هذا هو شيخ باقي
التاريخ: الخميس 19 حزيران 2008
الموضوع: اخبار



  إبراهيم هاواري 

  نعتوه بنعوتات شتى حيَّاً وأبَنوه مناضلاً كبيراً بعد وفاته
حضرت أربعينية رمز كبيرٍ من رموز الحركة الوطنية الكردية في الخامس عشر من الشهر الجاري، كما كنت قد حضرت التعزية بوفاته رغم خلافي مع وريثه الشرعي وحزبه - الأمر الذي وقف حائلاً دون إلقائي لكلمتي في تأبين أعز شخصية علي صادفتها في حياتي على الإطلاق، لما كنت أتوسم فيها نبلاً ومصداقية وإخلاصاً فيما كانت تؤمن به وتناضل من أجله- الذي غدت منظمته في ألمانيا في يوم من الأيام تعداداً ربما تجاوز عدد أعضائها عدد أعضاء الحزب الأم في سوريا، لكنها تبخرت بفضل سياسات وريث شيخ باقي رحمه الله، ليصل العدد  إلى خُمس أصابع اليد الواحدة


وكأن ملاك الحزب لايتحمل العدد الفائض، وذلك لضحالة الإمكانيات المادية التي لاتستطيع أن تلبي الحاجات الأساسية والضرورية للأعضاء العاملين فيتطلب الأمر إختزالاً عددياً إلى أدنى دركاته الممكنة، ولن أسترسل في هذا الموضوع كثيراً لأن الأحزاب الأخرى في الحركة السياسية الكردية ليست بأفضل حال من هذا الحزب إلا نسبياً, سواء في هذا المجال أو في مجالات أخرى،  وسأركز على بيت القصيد الذي جاء هذا المقال من أجله.
بما أنني لازمت المرحوم لعقد ونيف من الزمن بل وكنت من المقربين إليه وإلى أفكاره حيث كان يجمعنا العديد من المشتركات. تعرفت عليه عن كثب بعد انتخابي في المؤتمر الثاني عضواً في اللجنة المركزية ومن ثم عضواً في المكتب السياسي للحزب ثم ممثلاً للحزب في أوربا إلى أن قرّرت ترك العمل الحزبي في بدايات عام 2002 على السياسات القديمة الجديدة للحزب وللحركة على حد سواء.
  بدأت مسيرتي الحياتية معه قبيل الكونفراس الحزبي الأول عام 1975وكان قد مضى على انتمائي الحزبي أقل من خمس سنوات، وحيث وصلت الخلافات بين أعضاء اللجنة المركزية المتبقين خارج أسورة سجون النظام ... (عقب إعتقالات عام 1973 لمعظم القياديين للحزب) إلى درجة تنذر بشق صفوف الحزب، وأيدته فيما ذهب إليه من عقد كونفرانس حزبي (رغم عدم التقائي به من قبل، ورغم أن إثنين من القياديين الذين كانوا على خلاف معه من أرحامي هما هوريك أحمد وزكريا سليمان) لمحاسبة من يستحق المحاسبة من القياديين.
دخلت بيته عشرات المرات وشاهدت نمط حياته وحياة ذويه المتواضع المتقشف، وأسلوب عيشه البسيط ، مع أنه سليل عائلة ميسورة ومالكة، أنفق كل ممتلكاته خدمة للقضية التي آمن بها، فغدى معسراً في رزقه بعد يُسرحال، بينما هناك مناضلون آخرون يُسِّر أمرهم بعد عسر، أتته سهام الهمز واللمز من كل حدب، ومع ذلك كان يكبر في عيني أكثر فأكثر، لما كنت أعلم عنه عين اليقين لاسمعاً وعنعنة ورواية،  حاصروه وحاصروا حزبه واتهموه باطلاً لما كان ينتهج من نهج ربما اتسم بعدم التشدد وعدم الضبابية في انتماءاته الوطنية السورية من جهة والكردستانية ومطاليبه القومية من جهة ثانية ولا أزعم أنه كان يصيب الهدف دائماً.
ماكان في وسعه أن يتحمل همزات بني جلدته من ناحية، وضغوطات أعداء شعبه من ناحية ثانية، لذا آثر التنحي عن قيادة الحزب ، وكان يُفضل أن لايكون خليفته من أهل بيته حتى لايُتهم بشيء هو ينبذه، ولكن جاءت الرياح عتية حيث لايشتهيها فأفل نجمه وتألق نجم الوريث.
