التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة (يكيتي)
التاريخ: الأحد 27 كانون الثاني 2008
الموضوع: اخبار



    تعتبر جولة الرئيس الأمريكي بوش من الأحداث البارزة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، باعتبارها الأولى له، ولأنها شملت العديد من المحطات الإقليمية، وتحدّدت أهدافها بثلاث نقاط: دارت الأولى منها حول التفاهم مع الدول الخليجية المنتجة للنفط من أجل التحكم بأسعاره التي تجاوزت الـ 100 دولار للبرميل الواحد، في حين تجسّد الهدف الثاني في دعم جهود التسوية السلمية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتحقيق شعار الدولتين قبل انتهاء ولايته، أما الهدف الثالث والأهم فقد كان محاولة إنشاء حلف إقليمي لمواجهة إيران وحلفائها وتطويق تهديداتها..


وفي استعراض سريع للنتائج التي تمخضت عنها تلك الجولة، فان التعهّد الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص برفع إنتاج النفط، في دلالة على تحديد أسعاره، شكّل أحد النجاحات التي حققّتها الجولة، لكن تصريحات بوش بشأن اعتبار إسرائيل دولة خاصة باليهود أثارت المزيد من القلق حول مصير اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في دول الجوار العربي وفي الشتات، كما أن تجاهله لقضايا الحل النهائي، ومنها القدس والحدود، بدّد أجواء التفاؤل التي أحدثتها تصريحاته المعارضة لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
  أما مهمة تعبئة دول المنطقة في مواجهة إيران وتشجيعها على الانخراط في محور إقليمي، فإنها لاقت تحفظات واضحة، عبّر عنها أكثر من مسئول خليجي، لأسباب تتعلق بضعف الثقة بالتجارب الأمريكية غير الناجحة في المنطقة، خاصة بعد أن بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية بدأت تستعد لتعديل إستراتيجيتها حيال الملف الإيراني باتجاه الاحتواء، وذلك على ضوء التقرير الصادر عن 16وكالة استخباراتية أمريكية بشأن التوقف الإيراني عن برامج التسليح النووي منذ عام 2003 ، إضافة إلى مراهنتها على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة التي سوف تجري في إيران خلال شهر آذار القادم لإحداث تغييرات أساسية لمصلحة التيار الإصلاحي .. ومن هنا يمكن تفسير الموقف الأمريكي من عملية استفزاز الزوارق الإيرانية لبحريتها في مضيق هرمز، تلك العملية التي حملت رسالة إيرانية واضحة لتذكير الرئيس بوش عشية جولته الشرق أوسطية بأن هناك قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، خاصة بعد أن نجحت في توسيع دائرة نفوذها ليمتد من أفغانستان إلى موريتانيا، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومنطقة الخليج، وأثبتت قدرتها كذلك حتى على اختراق القاعدة واستخدامها في دعم مشروعها الإقليمي، خاصة في أفغانستان والعراق، .ورغم الفتور الذي قوبل به مشروع بناء التحالف العربي المعتدل في مواجهة إيران، فان صفقة السلاح التي أبرمت مع السعودية بقيمة 20مليار دولار إلى جانب مثيلاها مع كل من إسرائيل بـ 30مليار ومصر13مليار دولار، تؤسّس مستقبلاً لتطوير فكرة المشروع باتجاه التطبيق، خاصة في ظل التعقيدات التي تشهدها بؤر التوتر نتيجة احتدام الصراع بين المشروعين الإيراني المتفرع نحو سوريا وحزب الله وحماس، والأمريكي وما تتبعه من دول الاعتدال العربي، ففي لبنان، يبدو أن المعارضة لم تتخلّ عن مشروعها القاضي بالسيطرة على القرار السياسي الداخلي للدولة اللبنانية بإصرارها على الثلث المعطل في تشكيل أية حكومة جديدة، وتستند في مشروعها على التحالف الاستراتيجي مع كل من النظامين الإيراني والسوري، وهو ما تسبًب في فشل مبادرة وزراء الخارجية العرب التي حملها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، مما يهدّد بمزيد من الاحتقان والاضطرابات وإطالة أمد الفراغ الرئاسي وضرب المؤسسات الشرعية، كما أن الدول العربية المعتدلة قد لا تبقى متفرجة أمام انغلاق آفاق الحل، مما قد يكون من شأنه فتح أبواب التدويل الذي يدفع اللبنانيون ثمنه الباهظ، خاصة بعد أن عاد اسم شاكر العبسي زعيم فتح الإسلام للتداول، وبعد إطلاق صواريخ كاتيوشا من جنوب لبنان على إسرائيل، وتعرّض عناصر القوة الدولية لاعتداء إرهابي عند مدخل صيدا .
