وجها مرآة الحركة السياسية الكردية في سوريا
التاريخ: الثلاثاء 13 ايار 2008
الموضوع: اخبار



دهام حسن

الحركة السياسية الكردية في سوريا، حركة نشطة، لها حضورها الواقعي والملحوظ في أوساط الشعب الكردي. فقد اكتسبت الحركة خبرة في العمل النضالي، وتدرجت في الوعي والنضج السياسي، كما تسجل لها نقطة إيجابية ومهمة جدا، وهي: إن الحركة استطاعت خلال نصف قرن من عمر الحركة أن تجنب شعبها كثيرا من الشطط في طرح الشعارات الزاعقة، أو السير بها إلى متاهات سياسية، أو ما نصب لها ــ ربما ــ  من فخاخ، كما تميزت الحركة بالجرأة والجسارة، واليوم قيض لها كوادر متعلمة ومتقدمة، تتفق وتختلف ربما في رؤاها، وهذا الاختلاف لا يضير الحركة بقدر ما يكسبها مراسا وغنى


فقد  نلمس كيف يلتئم شتيتها في القضايا المهمة أو الاستراتيجية، والتواصل مع الحركات الوطنية ضمن البلاد، أو لشرح وإيصال قضاياها إلى بلاد الاغتراب، وإلى المنظمات المختلفة التي تعنى بحقوق الإنسان...فهل هذا الكلام يعني أن نلبس الحركة رداء من المثالية، أو أن نبدي رضانا عنها تمام الرضى.!؟ طبعا لا، فكما ليس من الحكمة أن ننظر إلى الحركة بدرجة الكمال، يقتضي منا بالمقابل الإنصاف بحيث ألا نحط من شأنها،بدرجة أنها غير موجودة، أو أن وجودها هو سبب الحالة المزرية التي يتضرر منها الكرد... لا شك، إنك أحيانا تلمس بعض الأطروحات تطرحها بعض الفصائل من الحركة، قد تختلف حولها، لكن ليس لعدم أحقيتها، بل قد تكون قراءتك هي أن الظرف غير مناسب أو غير مؤات، لكن ليس أمامك إلا أن تحترم آراء تلك الجهة أو ذلك الفصيل الذي تبنى أو رفع ذالك الشعار، أجل قد  نختلف، بل سنختلف حتما، بحيث الاختلاف ينبغي ألا يفسد للود قضية ...
  من جهتي كمراقب أو متابع أنوه بأني أحترم جميع القيادات وفي مسافة واحدة من الجميع، وهذا لا يعني أنني لا ألمس الفروقات بين سائر التنظيمات، بل أني أحاول في تناولي للمسألة أن أكون موضوعيا، فتهمني الحركة أولا، أما القيادات فلها دورها الذي لا يمكن غمطه، لكن بالمقابل نقول يعظم دور القيادات أو القادة في البلدان التي لم تشهد بعد مساحة واسعة من الديمقراطية السياسية، وفي ظروف المجتمعات المتخلفة، حيث يبرز قائد الحزب كأنه زعيم قبيلة...
وهنا سوف ننظر إلى الوجه الثاني من المرآة، بحيث نعرض بعض الجوانب الأخرى التي تعتري الحركة، وتغبش على وجه المرآة، أي أننا هنا سوف نتطرق إلى الجوانب السلبية التي لنا عليا مآخذ، أو فلنقل كما نراها نحن من أنها سلبية...
ــ العدد الكبير غير المبرر من الأحزاب والتنظيمات، بضعة عشر حزبا، أو تنظيما كرديا داخل سوريا، أو فلنقل حتى داخل مدينة واحدة، دون أن تلحظ أن ثمة فروقا في البرامج فهل هذا الكم الكبير من الأحزاب الكردية ظاهرة صحية ترى.؟ ليس هناك من أسباب سوى لعبة الكراسي، فالكل يتشبث بكرسيه.....  العتب واللوم تتحمله الأحزاب الكبيرة نسبيا، فهي قطعا لا تسعى لاجتذاب الأحزاب والتنظيمات الصغيرة نسبيا إليها، ولا تبغي تمتين عرى التواصل معها، وحتى التدامج، فما بينها من نقاط التقاء، هي كثيرة، دون أن تلمس أن ثمة فروقا تذكر بينها كما نوهنا قبل قليل..
ــ هذه العراضة بلغة أهل الشام، التي تقوم بها الفعاليات الثقافية والسياسية التابعة لهذه الأحزاب، هي كثيرا ما ترتدي ثوب الانقسام، وتوظف في إطار الدعاية الضيقة لحزب بمفرده، وترسخ حالات التباعد والجفاء، فالكل متلهف أن يبرز وجوده على ساحة الإنترنيت فقط، دون أن تبذل جهود مشتركة، لإنجاح هكذا فعاليات وفي مصلحة الحركة السياسية الكردية على العموم...
