الكورد وعراقية الموصل
التاريخ: الأحد 09 اذار 2008
الموضوع: اخبار



  كفاح محمود كريم
    
     قبل ما يقارب المائة عام كانت الموصل ولاية من ثلاث ولايات في مابين النهرين وحتى رأس الخليج، بعد البصرة وبغداد، تتبع الدولة العثمانية المترامية الأطراف، وكانت ولاية الموصل آنذاك عاصمة كوردستان الجنوبية وتضم محافظات كركوك واربيل والسليمانية إضافة الى الموصل وتوابعها بحدودها الى ما قبل قيام الجمهورية العراقية واستحواذ البعث والشوفينيين على السلطة بعد انقلابهم المشبوه والمدفوع الاجر (حسب ما صرح به احد قيادييهم في ستينات القرن الماضي)* في 8 شباط 1963م، وحتى سقوط نموذجهم البدائي في 9 نيسان 2003م، وبمدنها من سنجار على الحدود السورية والى بدرة وجسان على الحدود الإيرانية.


    وحينما انهارت تلك الدولة المتخلفة التي أسستها إحدى عشائر المغول معتمدة الإسلام وسيلة لسيطرتها وانتشارها في مشارق الأرض ومغاربها، تقاسم الخبثاء من البريطانيين والفرنسيين أنذاك ارث تلك الدولة التي أعلن وفاتها بعد ولادتها القيصرية لدولة في آسيا الصغرى سميت فيما بعد بجمهورية تركيا، والتي استمرت بالمطالبة بولاية الموصل بعد انكفائها الى ما وراء الحدود شمالي العراق الحالي.

