من الدولة الكوردية المستقلة الى الفيدرالية المادة 140 بين الأمل والواقع!* ( 1- 3 )
التاريخ: الثلاثاء 23 تشرين الاول 2007
الموضوع: اخبار



د. خليل جندي

مدخل تأريخي:
من المعروف أن الشعب الكوردي/ الكوردستاني هو من أكبر شعوب الشرق الأوسط ( حوالي 40 مليون) المحروم لحد اليوم من حقه في تقرير مصيره وتشكيل دولته القومية بعد الحرب العالمية الأولى‘ عكس الشعوب الباقية التي إنسلخت من جسم الإمبراطورية العثمانية إستناداً الى المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي ويدرو ويلسن. ورغم إقرار إتفاقية سيفر عام 1920 بحق الكورد صراحة في تقرير مصيره وتشكيل دولته القومية المستقلة ضمن موادها (62، 63، 64) ، إلاّ أن إتفاقية لوزان عام 1923 جاءت لتنسف تلك البنود من أساسها.


لقد لعبت عوامل عدة في نسف بنود إتفاقية سيفر بشأن حق تقرير مصير الشعب الكوردي ، وكان في مقدمة تلك العوامل ظهور شخصية (مصطفى كمال) العسكرية – السياسية وتشكيله لقوة عسكرية قوامها خمسة وثلاثون ألف جندي في سيواس لمقاومة الحلفاء واليونانيين، ورغم مبادرة بعض القادة الكورد بتشكيل قوة كوردية للتصدي للقائد التركي الجديد، إلاّ أن المستر (بيل) مدير المخابرات البريطانية في حلب آنذاك طلب من الأكراد أن لا يقوموا بأية تحركات ضد مصطفى كمال والتأكيد لهم أن الحلفاء مصممون على حل القضية الكوردية إستناداً الى التعهدات التي قدموها. وبهذا وقع الكورد والأرمن في فخ وخطأ كبير باعتمادهم على حسن نية الحلفاء وتطميناتهم دون أن تكون هنالك وثيقة مكتوبة في أيديهم!.
أما العامل الثاني ، الذي كان ذكاءاً من (م. كمال) هو تقربه من البلاشفة الروس وتوقيعه لعدة إتفاقيات معهم أولها في صيف 1919 في مؤتمر الشعوب الشرقية في باكو، تلته توقيع إتفاقيتين أخريتين: الأولى في اسطنبول 29/10/1919، والثانية في أرضروم 5/4/1920. وصنف لينين ، قائد ثورة اوكتوبر 1917 مصطفى كمال وحركته من ضمن حركات التحرر الوطني لمعاداته دول الحلفاء الاستعمارية- حسب تعبير ذلك الوقت- لكن ما لحق بالشعب الكوردي والأرمني داخل الأراضي التركية آنذاك من ظلم وهضم الحقوق والابادة ، فتم غض النظر عنه من قبل النظام البلشفي وقائده لينين في روسيا. كل ذلك أدى الى تعزيز قدرة ومكانة (م. كمال) العسكرية والسياسية ، فطرد جيوش اليونانيين والايطاليين أولاً من بلاده وسافر بعدها الى لوزان لحضور المؤتمر وتوقيع معاهدة جديدة بعد الانتصارات التي حققها وتحالف روسيا البلشفية معه ودعم الولايات المتحدة له بعد التطورات التي حصلت على الساحة السياسية.
جاء إكتشاف النفط  في منطقة كوردستان (ولاية الموصل آنذاك) كعامل ثالث ، وربما الحاسم لتعاطف الحلفاء مع تركيا الكمالية، حيث كانت تركيا تعتبر ولاية الموصل جزءاً من أراضيها، ووقفت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مع الحركة الكمالية. أما بريطانيا فقد خافت من إستخدام القوة ضد (م. كمال) المدعوم من روسيا البلشفية ومن فرنسا والولايات المتحدة، هذا إضافة الى سعي جميع دول التحالف الحصول على نصيب وحصة من نفط الموصل، تلك المنطقة التي حددتها بنود إتفاقية سيفر الثلاثة ( 62-63-64)  كونها من المناطق الكوردية التي يحق لهم تشكيل دولتهم المستقلة عليها، وهذا هو نص الترجمة العربية للمادة 64 من إتفاقية سيفر، حيث تقول:
