المثقف الكردي... لا رافدا ولا رائدا ! اما قائدا او رافضا
التاريخ: الأربعاء 28 ايار 2008
الموضوع: اخبار



  صلاح علمداري

اذا كانت الثقافة هي مجموعة العلوم والمعارف والافكار والخبرات التي يتم استخلاصها من تاريخ وتجارب الانسان على الارض فان المثقف هو الذي يلم بهذه العلوم والمعارف والخبرات .. ويملك منظومة تحليل معينة لها وكذلك قدرة على تركيب صيغ وافكار معينة من وحيها ووفق الوقائع والظروف تؤثر في تفكير وسلوك الاخرين (مجموعات بشرية او مجتمعات كاملة ...)
الا ان اي اثنين قد يختلفان في ايجاد تعريف دقيق للمثقف ولذلك  من المفيد ان نلفت الانتباه الى اننا هنا سنتحدث عن الفئة المتنورة واصحاب الشهادات والكتاب  والفنانين والقيادات السياسية .. وسنصنف كل هؤلاء – هنا على الاقل - تحت مسمى /المثقف/ او فئة المثقفين .


هذه الفئة بقدر ما كانت لها ادوارا ريادية في التحولات والتغييرات الاجتماعية الحاصلة عبر تاريخ الانسان على الارض بقدر ما كانت لها ايضا ادوارا تضليلية منافقة ساهمت في اعاقة هذه التحولات التي كانت غالبا تصب في مصلحة الشعوب والمجتمعات اذ وقفت نسبة من المثقفين دائما الى جانب اصحاب السلطة والمال من القادة والامراء والسلاطين اعتبارا من شعراء البلاط وانتهاء برجالات الاعلام الرسمي وطواقم التلفزيونات الحكومية والحزبية المنتشرة .... وفي الحالتين يمكن استخلاص نتيحة واحدة هي ان المثقف قادر على التاثير في الجانبين الروحي والفكري للناس العاديين سواء باتجاه السلب او الايجاب .
لا يوجد في نظري مثقف مسكين او مستقل فاما يكون فاعلا في وسطه المعاش بمثابة محرك دافع الى الامام او صامتا ساكنا عائقا للحركة او سلبيا بكل معاني الكلمة وضد تطلعات الغالبية من الناس العاديين . فالذي يشعر النور – مثلا - لا بد يعرف الظلام والذي يسعى وراء المصلحة الفردية يعرف انها بالضد من مصلحة الجماعة ... فالمثقف اذا اما يكون صاحب قضية جماعية وبالتالي متصدرا الصفوف الاولى لجماعته داخل منظمة او حتى بشكل فردي او صاحب نزوة فردية وغريزة الانا وهنا سيلتزم السكون لتجنب اي صدام مع الاخر لا سيما اذا كان هذا الاخر هو السلطة وبالتالي تبقى معارفه وافكاره طاقة كامنة مهدورة بفعل الزمن لان الافكار تموت اذا لم تقارن بغيرها واذا لم تقوم من الاخرين واذا لم تروج في بيئتها  او سيساير(المثقف) ذوي السطوة والنفوذ ويتحول الى منافق وبوق يروج لقوة السلطة وفلسفة القوة .
اضافة الى ميزات هذه الفئة (المثقفين) كما جاءت في توصيفات المفكرين والفلاسفة وكما اثبتتها كذلك تجارب الشعوب في النضال من حماس مفرط الى ياس محبط مرورا عبر التقلبات والتذبذبات والانانيات فان المثقف الكردي عموما يحمل ميزة اضافية يكاد ينفرد فيها اذ يمكنك ان ترى وتشعر بجلاء حالة اللاستقرار النفسي والفكري لدى غالبية هذه الفئة والابتعادعن التنظيمات والاحزاب الكردستانية بحجة انها (الاحزاب)غير قادرة على استيعاب الفكر المتنور والمنفتح والقيادات غير قابلة للتصويب والانتقاد... بل لم يجد الكثيرون منهم مكانا لهم حتى بين قومه وفي وطنه فلجؤوا الى النزوح والهجرة الى اوربا ودول العالم الاخرى ليجترعوا هناك شغف العيش كغيرهم من ملايين المهاجرين والمتسكعين ويتحولوا الى مجرد لاجئين والا اين هي نتاجات ونشاطات وتحركات الالاف من المثقفين والاكاديميين والفنانين الاكراد في اجواء الحرية الموجودة في دول الاغتراب و التي اتخذوها مراما و ذريعة للهجرة ؟! .