   احتل البريطانيون مركز ولاية الموصل عام 1918 م واستمرت تركيا تطالب بضمها الى أراضيها في ما عرف بمشكلة الموصل حتى تم رفعها الى عصبة الأمم والتي أرسلت بدورها لجنة تحقيق دولية بتاريخ 27 كانون الثاني 1925م حيث بدأت بمشاوراتها واستقصائها للحقائق الديموغرافية وآراء الناس الساكنين فيها.
   ولقد أكدت معظم المراجع بأن الكورد هم الذين حسموا انتماء الموصل وعراقيتها من خلال أصواتهم التي كانت تقارب الثلثين من التركيب السكاني للموصل مركزا وإقليما ولا يتسع المجال هنا لأيراد احصائيات اللجان العراقية والتركية والبريطانية وعصبة الامم المكلفة باحصاء سكان المدينة حسب اعراقهم وقومياتهم والتي أكدت جميعها اكثرية الكورد في المدينة، وبذلك منحوا الموصل هويتها العراقية واصالتها الكوردستانية، ولعل ما قاله خير الدين ألعمري كشاهد عيان عاصر وعاش تلك الإحداث بدقائقها وتفاصيلها، حيث يقول في معرض حديثه عن مشكلة الموصل:"1"
(كان المرحوم فيصل والإنكليز والحكومة العراقية قد مهدوا طريق النجاح لحل المشكلة لصالح العراق "وقد سطر الصفحة الذهبية في هذا الاستفتاء أبناء الشمال الأكراد، فقد انضم الأكراد وفاز العراق.)                   
    وعن موقف عرب الموصل كتب ألعمري يقول:"2"
    ( كان بعض العرب يتهربون من مواجهة اللجنة، محافظين لخط الرجعة فيما لو عاد الأتراك الى هذه البلاد..)
   ويضيف ألعمري قائلاً:
    ( وقد تهافت بعض عرب الموصل على تقبيل أيادي جواد باشا الممثل التركي، وهتف آخرون بحياة مصطفى كمال (أتاتورك)،  ولولا الشغب الذي أحدثه بعض المخلصين تخويفاً للباشا الموما إليه ليمتنع عن الخروج والتجول في المدينة لتوالت المخازي.)         
    وكتب رئيس لجنة التحقيق الدولية( فيرسن ) يقول:"3"
(انه عندما اخذ جواد باشا بالتجول في الموصل، خرجت فوراً مظاهرات مؤيدة للأتراك وسلم المتظاهرون على جواد باشا (ممثل تركيا) وقبل عدداً منهم يديه، فتدخلت الشرطة وضربت المتظاهرين.)
  في هذا المختصر المفيد لتركيبة الموصل ودور الكورد في تبعيتها الى دولة العراق التي تأسست مطلع القرن الماضي أفضل رد لأولئك الذين يزايدون على الآخرين في وطنيتهم وانتماءاتهم، ويجردون الموصل من هويتها العراقية الكوردستانية بكوردها وعربها وكلدانها وكافة أديانها ومذاهبها، ويحرضون الناس على الكراهية والعنف بادعاءاتهم العنصرية والإرهابية والتي يدعون فيها إن نسبة الكورد في الموصل لا تتجاوز أكثر من ثلاثة بالمئة تارة وعشرة بالمئة تارة اخرى، وان الايزيديين عربا أو إنهم قومية مستقلة في سابقة هي الأولى من نوعها لتصنيع قوميات على اسس دينية ومذهبية لا علاقة لها بعرق الانسان وقوميته كما يفعل تجار السياسة هذه الايام في تصنيع قوميات واعراق على هواهم ومصالحهم حسبما تعلموه في مدرسة البعث ، حيث أدت هذه الادعاءات والتحريضات على تهجير الكورد وتقتيلهم في عمليات اغتيال واختطاف وعمليات ابادة جماعية لمعتنقي الديانتين الايزيدية والمسيحية ومن اتباع المذهب الشيعي في مدينة الموصل وأطرافها.
   إن ما حدث وما يجري الآن ومنذ سقوط النظام العنصري من عمليات واسعة لتصفية الكورد والكلدان ومعتنقي المسيحية والايزيدية والكورد الشيعة من عشائر الشبك وغيرهم إنما جاء تنفيذا وتطبيقا لتلك التحريضات التي يوجهها أعضاء في مجلس النواب العراقي مستغلين حصانتهم البرلمانية وامتيازاتهم الاعلامية في اشاعة الكراهية والتحريض على القتل والتهجير من خلال وسائل اعلام لا يهمها الا تأجيج الاوضاع في العراق وإدامة الفوضى واللاقانون، اضافة الى كثير من المسؤولين في دولة يفترض إنها قامت على أنقاض دولة عنصرية بائسة أدت الى تدمير العراق وتشتيته وتهجير ما يقارب من ربع سكانه في الداخل والخارج.  
   إن الكورد والكلدان والتركمان بمن فيهم المسلمون السنة والشيعة والمسيحيون والايزيديون في الموصل أرقاما ليست سهلة كما يدعي أولئك الذين خسروا بسقوط نظام السلب والنهب والإقصاء والتهميش ما استحوذوا عليه من عقارات وأملاك وأراض في سياسة التعريب التي استخدمها النظام السابق في الموصل وأطرافها.
   إنهم من أهم مكونات الموصل مركزا وأطرافا، وهم ما زالوا ذلك الرقم الذي جعل الموصل عراقية بدلا من أن تكون ولاية تركية، وهم أنفسهم الذين كان لهم شرف امتلاك العراق لأرقى دستور منذ تأسيسه وحتى اليوم.
  إن الموصل وعلاقتها بأقليم كوردستان لا يمكن أن تحددها تصريحات غير مسؤولة لأناس ساهموا مع النظام السابق في الاستيلاء على عشرات الالاف من الدونمات في مخمور والشيخان وبعشيقة ومناطق اخرى في سياسة التعريب سيئة الصيت. ولا يمكن لهم او لغيرهم تمزيق نسيج العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الموصل وبقية اجزاء كوردستان من دهوك الى اربيل مرورا بعقرة والشيخان وسنجار وبقية المدن والبلدات التي تشكل الرئتين الاساسيتين لعملية التنفس لمدينة الموصل اقتصاديا واجتماعيا.
  إن أي محاولة لقطع الموصل عن اقليم كوردستان هي محاولة اغتيال وخنق المدينة اقتصاديا وتجاريا واجتماعيا. واذا كان البعض يرفض الهوية الكوردية للموصل تاريخيا وجغرافيا على خلفية نتائج التعريب عبر عشرات السنين، فهي ايضا لا يمكن ان تكون بهوية عربية خالصة لسبب بسيط هو هذا التنوع في تركيبتها السكانية والعرقية والدينية. وهي بالتالي مدينة مختلطة من مجموعة من القوميات والاديان والمذاهب والاعراق ترتبط تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا باقليم كوردستان اكثر من ارتباطها بأي اقليم اخر في العراق.   
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والهوامش
 * التصريح الشهير لــ علي صالح السعدي امين سر قيادتهم القطرية في كيفية وصولهم السلطة بقطار امريكي وأموال خليجية؟
(1) ينظر نص التقرير في جريدة الموصل، العدد (944) في 7شباط 1925 علماً أن التقرير أكد على عروبة الموصل، وهذه المسألة هي مثار نقاش وتحتاج الى دراسة تاريخية علمية وموضوعية.
(2) للتفاصيل ينظر مؤلفه المخطوط: مقدمات ونتائج، جـ2 ص257-259
(3) للتفاصيل ينظر: ي.أف فيرسن "ذكريات من الحرب والسلم" في جرجيس فتح الله، يقظة الكرد، تاريخ سياسي 1900-1925. (اربيل، 2002) ص323-381.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3476