بيان في الذكرى التأسيسية الأولى للتيار المستقبل الكردي في سوريا
التاريخ: السبت 27 ايار 2006
الموضوع:


تمر في التاسع والعشرون من هذا الشهر الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة وتأسيس تيار المستقبل الكوردي في سوريا كمشروع نهضوي , ثقافي وسياسي , يستنهض الطاقات الشبابية الكوردية ويعيد تأطيرها وتفعيل دورها المجتمعي ,


بعد أن بعثر الوعي الحزبي شرائح المجتمع الكوردي وابعد الكثير من تلك الطاقات عن المساهمة في الدفاع عن وجودها القومي والإنساني على حد سواء , وذلك عبر العمل على تأسيس فكر الاختلاف وثقافة قبول المختلف والتعايش معه , وهو الفكر والثقافة التي ترفض الواحدية وتجسد التعدد بكل تنوعاته , في قطع معرفي , ثقافي وسياسي , مع التقاليد القروية التي زرعها القمع السلطوي وشكلت بيئة خصبة لانتعاش فكر حزبي يتحدد بحدود الحزب ولا يستطيع تخطيه , مما شكل هوة كبيرة بين الأداة والهدف الذي من اجله وجدت تلك الأداة , ناهيك عن تقمص سلوكية وممارسة نظام البعث الطوارئي وسحبها على المجتمع الكوردي , وخاصة فيما يتعلق بثقافة الخنوع والتسويف وتسويغ اللافعل , والأخطر من هذا وذاك الفصل بين المسالة القومية الكوردية وبين مسالة الديمقراطية في سوريا , على الرغم من احتواء برامج الجميع على فقرات مطولة عن الديمقراطية وملحقاتها , لكن الممارسة تعكس تقوقعا مناطقيا وهروبا من استحقاقات نضالية , تحت ذريعة واهية تشوه الوعي القومي وتبعده عن مرتكزات بناءه الديمقراطية .

أننا بعد عام من التأسيس نجدد رؤيتنا وقراءتنا الموضوعية والواقعية للراهن الكوردي وما يعتريه من بعثرة في الخطاب السياسي وفقر سياسي في المضمون , وابتعاد حزبي عن تحديد الهدف القومي المجسد لتاريخنا كجزء كوردستاني  , وما يترتب على ذلك من تأسيس نظري وتفعيل عملي , وعلى أرضية الوعي بالوجود القومي , ثقافيا وسياسيا وجغرافيا ,  يتوافق وينسجم مع دولة الكل الاجتماعي التي نسعى إلى إيجادها وبناءها في سوريا بالتعاون مع مجمل الطيف الديمقراطي السوري .
بعد عام نجدد قناعتنا بمجمل توافقاتنا السياسية التي نعمل تحت سقفها , والتي يعبر عنها برنامجنا وبلاغنا الختامي السابق , في أن الديمقراطية هي هدف مركزي يحقق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص , وهي كنظام سياسي مبني على الحريات العامة والفردية ومجموع المبادئ والقيم والحقوق , تشكل الحرية والمساواة وسيادة الشعب وتداول السلطة جوهرها , يتحقق في ظلها بناء دولة حق وقانون , دولة مدنية , تقر بالتعددية السياسية والتنوع القومي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي , تكون لكل السوريين على أرضية الحق والواجب , وينتفي فيها مجمل السياسات العنصرية المطبقة على الشعب الكوردي والتي استهدفت وجوده وكينونته , وبما يضمن ذاك الوجود دستوريا وشريكا كامل التشارك في الوطن الواحد .
كما ونعيد التأكيد بأننا حالة وطنية معارضة للاستبداد , نعمل بكل الوسائل السلمية والديمقراطية على إنهاء احتكار حزب البعث للدولة والثروة والمجتمع , والانتقال بسوريا من دولة أمنية إلى دولة مدنية , تكون ركيزتها بعقد اجتماعي جديد يعيد للمواطن حريته وكرامته التي سلبها الاستبداد , ويضمن للشعب الكوردي الحق في الوجود والحرية .
في الذكرى السنوية لانطلاقة تيار المستقبل الكوردي , نحيي الأستاذ خليل حسين , العضو القيادي المؤسس ورئيس مكتب العلاقات العامة , الذي أبى العقل الأمني الرسمي إلا أن يضعه داخل سجن صغير , سبق وان قضى فيه أكثر من اثنا عشر عاما , فحملة الاعتقالات الأخيرة والتي كانت ممنهجة الهدف , تعبيرا عن عمق المأزق السياسي الذي يعيشه النظام الأمني , في تخبط واختلال في الرؤية والسلوك , حيث المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية باتت تفترض تغييرا ديمقراطيا , يؤسس لدولة مدنية , تعاقدية وتداولية , ينهي الاستبداد ويخرج سوريا كشعب ووطن من حافة الهاوية التي وضعها النظام فيه .
أن سياسة السلطة السورية حيال مختلف قضايا الوطن الداخلية والإقليمية وعلاقاته الدولية , تنبع من عقلية الحزب الواحد , العقلية الاصطفائية , الأمنية وغير السياسية , التي تنظر وتتعامل مع الوطن ومصيره من بوابة ديمومة سيطرتها الواحدية بناظم ومرتكز عقلية المالك الخاص , ولا قيمة لوطن ومواطن وحرية وحياة , ولعل حملة الاعتقالات الأخيرة في صفوف نشطاء الشأن العام تجسيدا لحالة هدر الإنسان وامتهان كرامته , كنتاج للاستبداد وعصبياته , وانعكاس لسلسلة تحالفات السلطة الإقليمية في مواجهة حالة العزلة الدولية والشعبية .
 
