المسألة الكوردية في سوريا بين العنف والحل الديمقراطي (الآذار الدامي)
التاريخ: الخميس 27 اذار 2008
الموضوع: اخبار



د. إسماعيل حصاف 

     باتت المسالة الكوردية تشكل في عصرنا ، من اهم القضايا القومية في العالم والتي تنتظر حلا جذريا ونهائيا ، وترجع هذه الأهمية على الأقل برأينا إلى سببين رئيسيين ، أولهما ، عمر المسألة الكوردية نفسها التي خلال سنين معدودات قادمة تكمل قرن كامل ، أي منذ سقوط الدولة العثمانية الرجعية العاتية ، وبالتالي فالقضية الكوردية قضية مزمنة ، وتركها بهذا الشكل ودون حل يحولها إلى عامل مهدد للأمن والإستقرار في المنطقة وللمصالح الدولية ولمستقبل الأجيال القادمة لجميع الشعوب ، والمسؤولية تقع حصرا على كاهل الحكومات المقسمة لكوردستان مادام مفتاح الحل والربط بيدها.


  أما السبب الآخر ، كعامل له دورمؤثر في تحويل القضية الكوردية من مسألة داخلية إلى دولية هو إرهاب الدولة المنظم  ضد الشعب الكوردي (ضرب حلبجة بالأسلحة الكيماوية ، عمليات الأنفال والقبور الجماعية ، التعريب المنظم ضد الكورد في كوردستان سوريا والعراق ، إختطاف زعيم حزب العمال الكوردستاني عبدالله أوجلان ، أحداث قامشلو عام 2004 ، إختطاف وقتل الشيخ الخزنوي...إلخ)، هذا الإرهاب الذي أخذ طابعا جماعيا تصاعديا للدول المقسمة لكوردستان في السنوات الأخيرة ، لاسيما بعد قيام النظام الفيدرالى في كوردستان العراق وتحرير جزء من كوردستان من يد الدكتاتورية.
فقد شهدت مناطق كورستانية مختلفة سلسلة أحداث مؤلمة مؤخرا جراء إرهاب الدولة المنظم بدءا من الحرب التركية والقصف الإيراني وإنتهاءا بالنوروز الدامي في قامشلو وفي وان وكفر Gever ضد الشعب الكوردي التواق الى الحريةوتكريس العدالة والمساواة بين شعوب المنطقة من كورد وعرب وفرس وترك ، ليعيشوا جميعا جنبا إلى جنب في أمن وسلام وإنهاء حالة الغبن ضد الشعب الكوردي ووضع حدا أمام إنتهاك حقوقه القومية المشروعة وفي عقر داره ، فالكورد من أعرق شعوب المنطقة كسكان أصلاء لأرضهم ، حيث يعود تاريخه إلى أكثر من خمسة آلاف عام في توارث حضاري مستمر ، وكان هناك حكام ولايزالون هناك آخرون  ، يحكمون وهم بالأساس من أصول كوردية .
لقد كان نوروز قامشلو هذا العام داميا (الذي سيدخل التاريخ بإسم النوروز الدامي) ، جراء فتح أجهزة السلطات الحاكمة فوهات نيرانها ليلة 20 آذار على الشبان الكورد المحتفلون  ببهجة عيد نوروز - العيد القومي للشعب الكوردي وراس السنة الكوردية ، المحتفل به منذ آلاف السنين ، حيث إستشهد الشبان الثلاثة: محمد محمود حسين ومحمد زكي عبدالله  ومحمد يحيى خليل وجرح خمسة آخرين ، وهكذا الحال أيضا بالنسبة لكوردستان الشمالية . محولة بذلك بهجة العيد إلى مأتم ،  ،وإختفت اصوات الموسيقا والطرب تحت أزيز الرصاصات الحية التي وجهت إلى الحشد الجماهيري ، قاتلة البسمة على شفاه الأطفال ، وطويت البراعم الربيعية الآذارية المنفتحة للتو رؤوسها حزنا وإستنكارا على مافعلته أصحاب العقول الدوغماتية والشوفينية المجردة من كل سمات الأخلاق الإنسانية والقيم البشرية ببمارساتهم البربرية الهوجاء ضد شبان لايحملون في أياديهم سوى كتبا وزهورا ومشاعل نارية مضياء رمز الحياة والتجديد عند الكورد ، وهم يهتفون بالأخوة والمساواة والحرية والوئام .
لقد كتبت إبان إنتفاضة قامشلو 12 آذار 2004 ، بأن هذه الإنتفاضة قد دفعت بالمسألة الكوردية نحو الأمام خمسـون عاما ، لأنها أخرجت القضية الكوردية في كوردسـتان سوريا من دائرتها المغـلقة المفروضة عليها عنوة بالترهيب والتعتيم الإعلامي ، إلى كل قرية وبلدة في سوريا من أقصاها إلى أقصاها ، وسمع بها من كان يجهلها فعلا أو يتجاهلها قصدا ، بحقيقة وجود المسألة الكوردية في البلاد وعلى أن هذا البلد ليس فقط للعرب بل وللكورد وغيرهم من الأقليات والطوائف الدينية . وأكثر من هذا فقد أخرجت إنتفاضة قامشـلو وبإمتياز قضية الشعب الكوردي القومية المشروعة إلى خارج الحدود الدولية لتتحول إلى مادة للمناقشة في المؤتمرات والمحافل السياسية في كثير من عواصم الدول ومراكزها الدراساتية والإستراتيجية ومنظمات حقوق الإنسان .
