مؤتمر بروكسل بين التضخيم والتقزيم
التاريخ: الأربعاء 24 ايار 2006
الموضوع: اخبار


بقلم: خالد عيسى 

رغم السياسات العنصرية والقمعية والاقصائية فقد بقي الشعب الكردي في سورية متمسكاَ بهويته القومية الكردية بقدر تمسكه بالوحدة الوطنية السورية. و عبّر الشعب عن ذلك بمختلف الوسائل, جماهيرياَ وحزبياَ, وحسب الإمكانيات والظروف الذاتية والموضوعية في كل مرحلة. 
و في الثاني عشر من آذار عام 2004 برهنت الجماهير الكردية بأنها مستعدة للدفاع عن وجودها وهويتها ولو اقتضى الأمر بذل الدماء. ولأول مرة في تاريخ الشعب الكردي في سورية, هبت الجماهير الكردية في كل المناطق الكردية, وفي كل أماكن تواجدهم, هبت تضامناَ مع قامشلو البطلة التي انتفضت دفاعاَ عن هويتها الكردية. وكان لهذا الحدث تداعيات هامة جداَ على كل الأصعدة. 



فشدة إجراءات القمع الحكومية, وشمولية المقاومة الكردية, والعدد الكبير من الشهداء والجرحى والمعتقلين, والخسائر المالية الجسيمة التي لحقت بالأكراد,أعطت نتائج هامة من وجهة النظر التاريخية والسياسية. 
فبعد الثاني عشر من آذار انهار جدار الرعب, وانتعشت الأطر الحزبية بفضل هذه السابقة التاريخية التي سمحت لها إمكانية إعادة تقييم قدراتها النضالية. إذ كانت المرة الأولى منذ عام 1945 تلجأ فيها السلطات العربية المركزية إلى القوى الكردية طالبة منها التعاون في حل نزاع دموي. واستعادت النخبة ثقتها بنفسها وبالجماهير الكردية المعطاة. 
واستفاق بعض من المثقفين الذين كانوا يخدمون في تنظيمات عربية معطرة بالأممية, و آخرون من المحبطين أو الراقدين في سبات, وعادوا إلى مواقعهم الكردية الطبيعية, ومن هنا جاء مصطلح أكراد الثاني عشر من آذار الذي يردده البعض  
لقد لعب الإعلام وبشكل خاص الإعلام الكردي دوراَ بارزاَ في إبراز الحجم التاريخي للتطورات التي سبقت ورافقت ولحقت بالثاني عشر من آذار. ولعبت الرموز الوطنية الكردية في خارج الوطن دور الرافعة الإعلامية في بلاد تواجدهم, ولكل منهم في التاريخ مكانه ودوره سواء كان من أكراد الثاني عشر أم كان من أكراد الحادي عشر من آذار. 
فالكردي النشيط المتواجد في الدول الأجنبية وخاصة في أمريكا و أوربة, لديه إمكانيات كبيرة من أجل نقل صورة عن أوضاع شعبه وآماله إلى الرأي العام في هذه الدول والى حكوماتها التي قد تستطيع التأثير في موازين القوى (ومعادلات الصراع على المصالح). وكل النشاطات السياسية التي تتم في الخارج يفترض أنها تقوم لشرح واقع الشعب الكردي في سورية, وفضح السياسات المطبقة بحقه, ومساندة المؤسسات السياسية والإنسانية الكردية الناشطة في الداخل. وهذا لا يتعارض مع حقيقة أنه يوجد لدى الناشط السياسي طموح شخصي يريد إشباعه,( قد يكون الأمل في استلام مواقع مسؤولية أو مجرد الاعتراف بخدماته الوطنية) بشرط أن لا يتعارض هذا الطموح مع الهدف الوطني العام. 
