لماذا نعاتب صلاح الدين ، ولا نعاتب أنفسنا ؟
التاريخ: الثلاثاء 23 ايار 2006
الموضوع: اخبار


بقلم: علي الهسو

سؤال جوهري أشغلني كثيراً ، فكنت أطرحه على نفسي ، وعلى من حولي ، وعلى المجتمع : لماذا نعاتب صلاح الدين ، ولا نعاتب أنفسنا ؟ سؤال لم أكن أتلقى عنه جواباً شافياً ، فمنهم من انتقده إلى حد الشتيمة ، ومنهم من شاطرني الرأي ، ووافقني على مشروعية السؤال ، وبرر الموقف الذي اتخذه صلاح الدين متفهماً ظروف تلك الفترة الزمنية التي عايشها ، ومنهم من كانت أجوبتهم ضبابية وغير واضحة لشحة المعلومات التي يعرفونها عن هذا القائد ، فأصبح في موقع الذي يفتقر إلى رؤيا شفافة ، واكتفى بالاستشهاد بوجهة نظر غيره .

لكن ألا يستحق شخص مثل صلاح الدين منا محاسبة الذات ، ومعاتبة النفس ، لأننا لم نتصفح كتب التاريخ ، ولم نقرأ لكاتبه ومؤرخه ابن شداد ، الذي تولى كتابة يومياته والوقائع المشهورة التي حدثت في عصره ، كمعركة حطين مثلاً ، لمعرفة حقيقة تاريخ هذا الرجل .
لذلك آليت على نفسي أن أضع بين أيدي المهتمين بهذا الجانب جزءاً من هذه الحقيقة التي اكتسبتها أثناء دراستي عن صلاح الدين في كتاب (نناشد صلاح الدين أم نحاسب أنفسنا ) للكاتب الدكتور محسن محمد حسين .
يسلط الكتاب الضوء على كثير من الحقائق التي كانت خافية علينا ، والتي هي بمثابة إجابات على سؤالنا : لماذا لا نقتدي  بصلاح الدين ؟ نعم يمكننا أن نقتدي بالقائد صلاح الدين ......
( أن نتأسى به ، فهو قد أثبت لنا بجدارة ، وبجهوده وجهاده ، وبالتفاف الشعب الكردي بكل قبائله حوله ، أثبت أن أبناء هذا الشعب لاتنقصهم الإرادة والحكمة والرغبة في وحدة الصف لتأسيس دولة ) فمن يستطيع أن يؤسس ولو نظرياً دولة على أرض الآخرين ، بوسعه أن يبني دولة على أراضيه الواسعة ، أقول لأن ( الإمارة على حجارة ) ليست إلا دليلا على فقرنا أو افتقارنا إلى بعد قومي ، فهل نحاسب طبوغرافية وطننا كونها لم تساعدنا على لم شملنا ؟ نعم هذه مسألة محسوبة ومحسومة ، فكثيرا ما توجه الجغرافيا التاريخ ، ومن منا لا يعرف تأثير العامل الجغرافي على قيام الدول وصنع الحضارات ؟ والجغرافيا تعني الأرض ، وما فوقها ، وما تحتها ، والماء والهواء ، والموقع من البحر ، ومن خط الاستواء والقطبين ......
والحق أن وطننا لا تنقصه هذه العوامل ، لا ينقصه ما فوق ، وما تحت الأرض ، والموقع والمياه    " إن صارت لنا كلمتنا في التصرف بهما " ويجب ألا نتذرع بقسوة الطبيعة ، بالبرد في الشتاء ، والحر في الصيف  ، فنحن لسنا أسوأ الناس ، لسنا أسوأ من شعب منغوليا وشعب النيبال ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، وقد أقاما دولتيهما اللتين لا تطلان على منافذ بحرية .
