بياندور: الوسام الوطني الكردي
التاريخ: الأحد 27 كانون الثاني 2008
الموضوع: اخبار



خالد عيسى

ملحمة بياندور وسام معلق في قلب كل عسكري كردي في الجيش والقوات المسلحة السورية. و القلب الكردي المحصن  بمثل هذا الوسام لا تخرقه طعنات مهندسي المآمرات على الوطن, ومشجعي الفتن بين السوريين. ومن ينكر وجود الكرد وحقوقهم, ويشكك بدون وجه حق في وطنية أبناء وأحفاد الثوار, فهو(مهما حمل من النياشين و الألقاب) مجرد من أي شعور وطني, ولا يخدم إلا القوى المعادية لسورية والسوريين.


في الوقت الذي يتعرض الشعب الكردي لمختلف أنواع الاضطهاد, وتطبق بحقه مختلف أنواع السياسات العنصرية والاستقصائية من قبل الأوساط الشوفينية المتنفذة في مراكز القرار في كل من سورية و إيران وتركية, يستوجب تذكير أبناء شعوب المنطقة بأن الشعب الكردي هو من الشعوب الأصيلة في هذه المنطقة, وأن هذا الشعب قد شارك شعوب هذه المنطقة بإخلاص في صد الغزاة ومقاومتهم , وأن  لهذا الشعب الحق في الحياة والحرية والتمتع بخيرات هذه البلاد إلى جانب شركائهم الآخرين.
وبينما يتعرض الشعب الكردي في سورية إلى التشكيك في وجوده ووطنيه أبنائه من قبل البعض من أبناء جيل الهزيمة( كما يصفهم رئيس الوزراء السوري السابق بشير عظمة), أو من قبل بعض أصحاب الأوسمة من خبراء التآمر وأعمدة الفتن وأبطال الفساد, رأينا ضرورة لإعادة قراءة صفحة من صفحات المقاومة الوطنية الكردية في منطقة الجزيرة, وذلك عبر عرض موجز لملحمة بياندور الشهيرة, على ضوء الوثائق العسكرية الفرنسية.
فبعد سقوط ميسلون, واندحار ثوار جبل العلويين بقيادة الشيخ صالح العلي, وبعد تفوق الفرنسيين على ثوار جبل الزاوية بقيادة الكردي إبراهيم  هنانو, وبعد تغلب القوات الكمالية على القوات الفرنسية في كيليكية, استطاعت السلطات الفرنسية أن تجد من العرب من يتعامل معها. فشكلت لهم في عام 1923 أربعة دول, دولة جبل الدروز, ودولة دمشق, ودولة حلب, ودولة جبل العلويين, وشكلت لواءاً ذات حكم ذاتي في اسكندر ون. أمّا أكراد الجزيرة, فقد استمروا في المقاومة, بل اشتدت المقاومة في ذلك العام رغم  عدم تلقيهم أي دعم من المناطق السورية الأخرى. وكانت ملحمة بياندور (بيهاندور) من أشهر المعارك  التي خاضها الكرد ضد القوات الفرنسية على أرض الجزيرة.
يقول جان بيريز, عن معركة بياندور, في مجلة تاريخ الجيوش العدد 233 لعام 2003 : 
" كانت هذه المحنة من الأهمية القصوى، الأكثر وجعاً مما  تعرضت لها وحدات الهجانة في المشرق"
                   فبعد أن كرست معاهدة لوزان الانتداب الفرنسي على سورية, كان الجيش الفرنسي في عام 1923 قد سيطر على أغلبية الأراضي التي كانت قد أسندت اليها بموجب تلك المعاهدة, باستثناء كيليكية التي فقدتها بالسلاح, وباستثناء الجزيرة التي كانت قد صدت عدة محاولات احتلال وخاصة منذ عام 1921.
وفي أيارعام 1923 تم تكليف  العقيد بيگو دوگراندروبت باحتلال المنطقة المسماة بمنقار البطة, أي القسم الشمالي الشرقي من الجزيرة, حتى يصل إلى نهر دجلة. ولم يكن ذلك ممكناً بدون إخضاع عشائر الجزيرة.
ففي البدء حاول بيگو دوگراندروبت تحقيق مهمته بالاتفاق مع السلطات التركية. و
كان أبرز قائد تركي ذي نفوذ في المنطقة الحدودية هو النقيب إسماعيل حقي الذي كان يتخذ من نصيبين مقراً له ، فرفض هذا الأخير التعاون مع العقيد الفرنسي، و اعترض على مرور الوحدات العسكرية الفرنسية في المناطق التي تتواجد فيها الوحدات التابعة له. و ذلك لأن السلطات التركية لازالت تحاول إعادة السيطرة على الجزيرة, بعد أن كانت قد طردت منها, وكانت قد قبلت بانسحابها في الاتفاقات الدولية.
أمام الرفض التركي، فضّل العقيد الفرنسي التوجه إلى جزيرة بوطان على ضفاف دجلة ، التي تبعد عن نصيبين حوالي 150 كم, وذلك عبر المناطق البعيدة عن نفوذ انتشار الوحدات التركية، لتجنب الاصطدام معها .