ما أريد الوصول إليه هو أن تاريخ الحركة الكردية مليء بتلك الإتهامات الباطلة، والتي ترعرع في أحضانها جميع القواعد الحزبية في الحركة السياسية، فلم يسلم أحد من القيادات الحزبية من تلك الإتهامات التي وصلت إلى درجة الخيانة والعمالة، ومع ذلك تلقفت كلها ماكانت تتشدق به حيال الآخرين من نعوتات سلبية، والتقت على صعيد واحد، لتبرم صكوكاً تضامنية تحالفية أو جبهوية ثنائية حيناً وثلاثية حيناً، وجمعية أحياناً أخرى، متناسين تلك الإتهامات الخطيرة التي رسَّخوها في أذهان مريديهم ردحاً طويلاً من الزمن، ظناً منهم أن ذاكرة الشعب ضعيفة سوف لن تحتفظ بما ورد على ألسنتهم بحق بعضهم البعض سواء في إجتماعاتهم وندواتهم الحزبية الخاصة أو في لقاءاتهم الجماهيرية.
إن أربعينية شيخ باقي حضَّرت لها وقامت بها لجنة العمل المشترك، المكونة من ممثيليات كافة الأحزاب السياسية الكردية في ألمانيا ومن بعض الشخصيات الوطنية الموالية لها، وقد جاءت كلمة اللجنة لتُعدد مناقب الفقيد الراحل ومآثره النضالية، وهذا عمل رائع لابد منه لتحيا رموزنا الوطنية حية في ذاكرة الأجيال المقبلة إلى الأبد يستمدون من تراثهم المعنوي الثر حوافز النضال المستقبلي، لكن من الجانب الآخر في المسألة ألا تثير هذه النقلات البهلوانية تساؤلات عديدة، لتطالب القيادات المصونة بإجابات صريحة عليها والتي تتلخص فيما يلي:
هل كانت إتهاماتكم السابقة لبعضكم تستند على براهين ساطعة أم كانت محض افتراء بحق أناس أبرياء؟!.
فإن كان جوابكم بنعم  وأن اتهاماتكم لم تأت من فراغ وإنما جاءت عن علم وقناعة وحجة وبرهان، فهنا من حقنا أن نسألكم إذاً لماذا شكَّلتم تحالفات وجبهات وعهوداً ومواثيق مع أناس متهمين وهم ليسوا موضع ثقتكم وثقة قواعدكم وجماهيركم ؟!.
أما إن جاء ردكم بلا وأنكم لم تعتمدوا الحجة والمصداقية ولا البرهان فيما ذهبتم إليه، وإنما وقفت وراءها غايات شخصية ومصالح ضيقة أو ماشابه ذلك من نوايا غير نزيهة وهي محض افتراء، فمن حق الشعب أن يسألكم مجدداً إذاً بعد كل هذا هل تستحقون فعلاً أن تبقوا قادة لشعبكم لتأخذوا بيده إلى حيث الأمن والأمان وإلى حيث حقوقه التي لاتقبل التسويف ولا المناقشة.
في حفلة تأبينية لشيخ شهداء عصره محمد معشوق الخزنوي في ألمانيا وقف المخوَّل بإلقاء الكلمة بإسم مجموعة منظمات الأحزاب الكردية ليسترسل في ذكر مناقب الشهيد وبتضحيته بروحه من أجل قضية شعبه ووو.....فسألته عقب إلقاء كلمته ألا ترى تناقضاً صارخاً بين موقفك هذا وأنت المسئول التنظيمي لحزبك في أوربا، وبين موقف سكرتير حزبك الذي زعم في تصريح علني له امام الملأ أنه لايُقتل أحدٌ في سوريا بسبب كرديته، حيث كان يشير بوضوح إلى أن قتل الشيخ محمد معشوق من جهة السلطة السورية لم يكن بسبب نضاله القومي وإنما لأسباب أخرى لاعلاقة لها بالقضية، فكان جوابه أننا في حزب ديمقراطي لكلٍ رأيه وحريته في التعبير عما يؤمن به،  كمن أراد كحلها فأعماها!.
وفي مسألة الحزب الإشتراكي الذي كان عليه شبه إجماع لدى أطراف الحركة بأنه غارق في الإستسلام من أخمص قدميه إلى مفرق رأسه، ثم إذا به يتربع على قمة الهرم التحالفي الكردي بعد أن توصل إلى وحدة إندماجية مع الحزب التقدمي الذي يرأسه الأستاذ حميد حاج درويش.