هناك (سر ) ينبغي البحث عنه ، سر كامن فينا , يمنعنا من أن ننظر إلى أبعد من أنوفنا ، ومن الزاوية الضيقة فقط .. من أنفسنا..إلى أبعد من مدينتنا ، حتى صار حب المدينة عند العديدين بدلا عن حب كردستان ، ناهيك عن كردستان الكبرى .
لقد طغت الإقليمية ، وعشق مدينة ما ، على الوطنية ، وعلى القومية ، وصارت كمسألة طبيعية نعم , فأنت إن لم تحب مدينتك - وأكاد أقول - إن لم تحب الحي الذي ولدت فيه ، فلن تحب وطنك .. لن تحب بني قومك ، ولكن أن يطغى هذا الحب ..أن يستحوذ على قلبك ، أن يحل محل حب الوطن ، أن يكون بديلا عن حبك لكردستان ، فذاك هو الطامة الكبرى بعينها , إنها بذرة خبيثة ، خبيئة يجب علينا جميعاً أن نجتثها من جذورها ، ونبيدها ، فهي النبات السام الذي ينمو على حساب غذائنا ، وعلى حساب حبنا للأزهار الجميلة الفواحة .
أقول : السر يكمن فينا ، دون أن أنفي دور القوى الطامعة ، و لكن هذه القوى لا تطمع في خيرات شعب واع موحد قوي ، هذه القوى استحصلت على قوتها من ضعفنا ، ولم تصبح قوية إلا على حساب الضعف الذي أفقدنا كل شيء حتى الثقة بالنفس ، لم  تصبح هذه القوى قوية إلا لأننا ضعفاء ، لأننا فاقدو القوة ، فتنمرت وتعملقت علينا نحن المساكين الذين استسلمنا للضعف والعبودية ، أيها الشعب الواهب القوة لغيره ، هل أدركت سر قوتهم ؟ إن السر الخطير يكمن في ضعفك ، لأن من يرمي تبعة ما يحصل له على عاتق الآخرين فقط ، هو كمن يتهرب من المسؤولية ، علينا أن نبحث عن ضعفنا في ذاتنا أولاً ، أما أن نعلق ضعفنا على شماعة صلاح الدين أما أن نبحث عن تفسير له في سيرة صلاح الدين وتاريخه ، نكون كمن يناشد الموت أن يحميه من الموت ، وفي ذلك نهرب من مسؤوليتنا وكأننا نقول بصوت واحد : انهض أيها القائد لنحاسبك على تقصيرك ، لنحاكمك في محاكم التاريخ  ، إنه تصرف غير مقبول ، إنه إجحاف وغبن بحق هذا الذي يرقد في الملأ الأعلى ، فكيف نستجوب قائداً بعد أكثر من ثمانمائة سنة ، ونحن لسنا على إلمام مقبول بحيثيات التاريخ ، والظروف التي أحاطت بالقائد في ذلك الوقت ؟ هل نكرر السؤال التقليدي الذي مللنا من ترداده : لماذا لم تعمل من أجلنا نحن الكرد – بني جلدتك – لماذا لم تعمل من أجل كردستان الدولة .
إنه استجواب غير معقول ، فلا يليق بشعب واع مثقف أن يحاسب تاريخه ، أن يقذفه بحجارة الجهل والتخلف ، ثم لا يحاسب نفسه ... لا يحاسب واقعه ... بل يحاسب أجداده _ صلاح الدين أنموذجاً _ بعد كل هذا السرد وهذا العتاب نعود للقول ، إن صلاح الدين لم يكن يحمل معه عصى سحرية ليضرب بها البحر فينشق البحر نصفين ويعبر بأمان ، لينفذ بها مايريد من مآرب أخرى ، وهل أراد ذلك أصلاً ؟؟؟ أن يقيم دولة كردية .. إني أنفي هذه الرغبة لديه ، وأرجع إلى جواب السؤال المطروح : أين كان سيقيم عاصمة هذه الدولة ؟  فكردستان الشرقية كانت خارجة عن سلطته ونفوذه ، وبقية كردستان يحكمها أمراء ( دون إمارات ) صاروا من رجاله ، فهل كان عليه أن يغادر أرض مصر والشام ، ويعود إلى أرض أجداده ليقيم فيها الدولة الكردية ؟ كان صلاح الدين عندئذ سيتحول من سلطان يحكم أرجاء واسعة من العالم الإسلامي وله نفوذ على الحرمين ( مكة والمدينة ) ويدعو له خطيباهما بالنصر و التوفيق ، كان هذا القائد سيتحول إلى أمير يناهضه أمراء آخرون ، أو إلى ملك يحكم أرضاً واسعة ، لكن ما أن يموت إلا وتتشتت دولته إلى أشلاء مبعثرة ، كما حصل لدولته الواسعة فعلاً ، لولا أن خليفته الملك العادل سيف الدين أبا بكر ، حال دون ذلك إلى حد ما ، وأجل هذا التشتت بعض الشيء .