(( إذا ما قام الشعب الكوردي في المناطق المحددة في المادة 62 خلال فترة سنة من دخول هذه المعاهدة حيز التنفيذ بالاتصال ومفاتحة مجلس عصبة الأمم بطريقة تظهر أن غالبية سكان هذه المناطق ترغب بالاستقلال عن تركيا، وإذا ما قرر المجلس أن هؤلاء الناس قادرون على مثل هذا الاستقلال ويوصي بمنحه ، عندئذ توافق تركيا على تنفيذ هذه التوصية والتخلي عن كل الحقوق والتسميات لهذه المناطق.
وأن تفاصيل هذا التخلي من البنود سيكون موضع إتفاقية منفصلة بين قوى الحلفاء الرئيسية وتركيا. وإذا ما صدر مثل هذا التخلي وتم فعلاً ، فسوف لا يكون هناك أي اعتراض من قبل الحلفاء الرئيسية بالالتزام بمثل هذه الدولة الموردية المستقلة للأكراد الساكنين في ذلك الجزء من كوردستان والتي كانت داخلة لحد الآن ضمن ولاية الموصل.))
إذن هنالك نص دولي صريح وواضح لا لبس فيه بإنشاء دولة كوردية مستقلة ومنفصلة عن تركيا، كما إستقلت وإنفصلت بقية الدول العربية التي كانت خاضعة للدولة العثمانية حوالي خمسة قرون. ويرد بشكل صريح أيضاً إسم كوردستان كوطن الكورد.  إلاّ أن الغائب " العامل الخامس" الذي يعتبر الأهم هو العامل الذاتي، وعدم وجود قائد كوردي محنك وحركة كوردية فعّالة كما كان الحال في شخصية ( مصطفى كمال) والحركة الكمالية التي ارتبطت باسمه. إفتقد الكورد في مرحلة حساسة من مراحل التاريخ ( مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى) وتقاسم ممتلكات الرجل المريض، شخصية سياسية وطنية قادرة لمتابعة بنود معاهدة سيفر وحملها الى أروقة لوزان .
قضى الحلفاء ومصطفى كمال على أحلام الشعب الكوردي الذي كان ضمن الدولة العثمانية بتأسيس دولته القومية المستقلة وألحقوا كوردستان الجنوبي المسمى آنذاك ب ( ولاية الموصل) قسراً بالعراق العربي المتكون من ولايتي بغداد والبصرة ، ونصبوا ملكاً من العائلة الهاشمية على عرش مملكة عراقية مركزية.
لقد رفعت الحكومات المتعاقبة في دساتيرها المؤقتة منذ أعوام1925، 1958، 1964، 1968، 1970 و1990 شعار العدل والمساواة والشراكة والحرية والتكافؤ بالنسبة لمكونات العراق، إلاّ أنه بقي حبراً على ورق ،وبقي العراق منذ ذلك الوقت الى عام 2003 يوم تحريره دولة يغلب عليه الطابع العربي بامتياز. ورغم إقرار الحكومة العراقية ، على سبيل المثال لا الحصر، بتاريخ 30/5/1932 بالحقوق الكوردية، ورغم أن التزامها كان ذات طبيعة دولية حيث منعت المادة العاشرة منه تعديله أو الغائه إلاّ بموافقة أعضاء عصبة الأمم ، ورغم التزام الحكومة هذا بقي نافذاً تجاه الأمم المتحدة بعد تأسيسها، إلاّ أنه بقي هو الآخر حبراً على الورق!. وعندما قام النظام الجمهوري برئاسة عبدالكريم قاسم 1958 وإعترف في الدستور المؤقت بوجود قوميتين رئيسيتين العربية والكوردية والشراكة بينهما، لكن ذلك العرس لم يدم طويلاً أيضاً وقامت القوى الشوفينية داخل النظام إعلان الحرب ضد الكورد مما إضطر القائد البارزاني الخالد أن يدافع عن شعبه في ثورة وطنية قومية تحررية في أيلول عام 1961.
استلم البعثيون الحكم في العراق مرتين متتاليتين، الأولى في إنقلاب الثامن من شباط 1963 ولم يستمر حكمهم طويلاً، والمرة الثانية في إنقلاب 17/تموز/1968. تخللت تلك الفترتين حكومة الأخوين عارف صدر حينها بيان سمي باسم " إتفاقية البزاز 29/حزيران/1966" نسبة الى رئيس الوزاء عبدالرحمن البزاز، وكان البيان من أضعف البيانات وتراجعاً عن موقف الحكومات السابقة حيث خلى البيان من مطلب الحكم الذاتي وحتى اللامركزية واستأنف الحرب بين الجانبين الحكومي والكوردستاني.  بسبب من ضعف البعثيين في الحالتين ووجود الثورة الكوردية المسلحة وعدم منح الحقوق القومية للشعب الكوردي، كان من بين أحد الأسباب الحقيقية لسقوط الأنظمة العراقية، فقد أعلن قادة إنقلاب شباط بعد شهر ويومين(10/3/1963) من استلامهم السلطة " أنها تعترف بالحقوق القومية للشعب الكوردي على أساس اللامركزية" لكن القيادة الكوردستانية بادرت هي الأخرى بعد ثمانية أيام من صدور ذلك الموقف بعقد مؤتمر الحزب في مدينة كويسنجق للفترة من 18-22/3/1963 خرجوا بمذكرة من ثمانية عشر نقطة تطالب وتؤكد إحداها بالحكم الذاتي لكوردستان العراق.
