قضايا الخلاف في المعارضة السورية - 3 -
التاريخ: الأثنين 04 شباط 2008
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

في مساهمة سابقة على حلقتين وتحت العنوان ذاته طرحت رؤيتي حول جملة من المسائل الخلافية في صفوف ماهي متعارف عليها مجازا وبتحفظ بالمعارضة التي مازالت في طور الاكتمال من أطياف وتيارات وأشخاص وحاولت فيها الاشارة الى مجموعة من المسائل السياسية الأساسية مثار الاختلاف والتجاذب والتي تدخل في صلب المشروع الوطني ومنها : (تعريف سوريا الوطن والشعب والتعددية القومية والدينية والمذهبية والاستحقاقات والاعتراف بالحقوق والتزامات دستورية وقانونية وتباينات حول أساليب التغيير ووسائله السلمية منها والجماهيرية أو الدعم الخارجي وتباينات بشأن قراءة المشهد السياسي واصطفاف القوى على الصعيدين الاقليمي (فلسطين – لبنان – العراق – ايران – تركيا – الوضع العربي عموما) والدولي


أما التعارضات حول القضية الكردية وحقوق القوميات والأثنيات فحدث ولاحرج وتنعكس ظلال هذه الفجوة على برامج أطياف المعارضة السورية بكل ثقلها ولا ننسى هنا الخلافات المتفاقمة حول دور وجدوى جماعات الاسلام السياسي في العمل المعارض على ضوء التجارب العملية من حولنا حيث تقف غالبيتها مع تيار الممانعة في عرقلة عملية التغيير الديموقراطي الى جانب محور طهران – دمشق) وفندت على ضوء تجربة الحركة الوطنية السورية مزاعم البعض من المحسوبين على- خندق - المعارضة في اتهامها بالسلبية والتطرف والموقف المسبق في معاداة النظام ورفض الحوار معه وأوضحت أن الأخير هو من يتعامل مع جماعات المعارضة من منظور أمني وبوسائل القمع والترهيب وليس بمخاطبة سياسية ولا يعترف بوجودها كطرف وطني حريص على حاضر البلاد ومستقبلها وبشخصيتها المستقلة بل كجماعات خارجة على القانون ومتهمة بالتعاون مع الأجنبي وبالتالي يضرب عرض الحائط بأبسط القواعد الديموقراطية في قبول الرأي المخالف أو السماح باجراء الانتخابات النزيهة والرضوخ لنتائج الارادة الشعبية وهو المسؤول أولا وأخرا عن تعطيل الحوار والتواصل الايجابي ليس بينه وبين المعارضة فحسب بل في المجتمع السوري برمته أفقيا وعموديا ...). نهجان متمايزان داخل صفوف المعارضة
من الحقائق الموضوعية الثابتة التي لاتحتاج الى برهان افتقارنا جميعا في سورية من قوى سياسية في السلطة وخارجها ومثقفين واعلاميين وبصورة متفاوتة الى الحدود الدنيا من ثقافة وتقاليد العمل الديموقراطي ولم تشهد بلادنا منذ نهاية خمسينات القرن الماضي أية ممارسة فعلية تذكرللحياة السياسية السليمة المستندة الى آليات منظمة معروفة بالتراث البشري في المنافسة السلمية بين المعارضة والحكم وتداول السلطة والمحاسبة والشفافية وأي أداء ثقافي ابداعي حر لتنوير الأجيال جراء طغيان الفكر الشمولي الأحادي المحصن بالأحكام العرفية وقانون الطوارىء والسياج الأمني وسيطرته على مقاليد السلطة بكل السبل بما فيها غير الشرعية عبر قوة الانقلابات العسكرية والخطاب الآيديولوجي الهائج وحرق المراحل بصورة قسرية الذي انعكس سوءا على النمو الطبيعي للطبقات الاجتماعية وأصول التعاملات في مابينها وكوارث على الاقتصاد الوطني والدخل القومي وتوزيع الثروات وتمزيقا على نسيج المكونات السورية باتجاه شيوع عدم الثقة والاقصاء وتعميق الصراعات الهامشية المصطنعة وتشويها على الفكر السياسي ليس لدى الفئات الحاكمة فحسب بل على نخب ورموز الأحزاب وهيئات المجتمع المدني السوري التي رفعت منذ ظهورها شعارات التغيير والاصلاح وحقوق الانسان ومطالب لتحسين أحوال الطبقات والفئات المظلومة والمضطهدة وقدمت غالبيتها من أجل ذلك التضحيات الجسام أيضا.