ولعل من نافلة القول أن نبين أن إقامة دولة ليست نتاج رغبة شخصية مهما عظمت مكانة هذا الشخص ، حتى لو كان هذا الشخص هو صلاح الدين بذاته ، بل تتوقف إقامة الدولة على جملة من العوامل الموضوعية والذاتية كالتي ذكرناها .
علينا ، أن ننتبه ، لأن ربط ما حصل ، وما يحصل لنا ، وإلقاء تبعته على كاهل صلاح الدين ، فيه من الإجحاف الشيء الكثير ، وهو لا يعدو أن يكون إلا نوعاً من الانهزامية ، وهروباً إلى الأمام تخلصاً من تبعات المسؤولية التاريخية ، واستعداداً لاستحقاقات الحاضر والمستقبل معاً ، انطلاقاً من مبدأ أن صلاح الدين غير موجود أصلاً ، إذا كان ذلك يصب في مصلحة شعبنا حاضراً ومستقبلاً  أو نعتبره وكأنه لم يمتّ بصلة إلى الكرد ( جدلاً )  ، حتى نكف عن لعبة العتاب والحساب ، أو كأننا لا نعرف شيئاً عن وجوده البتة ، و نبدأ ، فالمهم أن نبدأ بداية صحيحة ، وبشكل مبرمج ومخطط ، ونضع جانباً لعبة الحظ والصدفة ، هذه اللعبة التي أصبحت عائقاً أمام الشعوب ، ومشجبا ًمهشماً نعلق عليه أخطاءنا وحتى خطايانا ، مع المزيد من الاحترام والتقديس لأجدادنا ، ولا نكون كالإغريق حين لعنوا بختهم الذي اختطف منهم ( اسكندرهم ) وهو في ريعان شبابه علماً أن الإغريق استطاعوا أن يشكلوا دولتهم مرة أخرى على أساسات الماضي الذي مجدوه ، صار الإغريق  دولة مرة أخرى ... أما نحن فما زلنا نلعن .
لقد ضرب القائد صلاح الدين أمثولة في الشجاعة والقوة ، وفي التسامح والعفو ، والتعامل الحسن مع الأسرى ، وشهد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء فقد كان مدافعاً عن عقيدة ولم يكن مدافعاً عن قومية ، يكتب المستشرقون بأن صلاح الدين بكى أثناء حصار عكا حين شاهد المرأة  ( الصليبية ) وهي تحتضن ابنها ( الذي كان ضائعا في معسكر صلاح الدين الضخم المحاصر لعكا وجيء به إلى أمه ) .
 إن معاتبة قائد يملك كل الصفات الحسنة والنبيلة ، وهو في الملأ الأعلى ، يأخذ  قسطاً من الراحة من أتعاب السنين في مثواه الأخير ، بعد أن قاتل على صهوة جواده طيلة عمره الذي لم يقل عن نصف قرن إلا بعض السنين ، لهو من مآسينا مآسي الشعب الذي يجب أن ينهض  .
                                                   23- 5 - 2006






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=326