  ولم تقتصر مثل تلك الرسائل السياسية على الساحة اللبنانية، بل إن الأراضي الفلسطينية شهدت كذلك تجدد إطلاق الصورايخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية من قبل حركة حماس التي تحاول الخروج من المأزق الذي نتج عن انقلابها العسكري لتصدّر أزمتها إلى القضية الفلسطينية عموماً من خلال الإصرار على إطلاق تلك الصواريخ التي يجمع المراقبون على أنها ذات فوائد عسكرية محدودة وسياسية معدومة، لأنها بالنهاية تقدم الذرائع لإسرائيل لإحكام حصارها على قطاع غزة وحرمانها من سبل الحياة الآمنة، مثلما حصل للخدمات الصحية وشح المواد الغذائية وغيرها مؤخراً ، لكنها - أي حركة حماس - وبدلاً من الاحتكام للشرعية الفلسطينية من أجل إعادة اللحمة بين الضفة والقطاع، فإنها تتسبّب في تأزّم الوضع الفلسطيني بعد أن دعت لعقد مجلس وطني في دمشق بتاريخ 23/1/2008 بهدف إسقاط العملية السياسية التي بدأت في مؤتمر انابوليس وقطع الطريق أمام المكتسبات التي تحققت للسلطة الفلسطينية في مؤتمر المانحين بباريس، ونقل رسالة سورية تحمل المطالبة بدور سوري أكبر لحل قضايا المنطقة، سواء كانت في فلسطين أو لبنان، وحتى في العراق، الذي يشهد تراجعاً للعمليات الإرهابية وحالات الاقتتال الطائفي واستقراراً نسبيا للأمن يدين في بعض جوانبه لتعاون الجانبين السوري الإيراني، لكن الوضع العراقي يبرز، من جهة ثانية، اهتمامات أخرى تتعلق بالخلافات الدائرة بين الكتل السياسية المختلفة وفعاليات التحرك باتجاه المصالحة الوطنية، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وخدمية وإدارية، ومواجهة الفساد والبحث عن صيغ للتنسيق بين مجلسي الرئاسة والحكومة في إطار إقرار مبدأ القيادة الجماعية التي قبل بها رئيس الوزراء نوري المالكي مقابل ضمان استمراره في منصبه، وبذل المساعي لعودة الأطراف المنسحبة من الحكومة لدعم التفاهم الخماسي بين الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وكل من المجلس الأعلى وحزب الدعوة والحزب الإسلامي، لكن الجدير بالملاحظة هو ما تجري من ترتيبات موازية لبناء تكتل برلماني يضم حوالي(150) نائبا ويطالب بتجميد المادة (140) من الدستور الخاصة بتطبيق الأوضاع في كركوك وتصحيح عمليات التعريب فيها، وإجراء استفتاء لتحديد مستقبلها، والبحث، بدلاً من ذلك، عن توافق بين مكوناتها، إضافة إلى الاعتراض على العقود النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الشركات الأجنبية .
  وتلتقي تلك الاعتراضات مع التدخلات الإقليمية، خاصة من جانب كل من إيران وتركيا، في الوقت الذي تقابل فيه بالتجاهل من الجانب الأمريكي الذي يحرص على ترميم علاقاته مع حكومة آردوغان خاصة بعد التهديدات التركية باجتياح كردستان العراق والتفاهم الأمريكي التركي بتقديم معلومات استخباراتية اعتمد عليها الطيران التركي في اعتداءاته الأخيرة على المناطق الحدودية للإقليم لقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في ظل صمت عراقي واضح وتوجًه أمريكي نحو التفريق بين pkk وفرعه الكردستاني الإيراني PJK الذي يتلقى دعماً واضحاً لعملياته العسكرية في إطار الضغط على النظام الإيراني، في حين لا يستبعد فيه المراقبون إمكانية بلورة سياسية تركية للتعاطي مع الملف الكردي في كردستان تركيا خاصة بعد دعوة آردوغان لحزب العمال الكردستاني لترك السلاح وحل الخلافات داخل البرلمان الذي ينتمي (23) عضواً فيه لحزب DTP و(75) برلمانياً كردياً لحزب العدالة والتنمية.
  في المجال الداخلي: لا تزال الاعتقالات التي طالت كوادر إعلان دمشق على خلفية اجتماع المجلس الوطني الأخير، تشغل الوسط السياسي- الثقافي وتثير القلق والاستنكار الواسعين تجاه الإبقاء على عشرة من أعضائه، وفي مقدمتهم الدكتورة فداء الحوراني رئيسة المجلس، رهن الاعتقال الكيفي.
