مجالس الصحوة في بعض المدن: محاولة للتغييب أم إعادة لتصنيع الماضي!؟
التاريخ: الأحد 23 كانون الأول 2007
الموضوع: اخبار



كفاح محمود كريم

    منذ تأسيس دولة العراق في عشرينيات القرن الماضي وقدر هذه الدولة التي تأسست آنذاك دونما مراعاة لمكوناتها الأساسية في شكلها وهيكلها، أن تدفع شعوبها دوما فاتورة قرارات وإرهاصات قادتها وأنظمتها السياسية عبر مراحل تاريخها حتى يومنا هذا.
    ويتذكر العراقيون عامة والكورد بشكل خاص ما كانت تفعله الكثير من الأنظمة السياسية بمعاداتها لحركات المعارضة الوطنية سواء ما كان منها في كوردستان أو بقية أجزاء العراق، تارة باسم معاداة الشيوعية كونها كفر والحاد وتارة باسم الشعوبية والماسونية أو العمالة للاستعمار والرجعية، وما إلى ذلك من التهم الجاهزة وأبواق الإعلام المسخرة لذلك ، إضافة إلى الكثير ممن كانوا دوما حلفاء لكل الأنظمة التي حكمت هذا البلد من الانتهازيين والوصوليين.


  إن كثير من التجارب والنظريات تصلح في أماكن ومع مكونات وظروف وربما تحقق نجاحات في مضامينها وأهدافها لفترة معينة أو لفترات طويلة أو دائمة، إلا أنها إذ ما تم اعتمادها في مناطق أخرى ربما تؤدي إلى نتائج غير مرجوة أو إلى فشل ذريع لإغراضها واهدافها المعلنة. وفي كل هذه الحالات تكون النوايا الحقيقية هي التي تدفع أي تجربة أو ممارسة إلى النجاح أو الفشل.

