّ أن أشكر كلَّ مهتمٍّ صادق، بشؤون وشجون هذه الحركة، وبعيداً من الأحقاد، مهما كنت مختلفاً معه في التحليل والرأي والنقد. وأكرر، إنني أردُّ عن الحركة الحزبيَّة وباء هؤلاء المتحزبين المتسرطنين، المصابين بداء التواري المزمن، ولا أردُّهم عليهم كأشخاص. هل تعلم، كم يسيء هؤلاء للحركة بدفاعهم الفاشل والخاوي من أيَّة قيمة معرفيَّة او ثقافيَّة أو فكريَّة!؟. هل تعلم، كم يسيء هؤلاء لسمعة الأشراف المثقفين في هذه الحركة، الذين أعوِّل عليهم، وعلى الشريحة الشابَّة، في خلق وإدارة إصلاح داخلي لهذه الحركة، وصولاً لإعادة إقلاعها مجدداً، بكامل حيويتها وتآلفها وتعاضدها.
يا سيّدي؛ الارتباط بذكرى الشهداء وقيمهم، والدفاع عن الأحرار في سجون الاستبداد، يستوجب علينا العمل ثم النقد، ثم العمل، ثم النقد، ثم العمل، ثم النقد، ثم المراجعة فالنقد فالعمل... وهكذا... حتى نحقق أهداف الشهداء ونحرر السجناء. لا الصوت، والركون إلى ما هو عليه الحال، وانتظار المعجزات. نعم يا سيّدي، ما يتحدَّثون عنه من ضرورة إيجاد مرجعيَّة كرديَّة، بات تصنَّف من باب المعجزات، التي قد تتحققَّ، ولا تتحقق!. فخير ما نقدمه لشهدائنا، هو تحقيق الأهداف التي سقطوا من أجلها، وطال تأجيلها، عبر المراجعة والنقد والإصلاح، وصولاً لخلق تنمية ثقافيَّة سياسيَّة، كفيلة بدفع المجتمع الكردي نحو الأمام.
يا سيّدي؛ أنت في كردستان العراق، وبلغت من التحصيل العلمي الدرجات العلا. وأدرى منِّي بدور الأحزاب، التي تصنِّف نفسها على أنها: أداة في خدمة مصالح الشعب والمجتمع، لا العكس. طيّب، كم من المصالح التي حققتها هذه الأحزاب. إلا ترى بأنها زادت مأساة الشعب الكردي السوري وبالاً وإيلاماً، وجرَّت على هذا الشعب كوارث ومصائب، تنضاف لحالة القمع والاضطهاد والجور الذي يمارسها النظام البعثي، على الوطن السوري عموماً والشعب الكردي خصوصاً!؟.
هنالك في كردستان العراق، روابط وجمعيات لعوائل الشهداء وللمساجين...، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. فهل أنجزت أحزابنا الكرديَّة السورية، ولو جمعية تهتم بشؤون معتقليها!؟. هل شكَّلت جمعيَّة خاصَّة بشؤون المجرَّدين من الجنسيَّة!؟. هل أسست جمعيَّة خاصَّة بشؤون المكتومين من القيد!؟ هل أسست جمعيَّة معنيَّة بالمتضررين من الحزام العربي!؟. قد تقول لي: لقد أسست بعض المؤسسات الحقوقيَّة كـ"داد، ماد، ماف، اتحاد الحقوقيين الكرد، اللجنة الكرديَّة..."، فكلها ملاحق حزبيَّة، نشاطها يرتكز على رصد انتهاكات حقوق الإنسان الكردي، وليس السوري بشكل جيّد. ومن بين رصد حقوق الإنسان الكري، ترصد حقوق الإنسان الحزبي. يعني، داد، تولي الأهميَّة لحقوق الإنسان المنتسب لحزب آزادي، واتحاد الحقوقين، لحقوق الإنسان المنتسب ليكيتي، وماد تهتم بحقوق الإنسان الكردي الآبوجي...، وهكذا دواليك. نعم، يا سيّدي، لقد نقلوا تجاربهم الفاشلة في الحياة الحزبيَّة، إلى لجان ومؤسسات المجتمع المدني، فأتلفوها أيضاً، مع بالغ الأسف!.  