     في اللحظة الراهنة وأمام تسلط نظام الاستبداد الغني عن التعريف بنية ومظهرا تقف غالبية الشعب السوري في موقع المتضرر والرافض للوضع القائم وتتنكب مجموعات من نخبه السياسية والثقافية المتنوعة مهام التصدي محاولة منها في تبني الأهداف الشعبية والاستجابة لطموحاتها وارادتها عبر المعارضة السياسية المتكاملتين في الداخل والخارج في سياق المشروع الوطني العام الذي لم يتبلور بعد في صيغته النهائية الجامعة واذا ما أردنا الخروج من العموميات ووضعنا المكابرة الفارغة جانبا علينا تشخيص الحقائق كما هي بما تتعلق بعوامل التناقض والافتراق التي تسكن وتنخر جسم المعارضة الوطنية السورية وتفعل فعلها كل ساعة بحيث تضعها أمام مفترق دروب الفرز التاريخي بين نهجين مختلفين الى درجة التعارض لم يعد بالامكان التستر على تمايزاتهما أو الحؤول دون تفجر التناقضات بين رؤيتيهما حول جملة من القضايا المصيرية الأساسية ومنها :
  أولا - تتنازع مجموعات وأطر المعارضة الراهنة توجهان وعقليتان أحدهما شمولي قومي وديني رغم المغادرة التنظيمية للمدرسة الشمولية الأم أو ادعاء التخلص من الموروث القديم بممارسة النقد الذاتي الخجول أو الاعلان عن اعادة النظر في برامج عفى عليها الزمن وتجاوزتها الأجيال – كما زعمت حركة الاخوان المسلمين - وآخر توجه جاد ديموقراطي ليبرالي عقلاني ونزيه صادق مع نفسه ومع الآخرين يجد نفسه في صدام سياسي فكري ثقافي متواصل مع عقلية التفرد العاملة في الظلام والنابذة للعمل الجماعي ونزعة الحق الالهي الغير قابل للنقاش مع نهج معتاد على فرض المواقف واستغلال الآخر بألف وسيلة ووسيلة بما فيها الملتوية في مقاربة واضحة مع سلوكيات نظام الاستبداد المطلوب الخلاص منه أساسا ومن الواضح أن نجد بين النهجين أفرادا يمارسون النفاق المزدوج لأسباب ذاتية خاصة بهم وهم لايشكلون على أي حال فريقا يحسب له الحساب. 
  ثانيا – في زمن بعثرة القوى وتهاوي الآيديولوجيا الشمولية الحاكمة منذ توقف الحرب الباردة ودوام حالة عدم الاستقرار لدى ما بقيت من القوى القومية والشيوعية والاسلامية المنهكة جراء أزمات خانقة متفاقمة لم تشهد لها مثيلا وصعوبات تواجه عملية التغيير الديموقراطي في عدد من بلدان الشرق الأوسط المرشحة للانطلاق ومنها لبنان وفلسطين وسورية وايران بعد انجاز خطوات هامة في افغانستان والعراق وفي ظل التردي الحاصل في الموقف العربي وتعقيدات القضية الفلسطينية بسبب التعنت الاسرائيلي وعدوانيته التي فاقت كل حدود وانقلاب حركة حماس على الشرعية وتمدد المشروع الايراني القومي – المذهبي على أكثر من صعيد وبدعم سوري رسمي ومساندة مجموعات الارهاب الظلامية نقول في البيئة هذه وضمن بعض حركات المعارضة الوطنية انعكس التقارب المصلحي الآني بين أصوليي تيارات الاسلام السياسي وبقايا حركات قومية سلبا على سمعة أطراف من المعارضة الوليدة بما لذلك الحلف المصلحي أو بعض مكوناته بعبارة أدق من ماض قريب مازال ماثلا في العقول والأذهان وبما يحمل من رؤا وتوجهات تثير النفور والرهبة لدى قطاعات واسعة من السوريين وبخاصة من الأجيال العربية المتوسطة والشابة ومن القوميات غير العربية والأديان غير المسلمة والمذاهب غير السنية التي تشكل مجتمعة النواة الصلبة الرئيسية في أي تغيير مستقبلي في بلادنا بالاضافة الى كون الوليد المشار اليه كعنوان غير مقبول البتة على الصعيدين الاقليمي والدولي وسيعمق من حرمان المعارضة السورية من دعم واسناد المتعاطفين مع الشعب السوري والمناوئين لنظام الاستبداد على المديين المنظور والمتوسط حسب تجربتنا العملية في العامين الأخيرين فالبديل المنشود للاستبداد يجب وبالضرورة ان يكون نقيضه لا اعادة انتاج له بصور وأشكال أخرى أو ليس ظلما لقضيتنا أمام الحالة هذه أن نرهن مصير شعبنا الى مغامرة معروفة العواقب.
