الوضع الداخلي يزداد احتقانا!!
التاريخ: الأثنين 11 شباط 2008
الموضوع: اخبار



  افتتاحية جريدة آزادي
بقلم: رئيس التحرير

لاشك أن سلسلة الأزمات المتتالية القائمة في بلدنا هي النتاج الطبيعي لعقلية الاستبداد المبنية على خدمة الذات الشخصية أو الحزبية أو السلطوية أو الأمنية أو لجميعها معا، ولحساب مصالح الجماهير ، وابتغاء حماية وديمومة النظام هذا يتم توسيع دائرة احتكار السلطة والثروة ونشر الوعي المعرفي المتناسب معه في سياق منظومة ثقافية تؤسس وتفعّل لذات الاتجاه ، ولذلك كانت الأزمات عامة وشاملة لمختلف مجالات الحياة ، وتزداد وتيرتها شدة كلما ازدادت الضغوط الدولية عليه أو ازداد الحراك السياسي باتجاه الاستنهاض التغييري ، وتزداد هذه الأزمات استفحالا في الآونة الأخيرة وتتجلى مظاهرها في عموم مجالات الحياة اليومية ، ولعل أبرزها تظهر في الجوانب التالية :


سياسياً: لا تزال السياسة القمعية المبنية على حالة الهيمنة والتسلط مستمرة ، تلك التي تكتنف المادة 8 من الدستور والتي تشرعن لحزب البعث الحاكم قيادة الدولة والمجتمع  ، وقوننة الانتخابات العامة على مقاس تلك الحالة، و سريان الأحكام العرفية وقانون الطوارئ وعموم القوانين والمحاكم الاستثنائية الهادفة إلى كمْ الأفواه ومنع الحريات العامة ، كحرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية التعبير والنشر ، والزج بأصحاب الرأي والموقف السياسي المخالف في غياهب السجون والزنازين، بدل الاستماع إليها أو التحاور معها، وآخر هذه الممارسات القمعية حملة الاستجوابات والاعتقالات التي طالت العشرات من قادة وشخصيات إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي ليلة 9/12 /2007 – من عرب وكرد وسريان- على خلفية انعقاد المجلس الوطني في 1/12 / 2007  وتم الإبقاء على مجموعة منهم : الدكتورة فداء الحوراني ، الدكتور ياسر العيتي ، الدكتور وليد البني ، الدكتور أحمد طعمة ، الأستاذ علي العبد الله ، الأستاذ أكرم البني ، الأستاذ جبر الشوفي . الأستاذ فايز سارة ، والأستاذ محمد حجي درويش والأستاذ مروان العش كما تم في الأيام القليلة الماضية اعتقال الأستاذ رياض سيف رئيس أمانة إعلان دمشق أيضا وبنفس الخلفية المذكورة ، والمعلومات المترشحة تفيد بتهم ملفقة قد وجهت إلى بعضهم من قبيل العلاقة مع الخارج، وهن نفسية الأمة وتأسيس جمعية بهدف قلب كيان الدولة , ناهيك عن تهمة نشر أفكار ذات طابع عنصري ، أو غيرها من التهم الباطلة التي لا تحمل سوى الذريعة للتنكيل بهم .. كما أن السياسة الشوفينية والممارسات العنصرية حيال الشعب الكردي قائمة ، سواء باستمرار القوانين والإجراءات الاستثنائية مثل قانون الإحصاء ومشروع الحزام العربي وسياسة التعريب ، أو باستمرار سياسة التجاهل والحرمان من ابسط الحقوق القومية والديمقراطية ..
إعلامياً: غياب قانون عصري ينظم الإعلام والصحافة ، أو على الأقل يضفي عليه مسحا من الاستقلالية للنقد أو بيان الرأي المخالف ، لذلك يبقى الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في إطار من الرتابة والجمود ، ولا يتجاوز الشكل الواحد سواء في نقل الخبر أو شرحه أو تحليله فهو لا يتعدى نشر الوعي الناشف والثقافة  الجافة من النوع الشعاراتي الخطابي والجمل الثورية الماضوية الخالية من النقد ، والمليئة بالمدح والتعظيم للمسؤولين ، والذم والقدح للآخر ، ورمي اللائمة والمسؤولية في تخلف البلد عن ركب التطور والتقدم على من تسميهم معادين في الداخل والخارج أفرادا أو مجموعات أو بلدان ..
ورغم التعدد الشكلي للدوريات الرسمية والجبهوية فهي لا تتعدى الوجه الواحد والنمط الكلاسيكي المماثل ، فهل يمكن مثلاً الإشارة إلى أي تمايز؟ في المضامين السياسية للصحف اليومية ( ثورة ، تشرين ، البعث ) إلا في صفحات التسلية ، حيث يبقى الإعلام عموماً في سوريا بعيداً عن هموم الجماهير ومعاناتها ، فقط موجه لترسيخ ثقافة الاستبداد وطبيعته ليس إلا..