في المرة الثانية ومن أجل تثبيت أقدامه في الحكم، لجأ البعثيون الى موقف تكتيكي مع القيادة الكوردستانية بتوقيع بيان الحادي عشر من آذار/1970، وكان في الحقيقة من الناحية السياسية مكسباً جيداً ووثيقة مهمة يعترف به من قبل نظام عراقي ويلقي التأييد من قبل دول أقليمية وعالمية، لكن نفس النظام بعد أن ثبت أقدامه وفكّ العزلة الأقليمية والدولية عنه بسبب دوره الهمجي عام 1963، وحصل طفرة بانتاج النفط وتصديره، نكص ببيان آذار في إتفاقية الجزائر المشؤومة 6/آذار/1975 وتكالبت الدول الأقليمية (ايران على وجه الخصوص) والعظمى على الثورة الكوردية المسلحة وإستطاعت من إخمادها لبعض الوقت.
لم تمر على إنتكاسة الثورة الكوردية المسلحة أكثر من عام (أيار 1976) حتى ظهرت أكثر قوة وتنوعاً ، وولدت من رحم الانتكاسة فيما بعد أحزاب سياسية كوردستانية أخرى الى جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني الأم، قامت جميعها سوية مع قوى المعارضة العراقية من خلال جبهات بالنضال ضد النظام الديكتاتوري البعثي الى حين سقوطه في الناسع من نيسان 2003.
خلال عقدين من الزمن تقريباً (1976- 1991) كان شعار ( الحكم الذاتي ) أو (الحكم الذاتي الحقيقي) هو الشعار المرفوع من قبل غالبية الأحزاب الكوردستانية والعراقية المعارضة. إلاّ أن قيام حرب الخليج الثانية وما تمخض عنه من طرد جيوش النظام المحتل من دولة الكويت وقيام إنتفاضة جنوب العراق وكوردستان ربيع 1991 ضد النظام الصدامي البعثي والمسيرة المليونية للشعب الكوردستاني الى دول الجوار، غيّرت الموازين حيث صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (688) في 5/7/1991 بتشكيل المنطقة الآمنة في كوردستان وخلق وضعاً يجبر نظام بغداد أن يسحب ما تبقى من قواته ومؤسساته من كوردستان إعتقاداً منه أن ذلك يخلق ارباكاً للأحزاب الكوردستانية لا يتمكنون من إدارة المنطقة ويؤلبون الشعب عليهم، لكن جميع تلك الأحزاب المؤتلفة حينها في الجبهة الكوردستانية إستطاعت من تنظيم نفسها وملئ الفراغ الحاصل جراء سحب مؤسسات الدولة.
بعد أقل من عام  تم تشكيل أول برلمان كوردستاني (19/5/1992) وإنبعث منه تأسيس أول حكومة في 5/7/1992. وفي جلسته الثامنة الثلاثون بتاريخ 4/10/1992 إستناداً لأحكام الفقرة (2) من المادة /56 من القانون رقم (1) لسنة 1991 تم إقرار بيان ( الاتحاد الفيدرالي ) المقدم من هيئة رئاسة المجلس الوطني الكوردستاني- العراق. للتاريخ نقول أن الحزب الشيوعي العراقي كان سباقاً من بين قوى المعارضة العراقية في تغيير شعاره المتعلق بحق تقرير المصير للشعب الكوردي من (الحكم الذاتي الحقيقي) الى شعار (الفيدرالية) والاتحاد الاختياري بين الشعبين العربي والكوردي. أما بقية القوى المعارضة العراقية القومية والدينية فقد أقرت شعار الفيدرالية على مضض لأول مرة عام 1999 وتأكيدها في مؤتمر لندن 2002 لإعتبارات عديدة ، جلها تكتيكية أكثر من كونها استراتيجة ونابعة عن قناعة.