لم يكن المثقف الكردي ايجابيا دائما عبر تاريخ حافل لبني قومه من الحراك والانتفاضات والثورات وكذلك من الماسي والاهوال اذ كان ثمة على الاغلب صراع بين الفئة التي ادعت العلم والمعرفة والاضطلاع على تجارب الاخرين وبين الرموز العشائرية والدينية التي قادت اغلب هذه التحركات والثورات القومية هذا الصراع الذي تحول في معظم الحالات الى صراع نفي الاخر كما بين السا لب والموجب في علم الجبر حيث ينفي احدهم الاخرولم يتحول هذا الصراع (هذه العلاقة) الى يومنا هذا باتجاه التكامل كما في  اتحاد السا لب والموجب في نظرية توليد الطاقة الكهربائية . المثقف كان ولا زال هوالخاسر في هذا الصراع لانه لم يقترب بما يكفي من قلوب ووجدان الناس بينما الطرف الاخر هو الذي يحظى بتعاطف ودعم فئات الشعب المختلفة لكن الخاسر الاكبر في كل هذه التجارب بقي والى اليوم هو الشعب الكردي .
 ففي الوقت الذي كانت تقتضي فيه المصلحة القومية ان يلعب المثقفون ادوارا ايجابية مكملة لدور القيادات والرموز الاجتماعية المنتفضة والتي غالبا ما كانت تعوزها بالتحديد الحنكة والسياسة المتوفرة لدى المثقفين دون غيرهم اشهر هؤلاء سيوفهم في وجه الاقطاع الكردي ورموز الدين تارة والبورجوازي والتاجر تارة اخرى ولا زالوا الى اليوم منشغلون بصراعات جانبية ليست ذات اهمية مقارنة بالوضع الكردي الماساوي . وبالتالي لا زالوا يحدثون التشققات والشروخ في الجسم الكردي و يمنحون الطرف الاخر (السلطات الحاكمة) الفرصة تلو الاخرى للنفاذ الى الداخل الكردي عبر ها وبالتالي كسب المعركة في كل مرة اما الاكراد فيبدؤوان من جديد من حيث بدؤوا اول مرة لا من حيث وصلوا اليه اخر مرة وهكذا ...
 اما في سوريا فمنذ ولادة اول مولود سياسي كردي الى اليوم ثمة اكثر من خمسة عقود من السنين يبدو انها لم تكن كافية للنخبة الكردية من اجل تشكيل مجرد وسيلة نضال مناسبة (حزب جماهيري) وهي الخطوة الاولى ناهيك عن وضع البرامج وصياغة الحقوق التي تناسب استثنائية الوضع الكردي وتنم عن النضج الفكري للشريحة المثقفة وهي شريحة لا باس بها من حيث الكم ومن حيث المقارنة باكراد الاجزاء الاخرى وكذلك المقارنة بباقي مناطق سوريا فثمة من بين الاكراد قامات بارزة في الادب و كتاب وادباء يكتبون بالعربية والكردية ورسامون وفنانون وكذلك سياسيون لكن هذا الكم لم يقترن مع الاسف بالنوعية فالمثقف الكردي لا زال يعيش حالة فردية مشاعية بعيدا عن اي روابط او منظمات وبعيدا عن روح العصر في التكامل والحاجة الى الاخر . لا زال يغرد خارج سربه وفي غير مكانه وعلى ليلاه فقط . فمنذ ادعاء البعض لليسارية في الحزب الكردي الاول ضد اليمين غير الموجود اصلا في الحركة الكردية والمجتمع الكردي ككل (بالمفهوم الاصطلاحي) لم تستقر الشريحة المثقفة ولم ترسوا على بر هادئ لمجرد اعادة حساباتها في الربح والخسارة .. لم يتم ذلك بل تعددت المسميات والتلاوين للشيء ذاته وتكررت الحالة نفسها مرات عدة وكانت النتيجة حتى ملوا هم انفسهم وقبل الاخرين من الواقع فابتعد قسم كبيرمنهم عن التنظيمات والاحزاب بحجة انها اخفض سقفا من طموحاتهم وافكارهم ... علما ان الاحزاب والتنظيمات مهما كانت صغيرة و متواضعة تبقى بمثابة مساحة لتبادل الاراء والافكار وافضل من الحالات الفردية والتشتت.. وعلى هذا بقيت هذه النسبة الكبيرة خارج اي حراك منظم وتحولوا الى مجرد افراد غرباء عن حركتهم وعن جماهيرهم واحيانا الى مرتزقة على