أننا إذ ندين الاعتقال الكيفي والعنفي , ونعتبره نتاج طبيعي للفكر والعقل الأمني , نطالب كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية والرأي العام العربي والإسلامي والدولي بضرورة الضغط على السلطة الشمولية , ومساعدة الشعب السوري في سعيه للتغيير الديمقراطي , السلمي والمدني , ومن جهة أخرى نحيي المعتقلين السياسيين والذين يتزايدون يوما بعد أخر , بدءا من عارف دليلة ورياض ضرار وكمال لبواني ومحمد غانم وحبيب صالح وعلي عبد الله وولديه , وميشيل كيلو وفاتح جاموس وخليل حسين وسليمان الشمر وكمال شيخو وغالب عامر وأنور البني ومحمود عيسى ومحمود مرعي ونضال درويش وصفوان طيفور والمئات غيرهم ممن غيبهم السجن عربا وأكراد , فالحرية حق تصونه كل الأعراف والمواثيق الدولية التي وقعت عليها سوريا وغيرها من دول الاستبداد الشرقي .
 
إن ما يواجه شعبنا الكوردي من تحديات مصيرية يستوجب حراكا واليات مختلفة في بنيتها واليات عملها , تختلف عن العمل الحزبي الكلاسيكي الذي يقول ما لا يفعل , ويكتب ما لا يؤمن به , ونعتقد بان معيارية التوجه والسلوك , هي المعيارية الوطنية , ذات الأفقية المجتمعية , وليس التراتيبية الامتيازية , وبالتالي فما يطرح من مشاريع سياسية للتغيير الديمقراطي في سوريا , لا زال يفتقد إلى حامله المجتمعي , رؤية ,  واليات للتغيير المنشود , على الصعيد السوري العام , والى ملامسة الوجود القومي الكوردي بكل جرأة وشفافية على صعيد الاعتراف بمكونات وتعددية المجتمع السوري القومية والاثنية .
فالنظام السوري يعيد ترتيب أوراقه في لبنان والعراق وفلسطين ويجدد تحالفه مع إيران , ولكن هذه المرة من موقع الضعف والاستقواء , كما ويصم آذانه عن متطلبات الداخل السوري , بل يعمد وكعادته إلى ديمومة كم الأفواه وتغييب المجتمع وقمع حراكه السياسي والثقافي , وفي مواجهة ذلك , لا زال إعلان دمشق غير قادر على الخروج من محنة إعلانه , وجبهة الخلاص تبحث عن موطىء قدم في الداخل , والمحور الثالث يلملم أطرافه , ولكن الجميع لم يشكل حتى الآن قوة أو حاضنة تستطيع تجميع طاقات الشعب السوري المبعثرة , وتوظفها بالشكل السلمي والديمقراطي .
 