ولو أردنا أن نعدِّد هذه التقلبات الإعتباطية (على أقل تقدير) لدى أطراف الحركة الكردية يكاد لايوجد طرف يسلم منها، فلا أدري كيف لهؤلاء أن يبرروا ويمرروا قفزاتهم النوعية هذه.
إنكم تستحقون الرأفة والشفقة يامن تحمَّلتم مسئولية شعبكم بملء إراداتكم، بل تناحرتم عليها للإستئثار بها، وكم من انشقاق حزبي يتمركز خلفه هذا الدافع النبيل حتى تعددت الأحزاب والمضمون واحد، بل إنكم تستحقون بطاقات الشكر والثناء على صمودكم في التربع على كراسي الحكم ردحاً طويلاً من الزمن، منكم من استحق في ذلك بجدارة اليوبيل الفضي ومنكم من استحق اليوبيل الذهبي، رغم هذه التناقضات الفادحة، ولاشك أنكم تذكِّرون الناس بإنجازاتكم الرائعة بعد خمسين عاماً من النضال، وهل هناك إنجاز أعظم من إنجاز البقاء في الحكم ، وهذا يذكرني بالغبطة التي لفَّت القيادة البعثية في سوريا بعد هزيمتها في حرب حزيران عام 1967 فإسرائيل فشلت في حربها على سوريا لأنها لم تحقق أهم هدف من أهدافها، ألا وهو إسقاط النظام القومي الصامد في دمشق قلب العروبة النابض .
إن حركتنا الكردية في سوريا في الوقت الذي تجهر بالقول معارضة هذا النظام .. الجاثم على صدر شعوب سوريا وفي مقدمتها شعبنا الكردي المظلوم بقوة الحديد والنار، فإذا بها تحمل نفس ثقافته وليس في نيتها حتى اليوم محاولة التخلص منها.
إن حركتنا تجمع حولها جوقة من المطبلين والمزمرين ممن يحسنون المديح والثناء من أنصاف المثقفين، والويل والثبور لمن يشير تلميحاً ناهيك عن التصريح إلى ذكر سقطة من سقطاتهم باعتبارهم فوق الشبهات وفوق المساءلة القانونية الحزبية والشعبية.
واليوم هناك مسلسل آخر بدأت فصوله بكيل من الإتهامات بين أقطاب التحالف الكردي في لعبة شد الحبل بين النسقين، وتناسا الطرفان أنهما في الهوى سوى، وأن كلاهما يشرئبان من معين واحد، والشعب لم يعد يجد تلك الفوارق بينهما، وبالتالي فلن يصفق لهذا الفريق على حساب ذاك الفريق، ولم تعد تنطلي سياساتهما القديمة الجديدة على أحد، وأن نفوذهما كما نفوذ البقية الباقية من أقطاب الحركة الكردية تقلصت إلى درجة لم تعد لتصريحاتهم النارية أية تأثير يذكر.
نعم أيها السادة لاتراهنوا على حصان خاسر بل راهنوا على نبضات أفئدة شعبكم فهي صادقة لاتخطئ في مراميها، عودوا إليه واجعلوه محط مشورتكم، فما أنتم إلا خدم لديه ومتى كان للخادم أن يتمرد على أوامر سيده، ويكفيكم توجيه الإتهامات الباطلة إلى صدور بعضكم، لأنكم ستعودون ثانية إلى المعانقة وكأن شيئاً لم يكن.
ليس فيكم حسب رأي خائنٌ أوعميلٌ كما كان يقول معظمكم على معظمك، ولكن ذاكرتكم ضعيفة تنسون الأمور بسرعة، ترتعشون خوفاً أمام تهديدات النظام، فتؤثرون المهادنة بدل المجابهة، خوفاً على أرواحكم خوفاً على أرزاقكم خوفاً على مستقبل ذويكم، ولكن بلا شك ينعكس ذلك سلباً على حقوق شعبكم، فلا انتم على استعداد للتنازل لدماء جديدة من أبناء هذا الشعب الذي أثبت الرجولة في أكثر من موطن بالخطوة العملية، ولا أنتم قادرون على فعل مايلزم وما تملي عليكم مواقعكم القيادية المسؤولة، فتقعون في تخبطاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان لتبقى المراوحة في المكان إلى ماشاء الله.

19.6.2008






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=4021