فمن ضمن النشاطات التي نظمها الناشطون الكرد في أمريكا هو مقابلة نظمها السيد شيركو عباس بين بعض من موظفي الخارجية الأمريكية ووفد كردي مصغر. وعلى حد علمنا المتواضع, السيد شيركو عباس هو كردي مقيم في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة, والوضع الكردستاني والكردي السوري بعد 12 آذار, والموقف الأمريكي من السلطة العربية في سورية , كل هذه الظروف شجعته وساعدته للاتصال ببعض موظفي الخارجية الأمريكية لتنظيم اللقاء المذكور مع ناشطين وحزبيين كرد. وصرح السيد شيركو عباس للصحافة بأنه هو الذي كان يترأس الوفد الكردي إلى الخارجية الأمريكية. 
وبعد هذا اللقاء بادر السيد شيركو عباس , وبتشجيع كردي إلى الدعوة إلى مؤتمر كردي في  واشنطن. وانعقد هذا المؤتمر في الثالث عشر من آذار في إحدى قاعات مجلس الشيوخ في واشنطن. حسب قول أحد المشاركين, لم يحضر المؤتمر أي ممثل رسمي للإدارة الأمريكية, ومع ذلك تم الحديث عن المؤتمر, الذي ترأسه الداعي له, وكأنه منظم من قبل أمريكا لدعم الشعب الكردي. 
شارك, على قدر علمنا, ناطقون باسم جميع الأحزاب الكردية في مؤتمر واشنطن, فضلاَ عن شخصيات معروفة مثل السيد صلاح بدر الدين. و في نهاية المؤتمر تم نشر وثيقة تتضمن النقاط الأساسية التي تم الاتفاق عليها من قبل المؤتمرين, ومن ضمنها تمت الدعوة إلى عقد مؤتمر لاحق في بروكسل لتأسيس مجلس وطني (برلمان) 
وبالفعل منذ الأسبوع الأول من نيسان تم تحديد موعد المؤتمر المقرر عقده في بروكسل. تريثت أغلبية التنظيمات والشخصيات الكردية في إعلان موقفها إلى الأسبوع الأول من أيار الجاري. فتبين بأن أغلب المشاركين في مؤتمر واشنطن لن يحضر مؤتمر بروكسل. كما أن الكثير من الشخصيات واللجان التي كانت مكلفة بالتحضير لبروكسل تراجعت عن دعمها لمبادرة شيركو عباس ومؤيديه في بروكسل. كان هذا هو موقف لجنة باريس وممثل أكراد هولندا في اللجنة التحضيرية, والسيد صلاح بدر الدين وغيرهم.
فالبعض يفسر هذه التراجعات عن مشروع بروكسل ضمن إطار الخلافات الشخصية والبعض الآخر يفسرها على أرضية التقاطعات في السياسات الكردستانية, ويذهب آخرون إلى ابعد من ذلك فيرون في ذلك ظلاَ للخلافات الأمريكية الأوربية (الفرنسية). لكن في الحقيقة لم تكن المستلزمات الضرورية قد توفرت لهذا المشروع قبل أن يتم الإعلان عن الدعوة له. 
إذ يكمن موطن الإشكالية في كيفية تأسيس المجلس المبتغى وأطرافه ومكانه والداعي له
فالكل متفق من حيث المبدأ وبشكل نظري على ضرورة إيجاد هيئة تمثيلية كردية لإدارة الصراع من أجل الحصول على حقوق الشعب الكردي. ولكن الخلاف يبدأ عندما يبدأ الحديث عن كيفية تشكيل مثل تلك الهيئة والجهات التي يمكن لها أن تكون طرفاَ أو ممثلاَ فيها, كما أن الظروف لا تسمح بإجراء انتخابات لاختيار الأعضاء المؤسسين, فعلى أي أساس يتم قبول أو إقصاء شخص أو تجمع من هكذا هيئة. فالتعددية الكردية التي يمكن تفسيرها بسهولة ولكن يصعب تبريرها غالبا, تجعل من فكرة تأسيس مجلس وطني لأكراد سورية في الظرف الحالي ضرباَ من المحال.  
