سياسة المصالح واللعب بمصائر الشعوب
التاريخ: السبت 04 تشرين الثاني 2023
الموضوع: اخبار



عز الدين ملا

في الحياة ثمّة مبادئ ترتكز عليها الحالة الإنسانية والمجتمعية، تكون تلك الحالة من خلال منحيين اثنين، إما أن تكون المبادئ في اتجاه الخير والنمو والرخاء أو في اتجاه الدمار والخراب والشر، وهذا ما تؤكده الشرائع والقوانين المختلفة من الدينية والعقائدية والضمائر الإنسانية وحتى في قوانين الفلسفية والطبيعة الكونية إما الحياة أو الموت، ولا يوجد حالة أو مبدأ آخر أو استثنائي. 
لكن ما يحدث خلال المرحلة الحالية من علاقات دولية تخطّت كل ما ذكرناه ولسبب وجيه وهو أنها مبنيّة على النفوذ والمصالح فقط، أما المتعلقة بالقيم الإنسانية فلا مكان لها، بل أنها تباع وتُشترى في سوق المقايضات في أبخس الأسعار، وعلى حساب مصائر الشعوب وحقوقها وحريتها.


تابعتُ كما تابع الجميع الصدمة العالمية لِما حدث أثناء عملية حماس باختراق حدود اسرائيل من نقاط عدة ومباغتة الإسرائيليين في مضاجعهم وأسرهم، هذه العملية كانت بمثابة كارثة لم يسبق لها مثيل خلال تاريخ دولة إسرائيل، وأيضاً بالنسبة للدول الكبرى في العصر الحديث، كانت مفاجأة غير متوقعة دفعت الولايات المتحدة الأميركية والغرب إلى الاستنفار بكل إمكانياتها العسكرية والمادية وحتى البشرية.
هذا التهافت الكبير من قبل الغرب نحو اسرائيل يدفعني إلى الاستغراب والتساؤل عمَّا إذا كانت فقط اسرائيل تستحق هذه اللهفة عن باقي الدول والشعوب التي ترزح منذ سنوات وعقود تحت وطأة الدمار والقتل؟!، وتتساءل شعوب المنطقة التي ذاقت مرارة الظلم والقهر والتشرد، هل كل القوانين والدساتير الدولية المعنية بمواثيق ومبادئ حقوق الإنسان وضعت فقط لحماية اسرائيل والدفاع عنها؟.
لست هنا اتهم إسرائيل أو غيرها، لأن قتل المدنيين مدان وفق الشرائع الدينية والعهود والمواثيق الدولية، بل سؤالي لماذا لم تتحرك هذه الدول لنصرة الشعب السوري أو غيرها من الشعوب، الذين تعرضوا لأبشع أنواع العذابات؟، ولم نرَ هذا التهافت من أحد رغم مشاهد الدمار والقتل بمختلف الاسلحة من قبل الأنظمة والجماعات الارهابية المتعددة والتي عاثت طول مساحة تلك الدول وعرضها فسادا وخرابا، سوى اجتماعات ومؤتمرات مع صدور تصريحات وبيانات لا تغني ولا تُسمن من جوع، فقط إدانات لفظية خجولة ضد من ارتكب تلك الجرائم والمجازر التي تجعل حتى الحجر تذرف الدموع من شدة هولها وفظاعتها، وحتى أن ضمائر القوى الكبرى لم يقتدوا بالمبادئ الحياتية، حيث تراهم من جهة يقفون إلى جانب الانسانية وحقوقها، وفي نفس الوقت يدعمون قوى الشر والإرهاب، هذه المواقف أشد قسوة من الإرهاب هي الرهبة والرعب بحد ذاته.
فمنذ بداية الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وحديث السياسة الدولية يدور حول خارطة الشرق الأوسط الكبير وشكلها الجديد، وخرجت آراء وتحليلات كثيرة أن انتهاء سياسة القطبين وانهيار زعيمة القطب الشرقي اتحاد السوفييتي وتوجُّه العالم نحو سياسة القطب الواحد بداية تنفيذ هذا المخطط، ولكن أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 شككت بتلك الآراء، فخرجت أخرى تقول أنها البداية، ومع الحرب الأميركية على أفغانستان ومن ثم العراق انحطت تلك الآراء، وفي انطلاق ثورات الربيع العربي أكدت معظم الآراء أنها فعلاً بداية تنفيذ المخطط ولسبب أن تلك الثورات شملت دولا عدَّة، مع ثبات هذه الثورات في سوريا وإطالة أمدها سنوات عديدة أدرك الجميع أن تحليلاتهم كانت تنقصها نيات دولية خبيثة ومبيَّتَ لصالح أهداف مصالحية لا تمتُّ للإنسانية بأيِّ جزئية.
ظهرت ذلك خلال التحولات السياسية والعسكرية في سوريا، والتبادل الدراماتيكي في العلاقات بين الدول ذات الشأن في الأحداث السورية إن كانت دولا إقليمية أو كبرى، كلٌّ منها تبحث عن مُرادها الاقتصادي بعيدة عن الحقوق والواجبات تجاه الشعوب المظلومة. 