لكن سرعان ما اصطدمت القوات الفرنسية بمقاومة كردية جدّية,، فتخلى العقيد الفرنسي عن مشروع  الزحف على دجلة(مؤقتا)، وقرر التراجع عند قرية دمر قابي، و العودة إلى دير الزور مقر السرية الثانية للهجانة، توقف في حزيران في قرية بياندور (بيهاندور) التي كانت قد رقيت إداريا إلى قائممقامية، و ما أن غادرها مع قواته، هجم الأكراد على بياندور و قتلوا قائم مقامها و سيطروا عليها.
أمر العقيد بيگو دوگراندروبت  فصيلة الهجانة بقيادة الملازم كاريير، وفصيلة الهجانة بقيادة الملازم روبرتو، وضابطاً من المخابرات، و أمرهم بترك السرية و التمركز على التلة المشرفة على القرية، لمؤازرة الثلاثين من الجند رمة المتمركزين هناك. وقد تم تعيين الملازم روبرتو آمراً عاماً للقوات المتمركزة في بياندور و التلة المطلة عليها.
عادت القوات المتبقية مع العقيد بيگو دوگراندروبت إلى دير الزور. ولكنه ترك في الحسجة (الحسكة) ما تبقى معه من عناصر السرية الثانية للهجانة، بالإضافة إلى الفصيلة السابعة عشر من لواء الأجانب.
كانت المواجهات بين القوات الفرنسية و المقاومين الأكراد مستمرة في شهر تموز من عام 1923 . و كان الملازم روبرتو يلاحق العشائر الكردية المسلحة، و قد استطاع في التاسع من تموز إلقاء القبض على بعض الأكراد المسلحين.
لم تتوقف قوات العشائر الكردية من مهاجمة القوات الفرنسية . فتكررت هذه الهجمات، وخاصة تلك التي قادها حاجو آغا، في الثامن عشر، وفي العشرين، وفي الواحد و العشرين, و في السادس و العشرين من شهر تموز.
تم تعزيز القوات الفرنسية بفصيلة أخرى من الهجانة, وكان يقودها الملازم موريل. عندها قرر الضباط الفرنسيون الزحف على بقية أنحاء الجزيرة الشمالية الشرقية، وتحقيق مشروع الوصول إلى جزيرة بوطان و إخضاع المنطقة حتى نهر دجلة.
فتقررت  الحملة بقوات مؤلفة من فصيلة كارير، وفصيلة روبرتو، و الملازم ريگارد، ووحدة الرشاش التابعة للمساعد گوهون، بالاضافة الى مجموعة من الجندرمة.
بقيت فصيلة موريل في بياندور مع وحدة الرشاش المساعد لياندري و حوالي عشرين جندرما، أي بقي في بياندور حوالي ثمانين مسلحاً مع بندقيته رشاشه، ووحدة رشاشة. 
 في الثامن و العشرين من شهر تموز عام 1923، ، عندما ابتعدت قوات روبرتو عن بياندور، استطاع حاجو آغا تشكيل قوة قوامها حوالي ألف مسلح كردي, وفي المساء,  قامت هذه القوة بتطويق القوات الفرنسية المتمركزة في بياندور. ومنذ بداية المعركة، استطاع الأكراد تدمير الوحدة الرشاشة التابعة للمساعد لياندري، و تم القضاء على كافة عناصر هذه الوحدة بين قتل و جريح.
وفي التاسع و العشرين من شهر تموز بدأت الهجمات الكردية تشتد على موقع بياندور. وكان الأكراد يسيطرون على آبار المياه. فحاول الفرنسيون خرق الحصار مرتين للحصول على المياه، و تمت اشتباكات عنيفة مع المقاتلين الكرد، لكنهم لم يحصلوا إلاّ على مقدار قليل من الماء, وتم قتل أربعة عناصر من القوات الفرنسية.
و في مساء التاسع و العشرين ، اضطر الملازم موريل الانسحاب من بياندور و الالتجاء إلى تل نسور على بعد ثمانية كيلوميترات  إلى الجنوب من بياندور. وكان ذلك بغية الحصول على المياه و الحماية لدى عشيرة شمر الصديقة للفرنسيين (هكذا تقول الوثائق الفرنسية).
عندما دخل ما نجا من الفرنسيين في حماية الشيخ مشعل باشا الشمري، كان قد وقع في صفوف  الفرنسيين  تسعة قتلى و أربعة عشر جريحا من بينهم الملازم موريل بالإضافة إلى مفقود واحد.
وهكذا كان الكرد يدافعون عن أرضهم, ولم يتمكن الفرنسيون من السيطرة الكاملة على أراضي الجزيرة الاّ بعد حوالي عشرة سنوات من احتلالهم لدمشق وحلب وبقية أنحاء سورية الحبيبة. و في جبل الأكراد تجددت المقاومة الكردية ضد الترك شمالاً, والفرنسيين في علم 1930, واستمرت حتى الحرب العالمية الثانية.
إن لم نقل بأن الأكراد هم أكثر وطنية من غيرهم, فالتاريخ يثبت بأنهم لم يكونوا وليسوا أقل من غيرهم   وطنية. فليقبل الجميع بأن كل مكونات الشعب السوري شركاء على قدم المساواة على أرض الوطن.
وهذه هي ليست المرة الأولى التي نكتب عن بياندور, وسنعود إليها مراراً, لما تتميز بها ملحمة بياندور من أهمية, كمحطة في التاريخ العسكري والسياسي للدولة السورية.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3310