   لقد انتهجت الأنظمة السابقة سلوكيات وتجارب على خلفية نواياها في كوردستان أو بقية أجزاء العراق في تعاطيها مع الثورة الكوردية أو المعارضة الوطنية العراقية بكافة ألوانها وأطيافها، ساعة بتدجين أحزابا للزينة وأخرى بتصنيع جحافلا من (الجحوش) سواء بواسطة رؤساء للعشائر أو شيوخا وأغوات من تصنيع دوائر الأمن والاستخبارات وديوان الرئاسة.
  وبعد سقوط النظام السابق وتجاربه البائسة في تشتيت الشعب الكوردي بشكل خاص وتطويع العراقي بشكل عام، أقدمت بقاياه والمتضررين من سقوطه والمتاجرين بالشعارات البراقة كما كان يفعل هو طيلة ما يقارب من أربعين عاما على إثارة الفتن والعمليات الطائشة والمسلحة والتي وصلت إلى ذروتها باستقدام عصابات الجريمة المنظمة ومافيا الإرهاب في المنطقة والعالم لتنفيذ أبشع جريمة في تاريخ البشرية لتحويل دولة وشعب إلى حفنة من التراب!؟.
   وما حصل في الرمادي ومدنها وبغداد وأطرافها وديالى وضواحيها يؤكد ذلك المشروع البائس الذي اشتغل عليه النظام السابق ومن أتى بهم قبل سقوطه أو احتضنهم بعد ما ولى دونما رجعة، حيث القتل الهمجي لكل أشكال الحياة في هذه المدن وغيرها من مدن العراق منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا، ربما كان سببه في كثير من الحالات تلك الإرهاصات التي أقدم عليها الأمريكيون في التعاطي مع القضية العراقية والتعامل بميوعة مع بقايا البعث ومفاصله المهمة (كما حدث في الموصل وكركوك وأطرافهما)، والقيام بعنتريات حمقاء أدت إلى تأخير عملية التغيير وتعقيدها، مثل حل الجيش العراقي بأكمله وتدمير هياكل وقواعد وزارة الداخلية والإعلام بشكل غير واعي أو مدروس، مما أدى إلى تفريخ مئات الآلاف من الجياع الذين تم استيعاب واحتواء وتسخير الكثير منهم لعرقلة تقدم عملية التغيير والبناء الديمقراطي للعراق الجديد.
  ربما كانت ردود الأفعال الأمريكية والعراقية في التعاطي مع الأحداث في الرمادي وديالى على خلفية الاعتماد على التكوينات العشائرية وشيوخها ورؤسائها التي كانت تتعامل أساسا مع البعثيين سابقا ثم مع أتباعهم لاحقا بعد سقوط نظامهم السياسي، والنجاح في إقناعهم بتشكيل ميليشيات مسلحة تحت إمرة مجلس أعلى في كل منطقة أطلق عليه مجلس صحوة العشائر وبمرتبات مجزية لإفراد الشيخ أو رئيس العشيرة من عشيرته والمتحالفين معه، في محاولة أو تجربة ربما حققت نجاحات مهمة في الرمادي وديالى إلى حد ما.
  أما أن تعمم التجربة على مدن أو محافظات لا تعاني من مشاكل أمنية أو إرهابية وفيها مؤسسات أمنية وقوات مسلحة تابعة لوزارة الدفاع وتقوم بكامل واجباتها بما يمنع أي عمليات إجرامية أو تخريبية من أية قوة كانت فتلك عملية علينا أن نعيد النظر فيها بل وأن نتوقف عندها قليلا لننظر إليها نظرة ثاقبة لنرى أهدافها وما الذي يرجى منها؟
  في معظم محافظات ومدن الجنوب والوسط العراقيين ليست هناك مشكلة أمنية بمستوى الخرق المعروف في الرمادي وديالى وبعض أطراف بغداد ومركز مدينة الموصل والهجمة الشرسة على كركوك، بما يبرر تشكيل ما يسمى بصحوة العشائر في هذه المدن والمحافظات، إذ أن عشائرها كانت صاحية منذ سقوط النظام واستطاعت أن تحافظ على أوضاعها بما يؤمن الحياة وديمومتها إلى حد كبير رغم المحاولات التي استهدفتها خلال السنوات الخمس المنصرمة.