شعار الفيدرالية من أجندة أحزاب معارضة الى أجندة أحزاب حاكمة:

يقرأ رفع هذا الشعار وإقراره ضمن المادة (58) عهد إدرة الدولة المؤقت من جانبين، الأول الجانب الكوردستاني باعتباره نتاج نضال عقود من السنين ودماء آلاف الشهداء ، وعصارة تحمل شعب أنواع الاضطهاد والحرمان ومحو ثقافته القومية وسجنه وتدمير قراه وانفلته وإبادته بشكل منظم " الجينوسايد" واستخدام الغازات السامة ضده...الخ. أما الطرف الثاني العربي بشقيه (السنّي والشيعي) فقد قبل بالشعار الفيدرالي قبل سقوط النظام على مضض، كما تمت الاشارة اليه، لإعتبارات تكتيكية وإعتقاداً منهم أنه ليس من السهولة إسقاط النظام وبالسرعة التي لم يتوقعها الجميع. أما قبولهم به ( شعار الفيدرالية ) بعد سقوط النظام وهم في سدة الحكم فأن له بإعتقادي عدة أسباب، من ضمنها: قوة وتماسك وإصرار الطرف الكوردستاني ومشاركته الفعلية مع قوات التحالف لإسقاط النظام وتحرير العراق من براثنه، وإثبات الشعب الكوردستاني وقيادته منذ (1991-2003) قدرته وأهليته على قيادة نفسه وتطوير مناطقته وحماية أمنه. ومن العوامل المساعدة المهمة التي ساعدت الشعب الكوردستاني لتثبيت المادة (58) كانت في فترة تتسم بإنهيار جميع مؤسسات الدولة والجيش وقوات الأمن وإنتشار الفوضى والفلتان الأمني وظهورعصابات المافيا في كل مكان، مما فرض على الأطراف السياسية العربية (الشيعية والسنية) ، وربما بول بريمر المسؤول الأمريكي آنذاك، إدخال المادة (58) المتعلق بفيدرالية المناطق الكوردستانية المتنازع عليها في قانون إدارة الدولة المؤقت، وإلا كانت كل العملية السياسية تفشل وتعم الفوضى العراق أكثر. إنتقلت هذه المادة فيما بعد الى الدستور العراقي الدئم تحت المادة (140) ، ذلك الدستور الذي صوت عليه 80% من العراقيين.
لقد تم وضع آلية لتطبيق تلك المادة بحيث تمر عبر ثلاث مراحل:
الأولى/ التطبيع؛ الثانية/ الإحصاء؛ الثالثة/ الإستفتاء.
تعتبر تثبيت هذه المادة في الدستور العراقي الدائم وإقراره من قبل 80% خطوة متقدمة عن (الحكم الذاتي) ومكسب سياسي ودستوري كبير للشعب الكوردستاني، لكنه في عين الوقت أقل من وعد إتفاقية سيفر (الدولة الكوردية المستقلة)

موقف الحكومة المركزية من تطبيق المادة 140:

ورغم تشكيل أكثر من ثلاثة لجان من قبل الحكومة المركزية الاتحادية لمتابعة وتطبيق المادة 140 (58 سابقاً)، إلاّ أن تلك اللجان لم تقم بخطوات عملية ، ولم تطبق شيئاً على أرض الواقع ، ولم تقدم لها الحكومة الدعم المالي. الغالبية العظمى من أصحاب القرار من العرب بشقيه السنّي والشيعي في الحكومة الاتحادية – ماعدا اليسار وبعض الشخصيات العربية غير العنصرية- كانوا في الواقع العملي معارضين لتطبيق المادة ويضعون العراقيل في طريقها، ويقومون بالمناورة تحت حجج واهية.
لم يقدم رئيس الوزراء العراقي د. أياد علاوي في الحكومة الأولى، ولا رئيس الوزراء اللاحق د. إبراهيم الجعفري من قائمة الإئتلاف على تحقيق شئ يذكر على طريق البدء بتطبيق هذه المادة. لا بل كشف الجعفري القناع عن وجهه كونه من أعداء الفيدرالية وتطبيق المادة 140 حتى أنه أثناء قسمه الوزاري أمام البرلمان أسقط لفظة ( العراق الفيدرالي) عمداً، إنتبه الجانب الكوردي الى اللعبة الخبيثة واعترض على صيغة قسمه مما إضطر الجعفري فيما بعد أن يعيد القسم خوف من أن يسحب التحالف الكوردستاني الثقة منه ومن الحكومة التي سوف يشكلها. وجاءت تصريحاته ولقاءاته وزيارته الى تركيا أواخر فترة حكمه لتؤكد على عمق معاداته للفيدرالية الكوردستانية وتطبيق المادة المتعلق بها تحت حجج واهية.

* المقال ذات صلة - الحلقة الثانية -







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2836