واليوم ومجددا وبقتل هؤلاء الشبان الثلاثة البررة وهم في ريعان شبابهم ومع بداية الربيع  الجميل ، عندما يتحاشى المرء الدوس على نملة لتتمتع بربيعها بعد أن  فاقت من ثباتها من غيبوبة شتاء طويل ، أقدمت يد الإجرام على إطلاق الرصاص الحي عليهم ووضع نهاية لحياتهم في حشد مسالم بالحي الغربي أطراف هلالية ، لا لشئ سوى أنهم  كوردا كانوا يعبرون عن فرحتهم بالسنة الكوردية الجديدة ، كشعب تاريخي عريق له خصوصيته القومية ، وبالتالي قتلوا بذلك ومعهم  آمال وطموحات  أهاليهم وآبائهم الذين طالما أوصلوهم  إلى هذا المستوى من الحياة والدراسة وفي ظروف حياتية وسياسية معقدة وبعروق جبينهم .
إن هذا العمل الهمجي اللا أخلاقي الذي يتنافى مع روح العصر ومبادئ حقوق الإنسان وفي عصر لم يعد هناك مكان لإختفاء الحقائق ، قد أضافوا بجريمتهم النكراء هذه دماء الشهداء الجدد – شـهداء آذار الدامي في قامشلو إلى دماء الشهداء السابقين ، وجعلت منها وقودا جديدة نحو تدويل المسألة الكوردية في سوريا وتفعيل الأطر السياسية للعمل من أجل الضغط على النظام لحل القضية الكوردية حلا ديمقراطيا عادلا ونهائيا والإعتراف الدستوري بالشعب الكوردي كثاني أكبر قومية في البلاد ومنحها الحقوق القومية المشروعة في إطار الدولة السورية .
ولابد من القول ، بأن الدولة التي تدخل في وظيفتها حماية المواطن ، تتحمل المسؤولية الكاملة عن ماحدث ، لأنها لو قامت في عام 2004 بمحاسبة المسؤولين عن قتل وجرح العشرات وعلى رأسهم محافظ الحسكة آنذاك سليم كبول وغيره من المتورطين في الإجرام ، لما تكررت اللوحة الآن مجددا وبنفس الأسلوب ، لذلك فالدولة مطالبة بفتح تحقيق فوري  ومحاسبة الفاعلين وتقديمهم إلى محكمة شفافة لينالوا جزائهم العادل ودفع التعويضات لأهالي الشهداء ، وإلا فإن الدولة تصبح شريكا لما جرى .
أن المسألة الكوردية في سوريا لاتحل بالعنف ، بل بالحوار الديمقراطي البناء القائم على اساس الإعتراف المتبادل ، وهذا ما أثبتته تجارب الشعوب في العالم في الهند وكوبا وفيتنام وأفريقيا والجزائروكوردستان الجنوبية وغيرها ، ومن هذا المنطلق جاء إستنكار رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود بارزانـي لهذه الجريمة البشعة التي تطاولت شبانا كورد قتلوا لكورديتهم ، ودعوته الصريحة والجريئة للرئيس السوري السيد د. بشار الأسد للتدخل في الأمر شخصيا وفتح باب التحقيق ومحاسبة المذنبين والعمل من أجل وضع حد لمثل هذه الإنتهاكات الخطيرة ، والسيد بارزاني إنما يتمتع بحكمة كبيرة وله باع طويل في التجارب النضالية ضد الأنظمة الدكتاتورية وآخرها نظام صدام البائد، إذ فشلت  آلة الدولة وفي كل العهود و بكل ترسانتها العسكرية وأجهزتها الأمنية وأساليبها القمعية ومؤسساتها القوية وإرهاب الدولة وإستخدام الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا ومنها الكيماوية من إسكات صوت الحق الكوردي وهاهو يرأس اليوم إقليما فدراليا موحدا مع شريكه القسم العربي في العراق ، مادا يد الصداقة وحسن الجوار مع كافة شعوب المنطقة على أساس المساواة والإعتراف المتبادل، هذا الإقليم المستقرــ إقليم كوردسـتان ، يحتضن اليوم المئات المئات من الأسر العربية من كافة مناطق العراق التي تعمل في كافة المجالات ومنها في  جامعات ومدارس ومعاهد ومستشفيات كوردستان بكل حرية ، بينما إنتهت مصير الدكتاتوريات إلى غير رجعة .  وكم يكون امرا منطقيا وتاريخيا لو أصغى الرئيس السوري إلى طلب رئيس إقليم كوردستان ، لاسيما وأن جملة من الأزمات بدأت تظهر حول سوريا وكان للكورد دوما مواقف وطنية وتاريخية وهم شركاء في هذا البلد أرض آبائهم وأجدادهم سقوها بدمائهم الطاهرة .
هناك دولا كثيرة ذي التعددية القومية ، تعيش حياتها بهدؤ لأنها حلت المسالة القومية لديها ، الدول تتقوى بوحداتها الداخلية. الحركة الكوردية في سورية بدأت تشق طريقها نحو نيل حقوقها ، هذه الحقوق التي ستتححق عاجلا أم آجلا ، ويبقى للتاريخ مواقفه ، وللكورد كلمتهم .
وأخيرا وليس آخرا، أن القضية الكوردية في سوريا قضية وطنية ولها بعد دولي منذ أن ألحقت قسم من كوردستان العثمانية بالفرنسيين ، وأن حلها تكمن في الإعتراف الدستوري بالشعب الكوردي ومنحه الحقوق القومية في إطار سوريا الموحدة ، وإلا لن يعم الأمن والإستقرار في البلاد ، ناهيك عن أنها قد تستغل من قبل أطراف خارجية .  






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3587