الحركة النقابية العمالية.؟.. لماذا هذا الغياب.!؟
التاريخ: الأحد 13 كانون الثاني 2008
الموضوع: اخبار



دهام حسن

تميزت الحركة العمالية العالمية، بتاريخ نضالي عتيد، وكان زخم الحركة موئل كثير من المفكرين، في القرن التاسع عشر على وجه الخصوص، من أنها حاملة رسالة تاريخية عظيمة..رسالة ستعصف بالنظم الاستثمارية في آخر المطاف، وكان لا بد للحركة العمالية، أن تعي دورها وأهمية حركتها في تحرير الإنسان من مختلف صنوف الاضطهاد الوطني والاجتماعي، وقد برز الصراع منذ القرن الرابع عشر بين العمال وأرباب العمل وكان بمثابة أجنة النضال الطبقي، وازداد أوار هذا النضال في القرون التالية، لا سيما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،


بدأ الصراع أولا بالنضال المطلبي الاقتصادي؛ ونتيجة لاحتكاك البروليتاريا بالعمل وبالتالي بالآلة، وبسبب تمركزها بأعداد متزايدة في المشاغل وبالتالي في المصانع الكبيرة، وتعاطيها العلاقة بالضرورة مع الطبقة البرجوازية الصناعية، بالضد من الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية، فقد استفادت البروليتاريا، وتعلمت من ثقافة البرجوازية السياسية، ثم ما لبثتا في المرحلة التالية أن دخلتا في صراع ومواجهة، بعد أفول الأرستقراطية، واستئثار البرجوازية بالسلطة، دون أن تحقق ما وعدت به من حقوق لسائر الطبقات الأخرى، من هنا تخطت البروليتاريا النضال الاقتصادي وحده، فلم تقف عند حدوده، بل جاوزته إلى النضال السياسي ، وقد تجلى ذلك واضحا بدءا من القرن الثامن عشر على وجه الخصوص.. ومع ازدياد وعي البروليتاريا بوحدة مصالحها ؛ بادرت إلى تشكيل روابط وتحالفات ضد الطبقة البرجوازية، فظهرت بذلك على الساحة كقوة منظمة أكثر تأثيرا وفاعلية، وأضحت هذه التحالفات بمثابة (متراس العمال في نضالهم ضد أرباب العمل) ومن هنا جاءت الخطوة الضرورة التالية، وهي تأسيس الاتحادات المهنية أي النقابات.. لقد كان تأسيس النقابات خطوة كبيرة نحو وحدتهم الطبقية، وشكلت بالتالي قوة جبارة بالضد من البرجوازية ..لقد جاءت ولادة النقابات كمنظمات لا بد منها، أوجبتها الضرورة التاريخية، من تقدم صناعي هائل، وتمركز العمال، كما نوهنا قبل قليل، وازدياد وعيهم ونضجهم كبروليتاريا صناعية، جراء تعاطيهم مع آلة الصناعة، واحتكاكهم بالطبقة البرجوازية...