  ثالثا – أي متتبع لتطورات المنطقة والعالم في العقدين الأخيرين من جهة التحولات العميقة الحاصلة في بلدان أوروبية وآسيوية وافريقية متعددة المكونات التي تحولت  بؤرا للتوترات والصراعات والحروب وساحات لاقتراف جرائم الابادة العنصرية ذات الطابع القومي والأثني وحتى الديني والمذهبي في ظل الأنظمة الشمولية التي تستمد سلطتها من الأغلبية العددية ذات اللون الواحد من السكان سيلحظ مدى أهمية مبدأ – الديموقراطية التوافقية – الحديث في حل الاشكالات وتحقيق السلم الأهلي والتقدم الاجتماعي والذي أفرزته معطيات مرحلة ما بعد الحرب الباردة كابداع أنتجه العقل البشري في نهاية القرن المنصرم المتميز باحترام حقوق الانسان والشعوب ونشدان الديموقراطية وتعزيز بنية ودور المجتمعات المدنية والتخفيف من المركزية الصارمة والتسلط باسم الأغلبية وافساح المجال للمشاركة الشاملة والعادلة من جانب مختلف المكونات الاجتماعية في البناء والسلطة والتنعم بالثروة الوطنية على قدم المساواة وترك الخيار لكل مكون لتقرير مصيره في الاطار الوطني الموحد دون اكراه وفي هذا المجال وفي بلادنا المتعددة القوميات والأديان والمذاهب والتي شهدت ومازالت مظالم وانتهاكات وممارسات عنصرية بحق فئات وطنية من سكانها الأصليين مثل الكرد مازالت أوساط المعارضة السورية وخاصة من الغالبية العربية وتحديدا من تياري الاسلام السياسي والقومي تتجاهل ذلك المبدأ ولا تأخذ من بعضه الا محرجا في أوقات نادرة  لافي البناء التنظيمي الداخلي ولا في البرنامج السياسي ولا في مشروع الدستور الجديد ولا في مواقف السياسة اليومية.
  رابعا – لسنا هنا بصدد الاحاطة بجماعات المعارضة كلها فبعضها وعلى نفس منوال النظام يدار من – القائد – الواحد والرأي الواحد بل من المفيد تقييم تجربة كل من جبهة الخلاص الوطني واعلان دمشق المبنيين من أكثر من مكون وطيف منذ بداية نشوئهما والمتوقفان الآن أمام مفترق طرق بعد انكشاف أوجه الأزمة من خلال الاجتماعات واللقاءات وظهورها للعلن لاعادة النظروتحديد الموقف من قضايا الخلاف المطروحة والمتعلقة كما ذكرنا بالنهج الفكري والموقف السياسي والآلية التنظيمية وسيقرر الخيار الحاسم مصيرهما ومستقبلهما السياسي ودورهما في مشروع العمل الوطني الديموقراطي واذا كان من المبكر الآن تناول تجربة جبهة الخلاص فمن المفيد جدا قراءة ما حدث مؤخرا للاعلان بعمق على ضوء اجتماعاته الأخيرة والاعتقالات التي طالت عددا من أركان التيار الليبرالي الديموقراطي الجذري الذي كان في صراع سياسي حاد مع المحور القومي – الاسلامي بشأن انتقال الاعلان من الموقف الضبابي المتردد الذي لم يتجاوز سقف الشعارات الاصلاحية نحو طرح البديل الديموقراطي على أنقاض الاستبداد الجاثم والموقف من مجمل القضايا الاقليمية والدولية التي مررنا على ذكرها أعلاه وفي الحلقتين السابقتين وما حملة الاعتقالات المسعورة ضد أعضاء تيار بعينه الا فزعة للتيار المهادن ومساهمة مباشرة من أوساط النظام في منع تطوير اعلان دمشق الى جبهة معارضة حقيقية تعيد الحراك الى الشارع السياسي والجماهيري وتخطو نحو تعزيز علاقات التنسيق والتواصل بين مختلف التيارات الجذرية في جميع أطر وجماعات المعارضة السورية في الداخل والخارج لتكون مؤهلة من بعد ذلك في التمثيل الشرعي لارادة السوريين عموما.
      ان قضايا الخلاف التي فجرت اعلان دمشق وكان النظام طرفا رئيسيا محرضا منحازا في كل تفاصيلها هي نفسها القضايا التي تواجه بقية أطياف المعارضة وأن أشد مايقلق أوساط النظام كما ثبت بالبرهان هو تقدم وتوسع صفوف عدوه اللدود وبديله المرشح وأعني التيار الديموقراطي الليبرالي الجذري في جميع أماكن تواجد الجماعات المعارضة والتنسيق بين مؤيديه للقدرة على تحقيق برنامجه السياسي بالوسائل الديموقراطية الذي يعبر عن مصالح الغالبية الساحقة من شعبنا ويحظى بقبول ومباركة كل الأصدقاء والمتعاطفين مع قضايانا العادلة فهل نحن أمام اختبارقوة هذا التيار في الصف المعارض ليعيد بناء نفسه في اصطفاف تنظيمي وسياسي جديد ؟.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3340