ابواب السلطة او القيادات الكردية ذات السلطة والمال ورغم الانتقادات الحادة والاتهامات التي توجهها هذه الفئة للاحزاب والقيادات الموجودة لم تقدم بديلا افضل ولم تساهم حتى في التقريب بين المختلفين بل تساهم بشكل او باخر في خلق الازمات و توتير الاجواء من خلال السكوت واللامبالات او من خلال مواقف متشنجة منحازة الى البعض ضد البعض اتلاخر. اما الشريحة التي اثرت البقاء ضمن الاحزاب فلا زالت تراوح مكانها ولم تتحرر من حالة الامية السياسية التي تعيشها منذعقود .
المثقف الكردي في سوريا حاله حال المناطق الكردية المعزولة .. حال الاحياء الكردية المغلقة في المدن الكبيرة ...حال الشعب الكردي ككل .. لم يتمدد على مساحة واسعة ولم يحتك بما فيه الكفاية مع الشرائح الاخرى ومثقفي القوميات الاخرى والدول الاخرى فالشاعر الكردي ينال وسام الشاعرية في امسية قوامها بضعة اعشار من الناس في احسن الاحوال ولا يفهمون غالبا في الشعر والكاتب الكردي ينتزع صفة الكاتب من موقع الكتروني لا يتعدى زواره بضع مئات من المتصفحين والسياسي الكردي يحصل على اللقب في ندوة سرية او قيادة هيئة حزبية والفنان الكردي ينال شهرته من حفلة زفاف واحيانا دون ان يفقه من الفن شيئا  لكن ماذا لو قارنا بين هذا الشاعر الكردي وادونيس او محمود درويش وبين الكاتب الكردي وعبد الرحمن الراشد او غسان تويني .... !
ثقافتنا لا زالت نظرية بحتة.. قصائد محفوظة ..مصطلحات وشعارات اردناها في لحظة زمنية لانها كانت قريبة من احلامنا لم نسقطها على الواقع الكردي  ولم نحللها ولم نحولها الى تجربة كردية فالديمقراطية لا زالت عندنا شعارا نذيل بها اسماء احزابنا في حين لدى الشعوب الاخرى اصبحت اخلاقا ونظاما وممارسات مفهوم اليمين واليسار الذي استقيناه من جلوس الليبراليين الفرنسيين في الجمعية الوطنية الى اليسار والبورجوازية الى اليمين قبل اكثر من مائتي عام لا زال في اذهاننا ولا زلنا نختلق اليمين ونختلق اليسار لنتصارع  رغم ان هذا اليمين وذاك اليسار وفي فرنسا نفسها والعالم كله قد تحالفوا في سبيل غايات اسمى . مفردة الثورة والانقلاب تحولتا الى مرادفات للارهاب واللون الاحمر تحلل الى الوان مختلفة في دول العالم والمثقف الكردي لازال يعيش في وهم الانقلاب والغاء الاخر ( احزب – قيادات .. ) بالهجوم والتقزيم والتخوين لاقامة حزب اخر له مكان القديم .
العقلية الفردية والايمان بقدرة الفرد الخارقة والبطل الاوحد كما في افلام هولييود وفي العاب الكومبيتر لم يعد في متداول العقلاء ولم تعد (الفردية) ميزة العصر كما كانت ايام حروب السيف – مثلا -  فواقع الشعوب وتطورالمجتمعات باتت بحاجة الى جهود جماعية منظمة الى الراي والراي الاخر الى الموقف والموقف المعارض الى كل الالوان  واصبح العالم يتجه الى انشاء تكتلات دولية ومجموعات اقتصادية وسياسية  تلك التي تكفل قوة الموقف الفعلية في موازين القوى ...
المثقف الكردي لا زل فردا بعيدا عن اقرانه من بني قومه وعن مثقفي الاقوام الاخرى لا زال غريبا حتى عن مجتمعه عاجز عن تقديم نفسه نموذجا يحتذى به من قبل فئات الشعب الاخرى  ومع ذلك لا يقبل بدرجة اقل من قيادي  في حزب او مهاجم عنيف اذا كان خارج الحزب  يعتقد نفسه بطلا خارقا اذا كانت الافكار نصوصا وورق  ويتهاوى عند ترجمة النص واداء الدور فيتحول الى قزم ...الى شمشون بدون شعر. 

 saalamdari@yahoo.com  

 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3878