لأن مبادرة كهذه تستدعي ظروفاَ موضوعية و ذاتية تسمح لمختلف القوى الأساسية في الحركة الكردية في سورية بتنظيم آلية عمل مشترك في البداية تحافظ على هوية كل قوة, وضمن إطار هذا العمل المشترك يمكن التوصل إلى إيجاد هيئة تمثيلية تؤطر القوى الأساسية الفاعلة على الساحة السياسية. و هذه القوى هي التي تستطيع ضمانة تأسيس وعمل وتنفيذ قرارات هيئة كهذه, وهي التي تتحمل التبعات المترتبة عليها.
أما عن مكان تأسيس هيئة تمثيلية كردية, فالظروف هي التي ستفرض تحديده, سواء في الداخل أو الخارج, ولكن الموضوع عندما يطرح بشأن مؤتمر بروكسل, يجب تفسيره بشكل آخر. يجب تفسيره على أن الهيئة المنبثقة عن بروكسل, ستقيم في الخارج وبالتالي لن يكون بإمكانية مسؤولي التنظيمات الكردية المشاركة فيها بفعالية. ومن هنا مقولة رفض نقل القرار إلى خارج الوطن.
ثم أن أي نشاط, ذات طابع سياسي يقوم به كردي أو أكراد في الخارج, إن لم يكن لغاية الدفاع عن الشعب ودعم فصائل الحركة الوطنية في نضالها, يعتبر ضرباَ من اللهو والعبث اللامسؤول يستوجب المقاطعة.
ولا يوجد بين من يمارس النشاط السياسي مستقل بالمطلق. فإذا كان بعض من الناشطين سياسياَ لا يحمل بطاقة حزبية, لا يعني ذلك أنه خارج المعادلة السياسية, فنشاطاته تصب في إحدى مجاري القنوات السياسية ولها مفاعيلها السلبية أو الايجابية على أطراف الصراع. ولذلك يحق للتنظيمات السياسية تقييم النشاطات السياسية التي تتم بمبادرة الناشطين من خارج هذه التنظيمات. ويحق لهؤلاء أيضاَ تتبع نشاطات التنظيمات وتوجيه الملاحظات والانتقادات إليها بقصد تحسين أدائها السياسي. و كل النشاطات الإعلامية, وكل الاتصالات مع الدبلوماسيات الأجنبية ليس لها أي مبرر أو مشروعية إن لم تكن ضمن إطار خدمة إستراتيجية الحركة الوطنية الكردية أو بالتنسيق مع أطرافها.
وما يتوجب على الناشطين في الحقل السياسي العام الابتعاد والترفع, قدر الإمكان, عن المهاترات وحملات التجريح والتخوين, فلكل كردي مكانه و دوره في المجال الوطني.
يقول المثل الكردي إن حملت حجرة كبيرة فيعني أنك لن تضربَ بها. وهكذا حبذا لو أن السيد شيركو عباس كان قد حمّل مؤتمر بروكسل فقط ما يمكن تحميله, فكان يمكن أن يلاقي دعماَ سياسياَ أكبر و يلعب دورا أكبرَ في المجال الإعلامي لو لم يتضمن مشروع تأسيس المجلس الوطنيَ الذي لن يولد في بروكسل.
سينعقد مؤتمر بروكسل في التاريخ المحدد له, وسيلتقي عدداَ من الوطنيين الكرد لتبادل  الأخبار والآراء, وسيتناقل الإعلام نبأ هذا الحدث الكردي السوري, وسيخدم ذلك عملية فضح السياسات العنصرية والقمعية المطبقة بحق الشعب الكردي في سورية. ولكن لن تنبثق عنه تلك الهيئة التمثيلية التي من حق كل كردي أن يحلم بها كما يحلم بها اليوم السيد شيركو عباس. وكل غد لناظره قريب







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=331