اجتماعياً: يتعرض الوضع الاجتماعي لمضاعفات حادة نتيجة تقاطع العديد من الاحتقانات ، منها الاختلال الحاد في السياسة السعرية والأجرية ضد مصالح الجماهير الواسعة التي تفتقر إلى القدرة الشرائية لتزايد البطالة  وضيق فرص العمل ، بسبب ندرة المعامل والمصانع ، وتزايد سيطرة الرأسمال الخدمي غير المنتج ، وغياب التشجيع الأمثل للاستثمارات اللازمة ، وتزايد المحسوبية والقيمة النقدية للوظيفة عند توفر بعض فرص العمل في الدولة ،  ويلاحظ معها الانتشار الواسع للجريمة بأشكالها المختلفة نتيجة الأزمات المتداخلة والمركبة ، وتفشي السرقة واللصوصية ، وتزايد الفساد الإداري في أجهزة الدولة لتزداد معها الرشوة والاختلاس بمساندة وتشجيع من الجهات الأمنية أو السلطوية لدرجة قيل فيها : (ما من مرتش أو مختلس أو سارق إلا وله ظهير سلطوي يحميه و يحاصصه ) ..
تعليمياً: تفشي ظاهرة التدني الخطير لمستوى التعليم في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي نتيجة اعتياد معظم المدرسين والمعلمين على القصور والاهمال في أداء واجبهم التدريسي خلال ساعات الدوام في المدارس الرسمية وخصوصا في المحافظات النائية كمحافظة الحسكة وأريافها،  أو انصراف معظم هؤلاء المدرسين إلى الدورات التعليمية على حساب الشرح والتوضيح في أوقات دوامهم ، الأمر الذي يجبر الطلاب في كل سنة دراستهم ولاسيما الثانوية الأخيرة على الإقبال القسري على هذه الدورات ولكافة المواد تقريبا وعبر المعاهد الخاصة بهذه الدورات أو في المنازل والبيوت وبأسعار خيالية يتقاضاها المدرسون علاوة على رواتبهم من الطلاب أو أوليائهم ، بمعنى لا مبالاة المدرس في عمله إثناء الدوام وغياب الرقابة والمحاسبة الجادة يجعل الطالب يضطر إلى حضور الدورات الخاصة تلك أو إلى ترك الدراسة نهائيا بالنسبة لأبناء الفقراء وذوي الدخل المحدود ..
من جانب آخر ، ورغم اتساع المجال للتعليم الجامعي العام والخاص في البلاد ، إلا أن محافظات مثل الحسكة والرقة وغيرها ما تزال تفتقر إلى الاهتمام بهذا الجانب خصوصا إذا قارنا بلدنا مع بعض الدول المجاورة حيث في كل محافظة جامعة مستقلة بكل فروعها وكلياتها مثال ( العراق )، كما أن هناك معوقات أخرى هامة تقف حائلة دون إمكانية شرائح واسعة من الطلبة لمواصلة تحصيلهم العلمي ، منها مثلا تزايد أعباء ونفقات الانتقال والإقامة من محافظة إلى أخرى وخصوصا النائية منها ، وعدم توفر السكن الطلابي إلا لنسب المحسوبية ، كما أن فرض معدلات القبول العالية – مع الاستثناءات والمحسوبيات للمظليين وأبناء المسؤولين الكبار- في المعاهد والجامعات لدرجة لا تسمح بانتساب الطالب إلى الفرع الذي يرغب إليه بشكل فعلي مما يضطر إلى الدراسة في الجامعات الخاصة ( مفتوح ، موازي ، افتراضي ، وغيرها ) من الجامعات المحدثة ، الأمر يحرم شرائح واسعة منها و يثقل كاهل شرائح أخرى بالنفقات الباهظة ، في حين أن الدراسة عند بعض دول الجوار موضع الاهتمام والتشجيع  المتزايدين ، حيث يتقاضى الطالب عبر مراحل دراسته راتبا شهريا يغطي كل نفقات تحصيله العلمي، مثال ذلك دولتي تركيا والعراق المتجاورتين لبلدنا ..
صناعياً : رغم وفرة الموارد الاقتصادية اللازمة من زراعات صناعية ومعادن وبترول ، ورغم وفرة اليد العاملة الرخيصة ، يبقى بلدنا متخلفا جداً في مجال الصناعة والتعدين وذلك قياسا بعمر البلد ومقارنة مع بعض الدول المماثلة ، حيث يفتقر حتى الآن إلى المقومات الأساسية لقيام الصناعات الضرورية ، باستثناء بعض الصناعات الخفيفة كالزيوت النباتية وتجفيف الثمار وتعليبها وصناعة العلكة والصابون والمعكرونة وغيرها .. ومن الإنصاف ذكر البدء بنتاج شركات لصناعات تركيبية للحاجات المنزلية ، كما تم التعاون مؤخرا مع بعض شركات تركيب لقطع سيارات ومحركات، وهي بالأساس غير سورية ..