   والى جانب الطبيعة القمعية للسلطة وإقدامها على تلك الاعتقالات خوفاً من اتساع دائرة الدعم والتأييد للإعلان، فإنها، أي الاعتقالات، أبرزت من جهة أخرى، أهمية انعقاد اجتماع المجلس الوطني الذي أعطى للإعلان زخماً كبيراً أضاف بعداً آخر لتلك الأهمية التي تأتي أصلاً من اعتباره أعرض ائتلاف سياسي وطني معارض تم بناؤه منذ الخمسينيات، ومن قدرته على طرح برنامج واضح للتغيير الديمقراطي السلمي المتدرج بعد أن عجزت السلطة عن القيام بالإصلاح المطلوب، كما إن الإعلان، بانطلاقته الحالية، أكّد إن هناك بديلاً ديمقراطياً يمكن المراهنة عليه، بعكس ما حاولت السلطة إيهام الرأي العام به من أن بديله الفوضى أو الاتجاه السلفي.. ورغم محاولات السلطة لتبرير تلك الاعتقالات بذريعة المراهنة على الخارج والتلاعب بالمشاعر الوطنية، فإنها تلقى إدانة واسعة من مختلف فئات المجتمع السوري وقواه الوطنية الفاعلة وهي - أي السلطة – تسعى لنشر البلبلة والإشاعات المغرضة ضد إعلان دمشق، وخاصة بعد قرار الأخوة في الإتحاد الاشتراكي الديمقراطي العربي بتجميد نشاطهم في الإعلان، والذي كان للحزب المذكور دور فعّال في بنائه ، ولا يزال يجد نفسه عضواً مؤسّساً فيه، ويقر مبدأ الحوار لحل الإشكالات التي أدت إلى ذلك القرار، ومن المأمول أن تتواصل الجهود البنّاءة لعودة المياه إلى مجاريها في الإعلان، بما يعزّز وحدته ولا يتعارض مع وثائقه المقررة، كما تراهن السلطة من خلال تلك الاعتقالات على تفكيك الإعلان وإثارة الشكوك بين أطرافه وزرع بذور التفرقة في الصف الوطني السوري، وفي هذا المجال جاء (التعميم الإنترنيتي) المنسوب لوزير الدفاع والذي يمسّ العنصر الكردي في الجيش ، وتأتي خطورة هذا التعميم ومدى جهل وشوفينية القائمين على فبركته، من التحريض العلني على التشكيك بالولاء الوطني الكردي واستعداء الرأي العام الوطني السوري على كل ما ينتمي للشعب الكردي وحركته الوطنية وقيمه وتقاليده وتاريخه النضالي، مما ينخر ويهدّد الوحدة الوطنية، وهذا يتطلب إدانة عامة وتوضيحاً من وزارة الدفاع التي نسب التعميم إليها، خاصة في هذه الظروف المشبعة بالاحتقان الذي تغذيه السياسة الشوفينية التي لم تكتف باضطهاد وحرمان الشعب الكردي من كافة حقوقه القومية الديمقراطية، بل تسعى كذلك لتخريب علاقاته مع المكوّنات الأخرى الشريكة في المجتمع السوري الذي تريد إلهاؤه عن قضيته الأساسية المتمثلة في التغيير الديمقراطي السلمي، وإبقائه أسيراً للازمة الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، التي أدت إلى تدني مستوى حياة غالبية المواطنين السوريين نتيجة الاختلال الكبيرة في توزيع الدخل الوطني واتّساع دائرة الفقر لتشمل 65% من السكان والمرشحة للتزايد بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار مقابل تآكل الأجور والرواتب وتراجع القوة الشرائية ، مما يرمي سنويا بقطاعات كبيرة من ذوي الدخل المحدود إلى حافة الفقر، وخاصة المجرّدين من الجنسية من أبناء شعبنا الكردي الذين تتضاعف معاناتهم الشديدة بإضافة الحرمان من البطاقات التموينية إلى سلسلة الحرمانات من فرص العمل والتوظيف والتملّك وغيرها، أما البطالة فإن معدّلات النمو المنخفضة لا تستطيع استيعاب 300.000 طالب عمل سنوياً في ظل حالة الفساد الذي احتلّت فيه سوريا المرتبة 173 بين الدول التي شملتها دراسة خاصة، مما يتسبّب في هدر الطاقات ونهب المال العام وارتفاع حجم التهرب الضريبي إلى نحو 3 مليار دولار سنويا .
  كل ما تقدّم  يثبت أن الخروج من هذا الواقع المحاط بالأزمات لا يمكن أن يتحقق إلا بالتغيير الديمقراطي الذي يراهن على حرية العمل السياسي كوسيلة لتشخيص تلك الأزمات، ومدخل لمكافحة الفساد والقضاء على الفقر وإيجاد فرص عمل منتجة للجميع، وإعادة توزيع الثروات لحماية المواطن وصيانة الاستقلال الوطني .
  26/1/2008
 اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3308