شأنهم شأن الأحزاب العربيَّة السوريَّة الخردة، التي تسمِّ نفسها معارضة. يا سيّدي، يوجد في سورية، معارضون، ولا يوجد معارضة، بل ما لهذه الكلمة من معنى، من فعل جماهيري، سياسي، إعلامي، نشط!. أنظر لما تفعله المعارضة المصريَّة. مصر أيضاً تحت قانون الطوارئ منذ 1980. لكن، المعارضة في مصر، معارضة حقيقيَّة. أنظر لما يجري في تركيا، من حركة معارضة كرديَّة سلميَّة مدنيَّة نشطة ومتناميَّة. نحن لا نطالب بالكثير، يكفينا فقط 10 بالمئة، من المعارضة المدنية الجارية في تركيا. هل هذا كفر!!؟. هل هذا مستحيل!!؟. ماذا أفعل بحزب، لم يحقق أيّ إنجاز وحسب، بل لم يطبِّق حتّى برنامجه الحزب، ولم يحافظ على نفسه بمنأى عن الانشقاق، طيلة خمسين سنة!!؟. ليس هذا وحسب، لقد وصلت قبائحنا وفوضانا لذقون قادة كردستان العراق. وأحد أحزابنا متهمٌّ بالاختلاس، وشتم قيادة الإقليم في شرفهم وأعراضهم. هل يشعرك وضعنا بالفخر، وأنت تحاضر أمام طلبتك في جامعة هولير!!؟.
يا سيّدي، لو قامت هذه الحركة بنقد ذاتها في مرحلة السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات، هل كان شبابنا وصبايانا، الذي يتباكى عليهم، بعض مضللي الحركة الحزبيَّة، هل كانوا سيتجهون لثورة الشمال الكردستاني!!؟. إن كان هنالك ثمَّة من يجب محاسبته، فهي الحركة الحزبيَّة المتضعضعة، التي تقول أضعاف، ما تفعل منذ خمسين سنة!.
الدكتور العزيز محمود؛ لقد سمعت باسمك، من بعض الأهل والأصدقاء، كعمِّي الدكتور بيشوار أوسي، ومن بعض الأصدقاء الآخرين. لكن، لم تتح لي فرصة الشرف بلقائك. وآمل أن يحالفني الحظ في تحقيق هذه الرغبة. ولكن، آل العربو، هذه العائلة الوطنيَّة الكرديَّة، التي لم تنقطع عن الاهتمام بالهمِّ الوطني والقومي الكردي، تربطني بها أواصر محبَّة مودَّة. بخاصَّة، عائلة العمّ المرحوم معصوم العربو، رحمة الله. والحقُّ، إننا كنَّا ولا زلنا كعائلة واحدة، وأعزّ. كما تربطني علاقة ودّ وتقدير مع الأستاذ الصديق عبدالإله العربو. وكيف لي أن أنسى ذلك المناضل العظيم، والشهيد البطل؛ صالح العربو، الذي روى بدمائه الطاهرة جبال ديرسم الشمَّاء. وكيف لي أن أنسى الأخت المناضلة؛ أفين العربو، التي هي الآن على قمم جبال كردستان، حاملة بندقية عمَّها الشهيد صالح. نعم يا سيّدي، هؤلاء الأبطال، علَّمونا الكثير. وسأبقى وفيَّاً لهم ولنضالاتهم ودمائهم الطاهرة، التي لا يدَّخر بعض البؤساء الحاقدين من الجهلة، وسعاً، في النيل منها، وانا وأنت والكثير من مثقفينا، نتفرَّج!.
يا سيّدي، لا أكتمك سرَّاً، إن قلت: كلماً ازداد ذلك النفر البغيض من الكرد في حقدهم على ثوارنا وأبطالنا ومقاومينا وشهدائنا، ازددت حبَّاً وإيمانا ودفاعاً عن هؤلاء الثوار، الذين يضحُّون بحياتهم حتَّى في سبيل من يحقدون عليهم أيضاً.
آمل ألاَّ أكون قد أثقلت عليك، وعلى القرَّاء في هذه العجالة،
وعلى أمل التوصل الثقافي والمعرفي والوجداني، وفيما هو خدمة شعبنا وقضيتنا، ألقاك على خير وسلام
هوشنك أوسي
دمشق
13/7/2008






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4154