أما المعادن ولاسيما البترول فلا زال يعتمد في التنقيب والاستثمار الشركات الأجنبية الأمريكية والأوربية ..ورغم توفر المخزون الاحتياطي ورغم كفاية الناتج الاستثماري لتغطية احتياجات البلد ومجالات استهلاكه ، يبقى البلد في عجز دائم للغاز والمازوت وأحيانا للبنزين رغم ارتفاع سعره ، ويخشى من ارتفاع أسعار الوقود الأخرى في الأيام القليلة القادمة ، حيث الاختناقات المتزايدة وتقاطر الناس أمام محطات الوقود في عز الشتاء القارص للحصول على ما يكفي لوقايتهم من البرودة المتواصلة هذه السنة .
زراعياً : من المفارقة الحضارية أن بلدنا وبعد أكثر من ستين سنة على الاستقلال يصنف في مرحلة تداخل تشكيلتي الرعي و الزراعة ، بمعنى أن بلدنا مازال زراعيا بشقيه الحيواني والنباتي ، ومع ذلك لا يلق الاهتمام اللازم من لدن السلطات والمسؤولين بهذا الجانب الهام من حيث التطوير والتحديث والرعاية اللازمة للتشجيع والتقدم ، اسوة ببعض الدول المجاورة – تركيا- مثلا حيث تقدم القروض النقدية من دون فوائد ، والاحتياجات العينية(الأسمدة والبذار) مجانا للمزارعين والمنتجين وتعمل باستمرار على ارتفاع أسعار منتجاتهم سواء بشكل مباشر أو عبر التجار والوسطاء ..
أما الذي يحصل في بلدنا فلا يحمل وجه المقارنة سواء من جهة الأسعار أو من جانب المساعدة ، بل ربما العكس أحيانا حيث تشتري الدولة المحصول من المنتجين بأسعار متدنية وتبيع لهم البذار والأسمدة بأسعار مرتفعة جدا ، إضافة إلى الارتفاع المستمر لأسعار الوقود والمحروقات مما يزيد من الأعباء والتكاليف ، ومن الطريف أن المخزون من القمح والدقيق لا يغطي حاجة المخابز لأكثر من 111 يوم ( هذا ما نشرته وسائل الإعلام الرسمية في سوريا) مما يعني التهديد بالمجاعة ، هذا إضافة إلى القيود الأخرى المجحفة التي تحد من نشاط ورغبة المزارعين ، فقانون العلاقات الزراعية الجديد يميل لصالح الملاكين وأحدث فتنة بين المالكين وفلاحي وضع اليد في العديد من مناطق محافظة الحسكة ، كما أن الملكية الزراعية نادرة في هذه المحافظة ومعاملات البيع والشراء في هذا المجال تقتضي موافقة الجهات السلطوية وأحيانا كل الأجهزة الأمنية بالإضافة إلى وزارة الدفاع بدعوى أن هذه المحافظة حدودية (والواقع لأنها ذات غالبية كردية) ، هذا فضلا عن التعليمات والقرارات التي تحد من مساحة القطن وتفرض زراعات أخرى ، وتمنع زراعة الأشجار المثمرة لمساحات واسعة إسوة بالمحافظات الأخرى ، حيث خصوبة التربة تساعد على زراعة أنواع من الثمار والفواكه (عدا الحمضيات ) ..
خاتمة : إن مجمل الأزمات المفتعلة تلك الشاملة لكافة مجالات الحياة ، والاحتقانات التي تتراكم عبر الزمن وتشتد مع الأيام وعند المنعطفات، وبشكل خاص عند تزامن التحرك السياسي للمجتمع الدولي مع الحراك السياسي الوطني في الداخل، ليضفي على الواقع العملي زخما آخر باتجاه تفاعل وتضافر جهود كافة الشرائح والأطياف الوطنية المتضررة ، لتتصدى للمهام والمسؤوليات المستجدة التي تساهم في سرعة إعداد ودفع آليات وعمل التغيير إلى الأمام من لدن القوى  والأطياف تلك ، بغية التنسيق من أجل توفير مستلزمات بناء دولة الحق والقانون على أسس من العدل والديمقراطية ، ليتساوى الجميع في الحقوق والواجبات وليعمل الجميع من أجل توفير عوامل التنمية الاقتصادية والتقدم العلمي كنقلة نوعية بكل مجالات الحياة في بلدنا سوريا على طريق مواكبة ركب الحضارة والتقدم والتطوير ..
------
* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (394) شباط 2008م

لقراءة مواد العدد انقر هنا






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3357