يعد تشكل النقابات في مستهل التطور الرأسمالي تقدما هائلا، فقد قضى على حالة من التشتت والتشرذم عاشته وعانته الجماهير العمالية، لتتحول إلى حالة من المتراس الطبقي، يشق على أي طبقة تجاوزها ؛ ففي غمار النضال الاقتصادي، كان لا بد من الخطوة التالية، الانفتاح أكثر، والسير باتجاه السياسة، باعتبار أن  (السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد) وهذا التطور في مفاهيم البروليتاريا، يعود الفضل أولا وأخيرا إلى التنظيمات النقابية، فالنقابات أمست مدرسة لتربية الجماهير العمالية، وإعداد الكوادر اللازمة، وخلق كفاءات مهنية مدربة للانخراط في السياسة وفي إدارة شؤون الدولة، وعمليات الإنتاج، كما لعبت النقابات دورا مهما في العمليات الديمقراطية، عند إجراء الانتخابات لاسيما في اختيارالكوادر، وعززت من وضع الطبقة العاملة الاقتصادي، ولم  تدّخر جهدا في سبيل سنّ تشريعات، وقوانين، تهم الحركة العمالية، كما ناضلت لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في العمل؛ اتخذت الحركة النقابية طابعا أمميا إن صح التوصيف، فقد جمعت العمال باختلاف انتماءاتهم، وأجناسهم، وعقائدهم، وعلمتهم أهمية الكفاح المشترك، والتضامن الطبقي، في تحسين شروط العمل، وتحقيق مطالبهم، وتحسين مستوى معيشتهم، وحماية مكاسبهم.؛ وفي المحصلة، وبتأثير من الحركة العمالية العالمية، التي اجتاحت بلدان أوربا الرأسمالية، كان التتويج لنضالاتها، وهو قيام ثورة أكتوبر، ثورة العمال والفلاحين، في عام 1917في روسيا؛ رغم ما  آل إليه وضع الثورة بعد ذلك، وقد فصلنا ذلك في مقالة مسهبة، نشرت.. للتذكير فحسب؛ فما نعالجه اليوم، هو موضوع مختلف...
على وهج الحالة النضالية للحركة العمالية العالمية، تشكلت في سوريا، في العشرينيات من القرن العشرين، وفي ظلّ المستعمر الفرنسي، تشكلت بواكير الوحدات النقابية، فقد تأسست أول نقابة ببكفيا في لبنان عام 1923، جاء تأسيسها بجهد ونشاط من فؤاد الشمالي، أحد أبرز القادة النقابيين الرواد، وهو أحد الأوائل القلائل البارزين، الذين شاركوا، بوضع اللبنات الأولى في تأسيس الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان في عام 1924، وفي عام 1924 ذاته جاء تأسس أول نقابة للنسيج في سوريا لمعمل (تريكو) ...
تميزت النقابة منذ انطلاقتها كمؤسسة جماهيرية، لا حزبية، يتم الانتساب إليها بحرية واختيار العضو، وتعددت الوحدات النقابية، وتوسعت ميادين عملها، وخاضت إضرابات عديدة، في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، بغية تحسين ظروف العمل، وتوحيد الأجور، أو ما سمي بـ (التعرفة الموحدة) فقد كانت الأجور تتباين في مهنة واحدة، حيث كان بعض أرباب العمل، يبخس العمال حقوقهم، ومنذ البداية، لم تشغل العمال قضاياهم  الاقتصادية،عن همهم الوطني، فكانوا في مقدمة المقاومين للاستعمار والاستغلال...
 من المهم جدا أن لا تؤطر النقابات بإطار حزبي ضيق؛ فما يجمع العمال هو وحدتهم الطبقية، وقضاياهم المطلبية، ولا بدّ أن تختلف رؤاهم، فهم موزعون أساسا على اتجاهات سياسية مختلفة، وبينهم أعداد غفيرة من اللاحزبين بالضرورة، كما قلنا قبل قليل، وبهذا الاتجاه يصب كلام لينين حيث يقول : (لا يكون للنقابات ما يبرر وجودها، إلا حين تضم فصائل واسعة من العمال اللاحزبيين، ومن هنا كان لا بد أن يستمر وجود جميع الاتجاهات السياسية في النقابات بالذات).. 