وفي أحداث غزّة وما نتج عنها، أثبت للجميع أن الأهم في المنطقة لدى اميركا والغرب وحتى روسيا فقط اسرائيل عدا ذلك لا يدخل حتى في الخطط الثانوية، هنا لا أود أنّ أتحدث عما حدث ويحدث هناك، فقط أود أن أقارن بين السرعة في تقديم كل الإمكانات لإسرائيل عند أول معاناة طرأ عليها، أما شعوب المنطقة ومنذ سنوات وهم يعانون الأمرّين ولم نلاحظ هذا الدعم والمساندة كما حصل عليها الشعب اليهودي في اسرائيل.
وفي تصريح لرئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن أثناء تعرض إسرائيل لهجوم حركة حماس، قال إن خارطة الشرق الأوسط الكبير قد بدأت، وهناك تغييرات كبيرة ستحدث في المنطقة، والسؤال، لماذا عند أول اضطراب لأمن اسرائيل بدأت؟ لماذا لم تبدأ عند حدوث ثورات الربيع العربي؟ والسؤال الآخر، هل الخارطة المخططة مرتبطة بأمن إسرائيل فقط من دون بقية شعوب المنطقة؟. 
الشعب الكوردي الذي يعيش على أرضه منذ آلاف السنين، ولم يبخل في يوم من الأيام في المساندة والمساعدة لمن طلبوا منهم، هذه الصفة تميزهم عن غيرهم من الشعوب في المنطقة ويشهد له الجميع، وعصرنا الحديث أثبتت هذه الصفة الملاصقة للكورد، وعلى الرغم من اتهامهم من قبل شعوب المنطقة أنهم قد يشكلون اسرائيل ثانية في الشرق الأوسط، عانوا مختلف صنوف الاضطهاد العرقي والانصهار من قبل الأنظمة المتلاحقة في الدول التي ترزح فيها منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن، في مدينة حلبجة الكوردية أُبيد خمسة آلاف كوردي بالأسلحة الكيمياوية من قبل النظام العراقي، ومجزرة الأنفال راح ضحيتها مئات الآلاف من الكورد وأمام أعين العالم ولم نرَ أي تحرُّك دولي ولا حتى ذرف دمعة واحدة تجاه ما حصل، لذا، لو كانوا في نظرهم اسرائيل ثانيا لَمَّا كان مصيرهم هكذا. 
أثناء سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة من سوريا والعراق وهددوا أمن واستقرار العالمي، لم يتمكن أحد من الوقوف في وجههم على الأرض ودحرهم سوى الكورد، حيث حاربوا نيابة عن العالم أجمع وحققوا أعظم انجازات وتم القضاء على آخر معاقلهم، ورغم ذلك لم يشكر العالم الكورد على ما فعلوه، بل على العكس كانت المكافأة تشريد وتهجير الكورد من منطقة عفرين ومن ثمَّ سري كانية (رأس العين) وكري سبي ( تل أبيض)، والمكافأة الأعظم كانت خذلان الدول الكبرى بالوقوف في وجه أهم حق من حقوق الكورد المشروعة وهو قرار حق تقرير مصيره في الاستفتاء على استقلال كوردستان، وتحشيد أدوات إيران من ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها والهجوم على كوردستان، ورغم ذلك بقيَّ الكورد صامدا في وجه رياح الخذلان، علَّ وعسى أن ترأف الدول الكبرى وتحِّن فتتحرك في دعم الكورد.
إن ما يحدث الآن من دمار وقتل لا يقبله لا العقل ولا الدين ولا القوانين ولا حتى الطبيعة الكونية، والأحداث الدائرة بين الجيش الاسرائيلي وحركة حماس من قتل للمدنيين من كلا الجانبين، أفعال مدانة لا يقبلها الضمير الإنساني، والكورد من الشعوب المحبة للسلام والتسامح كانوا من السباقين إلى إدانة استهداف المدنيين من كلا الجانبين.
من هنا، اعتقد إن ما تفعله الدول الكبرى والإقليمية من اساليب وممارسات غير اخلاقية ولا تدخل في القيم والمثُل الإنسانية، ترى تارة تقف إلى جانب الشعوب المظلومة ضد أنظمتها وسلطاتها الشوفينية والديكتاتورية بالشعارات وبعض الدعم الإنساني وفي الوقت نفسه تدعم تلك الأنظمة والسلطات بالسلاح، هكذا تتولد بيئة متخمة بالفتن والاضطرابات، وأيضا الحروب والنزاعات، هذه التعاملات والازدواجية المتناقضة مع الطبيعة الإنسانية والكونية يدفع بالعالم إلى كارثة خطيرة قد تكون هلاك ودمار البشرية.    







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=29594