  وفي الموصل لولا الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الإدارة العسكرية الأمريكية في الفرقة (101) والتعاطي الخطأ مع الكثير من القوى في المنطقة لكانت الأوضاع غير التي هي عليه الآن، فقد استطاعت بقايا حزب البعث وعملائه الذين اخترقوا مؤسسات الدولة الحديثة في مجلس النواب والحكومة ومؤسساتها في الداخلية والتربية والجيش ومن ثم فسح المجال لعصابات أجنبية باختراق الجبهة الداخلية من خلال منظمات حزب البعث وتسهيلاته، استطاعت هذه القوى الأجنبية، وهي عبارة عن عصابات لمافيا الإرهاب والجريمة المنظمة في الخطف والسرقة والاغتصاب والمتاجرة بالمخطوفين وجمع السحت الحرام، من السيطرة على أجزاء مهمة من مركز الموصل وبعض الضواحي من المدينة، وخلال أكثر من ثلاث سنوات استطاعت هذه العصابات وباحتضان من منظمات حزب البعث ومؤيديه من العنصريين والشوفينيين من قتل آلاف الكورد من المسلمين والايزيديين والعشرات من المسيحيين وتهجير آلاف العوائل منهم إلى المدن التي تؤمن قوات حرس الإقليم (البيشمه ركه) أمنها وسلامتها مثل الشيخان وسنجار وزمار وبعشيقة وبحزاني وبرطلة وتلكيف وغيرها من هذه المدن التابعة إلى محافظة الموصل، وخلال كل تلك الفترة المؤلمة والمأساوية لم تحرك العشائر هناك قيد أنملة باتجاه الدفاع عن الكورد وغيرهم ممن ذاقوا الأمرين خلال حكم البعث وبعد سقوطه أيضا؟
   وإذا كانت الرمادي وديالى والى حد ما مركز مدينة الموصل (وبشفافية واتفاق كل القوى هناك) تحتاج إلى صحوة للعشائر لإيقاف نزيف الدماء وعمليات القتل والسلب والنهب والجريمة المنظمة من خارج الحدود، فان عشائر سنجار وزمار وتلعفر ومثلها البصرة والنجف وكربلاء وصلاح الدين كانت وما زالت صاحية منذ التاسع من نيسان 2003 ولم تسمح لأي كان من اختراق حواجزها ومجتمعاتها.
   إن العشائر العربية والكوردية غرب وشرق دجلة وكثير من مدن ومحافظات العراق أدركت معنى الأمن والسلام الاجتماعيين وتعاونت مع أجهزة الدولة الحديثة بشفافية ووطنية عالية لتمنع أي خرق محتمل لعصابات الجريمة المنظمة والإرهاب الداخلي والخارجي، وفي سنجار وزمار وتلعفر ومخمور والشيخان ومعظم شرق دجلة كانت العشائر العربية والتركمانية السند الأقوى لقوات حرس الإقليم منذ تحرير العراق وحتى يومنا هذا، وهي التي استقبلت قوات البيشمه ركه وطلبت من قيادات قوات التحالف أن تبقى هي في المنطقة بديلا عنها.
  ومنذ سقوط النظام السابق ورغم كل محاولات بقايا وزمر ذلك النظام والمستفيدين منه وكثير من تدخلات وتسهيلات دول الجوار لقوى الإرهاب الدولي القادم من المنطقة العربية وغيرها، بقيت هذه المناطق آمنة مستقرة إلا من خروقات خارجة عن السيطرة حتى في أي مكان آخر من العالم، وبقت مجتمعاتها على اختلاف أعراقها ومذاهبها وأطيافها السياسية وإن اختلفت متعاونة في موضوعة الأمن والسلام اللذان وفرتهما قوات البيشمه ركه في المنطقة.
   إن ما يجري الآن من محاولات لتجميع مجالس وتشكيل ميليشيات باسم الصحوة العشائرية ما هو إلا خرق للسلم والأمن الاجتماعي في هذه المناطق الآمنة والمستقرة، وعملية تصنيع للماضي الذي يذكرنا دوما بأولئك الذين كانوا يمتصون دماء عشائرهم في سرايا أبو فراس الحمداني وأفواج صلاح الدين وتغييب الوعي الوطني وإشاعة التهافت المادي واستغلال مظاهر البطالة والجفاف في المنطقة لتجميع أفواج من الجياع والمتهافتين والعاطلين عن العمل بأنصاف الراتب كما كانوا يفعلون على أيام الجحشايتي السيئة الصيت.
   إن المنطقة آنفة الذكر في غرب وشرق دجلة، أحوج ما تكون إلى مشاريعٍ إنتاجية في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات لكونها تتمتع بوضع أمني مستقر منذ سقوط النظام وحتى الآن، لكي يتم قطع الطريق أمام المراهنات المحلية والإقليمية على تجزئة العراق ومن ثم معالجة ظاهرة البطالة وجفاف الموسم الزراعي بتثوير المجتمع إنتاجيا لا إلى إشاعة الاتكالية والاستهلاك والتغييب الوطني والفتنة القبلية من خلال تصنيع أفواج من الميليشيا الوهمية التي تستنزف أموالا طائلة لحساب مجموعة من الأفراد وتحويل المجتمع إلى كائن خامل ومستهلك بدلا من تحويله إلى مجتمع حيوي ومنتج مع ما يتمتع به من أمن واستقرار ومواد أولية وضروف مناسبة لعملية الإنتاج الزراعي أو الصناعي.
    






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=3171