وفي هذا السياق لا زالت الحركة الكوردية تدور حول نفسها , غير قادرة على الخروج من شرنقة الحزبي إلى فضاء الوطن والشعب , فالتحالف والجبهة الكورديين , بات لهما رؤية مشتركة ابتعدت قدر امكانها عن ملامسة طبيعة النظام وإمكانية العمل على تغييره , مثلما تغاضت عن الوجود القومي الكوردي كأرض وشعب , بمعنى لا جغرافيا سياسية لديها , مثلما غابت آليات التطبيق والعمل , وقد تكون الرؤية المشتركة جاءت على خلفية الإحساس بالغبن الذي ألحقته قوى التحالف والجبهة بالشعب الكوردي جراء التوقيع على إعلان دمشق , وهو الإعلان الذي حول الكورد إلى جزء عضوي من الأمة العربية , وجعلهم مجرد أقلية لغوية مهاجرة , وحتى على صعيد الأطراف خارج هذين الإطارين لا زال العقل الحزبي يعاني الانعزالية والتقوقع والارتباك وغير قادر على قبول الاختلاف وقوانينه , رغم أن مصلحة الشعب الكوردي تفترض خطابا سياسيا ومطلبا قوميا موحدا .
وبالتوازي مع الحراك الشعبي السوري الداخلي , هناك حراكا خارج الوطن , تحاول فيه القوى السياسية تجميع طاقاتها والاستفادة من مجمل تبدلات الوضع الدولي , رغم انه لا زال هو الأخر يعاني من العديد من سلبيات التفكك وعقلية النفي والفردية , وبغض النظر نعتقد بأننا نشكل في تيار المستقبل جزء من المعارضة السورية الديمقراطية , السلمية والمدنية والتي لم تعد تراهن سوى على حاجة الشعب السوري وقدرته على التغيير الديمقراطي , وفي هذا السياق أيضا نرحب بأي لقاء أو مؤتمر يعقد في الخارج , على أرضية تكامل حلقات المعارضة وعدم الفصل بين داخل وخارج , طالما كانت المعيارية تنبع من استقلالية القرار السياسي ومصلحة الشعب السوري .
كما أننا نرحب بأي مؤتمرات تعقد من اجل المسالة الكوردية في سوريا , ولملمة صفوف حركتها , على أرضية أن قضية شعبنا ليست قضية داخلية , وإنما إقليمية ودولية , وفي هذا الصدد نجد بان أي إطار أو فعل نضالي سياسي , يستند إلى نواة الداخل ويكمله الخارج وليس العكس .
 
أننا في تيار المستقبل الكوردي , نعتبر بان إيجاد مرجعية وطنية كوردية , تتمازج وتتفاعل فيها الرؤى السياسية , حالة صحية , لكن هذه المرجعية وأهميتها تأتي من تواجدها في الداخل وبمشاركة شخصيات العمل الوطني الكوردي في الخارج , إذ أننا لا نحبذ تكرار تجارب كوردية سبق وان اتبعت نفس الأسلوب ,  لكنها لم تستطع الاستمرارية ولا حتى امتلاك القرار  السياسي .
أن قناعتنا بالفعل الميداني , ينطلق من تأسيسنا النظري له , بل ويستند إلى فهمنا السياسي لبديهيات العمل المدني وضرورة تصعيده ليتوافق مع ما قدمه الشعب الكوردي في سوريا من تضحيات وعلى مر تاريخه , وخاصة انتفاضة آذار وما خلفته من تغير في الفكر والفعل السياسي الشعبي , ولعله من المفيد التذكير بأننا سنكون شركاء فاعلين في أي فعل شعبي , يواجه القمع السلطوي , أو أي تأبين لأي من شهداء شعبنا الكوردي , وبالتالي فإننا نعتبر إحياء الذكرى السنوية الأولى للشيخ الشهيد معشوق الخزنوي , ضرورة وواجب , مع التأكيد على ضرورة الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق محايدة , دولية وسورية , لكشف ملابسات اغتياله .
أننا وبعد عام من التأسيس وفي خضم أحداث متلاحقة , اثبت تيارنا بأنه قادر على أن يكون حاضنة لمجمل الأفكار والرؤى الثقافية والسياسية , وتعدد القراءات في داخل التيار اكسبه الحركة والديناميكية الداخلية المطلوبة ليكون بوتقة تجمع التصورات وتناقشها بشفافية , وذلك رغم ارتكابنا للعديد من الأخطاء بحكم قلة الخبرة أحيانا , وبحكم حركية الأحداث وتغير الوقائع المتسارع أحيانا أخرى , لكننا نعتقد بان البوصلة السياسية كانت متواجدة وبرؤى معرفية , ترتكز على الفكر النهضوي والحداثي الذي بني على أساسه التيار .
أننا إذ نطوي السنة الأولى من عمر التيار نجدد العزم على النهوض بالوعي الثقافي والسياسي لشعبنا الكوردي , وصولا إلى مستوى الوعي الجماعي , القومي , غير المتحزب وغير المؤدلج , وإنما الوعي الإنساني , المستند إلى احترام الإنسان في وجوده وحياته وحقوقه .
 
21-5-2006
 
مكتب العلاقات العامة
تيار المستقبل الكوردي في سوريا






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=351