ــ تشتت الكوادر والكفاءات في هذا الحزب أو ذاك، وبالمقابل افتقار بعض الأحزاب لمثل هذه الكفاءات واحتياجها لها، هذي الحال لا شك تضعف من إثمار جهود الحركة السياسية الكردية على العموم، حيث لا جامع بين تلك الأحزاب أو فلنقل الفصائل كما يبدو ظاهريا، فلعبة الكراسي، أي التشبث بالموقع الحزبي عن غير جدارة، والخشية بالتالي من زحزحة الكرسي بمجيء الكفاءات، هي التي تحول دون رغبة القيادة في اكتساب واجتذاب تلك الكوادر ذات الكفاءات..
ــ ارتباط أي حزب بعلاقاتها الخارجية أي بالحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والاتحاد) في  كردستان العراق، هذا أمر لا بد منه، كما لابد من تمتينه، وأنا أحبذ وأشيد بهكذا روابط، لكن ضمن حدود بحيث لا ينبغي أن تنقلب تلك الروابط إلى ولاء وقبلة عبادة.. وللأسف بعض من تلك القيادات والكوادر الحزبية في سوريا التي كانت في الماضي تقتات على خلافات الحزبين ومشاحناتهما وتحاربهما، اليوم كما يبدو لا يروق لها هذا التآلف والتوافق وتحسن العلاقات بينهما، لأنها وجدت في مركب الخلافات مطية لهم ومرتعا خصبا للاقتيات، لكنهم  قد خسروه اليوم.. (مثالب قوم عند قوم فوائد) والعكس صحيح..
ــ بعض قيادات الحركة التي تمتعت بميزة نضالية حسنة، واكتسب واحدهم احترام الكثيرين يوما ما، ودار بين بين، أي هنا وهناك، لا يروق له اليوم إلا أن يختزل الحزب به  وبمجموعة أتباع، ويؤسس لحزب هو إمامه، ضاربا عرض الحائط ماضيه، بل ماضي حزبه اللذين (الحزب وهو) كانا محط احترام الناس وتقديرهم، فأمثال هؤلاء لا يريدون أن يكونوا في قيادة حزب قوي، بل همهم أن يكون واحدهم القائد الأول في حزب مهما صغر شأنه.. أي يكفيهم (اسم جميل على ضيعة خراب) كما يقول المثل السائر... وهؤلاء أيضا  (يميلون مع النعماء حيث تميل.)
ــ بعض الأحزاب المهمة لا كوادر قيادية لديها، فترتكب أخطاء جسيمة، وينفض الناس من حولها لافتقار قيادتها لسمات القادة، فتخشى من التلاقي مع الكوادر، أو ربما حزب صغير تمتلك كفاءات، فهم بالتالي يمشون في ركب الآخرين، وبعضها الآخر، يبرز القائد لديهم كأنه هو الحزب، بل هو فوق الحزب، فيفرض رؤيته على رفاقه حتى في القيادة حيث لا كلام ولا رأي لأحد، وهؤلاء الأخيرون يمتثلون لإرادة وتوجهات القائد كأفراد قبيلة يصح فيهم قول الشاعر الجاهلي حيث يقول:
           وما أنا إلا من غزية إن غوت        غويت وإن ترشد غزية أرشد
ــ ما جرى في التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا من الشد والتنابذ أمر يبعث على الأسف ويثير الغثيان، وسبب الصراع الدائر برأيي مبعثه أن لا انسجام بين تلك القوى، حيث الجبروت والاستئثار بالرأي من جهة، والممانعة الضعيفة من جهة ثانية، والميوعة واللامبدئية واللا موقف من طرف ثالث( أينما الريح تملها تمل)، وحيرة بعض الأمعة الذين لا رأي لهم، ينصرون أخاهم ظالما أو مظلوما ...
هذا ما تحضرني من الأفكار، وقد لاحظتم أني ركزت على العامل الذاتي كثيرا، عندما تناولت الوجه الثاني السلبي لمرآة الحركة السياسية الكردية، علما أني أشرت في الوجه الآخر للمرآة أهمية ودور الحركة، وأشرت إلى كثير من النقاط المضيئة في تاريخ الحركة؛ لهذا فأني سأثير هذه النقطة أخيرا وهي أن الحركة لا بد لها أن تتمثل في حزبين أو ثلاثة على الأكثر، وبغير ذلك ستهدر جهود كثيرة، ومهمة ذلك تقع على عاتق الأحزاب الكبيرة بالدرجة الأولى فهي القادرة على استيعاب هؤلاء إذا حسنت النوايا، وإذا تنازلت الكوادر من الجانبين عن عنجهيتها، وأرادت أن ترفع من شأن الحركة...






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3814