عندما يلجأ حزب البعث في سوريا، كونه: ــ يقود الدولة والمجتمع ــ على تأطير النقابات بقوانينها، ويضعها تحت إشرافها ووصايتها، وإلحاقها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالمؤسسات الحزبية..  فالحزب ــ دون ريب ــ بهذا الإجراء يقضي على فعالية النقابات، ويحكم عليها بالعقم النضالي، لهذا، فلا نرى اليوم للنقابات  ذلك الزخم النضالي، كما عهدناه، خلال حكم النير الأجنبي، والأنظمة الديكتاتورية، في فترات من التاريخ السوري في القرن الماضي، فإذا ما تقاعس العمال عن النضال ضد (السلب والنهب ...فإنهم سيتشوهون، ويصبحون جمعا من الفقراء المتفسخين، الذين لا أمل لهم بالخلاص) بتعبير ماركس..فمن حق النقابات التفاهم أو التوافق على نظام أساسي، ينظم حياتهم النقابية، وبالتالي من حقهم اختيار ممثليهم عن طريق الانتخابات الحرة، وبروح ديمقراطية، دون تدخل من أحد أو محاولة جهة ما متنفذة،التحكم بقرارات النقابة، بقصد حصر القيادات بلون واحد، وإقصاء من لا يروق لهم نشاطه المطلبي أو السياسي، فمن حق النقابات، أيضا، حماية مؤسساتها من الحل، أو المضايقة، أو حجز ما لديها، وحمايتها من القهر والملاحقة، أو الفصل جراء نشاطاتها المطلبية، في المجالين الاقتصادي والسياسي... وعلى فعالية وجدوى نشاط النقابات، يتوقف إقبال العمال إلى الانتساب إليها؛ فبقاؤهم بعيدين عن المؤسسات النقابية دون التسجيل فيها، نابع عن عدم ثقة هؤلاء بعمل وحركة القيادات النقابية، وبالتالي عدم ثقتهم بالمؤسسة النقابية بالأساس، وهذا الموقف السلبي، أي التقاعس عن الانتساب للنقابات، تستغلها لمصلحتها تلك  القيادات، للقبوع  مدة أطول في قمة المؤسسات ، دون زحزحتها عن  الكراسي النقابية المريحة و المربحة، وربما شكلوا بالتالي ارستقراطية عمالية، تغدو آفة تضع بكلكلها فوق الهياكل النقابية، ولا تبقى على فسادها وخنوعها، أمام بعض الامتيازات فحسب، والتي لا تعدو كونها سبيلا  للرشوة، بل تعمد إلى إفساد الآخرين، وهذا ما يقلل من أهميتها في  نظر الكثير من الجماهير العمالية عندما تنكفئ عن الانضمام إلى النقابة، أو الوثوق بها...
وأخيرا...عندما أتذكر النضالات النقابية بالأمس وفي أحلك الظروف، في عهد الاستعمار والديكتاتوريات، وأقارن ذلك بين الأمس واليوم حيث الركود، والتقاعس، والتهميش، يحضرني قول عمر أبي ريشة، ولو يأتي تناول الشاعر لموضوع آخر حيث يقول:     
       أتلقاك وطرفي  مطرق       خجلا من أمسك المنصرم
لكن نعود لنقول.. لا بد للطبقة العاملة من أن تنهض وتجسد تلك الروح النضالية، ممثلة بمؤسساتها النقابية، لا بد لها من أن تعاود نشاطها من جديد وبكل جبروت، ولن تخذل تلك الجماهير الشعبية التي منحتها الثقة، وتطلعت إليها كأمل لنضالها التاريخي المعروف والعنيد، فبادلته الجماهير العمالية هذه الثقة بالمثل، هذه الطبقة التي  كانت  في يوم من الأيام، هي التي ترسم المسار النضالي الصحيح، في استكشافها الطريق اللاحب نحو المستقبل الأكيد، فلن يثنيها أي حائل، لتبرر بالتالي تلك الثقة التي منحتها تلك الجماهير الغفيرة من سائر المواطنين الفقراء، ولتبقى محط ثقة في كل حين، ولسوف تسقط كل عامل ذا نزعة ارستقراطية متقاعسة يتبوأ كرسي النقابة النضالي، ليفسح السبيل أمام كل مناضل شريف، لتمضي مع سائر القوى التقدمية في سبيل الحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم، تلكم رسالة الحركة العمالية،  فلابد لها أن تعي رسالتها النضالية،  ودورها، جنبا إلى جنب مع سائر القوى التقدمية الأخرى، لخلق حالة جديدة من النضال، ولنقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة سياسيا واقتصاديا، وتحقيق حلم المواطنين في حياة حرة  وسعيدة، ورغيف نظيف..!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3259